الصوم

اشارة

عنوان و نام پديدآور : ... الصوم/حسینعلی المنتظری

مشخصات نشر : قم: ارغوان دانش، 1386ش.

مشخصات ظاهری : 367ص.

وضعیت فهرست نویسی : در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت)

شماره کتابشناسی ملی : 1197617

المقدّمة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّٰه رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيّدنا و نبيّنا

محمّد و آله الطيّبين المعصومين عليهم السلام و اللعن على أعدائهم أجمعين.

هذه المجموعة التي بين أيديكم هي حصيلة المحاضرات التي ألقيتها على جمع من الطلاب و الفضلاء في الحوزة العلمية في قم المشرّفة، قبل أربعين سنة، تحتوي على القسم الأعظم من مسائل الصوم. و كان مسلكي في البحوث الفقهية غالباً جعل متن «العروة الوثقى» محوراً للبحث، ثمّ ذكر الروايات و نقل كلمات الأكابر من الفقهاء و نقدها و إبرامها، ثمّ اختيار ما كان يخطر بالبال.

و بما أنّ حين التصدّي لهذا البحث واجهت مع مزاحمات كثيرة من قبل أجهزة الأمن (الساواك) و الاعتقالات المكرّرة و نفي البلد و غير ذلك من المضايقات، هذه الامور سبّبت عدم التوفيق لإكمال البحث. و لذا لم أتصدّ حتّى الآن لطبعها و نشرها.

إلّا أنّه قد أصرّ بعض الأصدقاء من الفضلاء الذين لاحظوا هذه المجموعة المخطوطة على طبعها و نشرها. مع أنّي كنت شائقاً لإعادة النظر فيها مجدّداً، لكنّه مع الأسف كثرة المراجعات، و ضعف الحال منعاني من ذلك. فمن باب «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه»، عزمت على طبعها بلا مراجعة و تقديمها إلى أهل التحقيق و التتبّع، و أرجو أن تكون مفيدة لهم و ذُخراً لآخرتي.

ربيع الاول 1428- فروردين 1386

قم المقدّسة- حسين علي المنتظري

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 11

كتاب الصوم

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 13

كتاب الصوم

[في تعريفه و أنواعه و وجوبه و كفر منكره]

و هو الإمساك (1) عمّا يأتي من المفطرات بقصد القربة، و ينقسم إلى الواجب و المندوب و الحرام و المكروه بمعنى قلّة الثواب. (2) و الواجب منه ثمانية: صوم شهر رمضان، وصوم القضاء، وصوم الكفّارة على

كثرتها، وصوم بدل الهدي في الحجّ، وصوم النذر (3) و العهد و اليمين، وصوم الإجارة و نحوها كالمشروط في ضمن العقد، وصوم الثالث من أيّام الاعتكاف، وصوم الولد الأكبر عن أحد أبويه،

______________________________

(1) الاولى أن يقال: هو إمساك خاصّ عمّا يأتي من المفطرات.

(2) أو المزاحمة بما هو أفضل منه كما في كلّ مورد يترجّح تركه على فعله كصوم العاشور.

(3) ربما يقال: إنّ الواجب في مثله عنوان الوفاء لا ذات المنذور من حيث هي، و لكن في رواية الزهري الطويلة الواردة في «الفقيه» «1» في عدّ أقسام الصوم، عدّ في أقسام الواجب منه صوم النذر فقال عليه السلام: «وصوم النذر واجب».

______________________________

(1) الفقيه 2: 46- 48/ 208.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 14

و وجوبه في شهر رمضان من ضروريات الدين، و منكره مرتدّ (4)

______________________________

(4) و هل إنكار الضروري سبب مستقلّ للكفر فيوجب ترتيب آثاره و إن كان لشبهة أو لا، بل لرجوعه إلى إنكار الرسالة قلباً أو جحوداً فلا يوجبه إن كان لشبهة؟

وجهان. و ربما يظهر من «الجواهر» و «مفتاح الكرامة»، «1» بل ممّا نقله فيه عن استاذه كاشف الغطاء «2» نسبة الأوّل إلى ظاهر الأصحاب.

أقول: لا يتوهّم ثبوت إجماع أو شهرة من القدماء في المسألة، إذ ليست المسألة معنونة في كلماتهم أصلًا. و أوّل من يرى منه تحديد الكافر و ذكر منكر الضروري من أفراده من أصحابنا ابن زهرة في «الغنية» و بعده المحقّق و العلّامة، قال في «الغنية»: «فصل في الردّة، متى أظهر المرء الكفر باللّٰه تعالى أو برسوله صلى الله عليه و آله و سلم أو الجحد بما يعمّ فرضه و العلم به من دينه صلى الله عليه و آله و سلم كوجوب الصلاة أو الزكاة

أو ما يجري مجرى ذلك بعد إظهار التصديق به كان مرتدّاً». «3»

و قال في «الشرائع»: «الكافر؛ و ضابطه كلّ من خرج عن الإسلام أو من انتحله و جحد ما يعلم من الدين ضرورة كالخوارج و الغلاة». «4»

و عن «التحرير»: «الكافر نجس، و هو كلّ من جحد ما يعلم ثبوته من الدين ضرورة، سواء كانوا حربيّين أو أهل كتاب أو مرتدّين و كذا الناصب و الغلاة و الخوارج». «5»

______________________________

(1) جواهر الكلام 6: 46؛ مفتاح الكرامة 2: 38.

(2) كشف الغطاء 4: 41.

(3) غنية النزوع 1: 380.

(4) شرائع الإسلام 1: 53.

(5) تحرير الأحكام 1: 158.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 15

..........

______________________________

و في «المعتبر» في باب الصوم: «من أفطر مستحلًا فهو مرتدّ إن كان ممّن عرف قواعد الإسلام». «1»

و كيف كان: فليست المسألة معنونة في كلمات القدماء من أصحابنا أصلًا و لا يوجد في أخبارنا المروية أيضاً كلمة «الضروري» و «إنّ منكره كافر» حتّى يبحث عن كونه سبباً مستقلًاّ أو لا.

و لعلّ تعبيرهم ب «الضروري» مع عدم وجوده لا في الأخبار و لا في كلمات القدماء من الأصحاب للتنبيه على ما به يعلم غالباً كون المنكِر (بالكسر) عالماً بكون المنكَر (بالفتح) ممّا جاء به النبي صلى الله عليه و آله و سلم؛ حيث إنّ تكفيرنا للمنكِر متوقّف على علمنا بعلمه المذكور، سواء نشأ علمنا به من الخارج أو من جهة إقراره أو من جهة كون المنكَر (بالفتح) ضرورياً لا يخفى على مثل هذا الشخص الناشئ بين المسلمين.

و بالجملة: فضرورية كونه من الإسلام أمارة على علم المنكر بكونه من أحكامه، فيرجع إنكاره إلى إنكار الإسلام و لو ببعضه قلباً أو جحوداً فقط.

و ربما يقال: إنّ التعبير ب «الضروري» لبيان لزوم كون

المسألة ممّا يعرفه جميع الفرق و المذاهب الإسلامية، لا ممّا يقرّ به بعض دون بعض، و على أيّ حال فالمرجع و المحكّم هي أخبار المسألة و هي كثيرة، فراجع رواية عبد الرحيم القصير «2» و أبي الصباح «3» و الرقي «4» و موسى بن بكير «5» و محمّد بن

______________________________

(1) المعتبر 2: 681.

(2) الكافي 2: 27/ 1؛ وسائل الشيعة 28: 354، كتاب الحدود، أبواب حدّ المرتد، الباب 10، الحديث 50.

(3) الكافي 2: 33/ 2؛ وسائل الشيعة 1: 34، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث 13.

(4) الكافي 2: 383/ 1؛ وسائل الشيعة 1: 30، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث 2.

(5) الكافي 2: 385/ 6.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 16

..........

______________________________

مسلم «1» و الزبيري «2» و زرارة «3» و بريد «4» و الخراساني «5» و محمّد بن مسلم «6» و سليم بن قيس «7» و مسعدة «8» و عبد اللّٰه بن سنان «9».

فقوله عليه السلام في رواية سليم بن قيس: «و أدنى ما يكون به العبد كافراً من زعم أنّ شيئاً نهى اللّٰه عنه أنّ اللّٰه أمر به، و نصبه ديناً يتولّى عليه، و يزعم أنّه يعبد الذي أمره به و إنّما يعبد الشيطان ...» هل يراد بقوله: «شيئاً نهى اللّٰه عنه» شي ء نهى اللّٰه عنه في متن الواقع مطلقاً كما لعلّه الظاهر، أو شي ء نهى اللّٰه عنه بحسب علم هذا الشخص، أو شي ء نهى اللّٰه عنه بحسب علم المسلمين نوعاً و إن كان هذا الشخص في شبهة بالنسبة إليه؛ وجوه، لا يمكن الالتزام بالوجه الأوّل، إذ يلزم منه كفر منكر الحرام مطلقاً- صغيرة كانت أو كبيرة، عالماً كان أو جاهلًا، مقصّراً أو قاصراً، بل و إن

كان مجتهداً مخطئاً- و الثالث خلاف الظاهر فيبقى الوجه الثاني. و لازمه رجوع الإنكار إلى إنكار الرسالة ببعضها فليس سبباً مستقلًاّ. و لا يغرّنّك كلمة «الزعم»، إذ ليس

______________________________

(1) الكافي 2: 387/ 15.

(2) الكافي 2: 389/ 1؛ وسائل الشيعة 1: 32، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث 9.

(3) الكافي 2: 388/ 19؛ المحاسن 1: 216/ 103.

(4) الكافي 2: 397/ 1.

(5) الكافي 2: 399/ 2؛ مستدرك الوسائل 11: 177، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 4، الحديث 18.

(6) الكافي 2: 399/ 3؛ وسائل الشيعة 28: 356، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 10، الحديث 56.

(7) الكافي 2: 414/ 1.

(8) الكافي 2: 280/ 10؛ وسائل الشيعة 15: 324، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 46، الحديث 13.

(9) الكافي 2: 285/ 23؛ وسائل الشيعة 1: 33، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث 10.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 17

..........

______________________________

معناه الظنّ، بل حكاية قول يكون مظنّة للكذب كما قال الراغب و غيره.

قال الراغب: «الزعم، حكاية قول يكون مظنّة للكذب، و لهذا جاء في القرآن في كلّ موضع ذمّ القائلون به ...» «1» و في «المنجد»: «زَعَم زَعماً و زِعماً و زُعماً و مزعماً: قال قولًا حقّا أو باطلًا. و أكثر ما يقال فيما يشكّ فيه أو يعتقد كذبه، و من عادتهم أنّ من قال كلاماً و كان عندهم كاذباً يقولون فيه: زعم فلان». «2»

و لو قيل: بأنّ الظاهر هو الوجه الأوّل، و مثل القاصر و المجتهد المخطئ خارج بالانصراف، كان لازمه كفر المنكر للحرام و إن كان صغيرة و لم تكن ضرورية، و الالتزام به أيضاً مشكل، و بالجملة: فعليك بالدقّة في مفاد الأخبار و

اخرج من قيد كلمات الأصحاب و تعبيرهم بلفظ الضروري و نحوه.

و أمّا ما قيل: من أنّ تمثيلهم لمنكر الضروري بمثل النواصب و الخوارج و الغلاة يدلّ على كون منكره كافراً مطلقاً.

ففيه: أنّ التمثيل في كلمات بعض المتأخّرين المتعرّضين للمسألة، و أمّا القدماء فقد عرفت عدم تعرّضهم للمسألة و لا نسلّم أنّ كفر الفرق الثلاثة لذلك، بل لعلّه لكون الغلوّ موجباً للشرك، و كون المودّة لذوي القربى أيضاً مثل التوحيد و الرسالة في اعتبار التديّن بها في الإسلام، و لعلّ مثله المعاد أيضاً، و هذا بخلاف مثل الصلاة و الصوم و نحوهما من الأحكام العملية التي لا يطلب فيها أوّلًا إلّا العمل لا الاعتقاد و التديّن. نعم، يجب التديّن بها إجمالًا في ضمن التديّن بالرسالة فإنّ التديّن بالرسالة بما هي رسالة لا يعني به إلّا التديّن و الاعتقاد بصدقه فيما جاء به من اللّٰه

______________________________

(1) المفردات في غريب القرآن: 380.

(2) المنجد: 299.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 18

يجب قتله (5) و من أفطر فيه لا مستحلًا عالماً عامداً يعزّر بخمسة و عشرين (6) سوطاً، فإن عاد عزّر ثانياً، فإن عاد قتل على الأقوى

______________________________

و أنّه «إِنْ هُوَ إِلّٰا وَحْيٌ يُوحىٰ»، «1» فتدبّر. و محلّ بحث المسألة كتاب الطهارة و إنّما أشرنا إليها هنا استطراداً.

(5) إن كان رجلًا و ولد على فطرة الإسلام و أمّا المرأة فتحبس و تضرب في أوقات الصلوات، و أمّا الملّي فلا يقتل إلّا بعد أن يستتاب فلا يتوب أو تكرّر منه ذلك فيقتل في الثالثة أو الرابعة.

(6) لم يثبت هذا التقدير في غير الجماع، بل المستفاد من إطلاق صحيحة بريد «2» أنّ ذلك إلى الإمام، و روي في «المستدرك» ثلاث روايات يستفاد من الاوليين

أنّ علياً عليه السلام ضرب تسعة و ثلاثين، «3» و من الثالثة أنّه عليه السلام ضرب النجاشي عشرين، «4» فراجع.

و أمّا في الجماع فيدلّ على التقدير المذكور خبر المفضّل «5» و ضعف سنده لو تمّ، يجبر بالعمل، حيث إنّ الرواية مشتملة على هذا الحكم، و على تحمّل الرجل لكفّارة المرأة إذا كانت مكرهة، و الحكم الثاني مع مخالفته للقاعدة أفتى به المشهور

______________________________

(1) النجم (53): 4.

(2) الكافي 4: 103/ 5؛ وسائل الشيعة 10: 248، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 2، الحديث 1.

(3) مستدرك الوسائل 7: 401، كتاب الصيام، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 2، الحديث 1 و 2.

(4) مستدرك الوسائل 7: 401، كتاب الصيام، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 2، الحديث 3.

(5) الكافي 4: 103/ 9؛ وسائل الشيعة 10: 56، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 12، الحديث 1.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 19

..........

______________________________

من القدماء في كتبهم المعدّة لنقل المسائل المتلقّاة عنهم عليهم السلام، و لا يوجد به حديث سوى هذه الرواية، بل أفتى كثير منهم بالحكم الأوّل أيضاً، فراجع صوم «النهاية» و الحدود منها «1» وصوم «المقنعة» «2» و «الخلاف» «3» و «المختلف» «4» و «الوسيلة» «5» لابن حمزة و غير ذلك.

و في «الفقيه» بعد نقل رواية المفضّل قال: «قال مصنّف هذا الكتاب: لم أجد ذلك في شي ء من الاصول و إنّما تفرّد بروايته علي بن إبراهيم بن هاشم» «6» و لعلّه سهو حيث لا يوجد علي بن إبراهيم في سند الحديث، فراجع.

و في «المعتبر» بعد ما روى الحديث بسنده قال: «و إبراهيم بن إسحاق هذا ضعيف متّهم و المفضّل بن عمر ضعيف جدّاً، كما ذكر النجاشي، و قال ابن

بابويه:

لم يرو هذه غير المفضّل، فإذن الرواية في غاية الضعف، لكن علماؤنا ادّعوا على ذلك إجماع الإمامية و مع ظهور القول بها و نسبة الفتوى إلى الأئمّة عليهم السلام يجب العمل بها، و يعلم (و لنا:) نسبة الفتوى إلى الأئمّة عليهم السلام باشتهارها بين ناقلي مذهبهم كما يعلم أقوال أرباب المذاهب بنقل اتباعهم مذاهبهم و إن استندت في الأصل إلى الآحاد من الضعفاء و المجاهيل». «7»

______________________________

(1) النهاية: 155 و 730.

(2) المقنعة: 347.

(3) الخلاف 2: 182، المسألة 26.

(4) مختلف الشيعة 3: 296- 297، المسألة 48.

(5) الوسيلة: 146.

(6) الفقيه 2: 73، ذيل الحديث 313.

(7) المعتبر 2: 681.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 20

و إن كان الأحوط قتله في الرابعة، (7) و إنّما يقتل في الثالثة أو الرابعة إذا عزّر في كلّ من المرّتين أو الثلاث و إذا ادّعى شبهة محتملة في حقّه درئ عنه الحدّ.

______________________________

(7) كونه أحوط غير ظاهر بعد ما دلّت موثّقة سماعة «1» و خبر أبي بصير «2» على وجوب قتله في الثالثة، و لا يوجد لهما في باب الصوم معارض، و كيف يكون تأخير حدّ إلهي و تعطيله مع ثبوته بالحجّة الشرعية مطابقاً للاحتياط؟

______________________________

(1) الكافي 4: 103/ 6؛ الفقيه 2: 73/ 315؛ تهذيب الأحكام 4: 207/ 598؛ وسائل الشيعة 10: 249، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 2، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 10: 141/ 557؛ وسائل الشيعة 10: 249، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 2، ذيل الحديث 2.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 21

[فصل: في النيّة]

اشارة

فصل: في النيّة

يجب في الصوم القصد إليه (1)

______________________________

(1) هاهنا مسائل أربع:

الاولى: اعتبار القصد و الإرادة.

الثانية: اعتبار انبعاثه عن داعٍ إلهي.

الثالثة: اعتبار قصد العنوان المأخوذ في الأمر.

الرابعة: اعتبار قصد الوجه

وصفاً أو غاية.

اعتبار القصد و الإرادة

أمّا المسألة الاولى: فلا يخفى أنّ المسقط للأمر في التوصّليات هو حصول ذات المأمور به و إن لم يكن عن اختيار و إرادة، بل و إن كان بفعل الغير أو بانتفاء موضوعه و أمّا في التعبّديات فيعتبر صدور الفعل عن المأمور بإرادته و اختياره، نظير سائر الأفعال الصادرة عن الناس باختيارهم؛ حيث يوجد في نفس الفاعل تصوّر الفعل و التصديق بملائمته و الميل و الشوق فيتأكّد فيصمّم على الفعل فيوجده، و هذا هو

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 22

..........

______________________________

معنى النيّة. فالنيّة ليست عبارة عن إخطار صورة الفعل، بل يراد بها الإرادة. نعم، ما لم يخطر صورته بباله أوّلًا و لم يصدّق بفائدته و ملاءمته و لم يحصل الميل و سائر مبادئ الإرادة لم يحصل الإرادة. و ما يوجد بسببه الفعل الاختياري و يكون علّة لتحقّقه هو ذات الإرادة لا العلم بها و الالتفات إليها، فالمعتبر تحقّقها في باطن النفس و إن لم يتوجّه إليها، و هذا المعنى يوجد من أوّل الفعل إلى آخره فيما إذا كان أمراً تدريجياً، كما هو واضح لمن تدبّر في أنحاء حركاته الصادرة عنه.

و كيف كان: فالنيّة بهذا المعنى تعتبر في الأفعال العبادية، بلا تفاوت بين أوّل الفعل و وسطه و آخره فالموجود في وسط الفعل أيضاً هو نفس النيّة و الإرادة لا حكمها.

و الدليل على اعتبارها في العبادات ما دلّ على اعتبار القربة فيها؛ حيث إنّ معنى القربة هو أن يكون داعي الإنسان نحو الفعل أمراً قربيّاً إلهيّاً، فيعلم من ذلك أنّه يعتبر في العبادة أن يوجد الفعل باختيار الإنسان و إرادته، و أن يكون الباعث لإرادته من الدواعي الإلهيّة، و ليس معنى القربة هو إخطار صورة

التقرّب في النفس بأن تكون أمراً تصوّرياً و يكون تصوّره معتبراً، بل المراد منها ما ذكرنا من كون إحدى الدواعي الإلهيّة باعثة له نحو الفعل و ينبعث منها إرادته له.

و بالجملة: فنفس كون عمل عبادياً يكفي في الدلالة على اعتبار النيّة فيها.

نعم، للصوم خصوصية و هي: أنّه لا يعتبر فيها كون مجموع التروك مستندة إلى الاختيار المنبعث عن الدواعي الإلهيّة؛ حيث إنّه قد يتحقّق بعض التروك لعدم الميل أو عدم التمكّن أو نحو ذلك، فالمعتبر فيه ليس إلّا كون الداعي الإلهي أيضاً باعثاً مستقلًاّ على الترك، بحيث لو تمكّن من إيجاد المفطر و وافقه طبعه أيضاً

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 23

..........

______________________________

كفى الداعي الإلهي في بعثه إلى الترك.

و كيف كان: فالصوم من العبادات إجماعاً، و بذلك يستفاد اعتبار النيّة فيها قطعاً، و ربما يستدلّ لاعتبارها أيضاً بقوله صلى الله عليه و آله و سلم: «لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل»، «1» أو «من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له»؛ «2» على ما رواه العامّة عنه صلى الله عليه و آله و سلم.

و ربما يستشكل في دلالة الرواية على فرض اعتبارها بأنّ المراد منها اعتبار تحقّق الإمساك من الليل قبل الفجر لا اعتبار النيّة.

و فيه: أنّ المراد بالإجماع ليس إلّا النيّة المعبّر عنها في كلامنا بالإرادة المفسّرة بالحالة الإجماعية، فتأمّل.

و بالجملة: فاعتبار النيّة في الصوم ممّا اتّفق عليه الفريقان. و ما نسب إلى زفر و مجاهد «3» من عدم اعتبارها في صوم رمضان إذا تعيّن كما في الحاضر الصحيح محمول على عدم اعتبار قصد العنوان و التعيين كما سيجي ء في المسألة الثالثة.

و ربما يستدلّ على اعتبار النيّة في الصوم و في غيره

أيضاً بقوله صلى الله عليه و آله و سلم:

«إنّما الأعمال بالنيّات و لكلّ امرئٍ ما نوى»، «4» و قول علي بن الحسين عليهما السلام:

______________________________

(1) كنز العمال 8: 493/ 23791؛ عوالي اللآلي 3: 132/ 5؛ مستدرك الوسائل 7: 316، كتاب الصيام، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 2، الحديث 1.

(2) سنن الترمذي 2: 117/ 726؛ سنن أبي داود 1: 745/ 2454؛ كنز العمال 8: 493/ 23790؛ عوالي اللآلي 3: 133/ 6؛ مستدرك الوسائل 7: 316، كتاب الصيام، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 2، ذيل الحديث 1.

(3) المجموع 6: 300 و راجع: الخلاف 2: 162، المسألة 2.

(4) تهذيب الأحكام 4: 186/ 519؛ وسائل الشيعة 10: 13، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 2، الحديث 12؛ 6: 5، كتاب الصلاة، أبواب النيّة، الباب 1، الحديث 1 و 4.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 24

..........

______________________________

«لا عمل إلّا بنيّته». «1»

أقول: في «صحيح مسلم» قال: حدّثنا عبد اللّه بن مسلمة بن قعنب، حدّثنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمّد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقّاص، عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم: «إنّما الأعمال بالنيّة و إنّما لامرئٍ ما نوى فمن كانت هجرته إلى اللّٰه و رسوله فهجرته إلى اللّٰه و رسوله، و من كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوّجها فهجرته إلى ما هاجر إليه». «2»

و نحوه رواية محمّد بن الحسن، عن جماعة، عن أبي المفضّل، عن أحمد بن إسحاق بن العبّاس الموسوي، عن أبيه، عن إسماعيل بن محمّد بن إسحاق بن محمّد قال: حدّثني علي بن جعفر بن محمّد و علي بن موسى بن جعفر هذا عن أخيه،

و هذا عن أبيه موسى بن جعفر عليهما السلام، عن آبائه عن رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم في حديث قال: «إنّما الأعمال بالنيّات و لكلّ امرئٍ ما نوى، فمن غزا ابتغاء ما عند اللّٰه فقد وقع أجره على اللّٰه عزّ و جلّ و من غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالًا لم يكن له إلّا ما نوى». «3»

و لا يخفى: أنّ الخبر مع هذا الذيل لا دلالة له على المدّعى؛ حيث يدلّ على أنّ ترتّب الأجر و الثواب على العمل تابع لما قصده منه العامل و لا ربط له بباب الصحّة و سقوط الأمر.

و أمّا قوله عليه السلام: «لا عمل إلّا بنيّة» فإنّه و إن رواه مفرداً الكليني في «الكافي» عن

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 186/ 520؛ وسائل الشيعة 10: 13، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 2، الحديث 13.

(2) صحيح مسلم 4: 164، الباب 45، الحديث 1907.

(3) وسائل الشيعة 1: 48- 49، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 5، الحديث 10.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 25

..........

______________________________

أبي حمزة «1» إلّا أنّه وقع هذه الجملة في عداد جمل اخر في عدّة روايات، و بملاحظتها يظهر عدم دلالتها أيضاً على المدّعى، فراجع «التهذيب» «2» و «الوافي» «3» و «الوسائل». «4»

اعتبار قصد القربة في الصوم

المسألة الثانية: في اعتبار القربة في الصوم، و كونه عن داعٍ إلهي و يدلّ عليه الإجماع و الضرورة.

و ربما يستدلّ على التعبّدية في كلّ ما شكّ في كونه كذلك بقوله عزّ و جلّ في سورة الليل: «وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى* الَّذِي يُؤْتِي مٰالَهُ يَتَزَكّٰى* وَ مٰا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزىٰ إِلَّا ابْتِغٰاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلىٰ». «5»

استدلّ بذلك في «الخلاف» «6» و «المعتبر»، «7»

قال في «الخلاف»: «فنفي المجازاة على كلّ نعمة إلّا ما يبتغي بها وجهه، و الابتقاء بها وجهه هو النيّة».

أقول: الظاهر من «الخلاف» إرجاع الضمير في «عنده» إلى اللّٰه تعالى فيصير المراد ما لأحد عند اللّٰه من هيئة حسنة يجزيه اللّٰه بها إلّا ابتغاء وجه الربّ. و هذا اشتباه جدّاً؛ إذ الضمير يرجع إلى «الأتقى»، و يكون المراد: سيجنّب النار الأتقى

______________________________

(1) الكافي 2: 84/ 1.

(2) تهذيب الأحكام 4: 186.

(3) الوافي 4: 361- 371، باب نيّة العبادة.

(4) وسائل الشيعة 1: 46، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 5.

(5) الليل (92): 17- 20.

(6) الخلاف 2: 162، المسألة 2.

(7) المعتبر 2: 643.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 26

..........

______________________________

الذي يؤتى ماله ليتزكّى و لا يكون إعطاؤه للمال للتلافي بأن يكون لأحد عنده نعمة فيعوّضها به، و لكن يعطيه ابتغاء وجه اللّٰه تعالى فالاستثناء منقطع، و لا تدلّ الآية على اعتبار القربة في الواجبات أصلًا، و لو سلّم رجوع الضمير إلى اللّٰه تعالى كما هو الظاهر من كلام الشيخ «1» أيضاً فلا تدلّ أيضاً إلّا على توقّف الأجر و الثواب على القربة، لا توقّف الصحّة عليها، فتدبّر.

و استدلّ على التعبّدية أيضاً بقوله تعالى في سورة البيّنة: «وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ». «2»

بتقريب: أنّ اللام إن كانت للغاية دلّت على أنّ غاية أوامر اللّٰه لأهل الكتاب كانت منحصرة في التقرّب و الإخلاص، و إن كانت للصلة أو بمعنى «إن» كما في قوله:

«أُمِرْنٰا لِنُسْلِمَ» «3» و «يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا» «4» و نحو ذلك كما هو الظاهر. و يشهد له عطف قوله: «وَ يُقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ يُؤْتُوا الزَّكٰاةَ» «5» حيث لا معنى لجعلهما غايتين لجميع الأوامر كما لا يخفى دلّت أيضاً على أنّهم

امروا بإتيان جميع الواجبات بقصد القربة و الإخلاص، هذا.

و لكنّ الظاهر أنّ المراد بالآية كونهم مأمورين بالتوحيد و إخلاص العبادة للّٰه تعالى في مقابل الإشراك، فمساقها مساق قوله تعالى: «قُلْ يٰا أَهْلَ الْكِتٰابِ تَعٰالَوْا إِلىٰ كَلِمَةٍ سَوٰاءٍ بَيْنَنٰا وَ بَيْنَكُمْ أَلّٰا نَعْبُدَ إِلَّا اللّٰهَ وَ لٰا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَ لٰا يَتَّخِذَ بَعْضُنٰا بَعْضاً أَرْبٰاباً

______________________________

(1) الخلاف 2: 162، المسألة 2.

(2) البيّنة (98): 5.

(3) الأنعام (6): 71.

(4) الصف (61): 8.

(5) البيّنة (98): 5.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 27

..........

______________________________

مِنْ دُونِ اللّٰهِ» «1» و لا مساس للآية بباب الواجبات، و أنّ اللازم فيها النيّة و التقرّب، و قد أشار بما ذكرنا الجصّاص أيضاً في تفسير الآية الشريفة، فراجع. «2»

و ربما يستدلّ على التعبّدية أيضاً بأنّ العقل مستقلّ بلزوم إطاعة المولى و الامتثال لأوامره و أنّ له استحقاق الايتمار من قبل المأمور كما أنّ له سلطان الأمر.

و بالجملة: فهذا المعنى الذي يعبّر عنه بالفارسية ب «فرمان بردن» و «حرف شنيدن» ثابت للمولى بحكم العقل، فيصحّ له الاعتراض على المأمور إذا أتى بالفعل لداعٍ نفسي أو لأمر غيره، هذا.

و يرد عليه: أنّ ما يحكم العقل بلزومه هو الإطاعة بمعنى الإتيان بنفس ما تعلّق به الأمر، لا جعل خصوص الأمر داعياً و محرّكاً فتدبّر. و كيف كان: فالصوم أمر عبادي قطعاً و لا يعتبر في العبادة إلّا إتيانه منتسباً إلى المولى و بداعٍ إلهي بحيث لا ينضمّ إليه الدواعي النفسانية و الشهوانية، و أمّا خصوص قصد الأمر فلا دليل على اعتباره فلو كان هذا الشخص محبّاً للمولى، عارفاً به و بكماله و من أحبّ أحداً أحبّ محبوبه ثمّ حصل له العلم و لو بطريق الأمر أنّ الصوم محبوب للمولى فأتى به

لحبّه له، صدق على فعله العبادة و كفى ذلك قطعاً، فتدبّر.

و لو سلّم اعتبار خصوص قصد الأمر فاللازم إتيان الفعل بداعي الأمر؛ بحيث يكون تصوّر أمر المولى محرّكاً له لا بداعي أمره الخاصّ فلو فرض محرّكية أمر نحو غير ما تعلّق به كفى ذلك أيضاً في عبادية هذا الفعل، و سيأتي لذلك مزيد توضيح في بعض المسائل الآتية.

______________________________

(1) آل عمران (3): 64.

(2) أحكام القرآن، الجصّاص 2: 15.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 28

هل يعتبر قصد العنوان؟

______________________________

المسألة الثالثة: المستفاد من كلمات الشيخ رحمه الله و الهمداني رحمه الله في مبحث الوضوء و في باب الصوم «1» هو: أنّ امتثال الأمر يتوقّف على تصوّر ماهية المأمور به بجميع قيوده التي اعتبرها المولى فيه، فإذا فرض الأمر بالمقيّد و تصوّر الفاعل حين الفعل الحيثية المطلقة أو المقيّدة بقيد آخر و أتى بها بداعي الأمر لم يكف ذلك في الامتثال و إن فرض تحقّق المأمور به بقيده، فلو قال: جئني برجل طبيب و توهّم المكلّف كون المأمور به الإتيان بطبيعة الرجل أو الرجل المهندس مثلًا فأتى برجل بداعي أمر المولى و تقرّباً إليه ثمّ اتّفق كون المأتي به طبيباً لم يجز ذلك.

و بالجملة: فالمستفاد منهما أنّ امتثال الأمر يتوقّف على قصد عنوان المأمور به بجميع قيوده، فقصد العنوان معتبر في عرض قصد الامتثال، من غير فرق بين تعدّد الطلب و وحدته فإنّ المحوج إلى قصد العنوان ليس تمييز الطلب عن غيره، بل تمييز ماهية المأمور به عن غيرها من الماهيات، لتوقّف الامتثال عليه.

نعم، يكفي التمييز الإجمالي بأن ينوي ما في ذمّته فعلًا إذا كان واحداً أو ما اشتغلت ذمّته به أوّلًا إذا كان متعدّداً.

أقول: إن كان المأمور به من العناوين القصدية أي

الامور الاعتبارية التي قوامها و نفس أمريّتها بالاعتبار و القصد فالقصد معتبر جزماً، لا لتوقّف العبادية، و صدق عنوان الإطاعة و الامتثال عليه، بل لأنّ الماهية التي أمر بها لا توجد إلّا بالقصد، من غير فرق بين التعبّديات و التوصّليات، بل و لو لم تكن الماهية مأموراً بها، فإنّه إذا

______________________________

(1) كتاب الطهارة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 2: 27 و كتاب الصوم 12: 102؛ مصباح الفقيه 2: 144 و 14: 297.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 29

..........

______________________________

أراد أحد تحقّقها لا بدّ له من قصد عناوينها، و ذلك كعناوين المعاملات و الإيقاعيات بأجمعها و كالتعظيم و الإهانة و كعناوين المركّبات الاعتبارية التي أوجبها الشارع، كالصلاة و الصوم و الحجّ و كعنوان النيابة و البدليّة و العوضيّة و القضاء و نحوها، و أمّا إذا لم يكن المأمور به من العناوين الاعتبارية القصدية، بل كان من الامور الواقعية التكوينية، بحيث لا يتوقّف في تحقّقها و نفس أمريّتها على الاعتبار و القصد كما في المثال الذي مرّ آنفاً فلا نسلّم توقّف صدق الامتثال و سقوط الأمر على قصد العنوان إلّا من باب المقدّمية، لوجودها غالباً فإذا قال المولى: جئني برجل طبيب، و كان العبد ممّن ارتكز في نفسه الدواعي الإلهيّة، و كان متهيّئاً لامتثال أوامر المولى، غاية الأمر أنّه لم يتوجّه إلى قيد الطبابة أو توهّم قيداً آخر فانبعث إلى تحصيل غرض المولى و لم يحرّكه نحو العمل إلّا الداعي الإلهي فأتى برجل تخيّله موافقاً لغرض المولى، ثمّ ظهر كونه طبيباً موافقاً لما أمر به المولى واقعاً، فكيف لا يسقط الأمر مع حصول المأمور به بجميع ما اعتبر فيه من القيود و لم يكن فيه داعٍ نفساني شهواني؟ بل كان

انبعاثه من قبل الدواعي الإلهيّة.

فإن قلت: لم يكن تحرّكه عن أمر المولى، بل عن أمر وهمي.

قلت: أوّلًا: الأمر بوجوده الخارجي لا يحرّك و إنّما يحرّك بوجوده العلمي و صورته العلمية، و المفروض تحرّك العبد بالصورة المرتسمة منه في ذهنه؛ غاية الأمر عدم مطابقة الصورة لذيها في جميع قيود المتعلّق، و لا دليل على اعتبار ذلك و المحكّم في باب الإطاعة و العصيان هو العقل و لا يحكم في المقام باعتباره.

و ثانياً: لا نسلّم في صدق العبادية و الإطاعة كون التحرّك نحو الفعل بخصوص أمره، بل يكفي في صدقهما كون التحرّك من ناحية تصوّر الأمر و إن كان وهميّاً بعد

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 30

..........

______________________________

ما خلص العمل من شوائب الشرك و الهواجس النفسانية.

و ثالثاً: لا يتوقّف صدقهما على تصوّر الأمر أصلًا، بل الملاك كون التحرّك عن داعٍ إلهي و ملكة رحمانية كقصد التعظيم و الشكر و الإتيان بمحبوب اللّٰه و نحو ذلك.

و بما ذكرنا يظهر أنّ ما يستفاد من الأخبار من صوم يوم الشكّ بنيّة شعبان و أنّه يجزي عن رمضان إذا تبيّن بعد ذلك كونه منه مطابق للقاعدة؛ حيث إنّ الفصل المميّز لصوم رمضان عن غيره من الصيام ليس إلّا وقوعه في زمان خاصّ يسمّى برمضان، و هو أمر تكويني لا اعتباري فلا يتوقّف على قصد العنوان، و الآتي به في يوم الشكّ أو يوم تخيّله من شعبان إنّما أتى به بداعي الأمر الوهمي الذي تخيّل وجوده متعلّقاً بصوم شعبان، فما أتى به مصداق لصوم رمضان واقعاً و إن لم يتوجّه إليه، و لم يأت به إلّا بقصد الأمر من دون رياء و سمعة، غاية الأمر أنّ أمر شعبان أمر وهمي بالنسبة إليه، و

ذلك لا يضرّ بعد ما تحقّق ذات المأمور به بجميع ما اعتبر فيه منتسباً إلى اللّٰه خالصاً لوجهه، فصحّ عن رمضان و صحّته على طبق القاعدة، فتدبّر.

فإن قلت: سلّمنا سقوط الأمر بإتيان ذات المأمور به بداعٍ إلهي و إن لم يقصد العنوان، و لكن لا نسلّم ترتّب الأجر و الثواب المترتّبين على العمل الخاصّ إلّا بعد الالتفات إلى عنوانه.

قلت: أوّلًا، أنّ الأجر و الثواب من آثار الحسن الفاعلي لا ذات الفعل.

و ثانياً: أنّ البحث هنا في صحّة الفعل و سقوط الأمر لا في ترتّب الأجر، هذا على فرض كون الأجر و الثواب استحقاقياً و إلّا فباب التفضّل واسع، و يمكن التفضّل بهما و لو مع عدم الالتفات إلى عنوان الفعل بعد ما تحقّق ذاته بداعٍ إلهي، و لعلّ ما في

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 31

..........

______________________________

بعض روايات صوم يوم الشكّ من قبوله تفضّلًا يشعر إلى ذلك، لا إلى أصل الصحّة و سقوط الأمر.

هل يعتبر قصد الوجه؟

المسألة الرابعة: هل يعتبر في العبادة قصد الوجه أي الوجوب و الاستحباب وصفاً أو غاية؟ الظاهر بل المقطوع به عدم الاعتبار. اللهمّ إلّا فيما إذا أخذ الوصفان معرّفين لخصوصيّتين قصديّتين اعتبرتا في المأمور به كما في نافلة الفجر و فريضته؛ حيث إنّهما بعد ما اشتركتا في الصورة لو لم يؤخذ في كلّ واحدة منهما خصوصية بها تمتاز عن غيرها تحصل بالقصد، بل كانتا من أفراد طبيعة واحدة بلا اعتبار المائز بينهما، لزم وقوع الفرد الأوّل مصداقاً للواجب و مسقطاً لأمره قهراً كما هو مقتضى كلّ مقام تعلّق الأمر الإلزامي بفرد ما من الطبيعة و الأمر الاستحبابي بالزائد عليه، فيعلم من ذلك تفاوت متعلّق الوجوب و الاستحباب في صلاتي الفجر بخصوصية قصدية معتبرة

في كلّ واحدة منهما، و يشار إليها في مقام الامتثال بوصف الوجوب أو الندب، فتدبّر.

و كيف كان: ففي غير مثل الفرض لا يعتبر قصدهما، لعدم الدليل على ذلك، بل لو كان واجباً لبان مع كثرة الابتلاء و لا يرى منه ذكر و أثر في رواية و أثر، و العقل الحاكم في باب الإطاعة و العصيان و كيفياتهما أيضاً لا يحكم بالاعتبار.

و لو فرض الشكّ كان المرجع عندنا أصل البراءة بعد إمكان أخذهما في المأمور به كما حقّقناه في مبحث التعبّدي و التوصّلي. «1»

______________________________

(1) نهاية الاصول: 123.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 32

مع القربة و الإخلاص كسائر العبادات، و لا يجب الإخطار، بل يكفي الداعي، و يعتبر فيما عدا (2)

______________________________

و الاستدلال في مثل المسألة بالإجماع و الشهرة غريب، بعد العلم بعدم كون المسألة من المسائل المتلقّاة عن الأئمّة عليهم السلام المأثورة عنهم و إنّما تكلّم عليها عدّة من المتكلّمين و سرى منهم إلى الفقهاء، و أظنّ قريباً أنّ القائلين باعتبار قصدهما أرادوا بيان اعتبار قصد الأمر في تحقّق العبادية، و حيث إنّ الأمر إمّا وجوبي أو ندبي عبّروا عن اعتبار قصده باعتبار قصدهما، فليس القول باعتبار قصدهما أمراً وراء القول باعتبار قصد الأمر في القربة و حصول الطاعة.

(2) ينبغي البحث في ثلاث مسائل:

الاولى: في صوم شهر رمضان.

الثانية: في النذر المعيّن و غيره من المعيّنات.

الثالثة: في غير المعيّن و المندوبات.

[في قصد صوم رمضان]

أمّا المسألة الاولى: فالمشهور شهرة عظيمة، بل ربما ادّعي عليه الإجماع عدم وجوب التعيين، بل يكفي فيه أن ينوي صوم الغد قربة إلى اللّٰه تعالى. نعم، عن «الذخيرة» «1» أنّه حكي عن بعض الأصحاب وجوبه، و حاصل ما قيل أو يمكن أن يقال في وجه عدم الوجوب امور.

الأوّل:

أنّ التعيّن فيه أجزأ عن التعيين، و هل المراد بالتعيّن عدم صلوح الزمان لغيره وضعاً أو حكم الشارع تكليفاً بوجوب صرف الزمان في هذا الصوم بعينه و إن

______________________________

(1) ذخيرة المعاد: 513/ السطر 8.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 33

..........

______________________________

لم يخرج الزمان بحسب الوضع من الصلوح للغير؟ كلّ محتمل.

و يرد عليه: أنّ التعيّن الواقعي لا يوجب التعيّن في علم المكلّف و اشتراك الطبيعة بحسب التصوّر يكفي في الحكم بوجوب التعيين.

الثاني: أنّ التعيين الإجمالي يكفي في الامتثال، و حيث إنّ الواجب معيّن فوري فلا يوجد هنا أمر سوى الأمر برمضان و حينئذٍ فقصد الأمر بالصوم تعيين إجمالي للمأمور به، و بعبارة اخرى قد حصل التعيين للمأمور به من طريق قصد الأمر، و هذا يكفي.

الثالث: أنّ رمضان من مقولة الزمان و ليس إلّا نفس الأيّام و الليالي المخصوصة لا حيثيته تقييدية منضمّة إليها، و حينئذٍ فقصد صوم الغد عبارة اخرى عن قصد صوم رمضان، إذ المراد بالغد ليس إلّا قطعة من زمان سمّي مجموعه برمضان.

و بعبارة اخرى: الزمان في سائر أقسام الصوم ظرف و في صوم رمضان فصل مقوّم لماهيّته و به يتميّز عن سائر أقسام الصوم، فحقيقة صوم رمضان ليس إلّا الصوم الواقع في هذا الزمان الخاصّ، و هذا الزمان ينقطع إلى قطعات يسمّى كلّ قطعة منها يوماً، و على هذا فقصد صوم الغد قصد للماهية المأمور بها بجميع قيوده، فحصل التعيين المعتبر.

فإن قلت- كما في كلام الهمداني رحمه الله-: إنّ من الجائز أن يكون وجه وجوبه احترام هذا الشهر و تعظيمه أو غير ذلك من العناوين المتوقّفة على القصد. «1»

قلت: ما هو المراد بقولك: «وجه وجوبه احترام هذا الشهر»؟! إن أردت بذلك أنّ وجه إيجاب الشارع

لصوم هذا الشهر احترامه لهذا الشهر و تعظيمه له، فأيّ ربط له

______________________________

(1) مصباح الفقيه 14: 304.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 34

..........

______________________________

بالمكلّف فإنّ الواجب عليه ليس إلّا الصوم في هذا الشهر، و التعظيم و الاحترام غاية للإيجاب الذي هو فعل للّٰه تعالى، و قد حصلت بفعله و لا يجب على العبد قصد غاية فعل اللّٰه تعالى. و إن أردت بذلك أنّ الواجب في الحقيقة على العباد تعظيم شهر رمضان و احترامه بصومه و التعظيم من العناوين القصدية فيجب قصده، لزم من ذلك بطلان صوم جميع المسلمين، إذ المتحقّق منهم في مقام الامتثال قصد صوم رمضان بلا توجّه منهم إلى عنوان التعظيم و الاحترام، و اللازم باطل بالضرورة.

الرابع: إنّ الفصل المنوّع لصوم رمضان، كما اشير إليه في الوجه الثالث ليس إلّا وقوعه في هذا الزمان الخاصّ، و هذا المعنى أمر تكويني واقعي لا يتوقّف تحقّقه و نفس أمريّته على القصد، و قد مرّ منّا أنّ قصد العنوان لا يجب إلّا في العناوين المتقوّمة بالاعتبار و القصد و أمّا في غيرها فلا يضرّ قصد الخلاف أيضاً، و إنّما اللازم فيها تحقّق ذات المأمور به منتسباً إلى اللّٰه

تعالى، و لذا ذكرنا: إنّ صحّة صوم يوم الشكّ و إجزائه عن رمضان على وفق القاعدة و إن كان المكلّف نوى به امتثال الأمر الوهمي لشعبان، و يشير إلى ما ذكرنا قوله عليه السلام في رواية الزهري في جواب قول السائل؛ و كيف يجزي صوم تطوّع عن صوم فريضة: «لو أنّ رجلًا صام يوماً من شهر رمضان تطوّعاً و هو لا يدري و لا يعلم أنّه من شهر رمضان ثمّ علم بعد ذلك أجزأ عنه، لأنّ الفرض إنّما وقع على

اليوم بعينه». «1»

[في النذر المعيّن و غيره من المعيّنات:]

المسألة الثانية: في النذر المعيّن و غيره من المعيّنات: و قد نسب إلى المشهور

______________________________

(1) الفقيه 2: 48/ 208 و راجع: وسائل الشيعة 10: 23، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 5، الحديث 8.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 35

..........

______________________________

وجوب التعيين فيها و إلى السيّد «1» و ابن إدريس «2» و العلّامة «3» في بعض كتبه عدم وجوبه.

أقول: مقتضى الدليل الاولى على أحد احتماليه، و الدليل الثاني المذكورين في صوم رمضان عدم وجوب التعيين هنا أيضاً كما لا يخفى.

و في «المستمسك»: «وجوب التعيين بناءً على أنّ النذر يوجب كون الفعل المنذور ملكاً للّٰه تعالى على المكلّف ... لأنّ تسليم ما في الذمّة يتوقّف على قصد المصداقية كسائر الديون. و بذلك أيضاً يتّضح وجه اعتبار التعيين في صوم الإجارة و نحوه أيضاً». «4»

أقول: لا يخفى أنّ ظاهر صيغة النذر جعل المنذور ملكاً للّٰه تعالى و كون اللام في قولنا «للّٰه» متعلّقاً بالفعل العامّ المحذوف لا بالفعل المنذور، و مقتضى ذلك أنّ الفعل المنذور إن كان فعلًا متشخّصاً بأن جعل الفعل بجميع مشخّصاته ملكاً له تعالى كالصوم في اليوم المعيّن لم يحتجّ إلى التعيين، و ذلك كما إذا ضمن لزيد عيناً خاصّة فقال: عليّ لزيد هذا الكتاب بأن جعله في عهدته فوصول عين مال زيد إلى يده بأيّ قصد كان يوجب خروج الضامن من العهدة.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ الشي ء ما لم يوجد لم يتشخّص و إن اضيف إلى ألف قيد و انحصر في فرد معيّن.

______________________________

(1) راجع: رسائل الشريف المرتضى 1: 441.

(2) السرائر 1: 370.

(3) مختلف الشيعة 3: 234، المسألة 6؛ منتهى المطلب 9: 17.

(4) مستمسك العروة الوثقى 8: 198.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص:

36

..........

______________________________

و إن كان المنذور فعلًا مطلقاً كان تطبيقه على التشخّصات الخاصّة بيد الفاعل باختياره فكان كأداء الدين المتوقّف على التعيين، إمّا لأنّ ملك الدائن هو الطبيعة المطلقة دون التشخّصات و أداء الشخص تمليك لتشخّص خاصّ، و التمليك من الامور القصدية و إمّا لأنّ الشخص يعطي عوضاً عن الكلّي الثابت في الذمّة و ليس عين ما يستحقّه الغير و كون شي ء عوضاً و بدلًا عن شي ء آخر من الامور القصدية الاعتبارية؛ و كيف كان فمقتضى ذلك وجوب التعيين في النذر المطلق.

هذا كلّه بناءً على كون النذر من باب التمليك و جعل اللّٰه تعالى مستحقّاً للفعل على الناذر كما هو الظاهر من صيغته. و عليه يكون قوله: «وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ» «1» مثل قوله: «أَوْفُوا الْمِكْيٰالَ» «2» إرشاداً إلى نفوذ هذا الجعل و وجوب أداء ملك اللّٰه تعالى و لا ذنب في المقام إلّا ذنب منع الغير من حقّه الثابت له.

و أمّا إذا قلنا بأنّ مفاده الالتزام بإتيان العمل للّٰه فنقول: إنّ المجعول من قبل اللّٰه تعالى الذي هو السبب لمسئولية العبد و استحقاقه العقوبة على المخالفة: إمّا وجوب واحد متعلّق بعنوان الوفاء في جميع النذور فمتعلّق النذر كائناً ما كان لم يتعلّق به بعنوانه وجوب شرعي، و يكون باقياً بحكمه الأوّل من الوجوب أو الاستحباب و إنّما الثابت بسبب النذر وجوب شرعي واحد متعلّق بطبيعة واحدة و هي طبيعة الوفاء، و يؤيّد ذلك أنّ الثابت في نقضه و حنثه في جميع النذور كفّارة واحدة، بلا تفاوت بين أنحاء المتعلّقات، فيستفاد أنّ الثابت من قبل اللّٰه تعالى في جميع النذور حكم واحد يعبّر عنه تارةً بوجوب الوفاء، و اخرى بحرمة الحنث و النقض، و يكون مخالفته

______________________________

(1)

الحج (22): 29.

(2) هود (11): 85.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 37

..........

______________________________

موجبة لكفّارة واحدة، أو يكون المجعول من قبله تعالى في كلّ نذر وجوباً خاصّاً متعلّقاً بالفعل الخاصّ المنذور فيصير الصلاة النافلة المنذورة مثلًا بعد تعلّق النذر بها واجبة بعنوانها، فينحلّ قوله: «وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ» إلى أوامر متعدّدة متعلّقة بعناوين الأفعال المنذورة، فعلى الأوّل و هو الأقوى يكون عباديّة المتعلّق بأمره الثابت لو لا النذر، و يكون وجوب الوفاء وجوباً توصّلياً، نظير الأمر المتعلّق بإطاعة الوالدين أو الوفاء بالإجارة أو الشرط، و ليس الوفاء إلّا عبارة عن الإتيان بالشي ء وافياً من دون أن ينقص منه شي ء، نظير الوفاء بالمكيال و الميزان، و هو معنى واقعي لا اعتباري قصدي، و على هذا فإسقاط أمر النذر لا يحتاج إلى قصد عنوان الوفاء و لا إلى قصد أمره، بل المحقّق لسقوطه هو الإتيان بالمتعلّق وافياً، فإن كان متعلّق النذر عبادة خاصّة لزم الإتيان به بقصد أمره الخاصّ به أو بنحو ينتسب إلى المولى حتّى تحصل العبادة، و إن كان متعلّقه واجباً أو مندوباً توصّلياً كفى الإتيان به بأيّ داعٍ كان في سقوط أمره و أمر النذر معاً و على أيّ حالٍ، فلا نحتاج إلى قصد العنوان و التعيين من ناحية أمر النذر أصلًا و إنّما نحتاج إلى قصد عنوان المتعلّق إذا كان من العناوين القصدية، و إلّا فلا نحتاج إليه أصلًا، فتدبّر جيّداً.

و أمّا على الثاني: فالأمر أوضح، إذا الأمر بالوفاء يرجع حقيقةً إلى الأمر بالمتعلّق فليس الوفاء واجباً في قبال المتعلّق حتّى يجب قصد عنوانه، و إنّما الواجب هو المتعلّق بعنوانه، فيلزم قصده إذا كان من العناوين القصدية و إلّا فلا يجب قصد أصلًا.

[في الواجبات الموسّعة و المندوبات:]

المسألة الثالثة في الواجبات

الموسّعة و المندوبات: و ملخّص الكلام فيها ما أشرنا إليه غير مرّة من وجوب قصد العنوان في الامور الاعتبارية المتقوّمة بالقصد و الاعتبار دون غيرها و إنّ المسقط للأمر في غيرها حصول ذات الواجب منتسباً إلى

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 38

..........

______________________________

اللّٰه تعالى و إن لم يقصد العنوان، بل و إن قصد عنواناً آخر و لم يقصد أمره الخاصّ به، بل كان تحرّكه نحو العمل بأمر وهمي.

إذا عرفت هذا فنقول: أمّا العمل النيابي فيجب فيه قصد النيابة تبرّعاً كان أو بالإجارة و نحوها، و سواء اعتبر فيها تنزيل الفاعل نفسه منزلة المنوب عنه أو كفى فيها تنزيل فعله منزلة فعله، بداهة أنّ مفهوم النيابة و كون شخص بدل شخص آخر أو كون فعل بدل فعل آخر مفهوم اعتباري فيكون نفس أمريّته متقوّماً بالقصد و الاعتبار.

قصد الأداء و القضاء

و أمّا الأداء و القضاء فربما يقال فيهما: أنّ الأدائية تنتزع من تقيّد الفعل بالوقت فيعتبر قصدها في الامتثال لما مرّ منهم من اعتبار قصد المأمور به بجميع قيوده المأخوذة فيه، و أمّا القضاء فلا يعتبر فيه إلّا الإتيان بذات الفعل فالنسبة بين الأداء و القضاء هي النسبة بين المقيّد و المطلق فلا يعتبر فيه إلّا قصد ذات الفعل.

أقول: بل مقتضى ما ذكرناه هو العكس و أنّ الأدائية حيث تنتزع عن إتيان الفعل في وقته و هو أمر واقعي فلا يعتبر فيه إلّا القصد إلى ذات الفعل مع فرض تحقّق القيد خارجاً، نظير صوم رمضان، و أمّا القضائية فإنّما تنتزع عن كون فعل بدل فعل آخر أو مكان فعل آخر كما عبّر بهما في بعض الأخبار، «1» و البدليّة من العناوين الاعتبارية القصدية فلا تتحقّق بدون القصد.

______________________________

(1) راجع: وسائل الشيعة

10: 336 و 339، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 5 و 11 و أيضاً 212، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 15، الحديث 10.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 39

..........

______________________________

و لعلّه من هذا القبيل أيضاً عنوان الكفّارة، و لا سيّما في مثل كفّارة المدّ، و لذا عبّر عنها في مضمرة سماعة بقوله عليه السلام: «يتصدّق بدل كلّ يوم من رمضان الذي كان عليه بمدّ من طعام». «1» و في بعض الروايات التعبير عنها بقوله عليه السلام: «و تصدّق عن كلّ يوم بمدّ». «2»

و كيف كان: فالأحوط في صوم الكفّارة أيضاً القصد إلى عنوانها.

نيّة صوم المندوب و قصد التعيين فيه

بقي الكلام في حكم المندوب؛ و ملخّص الكلام فيه: أنّه ربما يقال: إنّ طبيعة الصوم في حدّ ذاتها مع قطع النظر عن العناوين الطارية عليها في النذر و القضاء و نحوهما طبيعة واحدة يختلف حكمها بحسب الأزمنة، فهي واجبة في رمضان، و محرّمة في العيدين و أيّام التشريق لمن كان بمنى، و مكروهة في العاشور، و مندوبة في سائر الأيّام مختلفة في مراتب الندب حسب اختلاف الأيّام في الفضل و المزيّة، فليس صوم أيّام البيض مثلًا نوعاً برأسه في قبال سائر أنواع الصوم، و ليس الثابت في هذه الأيّام أيضاً أمران ندبيّان تعلّق أحدهما بطبيعة الصوم و الآخر بالمقيّد بأيّام البيض، حتّى ينصرف قصد الصوم بنحو الإطلاق إلى الأوّل و يتوقّف امتثال الثاني على قصد خصوصية الزمان، بل الثابت في جميع الأيّام سوى رمضان و العيدين و العاشورا أمر واحد ندبي بالصوم في الغد، فحقيقة صوم أيّام البيض مثلًا

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 251/ 747؛ وسائل الشيعة 10: 336، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 5.

(2)

تهذيب الأحكام 4: 252/ 848؛ وسائل الشيعة 10: 336 و 339، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 4 و 10.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 40

..........

______________________________

ليست إلّا طبيعة الصوم مع وقوعها في هذا الزمان الخاصّ و هي التي تعلّق بهذا الأمر الندبي.

و بالجملة: فالصيام المندوبة كلّها مثل صوم رمضان في أنّ المميّز لكلّ منها ليس إلّا وقوعه في هذا الزمان الخاصّ، و قد عرفت عدم اعتبار التعيين في العناوين الذاتية غير المتقوّمة بالقصد، فصرف قصد صوم الغد يكفي في وقوعه مصداقاً للمأمور به في المندوبات كلّها، و قد أشار إلى ذلك الشهيد رحمه الله في بعض كتبه على ما حكي عنه. «1»

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ قصد صوم الغد و إن كان يكفي في تحقّق مصداق المأمور به إذا لم تكن الخصوصية المأخوذة فيه من العناوين القصدية إلّا أنّ ترتّب الأجر و الثواب على المزيّة و الخصوصية يتوقّف على التوجّه إليها و قصدها.

و كيف كان: فقصد صوم الغد يكفي في وقوعه مصداقاً لما أمر به ندباً.

نعم، للمكلّف أن يجعله بقصده مصداقاً للقضاء و الكفّارة و نحوهما من الخصوصيات القصدية.

فإن قلت: لو كان موضوع الأمر الندبي ذات صوم الغد بلا اعتبار حيثية زائدة فيه، لزم وقوع ما أتى به بقصد القضاء و الكفّارة و نحوهما امتثالًا للأمر الندبي أيضاً، بداهة انحفاظ هذه الذات مع قصد القضاء و نحوه أيضاً.

قلت: أوّلًا، لا استيحاش في ذلك فيصير صوم القضاء في أيّام البيض مثلًا مجمعاً للعنوانين و يتأكّد بذلك محبوبيته.

و ثانياً: يمكن أن يكون الموضوع للأمر الندبي ذات صوم الغد بشرط أن لا يجعل

______________________________

(1) حكاه المحقّق الهمداني في مصباح الفقيه 14: 306 و أيضاً العاملي في

مدارك الأحكام 6: 20؛ راجع: البيان: 357 و الروضة البهية 2: 108.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 41

شهر رمضان- حتّى الواجب المعيّن أيضاً- القصد إلى نوعه من الكفّارة أو القضاء أو النذر؛ مطلقاً كان أو مقيّداً بزمان معيّن؛ من غير فرق بين الصوم الواجب و المندوب، ففي المندوب أيضاً (3) يعتبر تعيين نوعه من كونه صوم أيّام البيض مثلًا أو غيرها من الأيّام المخصوصة، فلا يجزي القصد إلى الصوم مع القربة من دون تعيين النوع؛ من غير فرق بين ما إذا كان ما في ذمّته متّحداً أو متعدّداً، (4) ففي صورة الاتّحاد أيضاً يعتبر تعيين النوع، و يكفي التعيين الإجمالي، (5) كأن يكون ما في ذمّته واحداً، فيقصد ما في ذمّته و إن لم يعلم أنّه من أيّ نوع، و إن كان يمكنه الاستعلام أيضاً، بل فيما إذا كان ما في ذمّته متعدّداً أيضاً يكفي التعيين الإجمالي،

______________________________

بالقصد مصداقاً لمثل القضاء و نحوه من العناوين القصدية، و هذا القيد أمر عدمي متحقّق بعدم قصد الغير من دون أن يتوقّف تحقّقه على قصده، فافهم.

(3) قد عرفت آنفاً أنّه يكفي في صحّة المندوب مطلقاً نيّة صوم الغد. نعم، يتوقّف إدراك ثواب الخصوصية على قصدها.

(4) وجهه واضح سواء علّلنا وجوب قصد التعيين بأنّ امتثال الأمر يتوقّف على قصد متعلّقه بجميع قيوده، كما هو مبنى القوم، أو بكون القصد مقوّماً للمأمور به إذا كان من الامور القصدية كما اخترناه.

و لا يخفى أنّ هذا منه قدس سره ينافي ما ذكره في المسألة الاولى من نيّة الصلاة، حيث فرّق فيها بين الواحد و المتعدّد، فراجع. «1»

(5) إن كان الوجه في اعتبار التعيين ما ذكروه من توقّف الامتثال و الإطاعة

______________________________

(1) العروة الوثقى 2:

436.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 42

كأن ينوي ما اشتغلت ذمّته به أوّلًا أو ثانياً أو نحو ذلك، و أمّا في شهر رمضان فيكفي قصد الصوم و إن لم ينوِ كونه من رمضان، بل لو نوى فيه غيره (6)

______________________________

عليه، كفى الإجمالي منه قطعاً، لعدم التفاوت بينه و بين التفصيلي بنظر العقل المحكّم في باب الإطاعة و العصيان، و إن كان الوجه في اعتباره كون قصد العنوان محقّقاً للمأمور به و مقوّماً له إذا كان من العناوين الاعتبارية القصدية كما اخترناه، ففي كفاية الإجمالي منه نوع خفاء، كيف! و إلّا لزم القناعة بالقصد الإجمالي في تحقّق عناوين العقود و الإيقاعات و سائر الإنشائيات أيضاً.

اللهمّ إلّا أن يثبت كفاية القصد الإجمالي في مسألة من فاتته فريضة مردّدة بين الظهر و العصر فيفتى فيها بإجزاء الإتيان بأربع ركعات مردّدة و يتعدّى منها إلى غيرها، فراجع.

و كيف كان: فلو قلنا بكفاية التعيين الإجمالي فلا فرق فيه بين الواحد و المتعدّد فلا وجه لما يظهر من حاشية السيّد الاستاذ المرحوم آية اللّٰه البروجردي قدس سره على المسألة الاولى من نيّة الصلاة من الفرق بينهما، فراجع. «1»

هل يصحّ صيام غير شهر رمضان فيه؟

(6) إن كان صوم رمضان نوعاً خاصّاً من الصوم يكون نفس أمريّته بالقصد و الاعتبار كان إجزاء غيره عنه إذا نوى الغير على خلاف القاعدة فوجب الاقتصار فيه على مورد النصّ أعني صوم يوم الشكّ، و مورده الجهل برمضان لا النسيان.

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 436 و 437.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 43

..........

______________________________

و أمّا إذا قلنا كما اخترناه: «بأنّ حقيقته ليست إلّا الصوم الواقع في هذا الزمان الخاصّ فكان الفصل المنوّع له عبارة عن الزمان الخاصّ، فلم يتوقّف في تحقّقه على قصد العنوان، لعدم كونه من

العناوين الاعتبارية القصدية- كما فصّلناه سابقاً-» كان مقتضاه صحّة الصوم و وقوعه عن رمضان، و إن نوى الغير سواء كان جاهلًا برمضان أو ناسياً له، بل و إن كان عالماً به مع الجعل بتعيّن صومه و فوريته أو العلم به لوقوع المأمور به و هو الصوم في الزمان الخاصّ بقصد الأمر و إن لم يكن التحرّك إليه بقصد أمره الخاصّ به، و قد عرفت كفاية ذلك في تحقّق العبادية. و قد صرّح بالصحّة- حتّى مع العلم- المحقّق في «المعتبر» «1» و هي مقتضى إطلاق عبارة «المبسوط» «2» و «الشرائع» «3» أيضاً، فراجع.

و بعبارة أخرى: إن كان صوم رمضان في الامور القصدية، كان اللازم أن لا يتحقّق مع الإطلاق فكيف مع قصد الخلاف، بل لزم من ذلك صحّة ما نواه حتّى مع العلم برمضان و تعيّن صومه بناءً على صحّة الترتّب و إطلاق أدلّة ما نواه. اللهمّ إلّا أن يتحقّق عدم صلاحيّة الزمان وضعاً لغيره كما ادّعي عليه الإجماع و الضرورة، كما في «الجواهر». و استدلّ له أيضاً بمرسلي ابن بسّام «4» و ابن سهل. «5»

و على هذا الفرض يكون صحّة صوم يوم الشكّ على خلاف القاعدة، و حمل

______________________________

(1) المعتبر 2: 645.

(2) المبسوط 1: 277.

(3) شرائع الإسلام 1: 187.

(4) تهذيب الأحكام 4: 236/ 693؛ وسائل الشيعة 10: 203، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 12، الحديث 5.

(5) الكافي 4: 130/ 1؛ تهذيب الأحكام 4: 236/ 692؛ وسائل الشيعة 10: 203، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 12، الحديث 4.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 44

..........

______________________________

نصوصها على صورة الاشتباه في التطبيق- كما يلوح من «المستمسك»- «1» فاسد؛ إذ المراد بالاشتباه في التطبيق هو

أن يكون الصورة العلمية المخطرة التي هي المتعلّق للإرادة، و النيّة عبارة عن الصورة الجامعة القابلة للانطباق على كلّ واحدة من الخصوصيتين، مثل أن ينوي الأمر الفعلي أو ما في الذمّة أو صوم الغد مثلًا بقصد أمره، ثمّ يتصوّر في خارج النيّة كون الجامع متحقّقاً في ضمن هذه الخصوصية فينكشف خلافها، و المفروض في روايات يوم الشكّ قصد خصوص صوم شعبان لا الأمر الفعلي و نحوه. هذا بناءً على فرض كون صوم رمضان من الامور القصدية.

و أمّا بناءً على كون الفصل المقوّم له عبارة عن الوقوع في الزمان الخاصّ و كفاية قصد الأمر و إن كان وهميّاً في صحّته فلا يجب قصد عنوانه، بل لا يضرّ أيضاً قصد الخلاف، فلو نوى غيره أجزأ عنه حتّى مع العلم برمضان أيضاً.

نعم، ربما يقال بالبطلان إذا كان المكلّف بحيث لو توجّه إلى صوم رمضان كان غير قاصد له جدّاً، بل كان معانداً له مثلًا.

و بالجملة: ففي العناوين الواقعية النفس الأمرية و إن لم نحتج إلى قصد العنوان فعلًا و لكن نحتاج إليه تقديراً، بحيث لو توجّه إليه كان قاصداً له و لأمره الخاصّ به، فتدبّر. هذا حكم الحاضر.

[صوم المسافر في رمضان]

و أمّا المسافر في رمضان؛ فالمشهور عدم صحّة الصوم منه أصلًا و إن حكمنا بصحّة المندوب منه في غير رمضان. و قال الشيخ في «المبسوط»: إنّه إن صام في السفر بنيّة التطوّع أو واجب آخر غير رمضان وقع عمّا نواه. «2»

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 8: 202- 203.

(2) المبسوط 1: 277.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 45

جاهلًا أو ناسياً له أجزأ عنه، نعم إذا كان عالماً به و قصد غيره لم يجزه، كما لا يجزي لما قصده أيضاً، بل إذا قصد غيره

عالماً به مع تخيّل صحّة الغير فيه ثمّ علم بعدم الصحّة و جدّد نيّته قبل الزوال لم يجزه أيضاً، (7) بل الأحوط عدم (8) الإجزاء إذا كان جاهلًا بعدم صحّة غيره فيه و إن لم يقصد الغير أيضاً، بل قصد الصوم في الغد مثلًا،

______________________________

و نحوه في «الخلاف». «1»

و هو غريب، إذ يرد عليه- مضافاً إلى ما دلّ على عدم مشروعية الصوم في السفر و إلى مرسلتي ابن بسّام و ابن سهل- أنّ حكمه قدس سره بالنسبة إلى الحاضر بوقوع ما نواه عن رمضان و إن كان نوى غيره يقتضي عدم كون خصوصية رمضان من العناوين القصدية، و إنّ المحقّق لصوم رمضان عنده عبارة عن وقوعه في هذا الزمان الخاصّ بأيّ نيّة كان، و هذا المعنى يتحقّق في المسافر أيضاً. فيصير ما يقع منه من مصاديق صوم رمضان قهراً و هو محرّم على المسافر جزماً عندنا.

و الحاصل: أنّ حقيقة صوم رمضان إنّما هي بوقوعه في هذا الزمان الخاصّ بأيّ قصد وقع، و أمره دائر بين الوجوب و التحريم، و قد أشار إلى ذلك في «المختلف» «2» أيضاً، فراجع.

(7) يأتي البحث عنه في مبحث آخر وقت النيّة. «3»

(8) قد عرفت تعليل ما ذكروه من عدم وجوب التعيين في صوم رمضان

______________________________

(1) الخلاف 2: 164- 165، المسألة 4.

(2) مختلف الشيعة 3: 229، مسألة 1.

(3) يأتي في الصفحة 58- 59.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 46

فيعتبر في مثله تعيين كونه من رمضان، كما أنّ الأحوط في المتوخّي (9)- أي المحبوس الذي اشتبه عليه شهر رمضان و عمل بالظنّ- أيضاً ذلك؛ أي اعتبار قصد كونه من رمضان، بل وجوب ذلك لا يخلو عن قوّة.

______________________________

بوجوه أربعة و لا يخفى عدم جريان الوجه

الثاني منها في هذه الصورة، فلو كان المستند هذا الوجه، لزم الحكم بوجوب التعيين في المقام و إلّا فلا.

حكم المتوخّي

(9) فيه ثلاثة وجوه:

الأوّل: وجوب التعيين مطلقاً، و حكي عن «البيان» «1» أنّه قوّاه، لأنّه زمان لا يتعيّن فيه الصوم و لأنّه معرض للقضاء و يشترط في القضاء التعيين.

الثاني: عدم وجوبه مطلقاً، لأنّه بالنسبة إليه شهر رمضان.

الثالث: اشتراط التعيين على تقدير عدم وجوب التحري عليه و إلّا لم يجب.

و الأقوى وجوب التعيين عليه مطلقاً لما ذكر في الوجه الأوّل، و لا دليل على كون الزمان المظنون أو المختار رمضان في حقّه حتّى يجري عليه جميع أحكامه، و لا إشعار في الروايتين الواردتين في حكم المتوخّي أيضاً «2» إلى ذلك.

ثمّ لا يخفى كون الرواية الثانية نقلًا بالمعنى للرواية الاولى، و ليست رواية مستقلّة، فراجع.

______________________________

(1) البيان: 358 و راجع: مستمسك العروة الوثقى 8: 205.

(2) الفقيه 2: 78/ 346؛ المقنعة: 379؛ وسائل الشيعة 10: 276 و 277، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 7، الحديث 1 و 2.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 47

[قصد الأداء و القضاء]

(مسألة 1): لا يشترط التعرّض (10)

______________________________

قصد الأداء و القضاء

(10) قد عرفت كون القضائية من الحيثيّات الاعتبارية القصدية فيعتبر قصدها.

نعم، حيثيّة الأدائية لمّا كانت تنتزع من الإتيان بالعمل في وقته و هو أمر واقعي لا اعتباري لا يشترط قصدها عندنا، و أمّا على مذاق القوم من لزوم قصد المأمور به بجميع قيوده المأخوذة فيه و توقّف صدق الامتثال عليه فيلزم قصد كلتا الحيثيّتين، لكونهما من القيود المصنّفة المأخوذة في المأمور به؛ و المصنّف قد أفرد البحث عن تلك الحيثيّتين و الوجوب و الندب في هذا المقام و مبحث نيّة الصلاة، «1» فحكم قبل هذه المسألة في كلا المقامين باشتراط التعيين، ثمّ طرح البحث عن الأدائية و القضائية و الوجوب و الندب و حكم بعدم اشتراط

التعرّض لها مع أنّ حيثيّتي الأدائية و القضائية ليستا من قبيل الوجوب و الندب لكون الأخيرين من خصوصيات الأمر لا المأمور به، و هذا بخلاف الاوليين لكونهما من قبيل سائر القيود المأخوذة في المأمور به التي حكم المصنّف بلزوم تعيينها.

غاية الأمر كونهما من القيود المصنّفة لا المنوّعة، و هذا غير فارق بعد كون الملاك لوجوب التعيين كون الخصوصية مأخوذة في المأمور به، و صحّة العمل- فيما إذا نوى أحدهما في محلّ الآخر مع الاشتباه في التطبيق كما ذكره المصنّف- ليست من لوازم عدم وجوب تعيينهما، بل من لوازم كفاية التعيين الإجمالي، كما

______________________________

(1) راجع: العروة الوثقى 2: 436، المسألة 1.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 48

..........

______________________________

جزم بكفايته في القيود المنوّعة مثل الظهرية و العصرية و نحوهما أيضاً؛ حيث إنّ في صورة الاشتباه في التطبيق- كما أشرنا إليه سابقاً- لا يكون متعلّق الإرادة و القصد هي الخصوصية، بل الصورة العلمية الجامعة القابلة لأن يشار بها إلى واقع المأمور به، كأن يقصد الواجب الفعلي أو ما في الذمّة أو نحو ذلك، و يكون تصوّر الخصوصية التي اشتبه فيها في جانب القصد و الإرادة بعد ما تعلّق القصد بالصورة الجامعة القابلة للانطباق على الواقع، فكان الواقع مراداً بالعنوان الإجمالي و كفى بذلك في التعيين المعتبر عندهم، و قد ظهر بذلك أنّ وزان الأدائية و القضائية وزان سائر الخصوصيات المأخوذة في المأمور به حتّى عند المصنّف فلا وجه لإفراده لهما و حكمه فيهما بعدم وجوب التعيين.

فتلخّص أنّ الإشكال هنا من وجوه:

الأوّل: إفراد البحث عن الأدائية و القضائية و الحكم بعدم وجوب التعيين لهما مع كونهما من قيود المأمور به و الخصوصيات المصنّفة له، و قد حكموا بلزوم التعيين لها.

الثاني: جعل

هاتين الحيثيّتين مع حيثيّتي الوجوب و الندب من وادٍ واحد مع كون الثانيتين من خصوصيات الأمر لا المأمور به، و لا دليل على اعتبار لحاظها، بل المقطوع به عدمه فإنّ المعتبر في العبادة- كما عرفت- هو الإتيان بالمأمور به بنحو يستند إلى المولى و لا يكون بداعٍ نفساني و لا يعتبر فيها لحاظ الأمر فضلًا عن خصوصياته، و لو سلّم اعتبار قصد الأمر فقصد مطلقه يكفي، بل لو قصد الأمر الوجوبي مثلًا ثمّ انكشف كونه ندبيّاً لكفى في تحقّق العبادة قطعاً؛ إذ الملاك فيها تحقّق ذات المأمور به بشرط كون التحرّك نحوه بداعٍ إلهي و إن كان أمراً

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 49

..........

______________________________

وهميّاً كما مرّ مفصّلًا في مبحث النيّة.

الثالث: جعل صحّة العمل مع الاشتباه في التطبيق و عدم الصحّة مع قصد الخصوصية من لوازم عدم اشتراط التعرّض للأداء و القضاء و نحوهما، مع أنّهما من لوازم كفاية التعيين الإجمالي.

الرابع: جعل الأدائية و القضائية من وادٍ واحد مع أنّ الاولى من الخصوصيات الواقعية، و الثانية من العناوين الاعتبارية المتقوّمة بالقصد، و قد عرفت منّا عدم اعتبار القصد و التعيين إلّا في القسم الثاني فقط، فراجع.

و للهمداني قدس سره في باب نيّة الصلاة احتمال اعتبار نيّة الأدائية دون القضائية، أمّا الاولى فلكونها من قيود المأمور به. و أمّا الثانية فلعدم كون القضاء ماهية مباينة للأداء مجعولة للتدارك تعبّداً، بل هي بعينها نفس تلك الطبيعة الواجبة في الوقت، و قد أمر الشارع بإيقاعها في خارجه، فنسبة القضاء إلى الأداء نسبة المطلق إلى المقيّد فلا تحتاج إلّا إلى نيّة أصل الطبيعة. «1»

ثمّ أجاب عن ذلك بعدم كونهما من قبيل ما لو تعلّق أمر بطبيعة مقيّدة و آخر بمطلقها

كي يقع الفرد المأتي به عند عدم قصد القيد امتثالًا للمطلق، بل المطلوب عند التمكّن من القيد هو المقيّد بخصوصه، و عند تعذّره الفرد العاري عنه، فهما مطلوبان بطلبين مترتّبين و الطبيعة المطلقة- أي القدر المشترك من حيث هي- ليست متعلّقة لطلب و إلّا لحصل امتثاله في ضمن المقيّد أيضاً، كما في صلاة الجماعة و الفرادى، فافهم.

______________________________

(1) مصباح الفقيه 11: 393.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 50

للأداء و القضاء و لا الوجوب و الندب و لا سائر الأوصاف الشخصية، (11) بل لو نوى شيئاً منها في محلّ الآخر صحّ، إلّا إذا كان منافياً للتعيين؛ مثلًا إذا تعلَّق به الأمر الأدائي فتخيّل كونه قضائياً، فإن قصد الأمر الفعلي المتعلّق به و اشتبه في التطبيق فقصده قضاءً (12) صحّ، و أمّا إذا لم يقصد الأمر الفعلي بل قصد الأمر القضائي بطل؛ لأنّه منافٍ للتعيين حينئذٍ، و كذا يبطل إذا كان مغيّراً للنوع، كما إذا قصد الأمر الفعلي لكن بقيد كونه قضائياً مثلًا أو بقيد كونه وجوبياً مثلًا فبان كونه أدائياً أو كونه ندبياً، فإنّه حينئذٍ مغيّر للنوع و يرجع إلى عدم قصد الأمر الخاصّ. (13)

______________________________

(11) المراد بها الخصوصيات المفردة الغير المأخوذة في لسان الدليل قيداً للمأمور به.

(12) الأولى أن يقال: «فتخيّله قضاءً» إذ المفروض أنّ الصورة العلمية المتعلّقة للقصد هي الصورة الجامعة و الاشتباه في تطبيق المقصود.

(13) الأقوى هو الصحّة في جميع هذه الفروض لما عرفت من أنّ الاشتباه في خصوصيات الأمر غير قادح في تحقّق العبادة، و ما يلزم تصوّره من الخصوصيات على القول به هي ما اخذ في المأمور به، لا ما انقسم به الأمر. و على ما اخترناه لا يجب التعيين و القصد إلّا في

الخصوصيات القصدية فقط، و إنّما المعتبر في العبادية هو أن يكون تحقّق ذات المأمور به بداعٍ إلهي و إن كان التحرّك نحوها بسبب التوجّه إلى أمر آخر متحقّق أو وهمي، و قد فصّلنا ذلك في مبحث النيّة، فراجع.

نعم، لو كان في نفسه بالنسبة إلى هذا الأمر الخاصّ خصوصية، بحيث لو توجّه إلى الخصوصية الاخرى لتنفّر عنها و انزجر، أمكن القول بالبطلان.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 51

[إذا قصد صوم اليوم الأوّل من رمضان فبان أنّه اليوم الثاني]

(مسألة 2): إذا قصد صوم اليوم الأوّل من شهر رمضان فبان أنّه اليوم الثاني مثلًا أو العكس صحّ، (14) و كذا لو قصد اليوم الأوّل من صوم الكفّارة أو غيرها فبان الثاني مثلًا أو العكس، و كذا إذا قصد قضاء رمضان السنة (15) الحالية فبان أنّه قضاء رمضان السنة السابقة و بالعكس.

______________________________

(14) لتحقّق المأمور به عن أمره و الأمر قد تعلّق بطبيعة صوم رمضان من دون أن يكون خصوصية اليوم الأوّل أو الثاني مأخوذة في موضوعه حتّى يجب تعيينها، و يقدح قصد خلافها، هذا مضافاً إلى أنّ هذه الخصوصيات خصوصيات واقعية لا اعتبارية فلا يجب قصدها و إن فرض اعتبارها قيداً في المأمور به، و المحقّق للامتثال تحقّق ذات المأمور به بقيوده واقعاً بداعي الأمر و إن تعلّق القصد خطأً بقيد آخر كما مرّ مراراً.

(15) قد عرفت أنّ عنوان القضاء من العناوين الاعتبارية القصدية فيجب قصدها. و سيأتي في مبحث القضاء عدم وجوب تعيين الأيّام، إذ التعيين فرع التعيّن بحسب الأخذ في المأمور به، و قضاء صوم رمضان ماهية واحدة كنفسه، فكما أنّ المأمور به في المبدل منه طبيعة صوم رمضان من دون دخل لخصوصيات الأيّام فكذا في البدل.

و أمّا خصوصية السنة فيمكن أن يقال: بوجوب لحاظها في القضاء

و إن لم يجب في الأداء لاختلاف قضاء السنوات بحسب الآثار من المبادرة و الكفّارة. اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ خصوصية السنة بعد ما لم تعتبر في الأداء، بل كان الواجب طبيعة صوم رمضان بما أنّه رمضان لم تكن معتبرة في صحّة نفس القضاء أيضاً، و إن ترتّب على قصدها آثار اخر. و بالجملة، فدخالة خصوصية السنة في الكفّارة و نحوها لا تستلزم

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 52

[لا يجب العلم بالمفطرات على التفصيل]

(مسألة 3): لا يجب العلم بالمفطرات على التفصيل، فلو نوى الإمساك عن امور يعلم دخول جميع المفطرات فيها كفى. (16)

[لو نوى الإمساك عن جميع المفطرات]

(مسألة 4): لو نوى الإمساك عن جميع المفطرات و لكن تخيّل أنّ المفطر الفلاني ليس بمفطر، فإن ارتكبه في ذلك اليوم بطل صومه، و كذا إن لم يرتكبه (17) و لكنّه لاحظ في نيّته الإمساك عمّا عداه، و أمّا إن لم يلاحظ ذلك صحّ صومه في الأقوى.

[النائب عن الغير لا يكفيه قصد الصوم بدون نيّة النيابة]

(مسألة 5): النائب عن الغير لا يكفيه (18) قصد الصوم بدون نيّة النيابة و إن كان متّحداً،

______________________________

دخالتها في موضوع وجوب القضاء. و كيف كان فالأحوط قصدها و إن كان إجمالًا فلا يضرّ الخطأ في التطبيق.

(16) إذا قصد التقرّب بخصوص الإمساك عن المفطرات المعلومة فيها إجمالًا، و أمّا إذا قصد التقرّب بالإمساك عن جميع هذه الامور تشريعاً فالصحّة مشكلة. اللهمّ إلّا أن لا يضرّ التشريع بالنسبة إلى غير المفطر بالتقرّب المعتبر، فتدبّر.

(17) إن قصد الصوم الشرعي و الإمساك عن كلّ ما هو مفطر واقعاً- غاية الأمر أنّه اشتبه في تخيّل عدم كون الأمر الفلاني من المفطرات- صحّ صومه و كان من باب الاشتباه في التطبيق غير المنافي للقصد الإجمالي و إن قصد الإمساك عن خصوص ما تخيّل كونه مفطراً من دون أن يجعل العنوان المتعلّق للقصد مرآةً للصوم الشرعي بطل صومه سواء لاحظ في نيّته عدم الإمساك عن غيره أو لم يلاحظ.

(18) لكون النيابة كما عرفت من الامور الاعتبارية المتقوّمة بالقصد و الاعتبار سواء اعتبر فيها تنزيل الفاعل نفسه منزلة المنوب عنه أو كفى فيها تنزيل فعله منزلة فعله.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 53

نعم لو علم باشتغال ذمّته بصوم و لا يعلم أنّه له أو نيابة عن الغير يكفيه (19) أن يقصد ما في الذمّة.

[لا يصلح شهر رمضان لصوم غيره]

(مسألة 6): لا يصلح (20) شهر رمضان لصوم غيره- واجباً كان ذلك الغير أو ندباً- سواء كان مكلّفاً بصومه أو لا، كالمسافر و نحوه، فلو نوى صوم غيره لم يقع عن ذلك الغير؛ سواء كان عالماً بأنّه رمضان أو جاهلًا، و سواء كان عالماً بعدم وقوع غيره فيه أو جاهلًا، و لا يجزي عن رمضان أيضاً إذا كان مكلّفاً به مع

العلم و العمد، نعم يجزي عنه مع الجهل أو النسيان كما مرّ، و لو نوى في شهر رمضان قضاء رمضان الماضي أيضاً لم يصحّ قضاءً و لم يجز عن رمضان أيضاً، مع العلم و العمد.

[إذا نذر صوم يوم بعينه لا تجزيه نيّة الصوم بدون تعيين]

(مسألة 7): إذا نذر صوم يوم بعينه لا تجزيه (21) نيّة الصوم بدون تعيين أنّه للنذر و لو إجمالًا كما مرّ،

______________________________

(19) حصول عنوان النيابة بهذا القصد محلّ إشكال، إذ الصوم بما أنّه صوم مثلًا ليس في ذمّة النائب، و إنّما الواجب عليه أحد التنزيلين وجوباً توصّلياً.

(20) مرّ بيانه، فراجع. «1»

(21) مرّ في المسألة الثانية فيمن قصد نوع الصوم: أنّ وجوب التعيين في النذر يتوقّف إمّا على كون مفاده التمليك مع كون النذر مطلقاً، أو كون الواجب في النذر هو عنوان الوفاء مع كونه قصديّاً، و حيث إنّ النذر في المقام معيّن و مفاد النذر هو التمليك على ما قوّيناه، و الوفاء ليس أمراً قصديّاً فلا نسلّم عدم الإجزاء بدون التعيين فالمنذور بتشخّصاته جعل ملكاً للّٰه تعالى، و قد حصل بإتيانه بقصد أصل

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 42- 43.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 54

و لو نوى غيره فإن كان مع الغفلة عن النذر صحّ، (22) و إن كان مع العلم و العمد ففي صحّته إشكال. (23)

[لو كان عليه قضاء رمضان السنة التي هو فيها، و قضاء رمضان السنة الماضية]

(مسألة 8): لو كان عليه قضاء رمضان السنة التي هو فيها، و قضاء رمضان السنة الماضية، لا يجب عليه تعيين أنّه من أيّ منهما، بل يكفيه (24) نيّة الصوم قضاءً، و كذا إذا كان عليه نذران (25) كلُّ واحد يوم أو أزيد، و كذا إذا كان عليه كفّارتان غير مختلفتين في الآثار.

______________________________

الطبيعة فيسقط أمر الوفاء الذي هو توصّلي قهراً، فراجع ما حرّرناه سابقاً. «1»

(22) مراده قدس سره الصحّة عما نواه و مقتضى ما ذكرناه هو الصحّة عن النذر أو عنهما معاً إذا كان المنذور عين ما نواه لإتيانه بشخص المنذور بقصد القربة فيسقط النذر قهراً، و قصد الغير لا يضرّ

بالقربة المعتبرة، لعدم اعتبار قصد خصوص الأمر كما مرّ. اللهمّ إلّا أن يكون في تقرّبه بنحو التقييد بعدم النذر.

(23) إن فرض حصول قصد التقرّب منه فلا إشكال في صحّته عن النذر أو عنهما على ما ذكرناه و عن خصوص ما نواه على مبنى الماتن قدس سره بناءً على عدم اقتضاء الأمر بأحد الضدين للنهي عن الآخر أو عدم كون هذا النهي لكونه غيريّاً مضرّاً بالعبادية.

(24) إنّما الكلام في ترتيب الآثار المترتّبة على إحدى الخصوصيات مثل ثبوت الفدية و سقوطها، و قد مرّ البحث عن المسألة في ذيل المسألة 2، فراجع.

(25) في «المستمسك» بعد أن منع وجوب تعيين خصوصية اليوم في القضاء،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 34- 35، المسألة الثانية.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 55

..........

______________________________

لعدم كونها ملحوظة في موضوع التكليف قال: «و من ذلك يظهر لك عدم وجوب التعيين في النذرين لأنّ عدم التميز بينهما مانع من إمكان التعيين فضلًا عن وجوبه». «1»

و في بعض الحواشي «2» فصّل في المسألة فحكم بعدم وجوب التعيين إذا كان النذران مطلقين أو كانا في نوع واحد، و أمّا في نذري الشكر و الزجر إذا كانا لنوعين فيجب التعيين. و كذا الحال في الكفّارتين فيفصّل بين ما إذا كانتا لنوعين أو لنوع واحد.

أقول: إن كان المتعلّق للنذر طبيعة صوم اليوم بلا لحاظ حيثية اخرى كان مقتضاه تداخل النذرين قهراً، لاستحالة أن يتعلّق بطبيعة واحدة بما هي هي وجوبان مستقلّان، و إن كان المتعلّق صوم يوم خاصّ بأن يكون كلّ واحد من النذرين ناظراً إلى الآخر و يؤخذ في متعلّق كلّ منهما مغايرته لمتعلّق الآخر وجوداً أو يقيّد المتعلّق في كلّ منهما بكونه مسبّباً من قبل هذا النذر على الخلاف في تصوير

عدم التداخل، فلا محالة يختلف المتعلّق للنذرين بحسب الخصوصية الملحوظة فيهما، فيلزم لحاظها في مقام الامتثال على مذاق القوم من وجوب التعيين في جميع قيود المتعلّق، سواء كانت من الامور الاعتبارية القصدية أم لا، و لا نجد فرقاً بين المطلقين و المقيّدين لنوع واحد أو نوعين.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ التعدّد الموجب للتنوّع أو التصنّف يستلزم القصد في مقام الامتثال دون التعدّد الوجودي، و إنّ القيد المأخوذ في كلّ من المتعلّقين هو التسبّب

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 8: 210.

(2) العروة الوثقى 3: 532.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 56

[إذا نذر صوم يوم خميس معيّن، و نذر صوم يوم معيّن من شهر معيّن]

(مسألة 9): إذا نذر صوم يوم خميس معيّن، و نذر صوم يوم معيّن من شهر معيّن، فاتّفق في ذلك الخميس المعيّن يكفيه (26) صومه، و يسقط النذران،

______________________________

من قبل هذا السبب فيكون اختلاف السببين نوعاً موجباً لاختلاف المتعلّقين كذلك، و هذا بخلاف ما إذا اتّحد السبب أو كان النذران مطلقين فإنّ المتعلّقين لا يختلفان حينئذٍ إلّا وجوداً، فافهم و تدبّر.

و قد مرّ منّا أنّ القصد لا يجب إلّا في الخصوصيات الاعتبارية المتقوّمة بالقصد دون غيرها من غير فرق بين الخصوصيات المنوّعة و غيرها، فراجع.

(26) إن كان العنوان المأخوذ في كلّ من النذرين ملحوظاً مرآة للزمان الخاصّ صحّ النذر الأوّل و لغا الثاني، و إن كان ملحوظاً موضوعاً صحّ النذران معاً و على مذاق القوم يجب قصدهما معاً و ثبت الكفّارة فيما إذا قصد أحدهما لتحقّق الحنث، و أمّا على ما اخترناه من عدم لزوم القصد و التعيين في النذر المعيّن لعدم كون الوفاء من العناوين القصدية كما مرّ بيانه «1» فلا يجب القصد و يتحقّق الامتثال بالنسبة إلى كليهما، و إن كان ترتّب الثواب متوقّفاً على قصدهما.

و ما

في «المستمسك» من أنّ قصد الأمر النذري لا يوجب الثواب و إنّما يترتّب الثواب على إطاعة الأمر الذاتي الثابت مع قطع النظر عن النذر. «2»

ففيه: أنّ قصد الأمر التوصّلي أيضاً يوجب الثواب و إن كان سقوطه لا يتوقّف عليه كما قرّر في محلّه.

______________________________

(1) تقدّم في المسألة الثانية فيمن قصد نوع الصوم و ما بعدها.

(2) مستمسك العروة الوثقى 8: 211.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 57

فإن قصدهما اثيب عليهما و إن قصد أحدهما اثيب عليه، و سقط عنه الآخر. (27)

[إذا نذر صوم يوم معيّن، فاتّفق ذلك اليوم في أيّام البيض مثلًا]

(مسألة 10): إذا نذر صوم يوم معيّن، فاتّفق ذلك اليوم في أيّام البيض مثلًا فإن قصد وفاء النذر وصوم أيّام البيض اثيب عليهما، و إن قصد النذر فقط اثيب عليه فقط و سقط الآخر، و لا يجوز أن يقصد أيّام البيض دون وفاء النذر. (28)

[إذا تعدّد في يوم واحد جهات من الوجوب]

(مسألة 11): إذا تعدّد في يوم واحد جهات من الوجوب أو جهات من الاستحباب أو من الأمرين فقصد الجميع اثيب على الجميع، و إن قصد البعض دون البعض اثيب على المنويّ و سقط الأمر بالنسبة إلى البقيّة. (29)

[آخر وقت النيّة في الواجب المعيّن]

اشارة

(مسألة 12): آخر وقت النيّة (30) في الواجب المعيّن- رمضاناً كان أو غيره-

______________________________

(27) لحصول متعلّقه و عدم كونه من الامور القصدية.

(28) قد مرّ منّا «1» عدم وجوب التعيين في النذر المعيّن، و عدم كون الوفاء أمراً قصديّاً. نعم، يتوقّف الثواب عليه.

(29) للعجز المسقط للتكليف إذا كان مضيّقاً و توقّف امتثاله على القصد و لحصول الامتثال إذا لم يتوقّف عليه.

وقت النيّة

(30) ينبغي البحث عن مسألة «آخر وقت النيّة» في أربع مسائل:

الاولى: الواجب المعيّن بالنسبة إلى العامد.

الثانية: الواجب المعيّن بالنسبة إلى الناسي و من في حكمه.

الثالثة: الواجب الموسّع.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 35، المسألة الثانية.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 58

..........

______________________________

الرابعة: المندوب.

[الأُولى: الواجب المعيّن بالنسبة إلى العامد.]

أمّا الاولى: فالمشهور أنّ وقت النيّة فيه من أوّل الليل إلى طلوع الفجر، و نسب في «المختلف» إلى السيّد المرتضى رحمه الله امتداد وقته إلى الزوال. «1» و في «الجواهر» عن «البيان» جعله وجهاً، و أقرب منه العدم. «2» و في «الشرائع» جعله أشبه؛ حيث قال: «فروع: الأوّل: لو نوى الإفطار في يوم رمضان، ثمّ جدّد قبل الزوال، قيل:

لا ينعقد و عليه القضاء، و لو قيل: بانعقاده كان أشبه». «3» و في «الخلاف» نسبة ذلك إلى أبي حنيفة أيضاً. «4»

[الثانية: الواجب المعيّن بالنسبة إلى الناسي و من في حكمه.]

و أمّا الثانية: فالمشهور امتداد وقته بالنسبة إلى ذوي الأعذار إلى الزوال.

نعم، في «المقنعة»: «يجب لمكلّف الصيام أن يعقده قبل دخول وقته تقرّباً إلى اللّٰه جلّ اسمه بذلك و إخلاصاً له». «5»

و في «المختلف» عن ابن أبي عقيل: «يجب على من كان صومه فرضاً عند آل الرسول صلى الله عليه و آله و سلم أن يقدّم النيّة في اعتقاد صومه ذلك من الليل، و من كان صومه تطوّعاً أو قضاء رمضان فأخطأه أن ينوي من الليل فنواه بالنهار قبل الزوال أجزأه، و إن نوى بعد الزوال لم يجزه». «6» انتهى.

و الظاهر منهما عدم الفرق بين العامد و غيره.

______________________________

(1) مختلف الشيعة 3: 235، المسألة 7؛ جُمل العلم و العمل، ضمن رسائل الشريف المرتضى 3: 53.

(2) جواهر الكلام 16: 199؛ البيان: 360.

(3) شرائع الإسلام 1: 188.

(4) الخلاف 2: 163- 164، المسألة 3.

(5) المقنعة: 302.

(6) مختلف الشيعة 3: 237، المسألة 8.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 59

..........

______________________________

و في «الخلاف» عن الشافعي و مالك و أحمد: «أنّه لا بدّ من أن ينوي لكلّ يوم من ليله، سواء وجب ذلك شرعاً أو نذراً و سواء تعيّن أم لا»، «1» هذا.

و لا

نصّ في المسألة إلّا ما ورد في المسافر الذي يقدم من سفره قبل الزوال، «2» و ما ورد عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: أنّه بعث إلى أهل السواد في يوم عاشوراء و قال: «من لم يأكل فليصم و من أكل فليمسك بقيّة نهاره» كما في «الخلاف». و رواه مسنداً في «صحيح مسلم». «3» و في «الجواهر» «4» و «المصباح» «5» وصوم الشيخ قدس سره «6» عطف المريض على المسافر في المقام. و نحوه في «المدارك» «7» مع أنّه لا يوجد بالنسبة إليه في الفرض نصّ فلعلّه عطف عليه سهواً. و في «الجواهر» و غيره عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: إنّ ليلة الشكّ أصبح الناس فجاء أعرابي إليه فشهد برؤية الهلال فأمر النبي صلى الله عليه و آله و سلم منادياً ينادي «من لم يأكل فليصم و من أكل فليمسك». «8»

أقول: إنّا لم نراجع غير «صحيح مسلم» و لا يوجد فيه الحديث، و من المحتمل عدم كونه حديثاً آخر غير ما ورد في صوم العاشور الذي رويناه آنفاً، و لذا لم يذكر في «الخلاف» و «الغنية» إلّا حديث صوم العاشور، «9» فراجع. هذا.

______________________________

(1) الخلاف 2: 163، المسألة 3.

(2) راجع: وسائل الشيعة 10: 189- 191، كتاب الصوم، أبواب ما يصحّ منه الصوم، الباب 6.

(3) صحيح مسلم 2: 499/ 1135؛ صحيح البخاري 3: 98، الباب 55، صيام يوم عاشورا؛ سنن النسائي 2: 160، الباب 107؛ مسند أحمد 13: 50/ 16478؛ سنن البيهقي 4: 288؛ الموطّأ 1: 299/ 34.

(4) جواهر الكلام 16: 197.

(5) مصباح الفقيه 14: 329- 331.

(6) كتاب الصوم، ضمن تراث الشيخ الأعظم 12: 195 و 271.

(7) مدارك الأحكام 6:

22.

(8) جواهر الكلام 16: 197.

(9) الخلاف 2: 164، المسألة 3؛ غنية النزوع 1: 136.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 60

..........

______________________________

و لا يخفى: أنّ المذكور في كلمات كثير من الأصحاب صورة نسيان النيّة فقط، و لا يوجد فيه نصّ كما عرفت.

[الثالثة: الواجب الموسّع.]

اشارة

و أمّا الثالثة: أعني الواجب الغير المعيّن، فالمشهور عندنا امتداد وقت نيّته إلى الزوال و لم يقل أحد من القدماء بإجزاء النيّة بعد الزوال.

نعم، في «المختلف» عن ابن الجنيد: «و يستحبّ للصائم فرضاً و غير فرض أن يبيت الصيام من الليل لما يريد به، و جائز أن يبتدئ بالنيّة، و قد بقي بعض النهار و يحتسب به من واجب إذا لم يكن أحدث ما ينقض الصيام و لو جعله تطوّعاً كان أحوط». «1» و المستفاد منه إجزاء النيّة بعد الزوال و هو المحكي عن «المفاتيح» «2» و «الذخيرة» «3» أيضاً. هذا بحسب الأقوال.

[أمّا الروايات]

و أمّا الروايات: فهنا أخبار مستفيضة «4» تدلّ على جواز النيّة نهاراً لقضاء رمضان. و رواية في سندها صالح بن عبد اللّه «5» وردت في النذر بهذا المضمون و صالح مجهول. و رواية عمّار «6» وردت في القضاء و فيها التحديد إلى الزوال، و بها يقيّد المطلقات، و في مقابلها استدلّ برواية عبد الرحمن بن الحجّاج «7» و رواية

______________________________

(1) مختلف الشيعة 3: 235- 236، المسألة 7.

(2) مفاتيح الشرائع 1: 244.

(3) ذخيرة المعاد: 513/ السطر 31.

(4) راجع: وسائل الشيعة 10: 15- 20، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 4.

(5) تهذيب الأحكام 4: 187/ 523؛ وسائل الشيعة 10: 11، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 2، الحديث 4.

(6) تهذيب الأحكام 4: 280/ 847؛ وسائل الشيعة 10: 13، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 2، الحديث 10.

(7) تهذيب الأحكام 4: 187/ 526؛ وسائل الشيعة 10: 11، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 2، الحديث 6.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 61

..........

______________________________

هشام «1» و مرسلة البزنطي «2» و

رواية «الجعفريات» في «المستدرك» «3» على كفاية النيّة بعد الزوال، و لكنّ الشهرة في المسألة ترجّح رواية عمّار. هذا مضافاً إلى أنّ مورد رواية هشام بحسب الظاهر هو الصوم المندوب. و كلمة «يصبح» في رواية عبد الرحمن قرينة على أنّ المراد بعامّة النهار ليس أكثره و الاخريان مخدوش فيهما سنداً.

[الرابعة: المندوب]

و أمّا الرابعة: أعني المندوب، فالمسألة ذات قولين كلاهما مشهوران، بل نسب كلّ منهما إلى الأشهر و أخبارها أيضاً متعارضة، فرواية أبي بصير «4» و إطلاق بعض آخر «5» تدلّ على كفاية النيّة بعد الزوال، و روايتا ابن بكير «6» و رواية «الدعائم» في «المستدرك» «7» تدلّ على الامتداد إلى الزوال، فالمسألة

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 188/ 532؛ وسائل الشيعة 10: 12، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 2، الحديث 8.

(2) تهذيب الأحكام 4: 188/ 529؛ وسائل الشيعة 10: 12، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 2، الحديث 9.

(3) الجعفريات: 106/ 382؛ مستدرك الوسائل 7: 317، كتاب الصيام، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 3، الحديث 1.

(4) الكافي 4: 122/ 2؛ الفقيه 2: 97/ 435؛ وسائل الشيعة 10: 14، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 3، الحديث 1.

(5) راجع: وسائل الشيعة 10: 11- 12، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 2، الحديث 5 و 7 و 8 و أيضاً: 450، أبواب الصوم المندوب، الباب 16، الحديث 5.

(6) الكافي 4: 105/ 3؛ وسائل الشيعة 10: 68، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 20، الحديث 2، و: 103، الباب 35، الحديث 2.

(7) دعائم الإسلام 1: 285؛ مستدرك الوسائل 7: 317، كتاب الصيام، أبواب وجوب الصوم و نيّته،

الباب 3، الحديث 2.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 62

..........

______________________________

في غاية الإشكال. و في «الانتصار» «1» و «الغنية» «2» ادّعاء الإجماع على القول الأوّل، فراجع.

و الأنسب تأسيس الأصل في المقام، حتّى يكون هو المرجع عند الشكّ، فنقول:

يمكن تقريره بوجهين:

الأوّل: أن يقال: الصوم من العبادات و يعتبر فيه النيّة و القربة قطعاً، كما مرّ، و الأصل اعتبارها في جميعه كغيره من العبادات المركّبة من الأجزاء، و النيّة اللاحقة لا تؤثر في السابق إذا الشي ء لا ينقلب عمّا وقع عليه. و يؤيّد ذلك ما ورد مرسلًا من قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «من لم يجمع الصيام من الليل فلا صيام له» «3» أو «لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل»، «4» و حينئذٍ فإذا لم يثبت دليل على كفاية النيّة نهاراً التزمنا بعدمها كما في الواجب المعيّن بالنسبة إلى العامد و إذا ثبت إجمالًا اقتصرنا فيه على المتيقّن كما في غير المعيّن و المندوب.

الثاني: أن يقال: إنّه كما يحتمل اعتبار النيّة و القربة في جميع العمل، يحتمل اعتبارها في المجموع فقط، بأن يتحقّق متمّم المجموع و محقّقه- أعني الجزء الأخير- بداعي القربة و لا سيّما في مثل الصوم الذي هو عدمي كما أوضحه في

______________________________

(1) الانتصار: 180.

(2) غنية النزوع 1: 137.

(3) سنن الترمذي 2: 117/ 726؛ سنن أبي داود 1: 745/ 2454؛ كنز العمال 8: 493/ 23790؛ عوالي اللآلي 3: 133/ 6؛ مستدرك الوسائل 7: 316، كتاب الصيام، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 2، ذيل الحديث 1.

(4) كنز العمال 8: 494/ 23792؛ عوالي اللآلي 3: 132/ 5؛ مستدرك الوسائل 7: 316، كتاب الصيام، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 2، الحديث 1.

كتاب الصوم

(للمنتظري)، ص: 63

..........

______________________________

«مصباح الفقيه»، «1» و بيّن فيه وجه الميز بينه و بين الوجودي و إن لم يخل من إشكال، و لا سيّما بعد ما مرّ في أوائل النيّة من أنّ الصوم لا يعتبر في صحّته صدور الترك مطلقاً عن داعٍ إلهي؛ إذ كثيراً ما يستند الترك فيه إلى عدم المقتضي و الشهوة، و لا سيّما بعد مراجعة الأخبار الواردة في جميع الأصناف الثلاثة من الصوم من كفاية النيّة نهاراً فيها، فيعلم من ذلك أنّ الصوم من حيث النيّة ليس كسائر العبادات بل دائرته من هذا الحيث وسيع.

و بالجملة: فالمستفاد من الإجماع و الضرورة، بل و من نفس روايات هذا الباب و إن كان اعتبار النيّة و القربة فيه إجمالًا، و لكن بعد ما ذكر في بحث النيّة و في تحقيق ماهية الصوم و بعد التتبّع في الروايات يستفاد عدم كونه كسائر العبادات التي يعتبر النيّة في جميع أجزائه، بل يتحقّق ماهيته بالإمساك من الفجر إلى الليل مع نيّة ما، و حينئذٍ فإذا شكّ في اعتبار التبييت في نيّته أو في اعتبار تحقّقها قبل الزوال تمسّكنا بمثل قوله عليه السلام: «رفع ما لا يعلمون» «2» على رفع شرطية ما ذكر.

و بهذا البيان يظهر حكم مورد الشكّ في المسائل الأربع، فتدبّر.

ثمّ لا يخفى أنّ عبارة «الشرائع» في المسألة لا توافق كلام المشهور، بل تنافي اختياره في «المعتبر» أيضاً، «3» فراجعهما و تدبّر فيهما.

______________________________

(1) مصباح الفقيه 14: 309- 310.

(2) التوحيد: 353/ 24؛ الخصال: 417/ 9؛ وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1 و 2.

(3) شرائع الإسلام 1: 187- 188؛ المعتبر 2: 644.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 64

عند طلوع الفجر الصادق،

و يجوز التقديم (31) في أيّ جزء من أجزاء ليلة اليوم الذي يريد صومه، و مع النسيان أو الجهل بكونه رمضان أو المعيّن الآخر، يجوز متى تذكّر إلى ما قبل الزوال؛ إذا لم يأت بمفطر، و أجزأه عن ذلك اليوم و لا يجزيه إذا تذكّر بعد الزوال، و أمّا في الواجب الغير المعيّن فيمتدّ وقتها اختياراً من أوّل الليل إلى الزوال، دون ما بعده على الأصحّ، و لا فرق في ذلك بين سبق التردّد أو العزم على العدم، و أمّا في المندوب فيمتدُّ إلى أن يبقى من الغروب زمان يمكن تجديدها فيه على الأقوى.

______________________________

(31) بلا خلاف فيه بيننا. نعم، نسب إلى بعض العامّة التخصيص بالنصف الأخير من الليل، و استدلّ على المسألة بقوله صلى الله عليه و آله و سلم: «لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل»؛ «1» و لا يخفى عدم دلالته. و حرجيّة المقارنة لا تدلّ على المقصود؛ إذ الضرورات تتقدّر بقدرها.

و التحقيق أن يقال: إنّ هنا ثلاث مسائل، حلّها على مذاق القوم من اعتبار الإخطار و المقارنة لأوّل العمل في النيّة مشكل.

الاولى: هذه المسألة.

الثانية: ما ذكره الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» و «الخلاف» «2» من جواز تقديم نيّة رمضان بيوم أو أيّام و نسبه في «الخلاف» إلى أصحابنا.

الثالثة: إجزاء نيّة واحدة عن شهر رمضان كلّه على ما هو المشهور و أفتى به في

______________________________

(1) كنز العمال 8: 494/ 23792؛ عوالي اللآلي 3: 132/ 5؛ مستدرك الوسائل 7: 316، كتاب الصيام، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 2، الحديث 1.

(2) النهاية: 151- 152؛ المبسوط 1: 276؛ الخلاف 2: 166، المسألة 5.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 65

..........

______________________________

«المقنعة» «1» و «الانتصار» «2» و «المراسم»

«3» و «الغنية» «4» و «الخلاف» «5» و «المبسوط» «6» و «النهاية» «7» و نسبه في «الخلاف» و «الانتصار» إلى مالك أيضاً. و في «الانتصار» و «الغنية» و «الخلاف» ادّعاء الإجماع عليه.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ هذه الشهرة المحقّقة و الإجماع المدّعى كافيان لإثبات هذه المسألة مع عدم ورود النصّ فيها و كونها على خلاف القاعدة، إذ اتّفاق من لا يفتي إلّا بالنصّ مع عدم نصّ ظاهر و عدم مساعدة الاعتبار العقلي ممّا يحدس به قطعاً كون المسألة متلقّاة من الأئمّة عليهم السلام، فتدبّر.

و كيف كان: فإثبات المسائل الثلاث على مذاق القوم في باب النيّة لا يخلو من إشكال؛ و أمّا على ما بيّناه في بابها من عدم كونها عبارة عن الإخطار بل هو من مباديها، و أنّها عبارة عن الإرادة الباعثة على العمل و الموجبة لاختياريّتها الباقية من أوّل العمل إلى آخرها و إن لم يتوجّه النفس إليها تفصيلًا، و إنّ أوّل العمل مثل وسطه و آخره، فكما لا يعتبر في اختيارية الأخيرين مقارنة الإخطار لا تعتبر في الأوّل أيضاً. فتكون المسائل الثلاث على وفق القاعدة، و لا تختصّ برمضان أيضاً؛ إذ الملاك في صحّة الصوم بقاء النيّة و الإرادة في نفسه شأناً، بحيث لو توجّه إلى الصوم و إلى المفطرات لأمسك عنها، هذا.

______________________________

(1) المقنعة: 302.

(2) الانتصار: 182.

(3) المراسم: 96.

(4) غنية النزوع 1: 138.

(5) الخلاف 2: 163، مسألة 3.

(6) المبسوط 1: 276.

(7) النهاية: 151.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 66

[لو نوى الصوم ليلًا، ثمّ نوى الإفطار]

(مسألة 13): لو نوى الصوم ليلًا، ثمّ نوى الإفطار، ثمّ بدا له الصوم قبل الزوال فنوى و صام قبل أن يأتي بمفطر صحّ على الأقوى، (32)

______________________________

و لكن لازم ذلك أنّه لو عزم قبل رمضان على

صوم الشهر كلّه ثمّ ذهل عنه بالكلّية و أتى بالمفطرات في جميع الأيّام- و لكن كان بحيث لو توجّه إليه أمسك عنها- كان صومه في جميع الشهر صحيحاً؛ إذ الإفطار نسياناً لا يضرّ به، كما سيجي ء، و الالتزام بذلك مشكل و إن كان تحقّق هذا الفرض أيضاً أشكل.

(32) هذا صحيح بإطلاقه على ما اخترناه من امتداد وقت النيّة في الواجب المعيّن حتّى للعامد إلى الزوال وفاقاً لما نسب إلى السيّد، «1» و جعله في «الشرائع» «2» أشبه لأنّه مقتضى الأصل على التقرير الثاني. فراجع. و أمّا المصنّف فلا يصحّ منه هذا الكلام بإطلاقه، بل عليه أن يخصّه بغير المعيّن.

ثمّ إنّ الحكم بالصحّة في المسألة إنّما هو بعد الفراغ عن إضرار نيّة القطع كما هو مختار المصنّف، كما سيأتي. و وجه الحكم بالصحّة أنّ إضرار نيّة القطع أو القاطع ليس لكونها من المفطرات بل لاستلزامها وقوع بعض الإمساك بلا نيّة، فإذا تمّت دلالة النصوص على كفاية النيّة قبل الزوال كان مقتضاها الصحّة في المقام.

و بالجملة: فليس المقام أسوأ حالًا ممّن لم ينو أصلًا، ثمّ بدا له الصوم قبل الزوال.

فإن قلت: كفاية النيّة في النهار خلاف الأصل فيقتصر فيها على مورد النصوص

______________________________

(1) جمل العلم و العمل، ضمن رسائل الشريف المرتضى 3: 54 و راجع: مختلف الشيعة 3: 235، المسألة 7.

(2) شرائع الإسلام 1: 188.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 67

..........

______________________________

أو منصرفها أعني من لم ينوه من الليل كما هو المصرّح به في روايتي عبد الرحمن بن الحجّاج. «1»

قلت: المستفاد منها بيان توسعة وقت النيّة فيستفاد منها حكم المقام بالفحوى للقطع بعدم قدح النيّة السابقة؛ هذا. و لكن لأحد أن يقول: إنّه لو سلّم كون الكفاية على خلاف

القاعدة فالتعدّي عن مورد النصوص إلى المقام مشكل؛ إذ لعلّ الحكم بالكفاية من باب الإرفاق، و المستحقّ له من لم ينقدح في نفسه الصوم لسعة وقته ثمّ بدا له، لا من نواه ثمّ نوى الإفطار، و لذا أفتى بعض محشي «العروة» في المسألة بعدم الصحّة. «2»

نعم، على ما اخترناه من كون دائرة النيّة في الصوم وسيعة فالصحّة في المقام على وفق الأصل، فراجع بيان الأصل على التقرير الثاني.

فإن قلت: إنّ الثابت في المقام تحقّق النيّة ثمّ نيّة الإفطار ثمّ النيّة قبل الزوال فهل المضرّ بالصحّة هو الأوّل أو الثاني أو الثالث، لا شكّ أنّ الأوّل و الثالث ملائمان للصوم و الثاني أيضاً غير قادح، فإنّه لا يضرّ إلّا بالنيّة فيصير الإمساك بلا نيّة و المستفاد من الروايات كفاية النيّة قبل الزوال، فمن أين يجي ء احتمال البطلان؟

قلت: لعلّ المضرّ هذا التلوّن فإنّه يجعل الصوم و العبادة لعبة، فافهم.

و في «المستمسك» «3» نسب البطلان إلى الحلبي و «الإرشاد» و عدّة من الأعلام

______________________________

(1) الكافي 4: 122/ 4؛ تهذيب الأحكام 4: 187/ 526؛ وسائل الشيعة 10: 10 و 11، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 2، الحديث 2 و 6.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الصوم (للمنتظري)، در يك جلد، انتشارات ارغوان دانش، قم - ايران، اول، 1428 ه ق

كتاب الصوم (للمنتظري)؛ ص: 67

(2) العروة الوثقى 3: 534.

(3) مستمسك العروة الوثقى 8: 219.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 68

إلّا أن يفسد صومه برياء و نحوه؛ فإنّه لا يجزيه لو أراد التجديد قبل الزوال على الأحوط. (33)

[إذا نوى الصوم ليلًا، لا يضرّه الإتيان بالمفطر بعده]

(مسألة 14): إذا نوى الصوم ليلًا، لا يضرّه (34) الإتيان بالمفطر بعده قبل الفجر، مع بقاء العزم على الصوم.

[في شهر رمضان أن ينوي لكلّ يوم نيّة على حدة]

(مسألة 15): يجوز (35) في شهر رمضان أن ينوي لكلّ يوم نيّة على حدة،

______________________________

و لم أجد من نقل عنهم فتتبّع ذلك.

(33) إذ لعلّ الظاهر من أدلّة الرياء كونه مبطلًا للعمل و مفسداً له و مخرجاً له عن قابلية الانتساب إلى اللّٰه بنيّة لاحقة، و ليس البطلان به من جهة فقد نيّة القربة فقط حتّى يقال بعدم اعتبارها في الصوم من الليل؛ فراجع أدلّة الرياء، «1» حيث يستفاد من بعضها حرمة نفس العمل المرائي به، بل كونه شركاً فلا يصلح للتقرّب به.

(34) و وجهه واضح فإنّ المنوي هو الاجتناب و الإمساك من الفجر لا من حين النيّة. و في «الجواهر» عن «البيان» «2» إضرار مثل التناول و التردّد في مثل الجماع و ما يوجب الغسل و ضعفه ظاهر.

(35) كما هو ظاهر الأصحاب، و مقتضى كون صوم كلّ يوم عبادة مستقلّة، و عن الشهيد الثاني «3» الإشكال في ذلك بناءً على عدم جواز تفريق النيّة على إجزاء العبادة الواحدة و ضعف المبنى ظاهر.

______________________________

(1) راجع: وسائل الشيعة 1: 64- 73، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 11 و 12.

(2) جواهر الكلام 16: 192 و راجع: البيان: 362.

(3) مسالك الأفهام 2: 11.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 69

و الأولى (36) أن ينوي صوم الشهر جملة، و يجدّد النيّة لكلّ يوم، و يقوى (37) الاجتزاء بنيّة واحدة للشهر كلّه، لكن لا يترك الاحتياط بتجديدها لكلّ يوم، و أمّا في غير شهر رمضان من الصوم المعيّن فلا بدّ من نيّته لكلّ يوم؛ إذا كان عليه أيّام كشهر أو أقلّ أو أكثر.

[صوم يوم الشكّ]

(مسألة 16): يوم الشكّ (38) في أنّه من شعبان أو رمضان يبني على أنّه من شعبان،

______________________________

(36) جمعاً بين ما ذكرناه و ما ذكره

الشهيد.

(37) قد عرفت في آخر المسألة 12 حكم المسألة، و لعلّ الفروع المذكورة في المسألة و الإشكال فيها مبتنية على مذاق القوم في النيّة من اعتبار الإخطار المقارن و إلّا فلا إشكال في هذه الفروع كما مرّ. «1»

صوم يوم الشكّ

(38) أقول: صوم يوم الشكّ يتصوّر على وجوه:

الأوّل: أن يصومه من شعبان.

الثاني: أن يصومه في رمضان.

الثالث: أن يصومه مردّداً بينهما، بأن يكون الصورة العلمية المتصوّرة المتعلّقة للنيّة و الإرادة هي الفرد المردّد، و لا يخفى بطلانه بل عدم تعقّله، لأنّ المنوي أمر معقول و الفرد المردّد لا خارجية له، و لا يمكن انطباقه على شي ء ممّا يصدر خارجاً؛ إذ كلّ شي ء فهو هو لا هو أو غيره. و لعلّ هذا الفرض هو المراد بالصورة الثالثة في المتن في المسألة اللاحقة و إلّا فلا وجه للحكم ببطلانها و هو مراد

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 65.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 70

..........

______________________________

«التذكرة» «1» أيضاً، حيث حكي عنها أنّه لو نوى أنّه يصوم عن رمضان أو نافلة لم يجز إجماعاً.

و في «المنتهى»: «لو نوى أنّه واجب أو ندب و لم يعيّن لم يصحّ صومه و لا يجزيه لو خرج من رمضان». «2»

الرابع: أن يصومه بنيّة الواقع و امتثال الأمر الواقعي المتوجّه إليه فعلًا و إن ردّده لفظاً أو نيّة، بعد تحقّق أصل النيّة، و لعلّه المراد بالصورة الرابعة في المتن. و نحوها ما في «المنتهى»: «لو نوى أنّه إن كان من رمضان فهو واجب و إن كان من شعبان فهو ندب. للشيخ قولان ...». «3»

الخامس: أن ينوي الجامع الانتزاعي بين الواجب و الندب، و الفرق بينه و بين الرابع واضح؛ إذ في الرابع قد اشير إلى الخصوصية أيضاً بعنوان إجمالي.

السادس:

أن ينوي الاحتياط لرمضان بأن يكون إمساكه صوماً على فرض كون الزمان من رمضان، و لغواً على فرض عدمه كما في صلاة الظهر المأتي بها احتياطاً.

و ربما يتوهّم الإشكال في تعقّل الفرض الأوّل و الثاني بأنّ النيّة ليست من مقولة اللفظ و لا التصوّر، بل من مقولة التصديق و التصميم، و مع الشكّ كيف يتصوّر التصديق قلباً بكون اليوم من شعبان أو رمضان فكما لا يتصوّر التصديق مع العلم بالخلاف فكذلك مع الشكّ. و الاستصحاب و دليله لا يقتضي إلّا البناء العملي لا التصديق قلباً، و معنى الكفر الجحودي ليس إلّا الإنكار باللسان لا التصديق مع العلم بالخلاف.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 6: 18- 19.

(2) منتهى المطلب 9: 45.

(3) منتهى المطلب 9: 45.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 71

..........

______________________________

و ربما يقال في جواب الإشكال: إنّ اليقين و الظنّ من سنخ الانفعال و للقلب وراء الانفعالات أفعال ليست من سنخها و من جملتها البناء و التصميم و النيّة في أمثال المقام و للبحث عن المسألة مقام آخر.

و كيف كان: فصوم يوم الشكّ مكروه عند الشافعي و مالك، إلّا إذا كان متّصلًا بما قبله من صيام الأيّام أو وافق عادة له في مثل ذلك، «1» بل يستفاد من بعض رواياتنا وجود القول بحرمته في أعصار الأئمّة عليهم السلام، «2» و نسب القول بالكراهة إلى المفيد أيضاً، «3» و لكنّ المشهور عندنا بل المجمع عليه استحبابه بنيّة شعبان و كفايته عن رمضان إذا ظهر كونه منه. و يدلّ عليه أخبار كثيرة «4» و قد مرّ منّا أنّ إجزائه من رمضان على وفق القاعدة و هو المستفاد من قوله عليه السلام في رواية الزهري: «لأنّ الفرض وقع على اليوم بعينه». «5»

نعم، لعلّ

المستفاد من رواية سماعة «6» حيث حكم فيها بكون الإجزاء تفضّلًا خلاف ذلك. فراجع ممّا حرّرناه في المسألة الثالثة من النيّة.

و هل يراد بالصوم بنيّة شعبان الوارد في الأخبار خصوص التطوّع كما هو الظاهر من رواية الزهري «7» أو الأعم منه و من قصد القضاء و النذر و أمثالهما؟ وجهان،

______________________________

(1) الخلاف 2: 170، المسألة 9 و راجع: المجموع 6: 403.

(2) وسائل الشيعة 10: 25- 27، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 6، الحديث 1- 3 و 5 و 6.

(3) راجع: جواهر الكلام 16: 208 و لكن ما في المقنعة الحكم باستحبابه؛ المقنعة: 298.

(4) راجع: وسائل الشيعة 10: 20، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 5.

(5) الكافي 4: 85/ 1؛ الفقيه 2: 47/ 208؛ وسائل الشيعة 10: 22- 23، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 5، الحديث 8.

(6) الكافي 4: 82/ 6؛ تهذيب الأحكام 4: 182/ 508؛ وسائل الشيعة 10: 21، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 5، الحديث 4.

(7) الكافي 4: 85/ 1؛ الفقيه 2: 47/ 208؛ وسائل الشيعة 10: 22- 23، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 5، الحديث 8.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 72

..........

______________________________

و على الأوّل فيشكل إجزاء ما نواه قضاءً أو نذراً عن رمضان إلّا على فرض كون الإجزاء على وفق القاعدة كما حرّرناه.

و بالجملة: فإن صامه بنيّة شعبان أجزأ عن رمضان قطعاً، و إن صامه بنيّة رمضان ففي «الخلاف» «1» و عن القديمين «2» أيضاً الإجزاء عنه، و المشهور هو العدم، و يدلّ عليه أخبار كثيرة «3» مضافاً إلى ما قيل من كونه تشريعاً محرّماً بناءً على سراية حرمة التشريع إلى

ذات العمل.

و البحث عن باقي الفروض قليل الجدوى، إلّا الفرض الرابع و قد اختلف فيه الأصحاب على قولين، و الأقوى هو الصحّة كما يقتضيه القاعدة لتحقّق قصد الامتثال، بل خصوصية المأمور به أيضاً بعنوان إجمالي كما في سائر موارد القصد الإجمالي، بل لعلّ طبع الشاكّ لو خلّي و طبعه أيضاً يقتضي قصد الواقع فينصرف إليه المطلقات الواردة في المسألة الآمرة بصوم يوم الشكّ من دون تعرّض لما ينويه، و لا أقلّ من كونه مشمولًا لها بعد كونها في مقام البيان، بل لعلّه المستفاد من روايتي الكاهلي «4» و النبّال «5» و رواية أبي الصلت. «6»

______________________________

(1) الخلاف 2: 180، المسألة 23.

(2) راجع: مختلف الشيعة 3: 250، المسألة 16.

(3) وسائل الشيعة 10: 20، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 5.

(4) الكافي 4: 81/ 1؛ تهذيب الأحكام 4: 181/ 505؛ وسائل الشيعة 10: 20، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 5، الحديث 1.

(5) الكافي 4: 82/ 5؛ تهذيب الأحكام 4: 181/ 504؛ وسائل الشيعة 10: 21، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 5، الحديث 3.

(6) المقنعة: 299؛ وسائل الشيعة 10: 300، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 16، الحديث 6.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 73

..........

______________________________

و لا يخفى أنّ التتبّع في أخبار صوم يوم الشكّ بكثرتها يوجب الاطمينان بشيوع فتوى أو توهّم إفراطي و اخرى تفريطي في عصر الأئمّة عليهم السلام و كانت الأئمّة عليهم السلام بصدد إبطالهما.

فالأوّل: توهّم وجوب صوم يوم الشكّ بقصد رمضان احتياطاً له و اهتماماً به كما هو المتراءى من بعض العوام أيضاً، حيث يستنكرون إفطار يوم الشكّ.

و الثاني: توهّم مرجوحيّة صومه حرمةً أو كراهةً، فما في بعض

الأخبار من النهي عن أن ينفرد الإنسان بصيامه كما في رواية سماعة «1» و الزهري الطويلة، «2» و عن أن يصومه على أنّه من شهر رمضان كما في رواية الزهري بنقل الشيخ نفسه، «3» بل المستفاد من أكثر أخبار الباب السادس من «الوسائل»، «4» و قوله عليه السلام: «لا يعجبني أن يتقدّم أحد بصيام يوم»، «5» و قوله عليه السلام: «من ألحق في رمضان يوماً من غيره»، «6» و قوله عليه السلام: «أن أصوم يوماً من شعبان أزيده في شهر رمضان» «7» ينظر كلّها إلى التوهّم

______________________________

(1) الكافي 4: 82/ 6؛ تهذيب الأحكام 4: 182/ 508؛ وسائل الشيعة 10: 21، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 5، الحديث 4.

(2) الكافي 4: 85/ 1؛ الفقيه 2: 47/ 208؛ وسائل الشيعة 10: 22، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 5، الحديث 8.

(3) الفقيه 2: 46/ 208.

(4) وسائل الشيعة 10: 25، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 6.

(5) وسائل الشيعة 10: 27، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 6، الحديث 7 و 263، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 5، الحديث 7.

(6) تهذيب الأحكام 4: 161/ 454؛ وسائل الشيعة 10: 27، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 6، الحديث 6 و 266، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 5، الحديث 16 و 298، الباب 16 منه، الحديث 1.

(7) الفقيه 2: 79/ 349؛ وسائل الشيعة 10: 28، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 6، الحديث 8.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 74

فلا يجب صومه، و إن صام ينويه ندباً أو قضاءً أو غيرهما، و لو بان بعد ذلك أنّه من

رمضان أجزأ عنه و وجب عليه تجديد النيّة (39) إن بان في أثناء النهار و لو كان بعد الزوال، و لو صامه بنيّة أنّه من رمضان لم يصحّ و إن صادف الواقع.

______________________________

الأوّل و الزجر عنه، و ما في كثير من الأخبار من الترغيب في صومه ينظر إلى الثاني و الزجر عنه.

و كيف كان: فمحطّ النظر في أخبار المسألة بكثرتها المذكورة في «الوسائل»، في الباب 5 و 6 من أبواب النيّة و الباب 16 من أحكام شهر رمضان، دفع التوهّمين المذكورين و لم يرد بها الردع تعبّداً عن الإتيان بالصوم بقصد الواقع الذي هو مقتضى طبع الشاكّ لو خلي و طبعه، و الحصر في قوله عليه السلام في رواية سماعة: «و إنّما ينوي من الليلة أنّه يصوم من شعبان» «1» إضافي في مقابل قصد رمضان المذكورة قبل هذه الفقرة، فراجع و تدبّر.

(39) في «الجواهر»: «إنّ إطلاق النصّ و الفتوى يقتضي الاجتزاء و إن لم يجدّد النيّة»، ثمّ حكى عن «الدروس» و «المعتبر» وجوب التجديد. «2»

أقول أوّلًا: إنّ العالم بعدم جواز الإتيان في رمضان بصوم غيره ينقدح له قصد رمضان قهراً إذا فرض بقاء قصد الصوم في نفسه.

و ثانياً: البحث عن وجوب تجديد النيّة إنّما يتمّ على فرض كون الصوم منعقداً

______________________________

(1) الكافي 4: 82/ 6؛ تهذيب الأحكام 4: 182/ 508؛ وسائل الشيعة 10: 21، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 5، الحديث 4.

(2) جواهر الكلام 16: 211 و راجع: الدروس الشرعية 1: 267؛ المعتبر 2: 651.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 75

[صوم يوم الشكّ يتصوّر على وجوه]

(مسألة 17): صوم يوم الشكّ (40) يتصوّر على وجوه: الأوّل: أن يصوم على أنّه من شعبان، و هذا لا إشكال فيه؛ سواء نواه

ندباً أو بنيّة ما عليه من القضاء أو النذر أو نحو ذلك، و لو انكشف بعد ذلك أنّه كان من رمضان أجزأ عنه و حسب كذلك. الثاني: أن يصومه بنيّة أنّه من رمضان، و الأقوى بطلانه و إن صادف الواقع. الثالث: أن يصومه على أنّه إن كان من شعبان كان ندباً أو قضاءً مثلًا و إن كان من رمضان كان واجباً، و الأقوى بطلانه أيضاً.

______________________________

على ما نواه، و كون إجزائه عن رمضان على خلاف القاعدة، و أمّا على ما اخترناه من عدم كون حيثية رمضان قصدياً و كون الصوم منعقداً عن رمضان إذا فرض كون الزمان منه واقعاً فلا يبقى مجال لهذا البحث.

و بالجملة: إن كان هذا الصوم منعقداً عمّا نواه و كان إجزاؤه عن رمضان على خلاف القاعدة كان للبحث عن وجوب تجديد النيّة مجال. و الحقّ فيه مع صاحب «الجواهر» لإطلاق النصّ و الفتوى بالإجزاء عن رمضان و إن كان منعقداً عن رمضان واقعاً، و إن لم ينوه كما هو المختار فلا معنى لتجديد النيّة.

فإن قلت: نختار الشقّ الأوّل و نمنع الإطلاق لصورة انكشاف الخلاف في الأثناء.

قلت: لازم ذلك عدم الحكم بالإجزاء، إذا فرض كونه على خلاف القاعدة لعدم الدليل عليه.

اللهمّ إلّا أن يحكم بالإطلاق و كون الروايات في مقام البيان بالنسبة إلى الإجزاء و لو في هذه الصورة، و لا ينافي ذلك عدم كونها في مقام البيان بالنسبة إلى النيّة فالمتّبع بالنسبة إليها أدلّة اعتبارها و اعتبار التعيين فيها، فتدبّر.

(40) مرّ البحث عنها في أوائل مسألة 16.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 76

الرابع: أن يصومه بنيّة القربة المطلقة بقصد ما في الذمّة و كان في ذهنه أنّه إمّا من رمضان أو غيره؛ بأن

يكون الترديد في المنويّ لا في نيّته، فالأقوى صحّته و إن كان الأحوط خلافه.

[لو أصبح يوم الشكّ بنيّة الإفطار]

(مسألة 18): لو أصبح يوم الشكّ بنيّة الإفطار، ثمّ بان له أنّه من الشهر، فإن تناول المفطر وجب عليه القضاء، و أمسك بقيّة النهار (41)

______________________________

(41) كما في «النهاية»، «1» و يدلّ عليه قوله عليه السلام في رواية يوم الشكّ المروي بطرق العامّة: «من لم يأكل فليصم و من أكل فليمسك بقيّة نهاره» «2» إذا فرض جبران ضعفه بالعمل و إلّا فالحكم بوجوب الإمساك بلا دليل.

نعم، رجحانه المطلق يستفاد من رجحان الإمساك في المسافر الذي دخل أهله و قد أكل كما في موثّق سماعة، «3» فإنّ رجحان الإمساك فيمن لم يجب عليه الصوم يقتضي الحكم بالرجحان فيمن وجب عليه بطريق أولى، و ادّعاء الإجماع في المسألة «4» بلا وجه. و إجماع «الخلاف» ليس في هذه المسألة، بل في الفرع التالي. «5» و كذلك كلام العلّامة في «المنتهى» و «التذكرة»، «6» و الملازمة بين الفرعين

______________________________

(1) النهاية: 152.

(2) صحيح مسلم 2: 499/ 1135؛ صحيح البخاري 3: 98، الباب 155؛ سنن النسائي 2: 160، الباب 107؛ مسند أحمد 13: 50/ 16478؛ سنن البيهقي 4: 288؛ الموطّأ 1: 299/ 34.

(3) الكافي 4: 82/ 6؛ تهذيب الأحكام 4: 182/ 508؛ وسائل الشيعة 10: 21، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 5، الحديث 4.

(4) مستمسك العروة الوثقى 8: 228.

(5) الخلاف 2: 178- 179، المسألة 20.

(6) منتهى المطلب 9: 46؛ تذكرة الفقهاء 6: 19.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 77

وجوباً تأدّباً، و كذا لو لم يتناوله (42) و لكن كان بعد الزوال، و إن كان قبل الزوال و لم يتناول المفطر جدّد النيّة و أجزأ عنه.

______________________________

ممنوعة؛ لأنّ

وجوب الإمساك فيمن لم يتناول لا يقتضي وجوبه فيمن تناول، و قد اشتبه في «المستمسك» «1» حيث حكى إجماع «الخلاف» و كلام العلّامة في هذا الفرع، فراجع. و كيف كان: فالأحوط هو الإمساك.

(42) في «الخلاف»: «و إن بان بعد الزوال أمسك بقيّة النهار و كان عليه القضاء».

ثمّ قال بعد كلام طويل: «دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم». «2» و يحتمل كون الدليل لأصل المسألة لا لهذا الفرع.

و في «المنتهى»: «و لو ظهر له ذلك بعد الزوال أمسك بقيّة نهاره و وجب عليه القضاء- إلى أن قال- و روي عن عطاء أنّه قال: يأكل بقيّة يومه. و لا نعلم أحداً قاله سواه إلّا في رواية عن أحمد»، «3» انتهى.

و نحوه في «التذكرة» «4» و أفتى بذلك في «الشرائع» «5» أيضاً؛ فإن تمّ الإجماع و عدم الخلاف المذكورين فهو، و إلّا فالحكم بوجوب الإمساك مشكل. و التمسّك له بقاعدة الميسور أشكل؛ إذ المراد به كما حقّق في محلّه الميسور من الأفراد لا الأجزاء.

______________________________

(1) راجع: مستمسك العروة الوثقى 8: 228.

(2) الخلاف 2: 179، المسألة 20.

(3) منتهى المطلب 9: 46.

(4) تذكرة الفقهاء 6: 19- 20.

(5) شرائع الإسلام 1: 188.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 78

[لو صام يوم الشكّ بنيّة أنّه من شعبان]

(مسألة 19): لو صام يوم الشكّ بنيّة أنّه من شعبان؛ ندباً أو قضاءً أو نحوهما، ثمّ تناول المفطر نسياناً، و تبيّن بعده أنّه من رمضان أجزأ عنه أيضاً، و لا يضرّه (43) تناول المفطر نسياناً، كما لو لم يتبيّن، و كما لو تناول المفطر نسياناً بعد التبيّن.

______________________________

اللهمّ إلّا أن يحكم بكون المتنازع فيه صوماً شرعياً يعتبر فيه النيّة و توابعها و إن لم يسقط القضاء، حيث إنّه صوم في بعض اليوم، و قد حكي ذلك عن

«المسالك». «1» و يمكن أن يستدلّ له بقوله عليه السلام في رواية هشام بن سالم: «و إن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى» «2» بناءً على إطلاقه لمطلق الصوم حتّى للواجب المعيّن، و عليه فيكون الرواية بنفسها دليلًا مستقلًاّ للوجوب مع قطع النظر عن قاعدة الميسور أيضاً لوجوب صوم رمضان و إن كان بعض الصوم.

و بالجملة: بعد صيرورة المتنازع فيه مصداقاً للصوم و إن كان ناقصاً بمقتضى الرواية يدلّ على وجوبه كلّ من قاعدة الميسور و أدلّة وجوب الصوم في رمضان لغير ذوي الأعذار.

(43) إذ لو كان صومه منعقداً عمّا نواه شمله إطلاق ما دلّ على عدم إضرار الإتيان بالمفطرات نسياناً و إن كان منعقداً عن رمضان و كان إجزاؤه عنه على وفق القاعدة كما قوّيناه، فعدم إضراره أوضح؛ لأنّه المتيقّن من الأدلّة.

______________________________

(1) مسالك الأفهام 2: 14.

(2) تهذيب الأحكام 4: 188/ 532؛ وسائل الشيعة 10: 12، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 2، الحديث 8.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 79

[لو صام بنيّة شعبان ثمّ أفسد صومه]

(مسألة 20): لو صام بنيّة شعبان ثمّ أفسد صومه برياء و نحوه لم يجزه (44) عن رمضان، و إن تبيّن له كونه منه قبل الزوال.

[إذا صام يوم الشكّ بنيّة شعبان، ثمّ نوى الإفطار]

(مسألة 21): إذا صام يوم الشكّ بنيّة شعبان، ثمّ نوى الإفطار و تبيّن كونه من رمضان قبل الزوال قبل أن يفطر فنوى صحّ صومه، (45) و أمّا إن نوى الإفطار في يوم من شهر رمضان عصياناً، ثمّ تاب فجدّد النيّة قبل الزوال لم ينعقد صومه، (46)

______________________________

(44) مرّ وجهه في ذيل المسألة 13، فراجع. «1»

و المصنّف أفتى بالبطلان في المقام، و في المسألة 13 جعل البطلان أحوط.

(45) الحكم بالصحّة في المقام بعد الفراغ عن كون نيّة الإفطار مضرّاً و إلّا فوجه الصحّة أوضح، و قد مرّ حكم المسألة في المسألة 13، و يمكن أن يقال: بكون مورد البحث مشمولًا لقوله صلى الله عليه و آله و سلم: «من لم يأكل فليصم»، «2» فتأمّل.

(46) قد مرّ في المسألة 13 أنّ المنسوب إلى المرتضى رحمه الله هو الحكم بالصحّة، «3» و في «الشرائع» جعلها أشبه، «4» و هي الأقوى كما يقتضيه تقرير الأصل على النحو الثاني، فراجع ما حرّرناه في تلك المسألة. «5»

و لا يخفى: أنّ مقتضى الحكم بالصحّة عدم العصيان و إن عبّر به المصنّف. نعم،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 67.

(2) صحيح مسلم 2: 499/ 1135؛ صحيح البخاري 3: 98، الباب 155؛ سنن النسائي 2: 160، الباب 107؛ مسند أحمد 13: 50/ 16478؛ سنن البيهقي 4: 288؛ الموطّأ 1: 299/ 34.

(3) جمل العلم و العمل، ضمن رسائل الشريف المرتضى 3: 53؛ مختلف الشيعة 3: 235، المسألة 7.

(4) شرائع الإسلام 1: 188.

(5) تقدّم في الصفحة 66- 67.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 80

و كذا لو

صام (47) يوم الشكّ بقصد واجب معيّن ثمّ نوى الإفطار عصياناً ثمّ تاب فجدّد النيّة بعد تبيّن كونه من رمضان قبل الزوال.

______________________________

يتحقّق التجرّي. ثمّ الحكم في المسألة أيضاً بعد الفراغ عن كون نيّة الإفطار مضرّة و إلّا فلا إشكال في الصحّة.

(47) في بعض حواشي «العروة» حكم بالصحّة، «1» و يمكن أن توجّه بأنّ ما نواه لم ينعقد لعدم صلوح الزمان له، فنيّة إفطاره لم تكن عصياناً بل كان تجرّياً، و وقت النيّة لرمضان أيضاً باقٍ فيصحّ إذا نواه.

و وجه البطلان: أمّا أوّلًا فإنّ صومه انعقد من أوّل الأمر رمضاناً، لعدم كونه من العناوين القصدية فيصير من مصاديق الفرع الذي قبله.

فإن قلت: صوم رمضان لم يتنجّز في حقّه لجهله بالموضوع.

قلت: لا نسلّم ذلك، فإنّه و إن لم يتنجّز عليه بعنوانه و لكن تنجّز بعنوان آخر، و يكفي في تنجّز التكليف العلم به و إن كان بعنوان آخر.

و أمّا ثانياً: فلانصراف ما دلّ على إجزاء النيّة في النهار عن مثل المقام بعد كونه على خلاف القاعدة، و لعلّه كان للإرفاق، و لا يستحقّ ذلك من نوى الإفطار عصياناً.

اللهمّ إلّا أن ينكر كونه على خلاف القاعدة بعد تقرير الأصل في مسألة وقت النيّة على النحو الثاني، فتدبّر.

______________________________

(1) العروة الوثقى 3: 539.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 81

[حكم نيّة القطع أو القاطع]

(مسألة 22): لو نوى القطع أو القاطع (48) في الصوم الواجب المعيّن بطل صومه؛ سواء نواهما من حينه أو فيما يأتي،

______________________________

حكم نيّة القطع أو القاطع

(48) في «الخلاف» ما حاصله: إذا نوى في أثناء النهار أنّه قد ترك الصوم أو عزم على أن يفعل ما ينافي الصوم لم يبطل صومه و كذلك الصلاة و إنّما يبطلان بفعل ما ينافيهما و به قال أبو

حنيفة، و قال أبو حامد الإسفرائيني: يبطلان. دليلنا: أنّ نواقض الصوم و الصلاة قد نصّ لنا عليها، «1» انتهى.

و في «المختلف» بعد ما حكى الصحّة عن الشيخ في «مبسوطه» «2» و «خلافه» حكى عن أبي الصلاح «3» فساد صومه و لزوم القضاء و الكفّارة معاً، ثمّ حكم نفسه بوجوب القضاء دون الكفّارة. «4»

أقول: هنا ثلاث امور:

الأوّل: أن ينوي القطع بأن يصمّم على رفع اليد عن الصوم فكما أنّه قبل الفجر صمّم على الصوم في عزمه فكذلك يصمّم فعلًا على عدم كونه صائماً بحيث لو اتّفق له أحد المفطرات لم يرتدع عنه. و بعبارة اخرى: ينشأ في نفسه رفع اليد عمّا تلبّس به على نحو ما أنشأ الدخول فيه.

______________________________

(1) الخلاف 2: 222، المسألة 89.

(2) المبسوط 1: 278.

(3) الكافي في الفقه: 182.

(4) راجع: مختلف الشيعة 3: 254- 255، المسألة 19.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 82

..........

______________________________

الثاني: أن ينوي القطع فيأتي بأحد المفطرات لتحصيله، فالقطع مراد ذاتاً و المفطر مراد له من باب المقدّمية كما هو شأن بعض العوام، حيث يرون القطع متوقّفاً على الإتيان بأحدها و لا ينقدح في أنفسهم حصوله بصرف إنشاء رفع اليد عن الصوم فهو يرى نفسه صائماً ما لم يتحقّق المفطر خارجاً.

الثالث: أن ينوي نفس المفطر كالأكل و نحوه، فمراده سدّ الجوع مثلًا لا قطع الصوم و إن التفت إلى استلزامه له.

ففي «الجواهر» حكم بحصول البطلان بالأوّل دون الأخيرين لاستلزام الأوّل خلوّ الزمان المزبور عن النيّة دونهما، بل الواقع عند التأمّل يؤكّدها؛ إذ يرى نفسه بعدُ صائماً ما لم يحصل المفطر خارجاً.

ثمّ قال: «و دعوى كون المعتبر في الصحّة العزم في سائر الأزمنة على الامتثال بالصوم في سائر أوقات اليوم لا نعرف لها مستنداً».

«1»

أقول: إن قلنا: بأنّ دائرة الصوم من حيث النيّة وسيعة- كما هو المستفاد من الروايات المختلفة الواردة في أصنافه الثلاثة كما مرّ في محلّه، «2» و إنّما ثبت بالإجماع و الأخبار اعتبار نيّة ما فيه و إذا شكّ في اعتبار الاستدامة فيه كان مقتضى الأصل عدم اعتبارها- لزم من ذلك صحّة الصوم في نيّة القطع بقسميه و كذا نيّة القاطع.

و إن قلنا: بأنّ الصوم من العبادات و المعتبر فيها بقاء النيّة و استدامتها و لو شأناً إلى آخر العمل، لزم منه البطلان في الجميع، لاستلزام كلّ منها خلوّ الزمان المزبور عن

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 215.

(2) تقدّم في الصفحة 58- 59.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 83

..........

______________________________

النيّة. و رؤيته نفسه صائماً في الأخيرين لا تكفي بعد ما لم تعزم على إدامته، فإنّ النيّة يجب أن تتعلّق بالمأمور به لا الأجزاء، و المأمور به في المقام هو الصوم الشرعي أعني الإمساك من الفجر إلى الليل فلا يكفي توزيع النيّة على الأجزاء ما لم ينو ذات المأمور به بوحدته. و ناوي القطع أو القاطع و كذا المتردّد فيهما ليس بناوٍ للصوم قطعاً فإنّ نيّة أحد الضدّين تنافي نيّة الضدّ الآخر.

و بالجملة: ففي كلّ زمان اعتبر فيه النيّة يجب أن تتعلّق بالمركّب بجميع أجزائه فإنّه المأمور به بما أنّه أمر وحداني كما قرّر في محلّه. «1»

و أمّا ما اختاره بعض الأساتذة «2» في حاشيته على «العروة» حيث حكم بالصحّة في القسم الثالث و البطلان في الأوّلين فلا أعرف له وجهاً.

اللهمّ إلّا أن يستدلّ للبطلان في الأوّلين بما ذكر من خلوّ الزمان عن النيّة و للصحّة في الثالث: بأنّ المستفاد من أخبار المفطرات إسناد الإفطار إلى أنفسها و لو كان

نفس قصدها مفطراً استند المفطرية إليه دائماً لسبقه عليها.

فإن قلت: التعبير المذكور بلحاظ أصل ماهية الصوم، فإنّ المنافي لها استعمال نفس المفطر، أمّا فوات النيّة فإنّما ينافي صحّتها لا أصلها، لأنّ النيّة بحكم الشرط.

قلت: و إن أمكن حمل بعض الأخبار على كونها لبيان الماهية، و لكنّ المستفاد من كثير منها كونها بصدد بيان ما هو المفطر فعلًا، فيستفاد منها عدم كون قصد المفطر بنفسه مفطراً ما لم يتعقّبه نفسه، فتدبّر.

و كيف كان: فالأقوى في النظر عاجلًا هو الصحّة لأصالة البراءة عن وجوب

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 62.

(2) العروة الوثقى 3: 539.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 84

و كذا لو تردّد. نعم، لو كان تردّده من جهة الشكّ في بطلان صومه و عدمه لعروض عارض لم يبطل (49) و إن استمرّ ذلك إلى أن يسأل، و لا فرق في البطلان بنيّة القطع أو القاطع أو التردّد بين أن يرجع إلى نيّة الصوم قبل الزوال أم لا، و أمّا في غير الواجب المعيّن فيصحّ لو رجع قبل الزوال.

______________________________

الاستدامة شرطاً و وجوب القضاء لو أخلّ بها و أمر الصوم من حيث النيّة وسيع، و لذا يجتزئ بالنيّة في بعض النهار و يحكم بصحّة صوم النائم و الغافل المحض.

و بالجملة: فالشكّ خفيف المئونة و الحكم فيه البراءة. هذا كلّه حكم نيّة القطع و القاطع و مثله حكم الترديد في الإدامة.

اللهمّ إلّا أن يكون الترديد على نحو لا ينافي العزم على الصوم و لو رجاءً، هذا.

و قد يستدلّ على الصحّة «1» في المقام بالحصر الوارد في صحيحة محمّد بن مسلم: «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال: الطعام و الشراب و النساء و الارتماس في الماء». «2» و لا

يخفى ما فيه، فإنّ الحكم بالبطلان في المقام على فرض القول به ليس لعدّ نيّة القطع في عداد المفطرات، بل لكونها مستلزمة للإخلال بالنيّة المعتبرة شرطاً، فافهم و تأمّل.

(49) إذا لم يستتبع الشكّ في البطلان تردّداً له فعلًا في رفع اليد عن صومه.

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 214- 215.

(2) الفقيه 2: 67/ 276؛ راجع: تهذيب الأحكام 4: 189/ 535 و 202/ 584 و 318/ 971؛ وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1 و 167، أبواب آداب الصائم، الباب 11، الحديث 14.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 85

[لا يجب معرفة كون الصوم هو ترك المفطرات]

(مسألة 23): لا يجب معرفة كون الصوم هو ترك المفطرات مع النيّة أو كفّ النفس عنها معها.

[عدم جواز العدول]

(مسألة 24): لا يجوز العدول (50) من صوم إلى صوم- واجبين كانا أو مستحبّين أو مختلفين- و تجديد نيّة رمضان إذا صام يوم الشكّ بنيّة شعبان ليس من باب العدول،

______________________________

عدم جواز العدول

(50) فإنّه يشبه انقلاب الماهية و هو محال في التكوينيات، و على خلاف الأصل في الاعتباريات المتقوّمة بالاعتبار و القصد فلا يلتزم به إلّا بدليل كما في العدول من اللاحقة إلى السابقة في باب الصلاة.

و في «المستمسك»: «إنّ هذا يختصّ بما بعد زمان انعقاد المعدول إليه، أمّا قبل زمان انعقاده- كما لو عدل إلى واجب غير معيّن قبل الزوال- فلا مانع فيه؛ إذ المعدول عنه إن كان غير معيّن فلا تعيّنه النيّة قبل الزوال، و إن كان معيّناً فنيّة العدول كنيّة المفطر مفسدة له، فلا مانع من تجديد النيّة لغيره ...». «1»

و محصّل كلامه- مدّ ظلّه-: إنّ العدول ينحلّ إلى رفع اليد عمّا سبق و تجديد النيّة لما يأتي، فجوازه تابع لوقت التجديد.

أقول: لا نسلّم انحلال العدول إلى ما ذكر، فإنّ إنشاء رفع اليد عن السابق و تجديد النيّة للّاحق أمر و العدول أمر آخر، فحقيقة الأوّل إبطال الصوم الأوّل برفع اليد عنه في النيّة بناءً على بطلان الصوم بنيّة القطع و تجديد لصوم آخر، و هذا بخلاف

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 8: 232.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 86

بل من جهة (51) أنّ وقتها موسّع لغير العالم به إلى الزوال.

______________________________

العدول؛ إذ حقيقته قلب ماهيةٍ بصورتها النوعية إلى ماهية اخرى فليس فيه إنشاء رفع اليد عن الصوم، بل المقصود إبقاؤه بجنسه و تبديل فصله بفصل آخر في النيّة،

بحيث ينقلب بحسب ما مضى و يأتي. و جواز تجديد النيّة لبعض الصيام نهاراً بمقتضى بعض الأخبار لا يستلزم جواز العدول بعد كون كلّ منهما على خلاف الأصل، فتدبّر.

(51) هذا مخالف لما مرّ منه قدس سره من وجوب تجديد النيّة و لو بان بعد الزوال، و قد مرّ منّا البحث عن وجوب التجديد و عدمه، فراجع المسألة 16.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 87

[فصل: فيما يجب الإمساك عنه في الصوم من المفطرات]

اشارة

فصل: فيما يجب الإمساك عنه في الصوم من المفطرات

و هي امور:

[الأوّل و الثاني: الأكل و الشرب]

[مفطرية الأكل و الأشرب]

الأوّل و الثاني: الأكل و الشرب؛ (1) من غير فرق في المأكول و المشروب بين المعتاد كالخبز و الماء و نحوهما و غيره كالتراب و الحصى (2)

______________________________

مفطرية الأكل و الأشرب

(1) يدلّ على مفطريتهما و مفطرية الجماع الكتاب العزيز «1» مضافاً إلى الإجماع و السنة. «2»

(2) على المشهور شهرة عظيمة، بل لم ينقل الخلاف فيه إلّا عن الإسكافي و المرتضى «3» فلم يوجبا فيما حكي عنهما القضاء و الكفّارة، و عن بعض أصحابنا فأوجب القضاء فقط.

______________________________

(1) البقرة (2): 187.

(2) راجع: وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1.

(3) جمل العلم و العمل، ضمن رسائل الشريف المرتضى 3: 54؛ مسائل الناصريات: 294، المسألة 129.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 88

..........

______________________________

ففي «المختلف»: «قال الشيخ في «المبسوط»: يجب القضاء و الكفّارة بأكل المعتاد كالخبز و اللحم و غيره كالتراب و الحجر و الفحم و الحصى و الخزف و البرد و غير ذلك و شرب المعتاد كالمياه و الأشربة المعتادة و غيره كماء الشجر و الفواكه و ماء الورد و غيرها. «1» و به قال المفيد و ابن حمزة و ابن إدريس. «2» و قال السيّد المرتضى: الأشبه أنّه ينقض الصوم و لا يبطله، «3» و اختاره ابن الجنيد. و نقل السيّد عن بعض أصحابنا: أنّه يوجب القضاء خاصّة». «4»

و في «الخلاف»: «إذا أكل ما لا يؤكل باختياره كالخزف و الخرق و الطين و الخشب و الجوهر أو شرب غير مشروب كماء الشجر و الورد و العرق، كلّ هذا يفطر و هو قول جميع الفقهاء إلّا الحسن بن صالح بن حيّ فإنّه قال: لا يفطر

إلّا المأكول المعتاد ...». «5»

و فيه: «من أكل البرد النازل من السماء أفطر، و به قال جميع الفقهاء. و حكي عن أبي طلحة الأنصاري أنّه كان يقول: لا يفطر. دليلنا: إجماع المسلمين فإنّ هذا الخلاف قد انقرض»، «6» هذا.

و في «الناصريات»: «و لا خلاف فيما يصل إلى جوف الصائم من جهة فمه إذا اعتمد أنّه يفطره مثل الحصاة و الخرزة و ما لا يؤكل و لا يشرب و إنّما يخالف في ذلك الحسن بن صالح، و قال: إنّه لا يفطر. و روي نحوه عن أبي طلحة. و الإجماع متقدّم

______________________________

(1) المبسوط 1: 270.

(2) المقنعة: 344- 345؛ الوسيلة: 142؛ السرائر 1: 377.

(3) جمل العلم و العمل، ضمن رسائل الشريف المرتضى 3: 54.

(4) مختلف الشيعة 3: 257، المسألة 21.

(5) الخلاف 2: 212، المسألة 71.

(6) الخلاف 2: 213، المسألة 72.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 89

و عصارة الأشجار و نحوها، و لا بين الكثير و القليل كعشر حبّة الحنطة أو عشر قطرة من الماء أو غيرها من المائعات، حتّى أنّه لو بلّ الخيّاط الخيط بريقه أو غيره ثمّ ردّه إلى الفم و ابتلع ما عليه من الرطوبة بطل صومه، إلّا إذا استهلك ما كان عليه من الرطوبة بريقه على وجه لا يصدق عليه الرطوبة الخارجية، و كذا لو استاك و أخرج المسواك من فمه و كان عليه رطوبة ثمّ ردّه إلى الفم، فإنّه لو ابتلع ما عليه بطل صومه، إلّا مع الاستهلاك على الوجه المذكور، و كذا يبطل بابتلاع ما يخرج من بقايا الطعام من بين أسنانه.

[لا يجب التخليل بعد الأكل لمن يريد الصوم]

(مسألة 1): لا يجب التخليل بعد الأكل لمن يريد الصوم و إن احتمل أنّ تركه يؤدّي إلى دخول البقايا بين الأسنان في

حلقه، و لا يبطل صومه لو دخل بعد ذلك سهواً، نعم لو علم أنّ تركه يؤدّي إلى ذلك وجب عليه و بطل صومه على فرض الدخول.

[لا بأس ببلع البصاق و إن كان كثيراً مجتمعاً]

(مسألة 2): لا بأس ببلع البصاق و إن كان كثيراً مجتمعاً، بل و إن كان اجتماعه بفعل ما يوجبه- كتذكّر الحامض مثلًا- لكنّ الأحوط الترك في صورة الاجتماع، خصوصاً مع تعمّد السبب.

[لا بأس بابتلاع ما يخرج من الصدر من الخلط]

(مسألة 3): لا بأس بابتلاع ما يخرج من الصدر من الخلط، و ما ينزل من الرأس ما لم يصل إلى فضاء الفم، بل الأقوى جواز الجرّ من الرأس إلى الحلق و إن كان الأحوط تركه، و أمّا ما وصل منهما إلى فضاء الفم فلا يترك الاحتياط فيه بترك الابتلاع.

______________________________

و متأخّر عن «الخلاف» فسقط حكمه»، «1» انتهى. و هذا يناقض ما حكي عنه في «المختلف»، و كيف كان: فحصول الإفطار بما صدق عليه الأكل و الشرب و إن كان المأكول و المشروب غير معتادين مشتهر، بل ادّعي عليه الإجماع في كلمات

______________________________

(1) مسائل الناصريات: 294، المسألة 129.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 90

[المدار صدق الأكل و الشرب]

(مسألة 4): المدار صدق الأكل و الشرب و إن كان بالنحو الغير المتعارف، فلا يضرّ مجرّد الوصول إلى الجوف إذا لم يصدق الأكل أو الشرب، كما إذا صبّ دواءً في جرحه، أو شيئاً في اذنه أو إحليله فوصل إلى جوفه، نعم إذا وصل من طريق أنفه فالظاهر أنّه موجب للبطلان إن كان متعمّداً؛ لصدق الأكل و الشرب حينئذٍ.

[لا يبطل الصوم بإنفاذ الرمح أو السكّين]

(مسألة 5): لا يبطل الصوم بإنفاذ الرمح أو السكّين أو نحوهما بحيث يصل إلى الجوف و إن كان متعمّداً.

[الثالث: الجماع]

اشارة

الثالث: الجماع (3)

______________________________

كثير. «1» و يدلّ عليه سيرة المتشرّعة و ارتكازهم، فتدبّر.

الوطء في الدبر يوجب الغسل أم لا؟

(3) مفطريته إجمالًا ممّا لا شكّ فيه، و يدلّ عليه الكتاب و السنة و الإجماع من المسلمين، و حيث إنّ للمسألة كمال ارتباط بباب وجوب الغسل فالأولى تنقيح تلك المسألة أوّلًا ثمّ بيان المقام، فنقول و به الاعتصام: جماع المرأة في قبلها مع الإنزال يوجب الغسل بلا خلاف بين المسلمين و إن لم ينزل فكذلك عندنا و عند المشهور من العامّة و فقهائهم.

قال في «الخلاف»: «إذا التقى الختانان وجب الغسل سواء أنزل أو لم ينزل، و به قال جميع الفقهاء إلّا داود و قوماً ممّن تقدّم مثل أبي سعيد الخدري و ابي بن كعب و زيد بن ثابت و غيرهم. دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم و طريقة الاحتياط تقتضيه

______________________________

(1) راجع: السرائر 1: 377؛ منتهى المطلب 9: 54؛ تذكرة الفقهاء 6: 21.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 91

..........

______________________________

أيضاً، و روى أبو هريرة أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «إذا قعد بين شعبها الأربع و التصق ختانه بختانها فقد وجب الغسل أنزل أو لم ينزل ...» .. «1»

الأخبار من طرقنا في هذه المسألة كثيرة، فراجع «الوسائل». «2»

و أمّا وطء المرأة في دبرها ففي إيجابه للغسل خلاف، و قد حكي عن فقهاء أهل الخلاف و المشهور من أصحابنا أنّه يوجبه.

قال في «الخلاف»: «إذا أدخل ذكره في دبر امرأة أو رجل أو في فرج بهيمة أو فرج ميتة فلأصحابنا في الدبر روايتان إحداهما: أنّ عليه الغسل، و به قال جميع الفقهاء. و الاخرى: لا غسل عليه و لا على المفعول به، و لا يوافقهم على هذه الرواية أحد، فأمّا فرج الميتة فلا نصّ

لهم فيه أصلًا، و قال جميع أصحاب الشافعي: أنّ عليه الغسل، و قال أصحاب أبي حنيفة: لا يجب عليه الغسل و لا إذا أدخل في فرج البهيمة. و الذي يقتضيه مذهبنا أن لا يجب الغسل في فرج البهيمة، فأمّا فرج الميتة فالظاهر يقتضي أنّ عليه الغسل لما روي عنهم عليهم السلام من: «أنّ حرمة الميّت كحرمة الحيّ»، و لأنّ الظواهر المتضمّنة لوجوب الغسل على من اولج في الفرج تدلّ على ذلك لعمومها ...». «3»

و ادّعى ابن إدريس و علم الهدى إجماع المسلمين في المسألة، ففي «السرائر»: «و ما يوجب الغسل فخروج المني على كلّ حال- إلى أن قال- و غيبوبة الحشفة في فرج آدمي سواء كان الفرج قبلًا أو دبراً على الصحيح من

______________________________

(1) الخلاف 1: 124، المسألة 66.

(2) وسائل الشيعة 2: 182- 185، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 6.

(3) الخلاف 1: 116- 117، المسألة 59.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 92

..........

______________________________

الأقوال لأنّه إجماع المسلمين». «1»

و في «المختلف»: «قال السيّد المرتضى: لا أعلم خلافاً بين المسلمين في أنّ الوطء في الموضع المكروه من ذكر أو انثى يجري مجرى الوطء في القبل مع الإيقاب، و غيبوبة الحشفة في وجوب الغسل على الفاعل و المفعول به و إن لم يكن إنزال. و لا وجدت في الكتب المصنّفة لأصحابنا الإمامية إلّا ذلك، و لا سمعت من عاصرني منهم من شيوخهم نحواً من ستين سنة يفتي إلّا بذلك فهذه مسألة إجماعية من الكلّ، و لو شئت أن أقول: إنّه معلوم ضرورة من دين الرسول صلى الله عليه و آله و سلم أنّه لا خلاف بين الفرجين في هذا الحكم فإنّ داود و إن خالف في أنّ الإيلاج في القبل إذا

لم يكن معه إنزال لا يوجب الغسل فإنّه لا يفرّق بين الفرجين كما لا يفرّق باقي الامّة بينهما في وجوب الغسل بالإيلاج في كلّ واحد منهما.

و اتّصل بي في هذه الأيّام عن بعض الشيعة الإمامية أنّ الوطء في الدبر لا يوجب الغسل تعويلًا على أنّ الأصل عدم الوجوب أو على خبر يذكر أنّه موجود في منتخبات سعد أو غيرها، و هذا ممّا لا يلتفت إليه؛ أمّا الأوّل فباطل، لأنّ الإجماع و القرآن و هو قوله تعالى: «أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ»* «2» يزيل حكمه. و أمّا الخبر فلا يعتمد عليه في معارضة القرآن و الإجماع مع أنّه لم يفت به فقيه و لا اعتمده عالم، مع أنّ الأخبار تدلّ على ما أردناه لأنّ كلّ خبر يتضمّن تعليق الغسل بالجماع و الإيلاج في الفرج فإنّه يدلّ على ما ادّعيناه لأنّ الفرج يتناول القبل و الدبر، إذ لا خلاف بين أهل اللغة و أهل الشرع في ذلك»، «3» انتهى.

______________________________

(1) السرائر 1: 107- 108.

(2) النساء (4): 43؛ المائدة (5): 6.

(3) مختلف الشيعة 1: 166- 167، المسألة 110.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 93

..........

______________________________

هذا، و لكنّ المسألة مع ذلك اختلافية.

ففي «المختلف»: «مسألة: لعلمائنا في وجوب الغسل بالوطء في دبر المرأة من غير إنزال قولان، فالذي اختاره السيّد المرتضى و ابن الجنيد و ابن حمزة و ابن إدريس: «1» وجوب الغسل. و روى ابن بابويه في كتابه عدم إيجاب الغسل، «2» و هو اختيار الشيخ رحمه الله في «الاستبصار» و «النهاية» و هو الظاهر من كلام سلّار. «3» و قال في كتاب النكاح من «المبسوط»: «4» الوطء في الدبر يتعلّق به أحكام الوطء في الفرج، من ذلك إفساد الصوم و وجوب الكفّارة و

وجوب الغسل ...» «5» هذا.

و ما رواه ابن بابويه «6» إنّما هو رواية الحلبي الآتية و هي غير دالّة على العدم كما سيأتي.

نعم، روى الكليني مرفوعة البرقي «7» الدالّة على عدم الوجوب و لم يرو رواية حفص «8» الدالّة على الوجوب. و الشيخ قد رجّح في «الاستبصار» «9» رواية العدم،

______________________________

(1) مسائل الناصريات: 141، المسألة 40؛ الوسيلة: 55؛ السرائر 1: 107.

(2) الفقيه 1: 47/ 185.

(3) الاستبصار 1: 112/ 371؛ النهاية: 19؛ المراسم: 41.

(4) المبسوط 4: 243.

(5) مختلف الشيعة 1: 162، المسألة 110.

(6) الفقيه 1: 47/ 185.

(7) الكافي 3: 47/ 8؛ تهذيب الأحكام 1: 125/ 336؛ وسائل الشيعة 2: 200، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 12، الحديث 2.

(8) تهذيب الأحكام 7: 461/ 1847؛ وسائل الشيعة 2: 200، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 12، الحديث 1.

(9) الاستبصار 1: 111- 112/ 370؛ وسائل الشيعة 2: 199، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 11، الحديث 1.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 94

..........

______________________________

و أمّا في «النهاية» فلم يتعرّض لحكم الوطء في الدبر أصلًا، بل ذكر فيها أنّ الموجب للغسل إنزال الماء و التقاء الختانين. «1» و نحوها عبارة «المراسم» «2» لسلّار فاستفاد العلّامة منهما القول بالعدم في المسألة.

و كيف كان: فالأصل في المسألة يقتضي العدم و قد أيّد بمرفوعة البرقي «3» و مرسلة أحمد بن محمّد «4» و صحيحة الحلبي المسئول فيها: عن الرجل يصيب المرأة فيما دون الفرج، «5» و يجاب عن ذلك: بأنّ الأصل يرفع اليد عنه بدليل، و المرفوعة و المرسلة مضافاً إلى إرسالهما قد أعرض عنهما المشهور. و رواية الحلبي لا ترتبط بالمقام، فإنّ المتبادر من ما دون الفرج هو التفخيذ و نحوه، مضافاً إلى ما ادّعاه الحلّي و

علم الهدى «6» من كون الفرج أعمّ من القبل و الدبر، فالعمدة هو النظر في أدلّة القائلين بالوجوب، و هي امور:

الأوّل: صدق اسم الفرج على الدبر كما عن «المصباح» و «القاموس» و «المجمع»، «7» بل في «السرائر» و عبارة السيّد أنّه لا خلاف فيه بين أهل اللغة.

______________________________

(1) النهاية: 19.

(2) المراسم: 41.

(3) الكافي 3: 47/ 8؛ تهذيب الأحكام 1: 125/ 336؛ وسائل الشيعة 2: 200، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 12، الحديث 2.

(4) تهذيب الأحكام 4: 319/ 975؛ وسائل الشيعة 2: 200، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 12، الحديث 3.

(5) تهذيب الأحكام 1: 124/ 335؛ الفقيه 1: 47/ 185؛ وسائل الشيعة 2: 199، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 11، الحديث 1.

(6) راجع: مختلف الشيعة 1: 167، المسألة 110؛ السرائر 1: 108.

(7) المصباح المنير: 466؛ القاموس المحيط 1: 209؛ مجمع البحرين 2: 322.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 95

..........

______________________________

و في «السرائر»: أنّ هذه اللفظة إن كانت مشتقّة من الانفراج فهو موجود في القبل و الدبر، و إن كانت مختصّة بقبل المرأة فذلك ينتقض بقوله تعالى: «وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حٰافِظُونَ»*. «1»

و حينئذٍ فيشمله ما دلّ على أنّ الإدخال أو الإيلاج أو الغيبوبة في الفرج موجب للغسل، هذا. و لكن إثبات كون الفرج شاملًا له لغة أو في عرف الشارع بلا انصراف إلى خصوص القبل مشكل، بل يردّه ذكره قسيماً له فيما رواه في «الكافي» عن أبي عبد اللّه عليه السلام سمعته يقول: «حرمة الدبر أعظم من حرمة الفرج، إنّ اللّٰه أهلك امة بحرمة الدبر و لم يهلك أحداً بحرمة الفرج»، «2» بل لعلّ المتتبّع يجد نظير ذلك في روايات اخر، فتتبّع.

الثاني: إطلاق قوله عليه السلام: «إذا أدخله فقد

وجب الغسل و المهر و الرجم» كما في صحيحة ابن مسلم، «3» و قوله: «إذا اولجه أوجب الغسل و المهر و الرجم» كما في رواية البزنطي. «4»

و فيه: أنّ المطلق في المقام ينصرف إلى المتعارف و لعلّ محطّ النظر فيهما رفع توهّم اشتراط الإنزال في وجوبها.

الثالث: قوله تعالى: «أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ»*. «5»

______________________________

(1) المؤمنون (23): 5.

(2) الكافي 5: 543/ 1.

(3) الكافي 3: 46/ 1؛ تهذيب الأحكام 1: 118/ 310؛ وسائل الشيعة 2: 182، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 6، الحديث 1.

(4) السرائر 3: 557- 558؛ وسائل الشيعة 2: 185، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 6، الحديث 8.

(5) النساء (4): 43؛ المائدة (5): 6.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 96

..........

______________________________

و فيه: أنّه كناية عن الجماع بلا شكّ و إلّا لزم تخصيص الأكثر، و المترقّب منهنّ القبل، فلعلّه كناية عنه فقط، و قد ورد في تفسيره عن الباقر عليه السلام: «ما يعني بهذا «أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ» إلّا المواقعة في الفرج». «1» و القول بشمول الفرج للدبر رجوع إلى الدليل الأوّل، و قد مرّ ما فيه.

الرابع: قوله عليه السلام في صحيحة زرارة فقال علي عليه السلام: «أ توجبون عليه الحدّ و الرجم و لا توجبون عليه صاعاً من الماء»، «2» و مورد الرواية و إن كان الجماع في القبل بلا إنزال و لكنّ المستفاد منها تحقّق الملازمة بين الحدّ و الغسل. و اجيب: بأنّ الملازمة المطلقة باطلة بالضرورة و إلّا لأوجب القذف و السرقة مثلًا أيضاً للغسل فإذا لم نقل بها بإطلاقها و اريد التقييد فلعلّ القيد هو الجماع في القبل لا مطلق الجماع، فتدبّر.

الخامس: مرسل حفص بن سوقة عمّن أخبره، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل

يأتي أهله من خلفها قال: «هو أحد المأتيين فيه الغسل»، «3» و إرسالها منجبر بالشهرة و بما ذكروه من أنّه يعامل مع مراسيل ابن أبي عمير معاملة المسانيد و الراوي عن حفص هو ابن أبي عمير.

و يجاب: بعدم تحقّق الشهرة من القدماء، لعدم كون المسألة معنونة في كتبهم، و ما ذكروه إنّما هو فيما إذا كان ابن أبي عمير هو المرسل. هذا، مضافاً إلى معارضة

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 22/ 55؛ وسائل الشيعة 1: 271، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 9، الحديث 4.

(2) تهذيب الأحكام 1: 119/ 314؛ وسائل الشيعة 2: 184، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 6، الحديث 5.

(3) تهذيب الأحكام 7: 461/ 1847؛ وسائل الشيعة 2: 200، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 12، الحديث 1 و 20: 147، كتاب النكاح، أبواب مقدّمات النكاح، الباب 73، الحديث 7.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 97

..........

______________________________

الرواية بالمرفوعة و المرسلة السابقتين و أصرحيّتهما منها، إذ يحتمل فيها كون المراد هو الإتيان في قبلها من الخلف و لذا لم يقل في خلفها، بل قال: «من خلفها» و يؤيّد هذا الاحتمال بعض الأخبار الواردة في وطء النساء في أدبارهنّ. «1»

السادس: الشهرة المدّعاة بل الإجماع المنقول في كلام ابن إدريس و السيّد «2» كما مرّ.

و فيه: أنّ الحجّة و المرجّح من الشهرة، الشهرة بين القدماء من أصحابنا في كتبهم المعدّة لنقل المسائل المأثورة عن الأئمّة عليهم السلام لا الشهرة بين المتأخّرين. و المسألة غير معنونة بعنوانها في كتب القدماء، مثل «الهداية» و «المقنع» و «المقنعة» و «النهاية» و «المراسم» و «الغنية» و أمثالها، فراجع.

و الإجماع غير محقّق، بل تحقّق خلافه، و المنقول منه لا يغني عن جوع، فتدبّر.

السابع: و هو

أقوى الأدلّة عندي ما ورد في وطء الغلام، ففي «فروع الكافي» عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم: «من جامع غلاماً جاء جنباً يوم القيامة لا ينقيه ماء الدنيا و غضب اللّٰه عليه و لعنه و أعدّ له جنّهم و سائت مصيراً» «3» لدلالته على كون وطء الغلام موجباً للجنابة فيتمّ المطلوب بعدم الفصل، فإنّ التعدّي عن حكم المرأة إلى الغلام و إن صار مورداً للإشكال لمثل المحقّق في «المعتبر» و «الشرائع»، «4» و لكنّ العكس ممّا لم يشكل فيه أحد.

______________________________

(1) راجع: وسائل الشيعة 2: 200، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 12.

(2) السرائر 1: 108 و راجع لكلام السيّد: مختلف الشيعة 1: 166- 167، مسألة 110.

(3) الكافي 5: 544/ 2؛ وسائل الشيعة 20: 329، كتاب النكاح، أبواب النكاح المحرم، الباب 17، الحديث 1.

(4) المعتبر 1: 181 و 2: 654؛ شرائع الإسلام 1: 26 و 189.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 98

..........

______________________________

و الإشكال في الرواية بعدم دلالتها على وجوب الغسل، بل دلالتها على عدم الجدوى فيه، لقوله: «لا ينقيه ماء الدنيا» ناشٍ عن عدم التأمّل فيها، حيث إنّ الظاهر منها كون وطء الغلام بإطلاقه موجباً للجنابة المستلزمة للغسل، بل يلوح منها وجوب الغسل أيضاً و لكن مع التنبيه على أنّ ماء الدنيا مع وجوبه عليه لا يرفع حزازة العمل لكمال قبحه و خسّته، فتدبّر.

و كيف كان: فالأحوط في المسألة لو لم يكن أقوى وجوب الغسل وفاقاً للمشهور بين المتأخّرين من أصحابنا و إن كان الأصل لو لم يتمّ الدليل يقتضي العدم.

و أمّا وطء

الغلام في دبره فوزانه وزان وطء المرأة في دبرها كما يظهر من كلام السيّد و ابن إدريس «1» و قد مرّ.

و قال في موضع آخر من «السرائر»: «و الستّة التي توجب الأغسال: إنزال المني و غيبوبة الحشفة في فرج آدمي، سواء كان ذكراً أو انثى، كبيراً أو صغيراً، ميّتاً أو حيّاً ...». «2»

و استدلّ عليه في «المختلف» بأدلّة، منها: الإجماع المركّب، قال: «فإنّ كلّ قائل بوجوبه في دبر المرأة قائل بوجوبه في دبر الغلام». «3» و حكى الإجماع المركّب في «الشرائع» و «المعتبر» أيضاً عن السيّد، «4» و لكنّه رحمه الله حكم فيهما بعدم الثبوت و التحقّق، فراجع. و كيف كان: فيستدلّ على الوجوب في هذه المسألة بأكثر ما استدلّ به للمسألة السابقة، فتدبّر.

______________________________

(1) راجع: مختلف الشيعة 1: 166، المسألة 110؛ السرائر 1: 110.

(2) السرائر 1: 112.

(3) مختلف الشيعة 1: 167، المسألة 111.

(4) شرائع الإسلام 1: 26؛ المعتبر 1: 181 و 2: 654.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 99

..........

______________________________

و أمّا وطء البهيمة: فالأصل يقتضي عدم إيجابه به للغسل و قد نسب إلى المشهور أيضاً.

و ربما يتوهّم شمول قوله عليه السلام: «أدخله» أو «أولجه» لذلك مع صدق لفظ الفرج أيضاً و لا سيّما على قبلها.

و فيه: تحقّق الانصراف عن مثل ذلك قطعاً، هذا. و لكنّ الأحوط فيه أيضاً ترتيب آثار الجنابة.

و ربما استفيد ممّا حكي عن المرتضى رحمه الله ادّعاء الإجماع عليه، فقد حكي عنه في «المختلف» أنّه قال في مسألة وطء المرأة في دبرها في جواب من تمسّك لنفي الغسل فيه بروايات «التقاء الختانين»، «1» قال: «على أنّهم يوجبون الغسل بالإيلاج في البهيمة و في قبل المرأة و إن لم يكن هناك ختان فقد عملوا بخلاف

ظاهر الخبر، فإذا قالوا: البهيمة و إن لم يكن في فرجها ختان فذلك موضع الختان من غيرها و كذلك من ليس بمختون في النساء ...»، «2» فتدبّر.

هذا كلّه ممّا يرتبط بباب الغسل، فلنرجع إلى باب الصوم.

الوطء في الدبر يفسد الصوم أم لا؟

فنقول: الجماع في قبل المرأة يفسد الصوم بلا خلاف، و يدلّ عليه الإجماع و الكتاب «3» و السنة. «4»

______________________________

(1) مثل رواية محمّد بن عذافر، راجع: وسائل الشيعة 2: 185، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 6، الحديث 9.

(2) مختلف الشيعة 1: 168، المسألة 112.

(3) البقرة (2): 187؛ النساء (4): 43؛ المائدة (5): 6.

(4) الروايات في ذلك متضافرة نذكرها بعد أسطر.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 100

..........

______________________________

و أمّا الجماع في دبرها فربما يتمسّك لمفطريته بالإجماع، ففي «الخلاف»: «إذا أدخل في دبر امرأة أو غلام كان عليه القضاء و الكفّارة، و به قال الشافعي و قال أبو حنيفة: عليه القضاء بلا كفّارة. دليلنا: إجماع الفرقة و طريقة الاحتياط ...». «1»

و بالآية و إطلاق روايات الباب التي علّق الحكم فيها على النكاح و الجماع و إتيان الأهل و الوطء، و قد صرّح بالإطلاق في «مصباح الفقيه» و «المستمسك». «2»

أقول: إثبات الإطلاق في الآية و الروايات مشكل.

أمّا الآية: فالمباشرة المنهي عنها بمقتضى الغاية هي عين المباشرة المرخّص فيها بقوله «فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا مٰا كَتَبَ اللّٰهُ لَكُمْ» «3» و هي الجماع في القبل بقرينة قوله: «وَ ابْتَغُوا» و لذا لم يتمسّك أحد بالآية لجواز الوطء في الدبر.

و أمّا الروايات: فمنها صحيحة محمّد بن مسلم، قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:

«لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام و الشراب و النساء و الارتماس في الماء» «4» و ليس المراد بالنساء فيها مطلق

لمسهنّ بلا إشكال فيصير كناية عن العمل المترقّب منهنّ و هو الوطء في القبل. و حمل اللفظ على مطلق اللمس و إخراج مثل القبلة و نحوها بالدليل فيبقى الوطء في الدبر تحت العامّ يستلزم تخصيص الأكثر.

______________________________

(1) الخلاف 2: 190، المسألة 41.

(2) مصباح الفقيه 14: 373؛ مستمسك العروة الوثقى 8: 240.

(3) البقرة (2): 187.

(4) تهذيب الأحكام 4: 189/ 535 و 202/ 584 و 318/ 971؛ الفقيه 2: 67/ 276؛ وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1 و 166، أبواب آداب الصائم، الباب 11، الحديث 14.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 101

..........

______________________________

و بالجملة: فبعد ما لم يرد من اللفظ إطلاقه و وجب جعله كنايةً يدور الأمر بين كونه كناية عن مطلق وطءهنّ و لو دبراً و كونه كناية عمّا يترقّب منهنّ نوعاً و هو القدر المتيقّن.

و أهون من ذلك التمسّك بصحيحة ابن الحجّاج: قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتّى يمني قال: «عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع» «1» و ما يكون وزانه وزانها، بداهة أنّ محطّ النظر في أمثالها بيان حكم آخر لا حكم الجماع، فلا يمكن التمسّك بإطلاق لفظ الجماع. و بذلك يظهر فساد التمسّك برواية الهروي «2» أيضاً و إن توهّم إطلاقها فإنّ محطّ النظر فيها سؤالًا و جواباً بيان وحدة الكفّارة و تعدّدها لا أصل مفطرية الجماع، فالسائل كان يعلم مفطريته و إيجابه للكفّارة إجمالًا و إنّما سأل عن اختلاف الحديث في وحدتها و تعدّدها و محطّ نظر الإمام عليه السلام فيها أيضاً في قوله: «متى جامع الرجل حراماً ...» بيان هذه الحيثيّة لا أصل المفطرية.

نعم،

لو قيل بوضع الألفاظ للطبيعة المطلقة لا المهملة جاز التمسّك بالإطلاق في أمثال المقام و لم نحتج إلى كون المتكلّم في مقام البيان، و لكنّ الالتزام بذلك مشكل، لاستلزامه كون التقييد موجباً للمجازيّة، و قد حرّر ذلك في الاصول، فراجع.

نعم، يمكن دعوى الإطلاق في رواية تفسير النعماني عن علي عليه السلام قال: «و أمّا حدود الصوم فأربعة حدود: أوّلها اجتناب الأكل و الشرب، و الثاني اجتناب النكاح،

______________________________

(1) الكافي 4: 102/ 4؛ تهذيب الأحكام 4: 206/ 597؛ وسائل الشيعة 10: 39، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 4، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 4: 209/ 605؛ وسائل الشيعة 10: 53، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 10، الحديث 1.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 102

..........

______________________________

و الثالث اجتناب القي ء متعمّداً ...»، «1» بل و في قوله: رجل نكح امرأته «2» و قوله: أتيت امرأتي، «3» و أتى أهله «4» إن لم يرد ذلك بدعوى الانصراف.

هذا كلّه بالنسبة إلى وطء المرأة في دبرها.

[وطء الغلام و وطء البهيمة]

و أمّا وطء الغلام و وطء البهيمة فالحكم فيهما أشكل بعد اقتضاء الأصل عدم مفطريتهما إذ لا يتمشى كثير ممّا ذكر فيهما.

نعم، يمكن التمسّك لهما بإطلاق لفظ النكاح في خبر النعماني، «5» و أمّا رواية الهروي «6» فقد مرّ الإشكال فيها. و الأحسن في المقام ما ذكره المحقّق في «الشرائع» «7» و تبعه العلّامة في «المختلف» «8» من تفريع المسألة على مسألة الغسل و ادّعاء الملازمة بينهما، إذ المتبادر من جعل كلّ من الجماع و إنزال المني مفسداً للصوم مع معهودية إيجابهما للغسل كونهما بجامعهما أعني السببية للجنابة مفسداً له

______________________________

(1) المحكم و المتشابه: 78؛ وسائل الشيعة 10: 32، كتاب الصوم، أبواب ما

يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 3.

(2) مسائل علي بن جعفر: 116/ 47؛ وسائل الشيعة 10: 48، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 9.

(3) الفقيه 2: 72/ 309؛ وسائل الشيعة 10: 46، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 5.

(4) الفقيه 2: 72/ 311؛ وسائل الشيعة 10: 48، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 8.

(5) المحكم و المتشابه: 78؛ وسائل الشيعة 10: 32، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 3.

(6) تهذيب الأحكام 4: 209/ 605؛ وسائل الشيعة 10: 53، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 10، الحديث 1.

(7) شرائع الإسلام 1: 26 و 189.

(8) مختلف الشيعة 3: 259، المسألة 22 و راجع: 1: 167، المسألة 111.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 103

..........

______________________________

فكلّما أورث الجنابة و أوجب الغسل صار الإتيان به عمداً مفسداً للصوم.

و لذا قال في «الغنية» في مقام عدّ المفطرات: «و أن يحصل جنباً في نهار الصوم مع الشرط الذي ذكرناه (العمد و الاختيار) سواء كان ذلك بجماع أو غيره و سواء كان مبتدئاً بذلك فيه أو مستمرّاً عليه من الليل» «1» و يشهد لذلك رواية القمّاط أنّه سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عمّن أجنب في أوّل الليل في شهر رمضان فنام حتّى أصبح قال:

«لا شي ء عليه و ذلك أنّ جنابته كانت في وقت حلال» «2» حيث إنّ المستفاد منها كون المفطر هي سبب الجنابة في وقت حرام أعني اليوم.

و نحوها رواية عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: لأيّ علّة لا يفطر الاحتلام الصائم و النكاح يفطر الصائم، قال: «لأنّ النكاح فعله و

الاحتلام مفعول به»؛ «3» حيث إنّ مساوات الاحتلام للنكاح في إيراث الجنابة صارت سبباً لمقايسة السائل أحدهما بالآخر، و جواب الإمام عليه السلام بالفرق بينهما بالعمد و عدمه تقرير لما ارتكز في ذهن السائل من مساواتهما في إيراث الجنابة، و أنّها تقتضي المساوات في إفساد الصوم أيضاً، بل يشهد للملازمة أيضاً جميع ما دلّ على مفطرية البقاء على الجنابة من الليل، إذ مفطرية الجنابة بما هي جنابة بوجودها البقائي تشهد بمفطرية إحداثها بطريق أولى، فتدبّر.

و كيف كان: فالأظهر ثبوت الملازمة بين باب الغسل و باب الصوم و إن كان يظهر

______________________________

(1) غنية النزوع 1: 138.

(2) الفقيه 2: 74/ 322؛ وسائل الشيعة 10: 57، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 13، الحديث 1.

(3) علل الشرائع: 379/ 1؛ وسائل الشيعة 10: 104، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 35، الحديث 4.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 104

..........

______________________________

من الشيخ قدس سره خلافه، فإنّه قدس سره حكم في طهارة «الخلاف» و «المبسوط» أنّ المذهب يقتضي أن لا يجب الغسل في فرج البهيمة. و في صومهما أنّ المذهب يقتضي ثبوت القضاء فيه.

أمّا عبارة طهارة «الخلاف» فقد مرّت، و فيها: «و الذي يقتضيه مذهبنا أن لا يجب الغسل في فرج البهيمة». «1»

و في طهارة «المبسوط»: «فأمّا إذا أدخل ذكره في فرج بهيمة أو حيوان آخر فلا نصّ فيه فينبغي أن يكون المذهب ألّا يتعلّق به غسل، لعدم الدليل الشرعي عليه و الأصل براءة الذمّة». «2»

و في صوم «المبسوط»: «و الجماع في الفرج أنزل أو لم ينزل سواء كان قبلًا أو دبراً فرج امرأة أو غلام أو ميتة أو بهيمة و على كلّ حال على الظاهر من المذهب ...».

«3»

و في صوم «الخلاف»: «إذا أتى بهيمة فأمنى كان عليه القضاء و الكفّارة. فإن اولج و لم ينزل فليس لأصحابنا فيه نصّ، و لكن يقتضي المذهب أنّ عليه القضاء لأنّه لا خلاف فيه، و أمّا الكفّارة فلا تلزمه لأنّ الأصل براءة الذمّة و ليس في وجوبها دلالة ...» «4» هذا.

و صاحب «العروة» و محشيها أيضاً يظهر منهم التفرقة بين البابين، حيث حكموا في باب الصوم بمفطرية وطء البهيمة و في باب الغسل جعلوا إيجابه له أحوط. «5»

______________________________

(1) الخلاف 1: 117، المسألة 59.

(2) المبسوط 1: 28.

(3) المبسوط 1: 270.

(4) الخلاف 2: 191، المسألة 42.

(5) العروة الوثقى 3: 543 و 1: 472.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 105

و إن لم ينزل؛ للذكر و الانثى، قبلًا أو دبراً، صغيراً كان أو كبيراً، (4) حيّاً أو ميّتاً، (5)

______________________________

و الأصل في المسألتين يقتضي العدم و هو استصحاب الطهارة في تلك المسألة و أصالة البراءة في الصوم، و لعلّ وجه تفرقة الشيخ بينهما حكمه بالاشتغال في باب الأقلّ و الأكثر الارتباطيين؛ و لذا حكم بالاحتياط في مسألة وطء الغلام و المرأة في دبرها أيضاً في كتاب «الخلاف» كما مرّ. «1»

(4) لما مرّ من الملازمة بين بابي الغسل و الصوم، و قد تحرّر في باب الغسل شمول قوله: «إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل». «2» و نحوه من إطلاقات الباب الصغير و الصغيرة أيضاً و محطّ النظر في هذه الروايات بيان حكم وضعي، أعني سببية الالتقاء للجنابة لا حكم تكليفي حتّى لا يشمل الصغير و المجنون، و يشهد لذلك بالنسبة إلى واطئهما، قوله عليه السلام في صحيحة زرارة: «أ توجبون عليه الحدّ و الرجم و لا توجبون عليه صاعاً من ماء». «3»

و في «الجواهر» عن كشف استاذه الاستشكال في إدخال آلة الطفل الصغير قبل نشوه، و لعلّه لدعوى انصراف الأدلّة عن مثله و هي ممنوعة. «4»

(5) لما مرّ أيضاً من الملازمة بين البابين و شمول إطلاقات باب الغسل

______________________________

(1) الخلاف 2: 190، المسألة 41 و مرّ في الصفحة 99- 100.

(2) تهذيب الأحكام 1: 119/ 314؛ وسائل الشيعة 2: 184، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 6، الحديث 5.

(3) تهذيب الأحكام 1: 119/ 314؛ وسائل الشيعة 2: 184، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 6، الحديث 5.

(4) جواهر الكلام 16: 222.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 106

..........

______________________________

للميّت أيضاً- واطئاً كان أو موطوءاً- بل لم ينقل الخلاف في المسألة إلّا عن الحنفية في باب الغسل، و قد مرّ في عبارة «الخلاف» قوله: «فأمّا فرج الميتة فلا نصّ لهم فيه أصلًا، و قال جميع أصحاب الشافعي: أنّ عليه الغسل. و قال أصحاب أبي حنيفة: لا يجب عليه الغسل- إلى أن قال- فأمّا فرج الميتة فالظاهر يقتضي أنّ عليه الغسل، لما روي عنهم عليهم السلام من: «أنّ حرمة الميّت كحرمة الحيّ» و لأنّ الظواهر المتضمّنة لوجوب الغسل على من اولج في الفرج تدلّ على ذلك لعمومها»، «1» انتهى.

و أشار في كلامه بما رواه الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام في رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها ثمّ نكحها قال عليه السلام: «إنّ حرمة الميّت كحرمة الحيّ، تقطع يده لنبشه و سلبه الثياب و يقام عليه الحدّ في الزنا، إن احصن رجم، و إن لم يكن احصن جلد مائة». «2»

و قد يستدلّ للمسألة أيضاً برواية النبّاش الذي نبش قبر إحدى بنات الأنصار و سلبها أكفانها و نكحها فإذن بصوت من ورائه: «يا شاب ويل لك-

إلى أن قال- و تركتني أقوم جنبة إلى حسابي»، «3» فراجع الرواية في تفسير قوله تعالى: «وَ الَّذِينَ إِذٰا فَعَلُوا فٰاحِشَةً ...» «4» الآية.

______________________________

(1) الخلاف 1: 117، المسألة 59.

(2) الكافي 7: 228/ 2؛ تهذيب الأحكام 10: 116/ 461؛ وسائل الشيعة 28: 278، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ السرقة، الباب 19، الحديث 2 و 361، أبواب نكاح البهائم، الباب 2، الحديث 1.

(3) مستدرك الوسائل 12: 134، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 87، الحديث 5.

(4) آل عمران (3): 135.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 107

واطئاً كان أو موطوءاً، و كذا لو كان الموطوء بهيمة، بل و كذا لو كانت هي الواطئة، (6) و يتحقّق بإدخال الحشفة (7) أو مقدارها من مقطوعها، فلا يبطل بأقلّ من ذلك، بل لو

______________________________

(6) إذ على فرض البطلان بوطء البهيمة يلزم البطلان بوطئها أيضاً للملازمة الواضحة بين الفاعل و المفعول في باب الغسل و الصوم، و لعلّه يشمل لكليهما لفظ النكاح و الجماع الواردين في باب الصوم، فتدبّر.

(7) لدوران الحكم في المقام على مفاهيم الجماع و النكاح و إتيان الأهل و نحوها و قد حدّدها الشارع في باب الغسل بغيبوبة الحشفة و احتمال عدم تطرّق التحديد في باب الصوم بلا وجه بعد كون المستفاد من أخبار التحديد في باب الغسل بيان حدّ الدخول الذي رتّب عليه في الشرع آثار هذا، و المذكور في بعض تلك الروايات لفظة «أدخله» «1» و في بعضها لفظة «اولجه» «2» و في بعضها «التقاء الختانين» «3» أو «مسّ الختان الختان» «4» و في بعضها «التقاء الختانين» «5» مع تفسيره بغيبوبة الحشفة، فقوله: «أدخله» أو «اولجه» يحتمل منه بدواً دخول الكلّ و دخول أيّ بعض

كان و دخول مقدار معتدّ به، و رواية غيبوبة الحشفة ترفع هذا

______________________________

(1) الكافي 3: 46/ 1؛ تهذيب الأحكام 1: 118/ 310؛ وسائل الشيعة 2: 182، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 6، الحديث 1.

(2) السرائر 3: 557- 558؛ وسائل الشيعة 2: 185، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 6، الحديث 8.

(3) تهذيب الأحكام 1: 119/ 314؛ وسائل الشيعة 2: 184، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 6، الحديث 5.

(4) الفقيه 1: 47/ 184؛ وسائل الشيعة 2: 183، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 6، الحديث 4.

(5) الكافي 3: 46/ 2؛ تهذيب الأحكام 1: 118/ 311؛ وسائل الشيعة 2: 183، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 6، الحديث 2.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 108

..........

______________________________

الإجمال فتصير هي الملاك، و يستفاد منها أنّ الملاك دخول البعض المعتدّ به المقدّر بهذا المقدار.

و إن شئت قلت: إنّ احتمال الكلّ أو أيّ بعض، احتمال بدوي يرتفع بأدنى تأمّل و الاحتمال الثالث هو المتعيّن عند العرف، و قد حدّده الشارع بما يقبله طبع العرف أيضاً فليس التحديد تعبّداً صرفاً.

و على هذا، فيتّضح حكم مقطوع الحشفة أيضاً، إذ المحتملات فيه بدواً أربعة:

اعتبار دخول مجموع الباقي، و دخول أيّ بعض كان، و عدم حصول الجنابة أصلًا لعدم تحقّق غيبوبة الحشفة بانتفاء الموضوع، و دخول مقدار الحشفة. و قد عرفت عدم مساعدة العرف على الأوّلين، و الثالث ضعيف جدّاً، لتحقّق مفهوم الجماع و الوطء، فيبقى الرابع لا بأن يقدر في الرواية المحدّدة بغيبوبة الحشفة لفظ المقدار حتّى يحكم بكونه خلاف الظاهر، بل لأنّ العرف يفهم من هذا التحديد أنّ المقصود بيان المقدار المعتدّ به الذي يصدق معه مفهوم الوطء و الجماع و إنّ هذا المقدار في الأفراد المتعارفة الواجدة

للحشفة ينطبق على الحشفة كما يفهم من قوله: «إذا خفي عليكم سور البلد فقصّروا» كونه في مقام بيان الحدّ الذي يصدق معه التغرب من البلد؛ غاية الأمر: واجديّة غالب البلاد السابقة للسور صحّح هذا التعبير فيفهم العرف منه حكم سائر البلاد أيضاً بهذا المقياس، هذا.

و قد يقال: إنّ الحكم بوجوب الغسل و فساد الصوم معلّق على صدق الجماع و الوطء و نحوهما.

و التحديد بالحشفة و التقاء الختانين إنّما ورد في واجدي الحشفة ففي غيرهم يدور الحكم مدار صدق الجماع و نحوه و لا يلزم من ذلك حمل لفظة «أدخله» أو

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 109

دخل بجملته ملتوياً (8) و لم يكن بمقدار الحشفة لم يبطل و إن كان لو انتشر كان بمقدارها.

[لا فرق في البطلان بالجماع بين صورة قصد الإنزال]

(مسألة 6): لا فرق (9) في البطلان بالجماع بين صورة قصد الإنزال به و عدمه.

[: لا يبطل الصوم بالإيلاج في غير أحد الفرجين]

(مسألة 7): لا يبطل (10) الصوم بالإيلاج في غير أحد الفرجين بلا إنزال، إلّا إذا كان قاصداً له فإنّه يبطل و إن لم ينزل؛ من حيث إنّه نوى المفطر. (11)

______________________________

«اولجه» على الكلّ أو على أيّ بعض، بل تحملان على المقدار الذي يصدق معه عرفاً مفهوم الدخول و الجماع و نحوهما و لا نسلّم تقيّد العرف بخصوص مقدار الحشفة و لا سيّما في فاقدها، فتدبّر.

(8) يعني منقبضاً منكمشاً، و الظاهر رجوعه إلى مقطوع الحشفة فإنّ دخول الحشفة بأيّ وجه كان يوجب الفساد قطعاً، و يؤيّد ذلك عبارة «الجواهر» حيث قال:

«و منه يتّجه اعتبار دخول مقدارها من المقطوع فلو دخل بجملته ملتوياً و لم يبلغ الحدّ و لو أرسل بلغ فلا فساد». «1»

(9) لما عرفت من ظهور الأدلّة في كونه بنفسه موضوعاً لوجوب الغسل و حصول الإفطار.

(10) لعدم الدليل عليه.

(11) قد مرّ منّا الإشكال في إبطال نيّة المفطر، فراجع المسألة 22 من مسائل النيّة. «2»

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 222- 223.

(2) تقدّم في الصفحة 84.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 110

[لا يضرّ إدخال الإصبع و نحوه]

(مسألة 8): لا يضرّ (12) إدخال الإصبع و نحوه لا بقصد الإنزال.

[لا يبطل الصوم بالجماع إذا كان نائماً أو كان مكرهاً]

(مسألة 9): لا يبطل (13) الصوم بالجماع إذا كان نائماً أو كان مكرهاً بحيث خرج عن اختياره، كما لا يضرّ إذا كان سهواً.

[لو قصد التفخيذ مثلًا فدخل في أحد الفرجين]

(مسألة 10): لو قصد التفخيذ مثلًا فدخل في أحد الفرجين لم يبطل، (14) و لو قصد الإدخال في أحدهما فلم يتحقّق كان مبطلًا من حيث إنّه نوى المفطر. (15)

[إذا دخل الرجل بالخنثى قبلًا]

(مسألة 11): إذا دخل الرجل بالخنثى قبلًا (16) لم يبطل صومه و لا صومها، و كذا

______________________________

(12) لعدم الدليل عليه.

(13) لاعتبار العمد و الاختيار في فعل المفطرات و سيأتي تفصيلًا وجه ذلك. «1»

(14) لعدم العمد.

(15) مرّ الإشكال فيه.

(16) في «الجواهر»: «و في كشف الاستاذ: إنّ جماع الخنثى لمثله مشكلًا أو لا، قبلًا أو دبراً يقضي الفساد على الأقوى». «2» و هو قدس سره و إن عنون الخنثيين و لكنّ الملاك يشمل دخول الرجل بالخنثى و دخولها بالانثى أيضاً.

و لعلّ وجهه: أنّ مماثلة آلتي الخنثى لآلتى الرجل و المرأة يوجب صدق الجماع و الوطء عرفاً على دخولها و على الدخول بها و إن لم تكن مشكلة، و كم فرق بين ثقبتها المماثلة لآلة الانوثيّة و بين سائر الثقب، و كذا بين آلتها المماثلة لآلة الرجوليّة و بين مثل الإصبع، هذا.

______________________________

(1) سيأتي في الصفحة 215.

(2) جواهر الكلام 16: 223.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 111

لو دخل الخنثى بالانثى و لو دبراً، أمّا لو وطئ الخنثى (17) دبراً بطل صومهما، و لو دخل الرجل بالخنثى و دخلت الخنثى بالانثى بطل صوم الخنثى دونهما، (18) و لو وطئت كلّ من الخنثيين الاخرى لم يبطل صومهما. (19)

______________________________

و لكنّ الدقّة العرفية تقتضي الحكم باعتبار الفرجيّة في الداخل و المدخول فيه فالجماع إنّما يصدق على دخول الفرج في الفرج، و في غير المشكل يكون الفرج إحدى الآلتين بعينها و في المشكل إحداهما لا على التعيين فيشكّ في تحقّق الجماع المفطر و الأصل يقتضي عدمه.

نعم، إذا

دخل الرجل بالخنثى قبلًا و هي بالانثى حصل لها العلم بتحقّق الجماع داخلًا أو مدخولًا بها و أمّا كلّ واحد من الطرفين فلا علم له، و العلم الإجمالي بحصوله لأحدهما لا يكفي في تكليفهما، لاستقلال كلّ منهما في التكليف بلا ارتباط بالآخر.

هذا كلّه على فرض تردّد الخنثى بين كونها رجلًا أو امرأة، و أمّا إذا فرض فيها تحقّق جهاز التوالد و التناسل من كلا الصنفين و كانت بحيث تطأ فيتولّد منها و توطأ فتحمل و تلد فالظاهر صدق مفهوم الجماع على دخولها و على الدخول بها لكونها واجدة لكلا الفرجين حقيقة، و كأنّها فردان من طبيعة الإنسان، و دعوى الانصراف عن مثلها بلا وجه بعد واجديّتها للفرجين و ملحقاتهما حقيقة، فتدبّر.

(17) أي وطئها الرجل دبراً.

(18) إذ يحتمل كلّ منهما مساواتها له في الذكورة و الانوثة.

(19) لاحتمال تساويهما في الذكورة و الانوثة.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 112

[إذا جامع نسياناً أو من غير اختيار]

(مسألة 12): إذا جامع نسياناً أو من غير اختيار ثمّ تذكّر أو ارتفع الجبر وجب الإخراج فوراً، فإن تراخى بطل صومه. (20)

[إذا شكّ في الدخول]

(مسألة 13): إذا شكّ في الدخول، أو شكّ في بلوغ مقدار الحشفة لم يبطل (21) صومه.

[الرابع من المفطرات: الاستمناء]

اشارة

الرابع من المفطرات: الاستمناء؛ (22)

______________________________

(20) لتعمّد الجماع بقاءً.

(21) للأصل.

مفطرية الإمناء

(22) مرادهم بهذا اللفظ معناه الاستفعالي، أعني الطلب المساوق للقصد و لا يوجد هذا اللفظ في أخبار الباب و لا في أكثر كتب الفقهاء و لا سيّما المتقدّمين منهم، فلنذكر أقوال القدماء و عباراتهم في المسألة، فنقول:

قال في «الخلاف»: «إذا باشر امرأته فيما دون الوطء فأمنى لزمته الكفّارة، سواء كان قبلة أو ملامسة أو أيّ شي ء كان. و قال مالك مثل ما قلناه، و قال أبو حنيفة و الشافعي: عليه القضاء بلا كفّارة. دليلنا: إجماع الفرقة و طريقة الاحتياط». «1»

و فيه أيضاً: «إذا وطء فيما دون الفرج أو باشرها أو قبّلها بشهوة فأنزل، كان عليه القضاء و الكفّارة، و به قال مالك، و قال الشافعي: لا كفّارة عليه و يلزمه القضاء، دليلنا:

إجماع الفرقة ...». «2»

______________________________

(1) الخلاف 2: 190، المسألة 40.

(2) الخلاف 2: 198، المسألة 49.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 113

..........

______________________________

و فيه أيضاً: «إذا كرّر النظر فأنزل أثم، و لا قضاء عليه و لا كفّارة، فإن فاجأته النظرة لم يأثم، و به قال الشافعي. و قال مالك: إن كرّر أفطر و عليه القضاء، دليلنا: إجماع الفرقة». «1»

و في «بداية» ابن رشد: «و أمّا ما عدا المأكول و المشروب من المفطرات فكلّهم يقولون: إنّ من قبّل فأمنى فقد أفطر و إن أمذى فلم يفطر، إلّا مالك و اختلفوا في القبلة للصائم، فمنهم من أجازها، و منهم من كرهها للشاب و أجازها للشيخ، و منهم من كرهها على الإطلاق». «2»

و في «نهاية» الشيخ: «و الجماع و الإمناء على جميع الوجوه إذا كان عند ملاعبة أو ملامسة و إن لم يكن هناك جماع». «3»

و فيها أيضاً: «و يكره للصائم أيضاً

القبلة و كذلك مباشرة النساء و ملاعبتهنّ، فإن باشرهنّ بما دون الجماع أو لاعبهنّ بشهوة فأمذى لم يكن عليه شي ء، فإن أمنى كان عليه ما على المجامع، فإن أمنى من غير ملامسة كسماع كلام أو نظر، لم يكن عليه شي ء، و لا يعود إلى ذلك». «4»

و في «المراسم»: «و من نظر إلى من يحرم عليه فأمنى فعليه القضاء فأمّا العمد بغير اضطرار و عذر فهو من أكل أو شرب أو جامع أو أنزل أو تسعط أو تعمّد البقاء على الجنابة- إلى أن قال- فعليه مع القضاء الكفّارة». «5»

______________________________

(1) الخلاف 2: 198، المسألة 50.

(2) بداية المجتهد 1: 300.

(3) النهاية: 153.

(4) النهاية: 156 و 157.

(5) المراسم: 98.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 114

..........

______________________________

و في «المقنعة»: «و من قبل امرأة فأمذى لم يكن عليه حرج. و كذلك إن باشرها، فإن أمنى وجب عليه الكفّارة كما يجب على المجامع و وجب عليه القضاء، فإن نظر إلى ما يحلّ له النظر إليه من أزواجه أو ما ملكت يمينه أو من يريد أن يملك نكاحه و كانت نيّته السلامة فأمنى، لم يجب عليه القضاء، فإن نظر إلى غيرهنّ ممّن يحرم عليه النظر إليهنّ فأمنى وجب عليه القضاء و إن تشهّى أو أصغى إلى حديث فأمنى وجب القضاء أيضاً». «1»

و في «المبسوط»: «و من نظر إلى ما لا يحلّ له النظر إليه بشهوة فأمنى فعليه القضاء فإن كان نظره إلى ما يحلّ فأمنى لم يكن عليه شي ء، فإن أصغى أو سمع إلى حديث فأمنى لم يكن عليه شي ء». و فيه أيضاً (في عداد المفطرات): «و إنزال الماء الدافق على كلّ حال عامداً لمباشرة و غير ذلك من أنواع ما يوجب الإنزال». «2»

و في

«الناصريات»: «و يفسد الصيام كلّ ما يصل إلى جوف الصائم بفعله و بالوطء و دواعيه إذا اقترن بالإنزال، هذا صحيح- إلى أن قال- فأمّا دواعيه التي يقترن بها الإنزال فأنزل غير مستدعٍ للإنزال لم يفطر، و هو مذهب الشافعي، و قال مالك: إن أنزل في أوّل نظرة أفطر و لا كفّارة عليه و إن كرّر حتّى أنزل أفطر و عليه الكفّارة، دليلنا على صحّة ما ذهب إليه: الإجماع المتقدّم ذكره». «3»

و في «الانتصار»: «و ممّا انفردت به الإمامية القول بإيجاب القضاء و الكفّارة على من تعمّد استنزال الماء الدافق بغير جماع، لأنّ باقي الفقهاء يخالفون في ذلك. و قد

______________________________

(1) المقنعة: 359.

(2) المبسوط 1: 270 و 271.

(3) مسائل الناصريات: 294- 295، المسألة 129.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 115

..........

______________________________

روي عن مالك أنّه كان يقول: كلّ إفطار بمعصية يوجب الكفّارة و استنزال الماء في شهر رمضان معصية بغير شبهة، دليلنا: الإجماع المتردّد و طريقة الاحتياط و براءة الذمّة». «1»

و في «المختلف»: «مسألة: المشهور أنّه إذا أمنى عند الملامسة وجب عليه القضاء و الكفّارة. و قال ابن الجنيد: لا بأس ما لم يتولّد منه مني أو مذي فإن تولّد ذلك وجب القضاء و إن اعتمد إنزال ذلك وجب القضاء و الكفّارة.

و الكلام معه في المقامين: الأوّل: في إيجاب القضاء بالمذي- إلى أن قال-:

الثاني: إنّه لو أمنى عند الملامسة من غير قصد للإنزال وجب عليه القضاء و الكفّارة على المشهور و عنده يجب القضاء خاصّة». «2»

و في «الشرائع»: «و لو استمنى أو لمس امرأة فأمنى فسد صومه و لو احتلم بعد نيّة الصوم نهاراً لم يفسد صومه و كذا لو نظر إلى امرأة فأمنى على الأظهر أو استمع فأمنى».

«3»

و فيه أيضاً: «و من نظر إلى من يحرم عليه نظرها بشهوة فأمنى، قيل: عليه القضاء، و قيل: لا يجب، و هو الأشبه و كذا لو كانت محلّلة لم يجب». «4»

و في «المعتبر»: «الثالث من أمنى بالملاعبة و الملامسة أو استمنى و لو بيده لزمه الكفّارة، و به قال مالك، و قال الشافعي و أبو حنيفة: يقضي و لا يكفر». «5»

______________________________

(1) الانتصار: 187.

(2) مختلف الشيعة 3: 302، المسألة 52.

(3) شرائع الإسلام 1: 190.

(4) شرائع الإسلام 1: 192.

(5) المعتبر 2: 670.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 116

..........

______________________________

و فيه أيضاً: «و يفطر بإنزال الماء بالاستمناء و الملامسة و القبلة اتّفاقاً، قال الشيخ:

لو نظر إلى محرّمة بشهوة فعليه القضاء و لو كانت محلّلة فلا شي ء عليه، و كذا لو تسمّع أو أصغى إلى حديث فأمنى و الصواب أنّه لا قضاء في الجميع». «1»

و فيه أيضاً: «مسألة: و لو نظر أو تسمع لكلام أو حادث فأمنى لم يفسد صومه و لا قضاء عليه، سواء نظر إلى محلّلة أو محرّمة. و قال أبو الصلاح: لو أصغى فأمنى قضاه، و فرّق الشيخ في «المبسوط» بين نظر المحرّمة و المحلّلة و فرقه غير وارد». «2»

انتهى ما أردنا نقله في كلماتهم و فيما نقلناه كفاية فإنّه انموذج الباقي.

إذا عرفت هذا فنقول: الشقوق المتصوّرة في المقام اثني عشرة: فإنّ خروج المني بغير الجماع إمّا أن يكون بغير اختياره و قصده له و لا لإحدى مقدّماته و دواعيه، أو يكون باختياره له، أو لإحداها.

فالأوّل: على قسمين:

الأوّل: أن يخرج في النوم بالاحتلام.

الثاني: أن يخرج بالنظر الغير الاختياري و نحوه.

و الثاني: على عشرة أقسام: فإنّ الداعي له إمّا أن يكون من قبيل اللمس و التفخيذ و نحوهما من

الامور التي يكثر خروج المني عقيبها و تكون من دواعيه العقلائية و هي المذكورة في أخبار الباب أو يكون من قبيل النظر و الإصغاء و نحوهما، و على كلا التقديرين فإمّا أن يقصد باختيار الداعي خروج المني و يعتاد أيضاً بخروجه بعده أو يقصد بلا اعتياد أو يعتاد بلا قصد له فعلًا أو لا يقصده فعلًا و لا يعتاد و إنّما

______________________________

(1) المعتبر 2: 654.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الصوم (للمنتظري)، در يك جلد، انتشارات ارغوان دانش، قم - ايران، اول، 1428 ه ق

كتاب الصوم (للمنتظري)؛ ص: 116

(2) المعتبر 2: 670.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 117

..........

______________________________

قصد الداعي فقط، ثمّ الذي لا يقصد و لا يعتاد إمّا أن يثق بعدم خروجه أو لا، فهذه عشرة شقوق تضمّها إلى الاثنين السابقين فتصير اثني عشرة، و قد أفتى في «العروة» «1» في الأوّلين و الأربعة الأخيرة بالصحّة و في الستة الوسطى بالبطلان، و في بعض الحواشي حكم بالبطلان في الأربعة الأخيرة أيضاً، غاية الأمر: أنّه حكم بعدم الكفّارة فيمن يثق بعدم الخروج كما في حاشية المرحومين النائيني و الجرفادقاني.

و في حاشية المرحوم الاستاذ آية اللّٰه البروجردي حكم فيمن يثق أيضاً بالصحّة و في الشقوق الثمانية بالبطلان، «2» فعليك بمراجعة أخبار المسألة و لنذكر بعضها:

فمنها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتّى يمني قال: «عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع». «3» و نحوها الصحيحة الآخر، «4» و الظاهر أنّ كلمة «حتّى» لانتهاء الغاية لا لبيان العلّة الغائية أعني ما يوجد الفعل لأجله، و إلّا لوجب الكفّارة فيما إذا أوجد المقدّمات لأجل الإمناء و

إن لم يترتّب عليها و لا يقول به أحد. اللهمّ إلّا من باب قصد المفطر.

و في «المستمسك» نسب إلى «المدارك»: أنّه حمل كلمة حتّى على بيان العلّة الغائية ليستفاد من الحديث صورة قصد الإمناء فقط، و لم أجده في «المدارك».

______________________________

(1) العروة الوثقى 3: 546 و 548.

(2) راجع لحواشي الأعلام: العروة الوثقى 3: 546 و 548.

(3) الكافي 4: 102/ 4؛ تهذيب الأحكام 4: 206/ 597؛ وسائل الشيعة 10: 39، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 4، الحديث 1.

(4) تهذيب الأحكام 5: 327/ 1124؛ وسائل الشيعة 10: 40، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 118

..........

______________________________

نعم، قد اعتبر القصد في المفطرية، ثمّ تمسّك لمفطرية غيره برواية أبي بصير و رواية حفص و نسبهما إلى الضعف، فراجع. «1»

و كيف كان: فالرواية تشمل بإطلاقها و عمومها المستفاد من ترك الاستفصال صورة القصد و الاعتياد و صورة القصد فقط، بل صورة الاعتياد فقط، بل صورة عدمهما أيضاً. نعم، شمولها لمن يثق و يطمئنّ بعدم الإمناء بعيد، إذ الحكم بالكفّارة يناسب العصيان و لا عصيان و لا تعمّد بالنسبة إلى من يثق بالعدم.

و في الصوم الشيخ رحمه الله: «أنّ ظاهر السؤال استمرار العبث إلى حصول الإمناء فيظهر منه كثرة العبث، و هي عادة موجبة للإمناء، فالرواية تدلّ على وجوب الكفّارة بإعمال السبب العادي و إن لم يقصده ...». «2»

و لو سلّمنا تبادر القصد من هذه الرواية فسائر روايات الباب «3» و رواية الحلبي «4» و رواية زرارة و محمّد بن مسلم «5» تشمل بإطلاقها لغير القاصد و المعتاد أيضاً، ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: أنّه سئل عن رجل يمسّ

من المرأة شيئاً أ يفسد ذلك صومه أو ينقضه فقال: «إنّ ذلك ليكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المني». و لعلّ الترديد بين «يفسد» و «ينقضه» من الحلبي حيث نسي لفظ السائل.

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 8: 249.

(2) كتاب الصوم، ضمن تراث الشيخ الأعظم 12: 51.

(3) وسائل الشيعة 10: 39، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 4.

(4) الكافي 4: 104/ 1؛ وسائل الشيعة 10: 97، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 33، الحديث 1.

(5) تهذيب الأحكام 4: 271/ 821؛ وسائل الشيعة 10: 100، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 33، الحديث 13.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 119

..........

______________________________

و الاحتمالات المتصوّرة في الرواية ثلاثة:

الأوّل: أن يقال: إنّ المتبادر من ذيل الحديث كون سبق المني بذاته تمام الموضوع للمفطرية فإنّه الظاهر من جعله بنفسه مخوفاً منه، و مقتضى ذلك مفطريته و إن وقع في النوم أو في اليقظة بلا اختيار، فيكون ما دلّ على عدم مفطرية الاحتلام معلّلًا بأنّ الاحتلام مفعول به مخصّصاً له، و بمقتضى تعليله يفهم حكم من أنزل في اليقظة أيضاً إذا لم يكن قاصداً له و لا لإحدى مقدّماته، فيبقى الصور العشر داخلة تحت عموم الرواية، و يحكم في جميعها بالبطلان و إن لم نحكم بالكفّارة فيمن وثق بعدم الإنزال.

الثاني: أن يقال: إنّ الظاهر من ذيل الحديث هو أنّ سبق المني يوجب بطلان الصوم، و أمّا أنّه علّة تامّة له أو الجزء الأخير منها فكلّ محتمل، فلعلّ المفطر هو مثل المسّ بما أنّه فعل اختياري و تعقّبه المني فيشمل كلّ فعل اختياري تعقّبه ذلك و إن كان مثل النظر و التكلّم و الإصغاء، فيستفاد من الحديث بطلان الصوم في

الصور العشر أيضاً، و لعلّ هذا مستند من جعل الإنزال عقيب النظر و نحوه أيضاً مفطراً موجباً للقضاء فقط- و قد عرفت ذلك في بعض ما نقلناه من كلماتهم- و تخصيصهم ذلك بالمحرمة لعلّه لدلالة رواية أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل كلّم امرأته في شهر رمضان و هو صائم فأمنى فقال: «ليس عليه شي ء»، «1» أو من جهة وضوح عدم مفطرية ذلك في المحلّلة و إلّا لبان و استنار كالشمس في رائعة النهار إذ مفطرية مثل النظر إلى المحلّلة توجب انعزال الرجال بالكلّية

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 272/ 824؛ وسائل الشيعة 10: 128، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 55، الحديث 2.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 120

..........

______________________________

عن النساء و لا سيّما الشابّات منهنّ في أيّام الصيام.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ الإنزال عقيب مثل النظر و الإصغاء قليل جدّاً، بحيث يلحق بالمعدوم فاستقرار السيرة على عدم الانعزال منهنّ إنّما هو لحصول الوثوق و الاطمينان بعدم تحقّق الإنزال.

و في صوم الشيخ رحمه الله بعد ذكر رواية الحلبي و نحوها، قال: «و المستفاد من هذه أنّ سبق المني عقيب التعرّض له مفسد سواء كان بالملامسة أو بالنظر و التكلّم و سواء مع الاعتياد و عدمه. نعم، يستثني منه ما لو اعتاد العدم و لم يقصد الإنزال»، «1» انتهى.

أقول: الاستثناء بلا وجه و لا سيّما في مثل المسّ.

الثالث: أن يقال: إنّ المفطر لعلّه عبارة عن سبق المني عقيب مثل المسّ الذي هو معرض له عادة لا مثل النظر الذي يقلّ تحقّقه عقيبه، فيستفاد من الحديث بطلان الصوم في جميع صور مثل المسّ، و قد عرفت أنّهما خمسة، هذا.

و إذا سلّمنا تمشي

الاحتمالات الثلاث في الرواية و لم نقل بظهورها في الأوّل صارت مجملة و لم تكن حجّة إلّا في الأخصّ منها و هو الأخير، فتدبّر.

و نظير هذه الرواية صحيحة محمّد بن مسلم و زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سئل:

هل يباشر الصائم أو يقبّل في شهر رمضان، فقال: «إنّي أخاف عليه فليتنزّه من [عن] ذلك إلّا أن يثق أن لا يسبقه منيّه». «2» و يضاف إلى المحتملات الثلاث فيها، احتمال

______________________________

(1) كتاب الصوم، ضمن تراث الشيخ الأعظم 12: 53.

(2) تهذيب الأحكام 4: 271/ 821؛ وسائل الشيعة 10: 100، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 33، الحديث 13.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 121

..........

______________________________

كون المفطر سبق المني عقيب الفعل الاختياري أو عقيب مثل المسّ مع عدم الوثوق بعدم سبق المني فيبقى صورة الوثوق بعدمه مسكوتاً عنها في هذه الرواية، من حيث الحكم الوضعي أعني المفطرية فيستفاد حكمها من الرواية السابقة، و الظاهر أنّ الوثوق مأخوذ طريقاً فلا تدلّ هذه الرواية على عدم المفطرية عند تحقّق الوثوق حتّى يخصّص بها الرواية السابقة.

و كيف كان: فحكم صور المسّ قد اتّضح و استفيد من الرواية.

و أمّا حكم صور النظر و التكلّم و الإصغاء فلا يستفاد على الاحتمال الأخير، و كلمات القدماء في باب النظر مختلفة كما عرفت. نعم، يمكن أن يقال: إنّه مع القصد و الاعتياد معاً أو مع القصد فقط يصدق عنوان الاستمناء المدّعى على مفطريته الإجماع.

و لكن يرد عليه: عدم ذكر هذا العنوان لا في الأخبار و لا في كلمات القدماء، فادّعاء الإجماع على ما لم يعنون في كلماتهم بلا وجه. اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ المتتبّع لنصوص مفطرية الجماع و الإمناء و البقاء على الجنابة

يظهر له مفطرية الجنابة العمدية حدوثاً و بقاءً بأيّ سبب تحقّقت، فتدبّر.

و يلحق بالصورتين على الأحوط صورة الاعتياد فقط، بتقريب: أنّ القصد للمقدّمة التي يعتاد حصول ذيها عقيبها قصد لذيها.

و إن شئت قلت: يصدق فيها أيضاً الجنابة العمدية فيبقى صورة عدم القصد و الاعتياد- سواء وثق بعدم الإمناء أم لا- فيحكم فيهما بعدم المفطرية، و عليهما يحمل كلام من حكم بعدم بطلان صوم من نظر فأمنى و إن كان يظهر منه بدواً الإطلاق.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 122

أي إنزال المنيّ متعمّداً بملامسة أو قبلة أو تفخيذ أو نظر (23) أو تصوير صورة المواقعة أو تخيّل صورة امرأة أو نحو ذلك من الأفعال التي يقصد بها حصوله، فإنّه مبطل للصوم بجميع أفراده، و أمّا لو لم يكن قاصداً للإنزال و سبقه المنيّ من دون إيجاد شي ء ممّا يقتضيه لم يكن عليه شي ء.

[إذا علم أنّه لو نام في نهار رمضان يحتلم]

(مسألة 14): إذا علم من نفسه أنّه لو نام في نهار رمضان يحتلم فالأحوط تركه، و إن كان الظاهر جوازه، (24)

______________________________

(23) قد مرّ آنفاً أنّ شمول أخبار الباب لمثل النظر و نحوه مشكل، إلّا في صورة القصد و الاعتياد أو القصد فقط أو الاعتياد على الأحوط في الأخير.

نعم، مبنى الماتن في المسّ أيضاً ذلك، حيث لم يحكم بالبطلان إلّا في هذه الصور. و يمكن أن يستدلّ على البطلان لصور النظر بما رواه في «الإقبال» عن أبي جعفر عليه السلام: «إنّ الكذبة لتفطر الصائم و النظرة بعد النظرة و الظلم كلّه قليله و كثيره». «1»

و فيه: أنّ مقتضى ذلك مفطريته، و لو بلا إمناء و لم يقل به أحد، و الرواية مرسلة غير واضحة السند، فراجع.

(24) لبيان حكم المسألة طريقان:

الأوّل: أن يقال: إنّ أدلّة مفطرية

الإمناء لا تشمل أصلًا لصورة الاحتلام بأنحائه، إذ أعمّها صحيحة الحلبي، «2» و قد عرفت تطرّق الاحتمالات الثلاث فيها و على

______________________________

(1) إقبال الأعمال: 87؛ وسائل الشيعة 10: 35، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2، الحديث 9 و 164، أبواب آداب الصائم، الباب 11، الحديث 9.

(2) الكافي 4: 104/ 1؛ وسائل الشيعة 10، 97، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 33، الحديث 1.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 123

خصوصاً إذا كان الترك موجباً للحرج. (25)

______________________________

الأخيرين لا تشمل لمثل الاحتلام، و ملخّص ما استفيد من الأدلّة مفطرية الإمناء، إذا قصد بنفسه أو قصد إحدى مقدّماته الواقعة في طريقه من قبيل المسّ و التفخيذ أو الأعمّ منهما، و من مثل النظر و التكلّم و النوم ليس من هذا القبيل و إن علم بتعقّبه للإمناء و إذا لم تشمل الأدلّة لمثل الاحتلام حكم فيه بعدم المفطرية، للأصل و لعموم صحيحة ابن مسلم «1» الحاكمة بعدم إضرار غير الأربع المذكور فيها، بحيث لو لم يكن روايات الاحتلام أيضاً لاتّضح لنا حكمه.

الثاني: أن نختار في صحيحة الحلبي الاحتمال الأوّل، فيكون صورة الاحتلام أيضاً مشمولًا لها، و مقتضاها بطلان الصوم به، و حينئذٍ نتوصّل لإخراجه بروايات الاحتلام فيقع البحث في إطلاقها لمثل فرض المسألة أيضاً، أو انصرافها عن مثله و إنّ كون الاحتلام مفعولًا به المذكورة في رواية عمر بن يزيد «2» علّة لعدم مفطريته يشمل لمثل الفرض أيضاً أم لا.

و كيف كان: فعلى هذا الطريق يشكل حكم المسألة بخلاف الطريق الأوّل، فتدبّر.

و الأقوى في المسألة هو الجواز لعدم تعيّن الاحتمال الأوّل في صحيحة الحلبي فلا دليل على مفطرية الاحتلام كما عرفت، و على فرض تعيّن الاحتمال

الأوّل فيها فإطلاق روايات الاحتلام يشمل لمثل الفرض أيضاً و لا نسلّم انصرافها عنه.

(25) كونه حرجيّاً إنّما يفيد لجواز الإفطار لا لنفي المفطرية، و كذا الحال فيما

______________________________

(1) تقدّم تخريجه في الصفحة 100.

(2) علل الشرائع: 379/ 1؛ وسائل الشيعة 10: 104، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 35، الحديث 4.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 124

[يجوز للمحتلم (26) في النهار الاستبراء]

(مسألة 15): يجوز للمحتلم (26) في النهار الاستبراء بالبول أو الخرطات؛ و إن علم بخروج بقايا المنيّ في المجرى، و لا يجب عليه التحفّظ بعد الإنزال من خروج المنيّ إن استيقظ قبله، خصوصاً مع الإضرار أو الحرج.

[إذا احتلم في النهار فالأحوط تقديم الاستبراء]

(مسألة 16): إذا احتلم في النهار و أراد الاغتسال فالأحوط (27) تقديم الاستبراء؛ إذا علم أنّه لو تركه خرجت البقايا بعد الغسل فتحدث جنابة جديدة.

[لو قصد الإنزال بإتيان شي ء و لكن لم ينزل]

(مسألة 17): لو قصد الإنزال بإتيان شي ء ممّا ذكر و لكن لم ينزل بطل صومه؛ (28) من باب نيّة إيجاد المفطر.

______________________________

يأتي من نظائره كما في المسألة الآتية.

(26) لقصور أدلّة مفطرية الإمناء عن شمول مثله بناءً على عدم ظهور صحيحة الحلبي في الاحتمال الأوّل، و أمّا بناءً على ظهوره فيه فاللازم أن نتمسّك بالوضوح و استقرار سيرة المحتلمين الصائمين على البول بلا احتمال منهم للمنع، فتدبّر فإنّه لا يغني عن جوع.

(27) إذا لم نقل بتعيّن الاحتمال الأوّل في صحيحة الحلبي فلا يبقى لنا دليل على مفطرية الإمناء بهذا النحو و إن كان مورثاً لجنابة جديدة، و ليس في الروايات لفظ الإجناب العمدي حتّى يقال بشموله لمثل المقام، بل المستفاد من الأدلّة مفطرية الجماع و كذا الإمناء الحاصل بإحدى مقدّماته الاختيارية التي تقع في طريق الجماع، و تكون إحدى الشهوتين كما يشعر به بعض الروايات لا بمثل البول و الاستبراء و نحوهما، حيث يخرج بهما بقايا المني بعد ما تحرّكت عن محلّه بسبب غير اختياري، فتدبّر.

(28) مرّ حكمها في مبحث نيّة القطع أو القاطع.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 125

[إذا أوجد بعض هذه الأفعال لا بنيّة الإنزال]

(مسألة 18): إذا أوجد (29) بعض هذه الأفعال لا بنيّة الإنزال، لكن كان من عادته الإنزال بذلك الفعل بطل صومه أيضاً إذا أنزل، و أمّا إذا أوجد بعض هذه و لم يكن قاصداً للإنزال و لا كان من عادته فاتّفق أنّه أنزل، فالأقوى عدم البطلان و إن كان الأحوط القضاء، خصوصاً في مثل الملاعبة و الملامسة و التقبيل.

[الخامس: تعمّد الكذب]

اشارة

الخامس: تعمّد الكذب على اللّٰه تعالى (30) أو رسوله أو الأئمّة- صلوات اللّٰه عليهم-

______________________________

(29) مرّ حكمها في بحث الاستمناء.

حكم الكذب على اللّٰه و على رسوله صلى الله عليه و آله و سلم

(30) قد أفتى بمفطريته في «المقنع» و «الهداية» و «المقنعة» و «النهاية» و «الخلاف» و «الانتصار» و «الغنية» «1» و ادّعى عليه في الأخيرين الإجماع، و في «الخلاف» نسبه إلى الأكثر، ثمّ ادّعى عليه الإجماع و هو عجيب و الأنسب نقل بعض العبائر:

ففي «الخلاف»: «من ارتمس في الماء متعمّداً أو كذب على اللّٰه أو على رسوله أو على الأئمّة عليهم السلام متعمّداً أفطر و عليه القضاء و الكفّارة، و خالف جميع الفقهاء في ذلك في الإفطار و لزوم الكفّارة معاً، و به قال المرتضى من أصحابنا و الأكثر على ما قلناه. دليلنا: ما قلناه في المسألة الاولى سواء (إجماع الفرقة و طريقة الاحتياط)». «2»

______________________________

(1) المقنع: 188؛ الهداية: 188؛ المقنعة: 344؛ النهاية: 153؛ الخلاف 2: 221، المسألة 85؛ الانتصار: 184؛ غنية النزوع 1: 138.

(2) الخلاف 2: 221، المسألة 85.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 126

..........

______________________________

و في «الانتصار»: «و ممّا انفردت به الإمامية و إن كان وافقها فيه على بعض الوجوه قوم من الفقهاء، إفسادهم الصوم بالارتماس في الماء و اعتماد الكذب على اللّٰه و على رسوله و إيجابهم في ذلك ما يجب في اعتماد الأكل و الشرب، و قد قال الأوزاعي: الكذب و الغيبة يفطران، و روى أنّ خمساً يفطرن الصوم، منها: الغيبة و النميمة، و حكى عن مالك كراهة الارتماس في الماء، و الحجّة فيما ذهبوا إليه إجماع الطائفة». «1»

و في «المختلف»: «قال الشيخان: الكذب على اللّٰه و على رسوله و على الأئمّة عليهم السلام متعمّداً مع اعتقاد كونه كذباً يفسد الصوم، و يجب به القضاء و

الكفّارة- إلى أن قال-: و أفتى أبو الصلاح «2» و ابن البرّاج «3» بمثل ما قاله الشيخان. و قال السيّد المرتضى في «الجمل»: الأشبه أنّه ينقص (ينقض) الصوم و إن لم يبطله، «4» و اختاره ابن إدريس «5» و لم يعدّه سلّار و لا ابن أبي عقيل مفطراً و هو الأقوى عندي ...» «6» و عليك بمراجعة سائر الكتب. «7»

و يدلّ على البطلان روايات:

______________________________

(1) الانتصار: 184- 185.

(2) الكافي في الفقه: 182.

(3) المهذّب 1: 191- 192.

(4) جمل العلم و العمل، ضمن رسائل الشريف المرتضى 3: 54.

(5) السرائر 1: 377.

(6) مختلف الشيعة 3: 267- 268، المسألة 24.

(7) راجع: الوسيلة: 142؛ إشارة السبق: 128؛ شرائع الإسلام 1: 189؛ المختصر النافع: 9 و 66؛ الجامع للشرائع: 156؛ قواعد الأحكام 1: 372؛ منتهى المطلب 9: 67؛ إيضاح الفوائد 1: 224.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 127

..........

______________________________

منها: موثّقتا سماعة، «1» و الظاهر رجوعهما إلى واحدة.

و منها: روايات أبي بصير «2» الراجعة إلى واحدة.

و منها: بعض المراسيل، فراجع. «3»

و الظاهر أنّ استناد المشهور إلى هذه الروايات، و ليس لهم مستند آخر و كلّ من روايتي سماعة و أبي بصير- إن لم نرجعهما إلى واحدة أيضاً لكون سماعة من رواة أبي بصير- يتضمّن نقض الوضوء أيضاً الذي لم يفت به أحد من الفريقين. فلعلّ المراد بإفطار الصوم فيهما الإضرار ببعض مراتبه الكاملة لا الإبطال، و على ذلك يحمل أيضاً نقض الوضوء.

و بالجملة: فهل نختار البطلان بالروايات و الإجماعات المنقولة و الشهرة المحقّقة أو نمنع ذلك للخدشة في الروايات بما ذكر، و كون مستند المشهور أيضاً هذه الروايات لا غير، و دعوى الإجماع مكابرة كما عن «المعتبر» «4» أيضاً و يشهد لذلك مخالفة حاكيه له.

في

المسألة وجهان؛ و يؤيّد الأخير الحصر الوارد في صحيحة محمّد بن مسلم «5»

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 189/ 536 و 203/ 586؛ وسائل الشيعة 10: 33- 34، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2، الحديث 1 و 3.

(2) الكافي 2: 254/ 9 و 4: 89/ 10؛ تهذيب الأحكام 4: 203/ 585؛ الفقيه 2: 67/ 277؛ نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى: 24/ 14؛ وسائل الشيعة 10: 33- 34، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2، الحديث 2 و 4 و 7.

(3) وسائل الشيعة 10: 33- 35، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2.

(4) المعتبر 2: 656.

(5) تهذيب الأحكام 4: 189/ 535؛ الفقيه 2: 67/ 276؛ وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 128

سواء كان متعلّقاً بامور الدين أو الدنيا، (31) و سواء كان بنحو الإخبار أو بنحو الفتوى، (32)

______________________________

و أنّه لو كان مفطراً لاشتهر غاية الاشتهار في عصر النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمّة عليهم السلام.

و كيف كان: فالأحوط هو الحكم بمفطريته إن لم نقل بأنّه الأقوى.

(31) لإطلاق النصوص، و في «الجواهر» «1» عن «كشف الغطاء» التخصيص بالأحكام الشرعية دون الامور العادية و الطبيعية و لعلّه لدعوى الانصراف، إذ الجامع المشترك بين اللّٰه و بين رسوله و بين الأئمّة عليهم السلام كون اللّٰه تعالى مشرّعاً للأحكام، و الرسول مبيّناً لها و الإمام حافظاً لها فبمناسبة الحكم و الموضوع ينصرف الحكم إلى الأحكام فقط و إن كان يمكن الخدشة: بأنّ احترام اللّٰه و احترامهم لعلّه أوجب حفظ حريمهم بنحو الإطلاق و مقتضاه عدم تطرّق الكذب

إلى حريمهم و إن كان في العاديات، فتدبّر.

(32) المفتي قد يقول: «هذا الشي ء أحله اللّٰه»، و قد يقول: «هذا حلال».

فالأوّل: من قبيل الإخبار عن اللّٰه تعالى قطعاً.

و الثاني: قد يراد به الحكاية عن حكم اللّٰه في الواقع و قد يراد به الحكاية عن رأيه القائم بنفسه من دون نظر إلى الواقع، نظير إرادة لازم الخبر في الأخبار، فالأوّل أيضاً يرجع إلى الكذب على اللّٰه، و أمّا الثاني فهو راجع إلى الكذب على نفسه إن فرض عدم استقرار رأيه على ما هو مفاد الكلام و الكذب على النفس ليس مفطراً.

و بالجملة: فمفاد الجملة على الأخير أنّ رأيي استقرّ على ذلك و ليس في ذلك حكاية عن الواقع، فتدبّر.

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 226 و راجع: مستمسك العروة الوثقى 8: 253.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 129

بالعربي أو بغيره من اللغات؛ من غير فرق (33) بين أن يكون بالقول أو الكتابة أو الإشارة أو الكناية أو غيرها ممّا يصدق عليه الكذب عليهم، و من غير فرق بين أن يكون الكذب مجعولًا له أو جعله غيره و هو أخبر به مسنداً إليه، لا على وجه نقل القول، و أمّا لو كان على وجه الحكاية و نقل القول فلا يكون مبطلًا.

[إلحاق باقي الأنبياء و الأوصياء بنبيّنا]

(مسألة 19): الأقوى إلحاق باقي الأنبياء (34) و الأوصياء بنبيّنا صلى الله عليه و آله و سلم، فيكون الكذب عليهم أيضاً موجباً للبطلان، بل الأحوط إلحاق فاطمة الزهراء عليها السلام (35) بهم أيضاً.

______________________________

(33) لإطلاق الأدلّة و دعوى الانصراف إلى خصوص القول ممنوعة.

(34) إمّا لدعوى أنّ المراد برسوله مطلق من أرسله اللّٰه و بالأئمّة مطلق الأوصياء، أو لدعوى كون تعليق الحكم على وصف الرسالة و الإمامة، يفهم منه بمناسبة الحكم و

الموضوع عموم الحكم لكلّ رسول و إمام.

و الأوّل خلاف الظاهر جدّاً، إذ المتبادر من اللفظين خصوص رسولنا صلى الله عليه و آله و سلم و خصوص الأئمّة الاثنا عشر عليهم السلام و ربما يورد على الثاني بأنّ مقتضاه هو التخصيص بالأحكام الشرعية دون العاديات فإنّها المناسب لحيثية الرسالة و الوصاية، فالجمع بين القول بالشمول للعاديات و بين التعدّي إلى سائر الأنبياء و الأوصياء عليهم السلام لهذا الوجه بلا وجه، و يمكن أن يقال: إنّ التعدّي إلى سائر الأنبياء عليهم السلام من جهة دخالة حيثية الرسالة و الوصاية في الحكم لا ينافي الشمول للعاديات، إذ الحيثية لعلّها اخذت تعليلية لا تقييدية، فتأمّل؛ فإنّ الحيثيّات التعليلية ترجع لبّاً إلى التقييدية.

(35) لا وجه لإلحاقها عليها السلام بعد اقتضاء عموم الحصر في صحيحة ابن

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 130

[إذا تكلّم بالخبر غير موجّه خطابه إلى أحد]

(مسألة 20): إذا تكلّم بالخبر غير موجّه خطابه إلى أحد، أو موجّهاً إلى من لا يفهم معناه، فالظاهر عدم البطلان (36) و إن كان الأحوط القضاء.

[إذا سأله سائل: فأشار «نعم» في مقام «لا»]

(مسألة 21): إذا سأله سائل: هل قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم كذا؟ فأشار «نعم» في مقام «لا»، أو «لا» في مقام «نعم» بطل صومه.

[إذا أخبر صادقاً ثمّ قال: كذبت]

(مسألة 22): إذا أخبر صادقاً عن اللّٰه أو عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم- مثلًا- ثمّ قال: كذبت، بطل صومه، (37) و كذا إذا أخبر بالليل كاذباً ثمّ قال في النهار: ما أخبرت به البارحة صدق.

______________________________

مسلم «1» و كذا أصل البراءة عدم الإضرار، و دعوى كون المراد بالأئمّة عليهم السلام كلّما ذكرت معنى يشملها عليها السلام كما في «مصباح الفقيه» «2» ممنوعة. نعم، الأحوط استحباباً إلحاقها عليها السلام، فتأمّل.

(36) إذ الكذب قسم للخبر و الخبر يقتضي المخبر، و لو قيل: إنّ التكلّم بالجملة الخبرية المخالفة للواقع يصدق عليه الكذب مطلقاً كما يصدق الصدق على التكلّم بما طابق الواقع و إن لم يوجد من يخاطب، أمكن دعوى انصراف الأدلّة إلى خصوص مورد يوجد فيه من يخاطب، فتدبّر، هذا.

و لكن لا يترك الاحتياط بالقضاء، إذ يصدق على المتكلّم في المقام أنّه كذب على اللّٰه تعالى.

(37) لما عرفت من شمول الدليل للكذب غير الصريح أيضاً، و في «المستمسك»: «هذا إذا كان المقصود نفي الواقع المطابق للخبر كما هو الظاهر

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 189/ 535؛ الفقيه 2: 67/ 276؛ وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.

(2) مصباح الفقيه 14: 381.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 131

[إذا أخبر كاذباً ثمّ رجع عنه بلا فصل]

(مسألة 23): إذا أخبر كاذباً ثمّ رجع عنه بلا فصل لم يرتفع عنه الأثر، فيكون صومه باطلًا، بل و كذا إذا تاب بعد ذلك، فإنّه لا تنفعه توبته في رفع البطلان.

[لا فرق بين أن يكون الخبر المكذوب مكتوباً أو لا]

(مسألة 24): لا فرق في البطلان بين أن يكون الخبر المكذوب مكتوباً في كتاب من كتب الأخبار أو لا، فمع العلم بكذبه لا يجوز الإخبار به (38) و إن أسنده إلى ذلك الكتاب،

______________________________

و أمّا إذا كان المقصود نفي الخبر المطابق للواقع فلا يبطل به صومه لعدم كونه كذباً على اللّٰه تعالى أو على النبي صلى الله عليه و آله و سلم بل كذب على نفسه». «1»

أقول: ليس المراد بقوله: «كذبت» على الثاني الإخبار عن نفسه بعدم الإخبار، بل الإخبار عن نفسه بكونه كاذباً في خبره الكذائي فهو كَذبَ على نفسه بأنّه كَذبَ في خبره الخاصّ، فالمحكي كونه كاذباً في خبره الخاصّ، و هذا يستلزم نفي الواقع المحكي بخبره الأوّل، إذ الكذب أمر إضافي بين الحاكي و المحكي، و المفروض أنّ المحكي بقوله «كذبت» هذه الإضافة الخاصّة. و بالجملة: فالكذب على نفسه في المقام يستلزم الكذب على اللّٰه تعالى. و قد عرفت مفطرية الكذب و إن كان بالملازمة.

(38) الإخبار و الإفتاء بما هما من الأفعال إنّما يجوزان مع العلم أو ما ثبت حجّيته فكما يجوز العمل مع قيام الحجّة الشرعية و إن لم يحصل العلم، يجوز الإخبار و الإفتاء بمضمون الحجّة أيضاً و أمّا مع عدم قيام الحجّة فيحرم الإخبار جزماً و إن احتمل المصادفة للواقع لأنّه قول بغير علم، فيدلّ على حرمته مثل قوله تعالى: «آللّٰهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّٰهِ تَفْتَرُونَ» «2» و قوله: «أَ تَقُولُونَ عَلَى اللّٰهِ مٰا

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 8:

255.

(2) يونس (10): 59.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 132

..........

______________________________

لٰا تَعْلَمُونَ»، «1» بل يظهر منهما كون قبحه من الوجدانيات التي يجدها من راجع وجدانه، و أمّا من حيث الكذب فلا نحكم بحرمته مع الاحتمال فإنّه شبهة موضوعية بالنسبة إليه، حيث إنّ الكذب كما حقّق في محلّه هو الإخبار المخالف للواقع و المفروض في المقام هو الشكّ في المخالفة. و مقتضى ما حقّقناه في الاصول جريان البراءة في الشبهة الموضوعية التحريمية. «2»

و بالجملة: فلا بأس بجريان البراءة عن حرمته و عن حصول الإفطار به، بل ربما يقال: بأنّ المفطر هو تعمّد الكذب المتوقّف على قصده، و في المقام لا قصد فلا نحتاج إلى أصل البراءة بالنسبة إلى الإفطار به للعلم بعدم مفطريته واقعاً.

و الشيخ قدس سره أيضاً حكم بعدم المفطرية في الخبر المحتمل، «3» و لكن في «مصباح الفقيه» «4» حكم بحصول الإفطار به على فرض المصادفة و كونه كذباً و منع كونه غير عمد، و مثّل لذلك بمن شرب أحد الإنائين اللذين يعلم إجمالًا بأنّ أحدهما خمر.

أقول: في مثال الإنائين قد تنجّز الواقع بالعلم الإجمالي، و أمّا فيما نحن فيه فلا منجّز للواقع، حيث إنّه شبهة بدويّة.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ محتمل الكذب بعد ما علم حرمته من جهة أنّه قول بغير علم فقد تنجّز بأيّ عنوان اتّحد معه و انطبق عليه، بناءً على تنجّز الحكم بجميع العناوين بعد ما حصل العلم بواحد منها، كما إذا كان شي ء حراماً لتنجّسه و كونه غصباً فحصل العلم بأحد العنوانين.

______________________________

(1) الأعراف (7): 28.

(2) نهاية الاصول: 328- 332.

(3) كتاب الصوم، ضمن تراث الشيخ الأعظم 12: 74.

(4) مصباح الفقيه 14: 382.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 133

إلّا أن يكون ذكره له على

وجه الحكاية دون الإخبار، بل لا يجوز الإخبار به على سبيل الجزم مع الظنّ بكذبه، بل و كذا مع احتمال كذبه، إلّا على سبيل النقل و الحكاية، فالأحوط لناقل الأخبار في شهر رمضان مع عدم العلم بصدق الخبر أن يسنده إلى الكتاب، أو إلى قول الراوي على سبيل الحكاية.

[الكذب على الفقهاء و المجتهدين و الرواة]

(مسألة 25): الكذب على الفقهاء و المجتهدين و الرواة و إن كان حراماً لا يوجب بطلان الصوم، (39) إلّا إذا رجع إلى الكذب على اللّٰه و رسوله صلى الله عليه و آله و سلم.

______________________________

و كيف كان: فعلى فرض القول بمفطريته فحصول الإفطار به إنّما هو على فرض كونه كذباً أعني مخالفاً للواقع لا مطلقاً. فما في بعض حواشي «العروة» من أنّ غير القطعيات إن لم يثبت بحجّة شرعية كان كذباً و مبطلًا، «1» بلا وجه.

ثمّ إنّ قول الماتن: «بل لا يجوز الإخبار به» مع قوله: «فالأحوط لناقل الإخبار» لعلّهما متنافيان و حمل الأوّل على الحكم التكليفي و الثاني على الوضعي أعني المفطرية- كما في «المستمسك»- «2» خلاف الظاهر، إذ البحث في المسألة كان في الحكم الوضعي كما يظهر من ملاحظة الجملة الاولى في المسألة، أعني قوله: «فمع العلم بكذبه لا يجوز الإخبار به» فتدبّر.

(39) لأنّه كذب عليهم لا على اللّٰه و لا دليل على مفطريته. اللهمّ إلّا أن يسند الفتوى المجعولة إلى اللّٰه أو رسوله، و يظهر من بعض الحواشي: أنّ إسناد الفتوى المجعول إلى الفقهاء لفطر كما في حاشية الجرفادقاني «3» و هو بلا وجه، فتأمّل.

______________________________

(1) العروة الوثقى 3: 551.

(2) مستمسك العروة الوثقى 8: 257.

(3) العروة الوثقى 3: 549.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 134

[إذا اضطرّ إلى الكذب على اللّٰه و رسوله]

(مسألة 26): إذا اضطرّ إلى الكذب على اللّٰه و رسوله صلى الله عليه و آله و سلم في مقام التقيّة من ظالم لا يبطل صومه به، (40) كما أنّه لا يبطل مع السهو أو الجهل المركّب.

______________________________

(40) في «الجواهر» عن «كشف الغطاء»: إنّه إذا كان الكذب في مقام التقيّة أو دون البلوغ فلا فساد. و ردّ ذلك في «الجواهر» بأنّ التقيّة

ترفع الإثم لا حكم الإفطار، و المفطر لا فرق فيه بين ما قبل البلوغ و ما بعده. «1»

و اختار الشيخ قدس سره في صومه عدم الإفساد، قال: «لأنّ الظاهر المتبادر تعلّق الحكم على الكذب المحرّم كما يشهد ضمّ نقض الوضوء في بعض الأخبار». «2»

و في «مصباح الفقيه» فصّل بين المسألتين و حكم في الاولى بعدم الإفطار لما ذكر و في الثاني بالإفطار، قال: «لأنّ عدم مؤاخذة الصبي عليه ليس لإباحته في حقّه، بل لرفع القلم عنه فهو مكلّف بترك الكذب على حدّ تكليفه بترك الأكل و الشرب في صومه». «3»

أقول: الظاهر عدم الفصل بين المسألتين فإن قلنا: بانصراف الروايات إلى خصوص الكذب الواقع على وجه محرّم مبغوض، كما هو الظاهر بمناسبة الحكم و الموضوع صحّ الصوم في المسألتين و إن منعنا الانصراف حكم بالبطلان فيهما، هذا.

و في بعض حواشي «العروة» فصّل في التقيّة بين أن يكون من المخالفين و يكون

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 226.

(2) كتاب الصوم، ضمن تراث الشيخ الأعظم 12: 74.

(3) مصباح الفقيه 14: 383.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 135

[إذا قصد الكذب فبان صدقاً]

(مسألة 27): إذا قصد الكذب فبان صدقاً، دخل في عنوان قصد المفطر بشرط العلم (41) بكونه مفطراً.

[إذا قصد الصدق فبان كذباً لم يضرّ]

(مسألة 28): إذا قصد الصدق فبان كذباً لم يضرّ، (42) كما اشير إليه.

[إذا أخبر بالكذب هزلًا]

(مسألة 29): إذا أخبر بالكذب هزلًا؛ بأن لم يقصد المعنى أصلًا، لم يبطل صومه. (43)

______________________________

الكذب راجعاً إلى ما أبدعوه في الدين و بين غيره فحكم في الأوّل بالصحّة دون الثاني لأنّه من الإكراه المسوغ للإفطار لا التقيّة المبدلة للتكليف. «1»

و هذا التفصيل إنّما يصحّ بعد منع الانصراف السابق و إلّا لم تصل النوبة إليه كما هو ظاهر.

(41) إذ قصد المفطر بناءً على إضراره بالصوم إنّما يضرّ به إذا رجع إلى قصد الإفطار المنافي لنيّة الصوم فلا يضرّ قصد ذات المفطر بعنوانه الأوّلي إذا لم يتوجّه إلى كونه مفطراً لعدم منافاته لنيّة الصوم عن المفطرات الشرعية، حيث اكتفينا فيها بالنيّة الإجمالية كما تقدّم في مبحث النيّة. «2»

(42) لعدم العمد و قد اشير إليه في ذيل المسألة 26.

(43) إذ الصدق و الكذب من أقسام الخبر المتقوّم بقصد الحكاية عن الواقع.

اللهمّ إلّا أن يقال: بصدق الكذب على التكلّم بالجملة الخبرية المخالفة للواقع و إن لم يقصد بها الحكاية، و لكن فيه منع كما لا يخفى.

______________________________

(1) العروة الوثقى 3: 553.

(2) تقدّم في الصفحة 28- 32.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 136

[السادس: إيصال الغبار الغليظ]

السادس: إيصال الغبار الغليظ (44)

______________________________

إيصال الغبار إلى الحلق

(44) نسب القول بمفطرية الغبار إلى المشهور، بل ادّعي فيها عدم الخلاف بل يظهر من «الجواهر» «1» و «المستمسك» «2» نقل الإجماع في المسألة عن «الناصرية» و «الغنية» و نحوهما.

أقول: ادّعاء الإجماع أو عدم الخلاف أو الشهرة فيما هو عنوان المسألة أعني إيصال الغبار إلى الحلق بما هو حلق بلا وجه.

و تفصيل الكلام في ذلك: أنّ استنشاق الهواء المغبر على أقسام:

الأوّل: أن يقصد باستنشاقه إيصال الأجزاء التي فيه من الطحين أو التراب إلى بطنه، بأن يجتمع الأجزاء في حلقه فيختلط بريقه و

ينزل في البطن، و هذا من غير فرق بين أن يشير الغبار بنفسه أو يستنشق ما أغبر بإثارة غيره.

الثاني: أن لا يقصد ذلك و لكن يعلم بأنّ إثارته للغبار أو توقّفه في الهواء المغبر يوجب ذلك.

الثالث: أن لا يعلم بذلك و لكن يحتمله.

الرابع: أن يتحفّظ من نزول الغبار إلى بطنه و إنّما يصل إلى حلقه فقط أو يدخل تبعاً للهواء في ريته ثمّ يخرج.

أمّا الأوّل: فهو بحكم الأكل بل هو هو؛ إذ لا تفاوت بين أن يوصل الشي ء إلى

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 232- 233.

(2) مستمسك العروة الوثقى 8: 259.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 137

..........

______________________________

بطنه بوضعه في الفم و بلعه و بين أن يوصله إليه بهذا الطريق فليس هذا مفطراً مستقلًاّ في قبال الأكل و الشرب. و لو منع صدق الأكل على مثله فلا أقلّ عن كونه بحكمه لما مرّ من أنّ إيصال الشي ء إلى البطن و لو كان بالبلع و الازدراد لما لا يؤكل مثل الحصى و البرد و الخرزة، فضلًا عما يؤكل مفطر جزماً، و قد مرّ في أوّل بحث المفطرات عبارة «الخلاف» «1» و «الناصريات» «2» في هذه المسألة.

و في «الغنية»: «ما يصل إلى جوف الصائم مع ذكره للصوم عن عمد منه و اختيار، سواء كان بأكل أو شرب أو شمّ أو ازدراد لما لا يؤكل في العادة ...». «3»

و ادّعى على ذلك الإجماع، و مرادهم بالجوف هو البطن ظاهراً لا مطلق الجوف حتّى يشمل الرية و نحوها.

و بالجملة: فادّعاء الإجماع على هذا الفرض بلا إشكال.

و أمّا إيصال الغبار إلى الحلق بما هو كذلك، فلا ذكر له في «الغنية» و «الناصريات»، بل و أكثر كتب القدماء فضلًا عن ادّعاء الإجماع عليه.

و أمّا

القسم الثاني: فيمكن إلحاقه بالأوّل أيضاً؛ إذ حاله حال المشي تحت المطر الذي يعلم بدخوله في حلقه لو لم يتحفّظ عنه و عدم التخليل مع العلم بخروج الغذاء من بين الأسنان و نزوله إلى البطن. و بالجملة: فيصدق على هذا الشخص أنّه لم يجتنب الطعام و الشراب، فتأمّل.

و أمّا الثالث: فسيأتي حكمه عند تعرّض الماتن له.

و أمّا الرابع: أعني به إيصال الغبار إلى حلقه أو إدخاله في الرية أيضاً مع التحفّظ

______________________________

(1) الخلاف 2: 212- 213، المسألة 71 و 72.

(2) مسائل الناصريات: 294، المسألة 129.

(3) غنية النزوع 1: 138.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 138

..........

______________________________

من وصوله إلى الجوف بمعنى البطن فهو الظاهر من عنوانه مفطراً مستقلًاّ في قبال الأكل، و قد عرفت عدم تعرّض أكثر القدماء له، فادّعاء الشهرة أو الإجماع فيه مشكل، و لم أجد المسألة معنونة في «الهداية» و «المقنع» و «الغنية» و «الناصرية» و «النهاية» و «المراسم».

نعم، في «المقنعة»: «و يجتنب الصائم الرائحة الغليظة و الغبرة التي تصل إلى الحلق فإنّ ذلك نقض (نقص) في الصيام». «1»

و في موضع آخر منها: «و لو كان في مكان فيه غبرة كثيرة أو رائحة غليظة فدخل حلقه من ذلك شي ء لم يكن عليه قضاء و إن تعمّد الكون في ذلك المكان و له غناء عن الكون فيه فدخل حلقه شي ء من ذلك وجب عليه القضاء». «2»

و في «الخلاف»: «غبار الدقيق و النفض الغليظ حتّى يصل إلى الحلق يفطر، و يجب منه القضاء و الكفّارة متى تعمّد و لم يوافق عليه أحد من الفقهاء، بل أسقطوا كلّهم القضاء و الكفّارة معاً، دليلنا: الأخبار التي بيّناها في الكتاب الكبير «3» و طريقة الاحتياط». «4»

و في «المبسوط» في عداد

ما يوجب القضاء و الكفّارة: «و إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق متعمّداً مثل غبار الدقيق و غبار النفض و ما جرى مجراه على ما تضمّنته الروايات، و في أصحابنا من قال: إنّ ذلك لا يوجب الكفّارة و إنّما يوجب القضاء». «5»

______________________________

(1) المقنعة: 356.

(2) المقنعة: 358- 359.

(3) تهذيب الأحكام 4: 214/ 621.

(4) الخلاف 2: 177، المسألة 17.

(5) المبسوط 1: 271.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 139

..........

______________________________

و حكى في «المختلف» عنه: «في «الجمل» و «الاقتصاد» نحوه». «1»

و بالجملة: فترى المسألة غير معنونة في عمد الكتب المصنّفة لبيان المسائل المتلقّاة عن المعصومين عليهم السلام و إنّما ذكرت في كثير من الكتب المبسوطة الموضوعة لبيان الاصول و التفريعات معاً فادّعاء الشهرة في المسألة بلا وجه.

نعم، عرفت صحّة دعوى الإجماع في القسم الأوّل و لكنّه ليس عنواناً مستقلًاّ، بل هو من مصاديق الأكل و الإيصال إلى الجوف المتبادر منه خصوص البطن، لا الأعمّ منه و من الرية، فتدبّر.

و كيف كان: فإذا لم يمكن إتمام مفطرية إيصال الغبار إلى الحلق بما هو حلق بمثل الشهرة و الإجماع و لم يكن أيضاً من مصاديق الإيصال إلى الجوف المدّعى عليه الإجماع في «الناصرية» و «الغنية» انحصر طريق إثباته فيما رواه الشيخ عن الصفّار، عن محمّد بن عيسى، عن سليمان بن حفص (جعفر) المروزي، قال: سمعته يقول: «إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمّداً أو شمّ رائحة غليظة أو كنس بيتاً فدخل في أنفه و حلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين فإنّ ذلك له مفطر مثل الأكل و الشرب و النكاح». «2»

و استشكل على الاستدلال به: أوّلًا: باشتمال السند على مجاهيل كما في «المدارك»، «3» و ثانياً: بجهالة القائل و عدم الدليل على

كونه الإمام عليه السلام، و ثالثاً: باشتمال الحديث على ما أجمع الأصحاب على خلافه من ترتّب الكفّارة على

______________________________

(1) مختلف الشيعة 3: 272، المسألة 26.

(2) تهذيب الأحكام 4: 214/ 621؛ وسائل الشيعة 10: 69، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 22، الحديث 1.

(3) مدارك الأحكام 6: 52.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 140

..........

______________________________

مجرّد المضمضة و الاستنشاق و شمّ الرائحة الغليظة، و رابعاً: بإطلاقه و شموله للغبار الغليظ و غيره مع كون فتوى أكثر المتعرّضين مقيّدة بالغليظ، و خامساً: بكون الرواية معارضة بما رواه الشيخ أيضاً عن أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن الرضا عليه السلام، قال: سألته عن الصائم يتدخّن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه، فقال: «جائز لا بأس به»، قال: و سألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه، قال:

«لا بأس». «1»

أقول: ليس في السند مجهول، فضلًا عن مجاهيل، إذ محمّد بن عيسى و إن ضعّفه الشيخ «2» و جماعة و لكن وثّقه النجاشي «3» و آخرون و هو الأظهر، و كيف كان: فليس مجهولًا، و المروزي أيضاً و إن لم يذكره أكثر القدماء و لكن تعرّض له الشيخ في رجاله «4» و يظهر من «العيون» «5» الاعتماد عليه و وثّقه المجلسي الأوّل «6» و مدحه آخرون و يظهر من كثرة روايات الرجل و محمّد بن عيسى أيضاً كونهما من أصحاب الأئمّة عليهم السلام و المتردّدين إليهم كثيراً و يبعد جدّاً من مثل هذا الرجل نقل الحديث من غير الإمام عليه السلام، فالإشكال في السند و كذا القائل لعلّه بلا وجه، و الرواية و إن

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 324/ 1003؛ وسائل الشيعة 10: 70، كتاب الصوم، أبواب ما

يمسك عنه الصائم، الباب 22، الحديث 2.

(2) الفهرست: 216/ 611؛ رجال الطوسي: 367/ 77 و 391/ 10 و 401/ 3.

(3) رجال النجاشي: 333.

(4) رجال الطوسي: 358؛ الفهرست: 138- 139/ 328 و راجع: قاموس الرجال 5: 252/ 3371.

(5) عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 179/ 1 و أيضاً 1: 280، الباب 28، ذيل الحديث 23. و فيه بعد ذكر خبر عن سليمان بن حفص المروزي قال: قال مصنّف هذا الكتاب: لقي سليمان بن حفص موسى بن جعفر و الرضا عليهما السلام جميعاً و لا أدري هذا الخبر عن أيّهما هو.

(6) روضة المتّقين 14: 138.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 141

إلى حلقه، بل و غير الغليظ (45)

______________________________

لم تشتمل على لفظ الغليظ و لكن كنس البيت المذكور فيها يلازم الغلظة عادة كما لا يخفى.

و الظاهر من الرواية الثانية الدخول القهري فلا تعارض رواية المروزي، فارتفع الإشكالات الأربعة.

نعم، يبقى الإشكال الثالث، اللهمّ إلّا أن يقال: كما قيل بأنّ الإعراض عن بعض فقرات الحديث لا يوجب سقوطه عن الحجّية رأساً، و لكن يرد على ذلك أنّ بناء العقلاء ليس على التبعيض في الحجّية و عمدة الدليل على حجّية الخبر بناء العقلاء.

هذا مضافاً إلى أنّ إيصال الغبار إلى الحلق بما هو حلق لو كان مفطراً مستقلًاّ لاشتهر غاية الاشتهار و ذكره الأصحاب في الكتب المعدّة لنقل الفتاوى المأثورة عن المعصومين عليهم السلام لكثرة الابتلاء بالمسألة، و لا سيّما مع عدم فتوى العامّة بمفطريته.

فالإفتاء في المسألة بالمنع مشكل، و لكنّ الفتوى بالجواز أيضاً مع فتوى كثير من أصحابنا بالمنع أشكل و إن كان مقتضى الأصل و كذا الحصر الوارد في صحيح محمّد بن مسلم هو الجواز.

و كيف كان: فالأحوط الاجتناب عن الغليظ منه

أعني ما كان يرتفع من مثل كنس البيت و نحوه بحيث لا يعدّ عرفاً جزءاً من الهواء بل يعدّ شيئاً مستقلًاّ في قباله.

(45) أقول: قد عرفت عدم اشتمال الرواية، بل و كثير من الكلمات على لفظ الغليظ و ادّعاء الإجماع و الشهرة أيضاً على أصل المسألة بلا وجه، فكيف على وصف الغلظة، و لذا قال في «المدارك»: «أنّ الاعتبار يقتضي عدم الفرق بين الغليظ

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 142

على الأحوط؛ سواء كان من الحلال كغبار الدقيق، أو الحرام كغبار التراب و نحوه، و سواء كان بإثارته بنفسه بكنس أو نحوه، أو بإثارة غيره، بل أو بإثارة الهواء مع التمكين منه و عدم تحفّظه، و الأقوى إلحاق البخار (46)

______________________________

و غيره». «1» و عن «المسالك» أيضاً عدم الفرق. «2»

نعم، الثابت بالرواية مفطرية مثل الغبار المرتفع بمثل كنس البيت و نحوه أعني ما لا يعدّ عرفاً جزءاً من الهواء فإنّ من أفراد الغبار ما وصل في الرقة إلى حدّ لا حكم له عرفاً، بل يحكمون في مثله بكون الهواء كثيفاً مثلًا و مثله لا إشكال فيه، إذ قلّما يوجد هواء غير مشوب أصلًا و ليس غرض الشارع في شهر رمضان ترك الناس أشغالهم العادية المستلزمة للاصطكاك بالهواء المشوب و استنشاقه، و لم ينقل ترك الصحابة لأعمالهم و أشغالهم في شهر رمضان، و لعلّ مراد من قيّد بالغليظ أيضاً هو الاحتراز عن مثل ذلك أعني ما لا يعدّ شيئاً في قبال الهواء، بل يعدّ وصفاً له و من حالاته.

(46) لا قوة في ذلك لعدم الدليل عليه من غير فرق بين الرقيق منه و الغليظ، فإنّ البخار لا يدخل في الجوف بمعنى البطن و إنّما يدخل بتبع الهواء في

الرية، و لا دليل على كونه مفطراً و كون الإيصال إلى الحلق بما هو حلق مفطراً إنّما ثبت على فرض القول به في الغبار لرواية المروزي. «3» و حمل البخار عليه قياس و لم يتعرّض له أحد

______________________________

(1) مدارك الأحكام 6: 52.

(2) مسالك الأفهام 2: 17.

(3) تهذيب الأحكام 4: 214/ 621؛ وسائل الشيعة 10: 69، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 22، الحديث 1.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 143

الغليظ و دخان التنباك و نحوه، و لا بأس بما يدخل في الحلق غفلة أو نسياناً أو قهراً أو مع ترك التحفّظ بظنّ عدم الوصول (47) و نحو ذلك.

______________________________

من القدماء أيضاً، فالأصل و الحصر الوارد في صحيحة محمّد بن مسلم «1» يقتضيان الجواز، و مثله الكلام في الدخان. اللهمّ إلّا أن يجتمع الأجزاء الرمادية المتصاعدة في الغليظ منه في الحلق ثمّ ينزل في البطن بريقه اختياراً- كما مرّ نظيره في الغبار.

و القول بقيامه لمن اعتاده و تلذّذ به مقام القوت- كما في «الجواهر» «2» عن كشف استاذه- استحسان محض لا يثبت به الحكم الشرعي.

و ارتكاز حصول الإفطار به عند المتشرّعة أمر حادث منشؤه فتاوى المتأخّرين و احتياطاتهم في الرسائل العملية، بل لعلّ المستفاد من رواية عمرو بن سعيد «3» السابقة أيضاً هو الجواز، فإنّ نفس إيقاد العود جائز بلا إشكال، و لا منشأ لتوهّم المنع عنه و دخول الدخان في الحلق قهراً لا معنى لحمل الجواز عليه فلعلّ الظاهر حمل الجواز في الحديث على إيقاد العود بقصد أن ينتفع و يلتذّ بدخانه الواصل إلى الحلق أو مع العلم بدخوله فيه.

(47) إطلاق رواية المروزي «4» و لا سيّما مع أنّ الغالب في كنس البيت هو الظنّ

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 189/ 535 و 302/ 584 و 318/ 971؛ الفقيه 2: 67/ 276؛ وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.

(2) جواهر الكلام 16: 236.

(3) تهذيب الأحكام 4: 324/ 1003؛ وسائل الشيعة 10: 70، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 22، الحديث 2.

(4) تهذيب الأحكام 4: 214/ 621؛ وسائل الشيعة 10: 69، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 22، الحديث 1.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 144

[السابع: الارتماس في الماء]

اشارة

السابع: الارتماس في الماء، (48)

______________________________

بعدم الوصول إلى الحلق إذ الغبار ممّا يفرّ الطبع عنه يقتضي حصول الإفطار في صورة الظنّ بالعدم أيضاً فضلًا عن الاحتمال.

نعم، يمكن جعل ذكر الكفّارة قرينة على عدم الشمول لصورة العلم أو الاطمينان بالعدم. هذا بناءً على الاستدلال بالرواية، و أمّا إذا صرفنا النظر عنها فمقتضى استصحاب عدم الدخول في الحلق عدم وجوب التحفّظ مع الشكّ و على فرض الدخول حينئذٍ يدخل في الإفطار الغير العمدي، نظير ما يقال في مسألة وجوب التخليل و عدمه فيمن شكّ في خروج ما في الأسنان و نزوله في البطن.

اللهمّ إلّا أن يقال: عموم الدليل الدالّ على مفطرية الأكل يشمل غير العامد أيضاً، و القدر المتيقّن ممّا خرج منه صورة التحفّظ و القهر و النسيان فصورة الشكّ في الوصول إلى الجوف أو الحلق مع عدم التحفّظ باقية تحت العامّ.

و كيف كان: فالأحوط في المسألة هو التحفّظ و ترتيب أثر البطلان إلّا مع الاطمينان بالعدم، فتدبّر.

الارتماس في الماء

(48) الاحتمالات المتصوّرة في الارتماس بحسب الأخبار المختلفة ستة:

الأوّل: كونه مفطراً موجباً للقضاء و الكفّارة و هو المشهور بين القدماء و سيأتي نقل عبائرهم.

الثاني: كونه مفطراً موجباً للقضاء فقط و هو المحكي عن أبي الصلاح. «1»

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 183.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 145

..........

______________________________

الثالث: كونه محرّماً تكليفياً غير مفطر و هو الذي احتمله الشيخ في «الاستبصار» «1» في مقام الجمع بين الأخبار، و اختاره المحقّق «2» و العلّامة «3» و كثير من المتأخّرين. «4»

الرابع: الكراهة التكليفية. «5»

الخامس: الكراهة الوضعية بمعنى كونه مفطراً للمرتبة الكاملة و موجباً لتنزّل الصوم بسببه إلى المرتبة الناقصة منه، و بعبارة اخرى يكون عدمه معتبراً في المرتبة لا في أصل الطبيعة نظير الأجزاء الندبية كالقنوت

للصلاة مثلًا، و حكي القول بالكراهة عن العماني «6» و الحلّي «7» و المرتضى رحمه الله في أحد قوليه، «8» و بها قال مالك من العامّة «9» و لم يصرّحوا بكونها تكليفية أو وضعية، و لكنّ الظاهر منهم هي الوضعية لأنّها مقتضى الجمع بين جميع الأخبار التي عبّر في بعضها بلفظ الإفطار و الإضرار بالصوم.

______________________________

(1) الاستبصار 2: 85، ذيل الحديث 6.

(2) المعتبر 2: 656؛ شرائع الإسلام 1: 192.

(3) مختلف الشيعة 3: 269، المسألة 25.

(4) راجع: كشف الرموز 1: 279؛ رياض المسائل 5: 322؛ كفاية الأحكام 1: 235؛ الحدائق الناضرة 13: 133.

(5) تهذيب الأحكام 4: 209، ذيل الحديث 605، حيث قال: «فأمّا ما عدا هذه الأشياء التي عددناها فليس في شي ء منها كفّارة و لا قضاء لأنّ الأخبار التي وردت فيها إنّما وردت كلّها على طريق الكراهية و على أنّ الأولى تجنبها منها ما رواه ...»، و ذكر رواية ابن سنان: قال عليه السلام: «يكره للصائم أن يرتمس في الماء».

(6) نقله عنه السيوري في التنقيع الرائع 1: 359.

(7) السرائر 1: 386- 387.

(8) راجع: مختلف الشيعة 3: 270، المسألة 25.

(9) المغني، ابن قدامة 2: 92؛ المجموع 6: 394.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 146

..........

______________________________

السادس: أن يقال: بكونه مفطراً للصوم بمعنى كون عدمه مأخوذاً في أصل الطبيعة و مع ذلك لا يوجب القضاء أيضاً من جهة عدم إمكان التدارك، نظير ما قالوه فيمن جهر في موضع الإخفات أو أخفت في موضع الجهر جهلًا، و فيمن أتمّ في موضع القصر جهلًا، حيث حكموا بالعصيان من جهة التقصير و عدم وجوب الإعادة لما في الأخبار، و قالوا: لعلّ الحكم بعدم الإعادة من جهة كون ما أتى به موجباً لعدم إمكان تدارك

المصلحة، فراجع ما ذكروه، و هذا الاحتمال انقدح بذهني في مقام الجمع بين أخبار المسألة و إن كان بعيداً.

و أخبار المسألة على طوائف:

فمنها: ما اشتملت على النهي عن الارتماس للصائم أو عن رمس رأسه في الماء كرواية يعقوب بن شعيب «1» و محمّد بن مسلم «2» و الصيقل «3» و حنّان بن سدير «4» و الحلبي «5» و حريز. «6» و الظاهر من النهي في أمثال المقام هي الإرشاد

______________________________

(1) الكافي 4: 353/ 2؛ وسائل الشيعة 10: 35- 36، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 1.

(2) الكافي 4: 106/ 3؛ تهذيب الأحكام 4: 262/ 785؛ وسائل الشيعة 10: 36، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 2.

(3) الكافي 4: 106/ 6؛ وسائل الشيعة 10: 36، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 4.

(4) الفقيه 2: 71/ 307؛ تهذيب الأحكام 4: 263/ 789؛ وسائل الشيعة 10: 37، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 6.

(5) الكافي 4: 106/ 1؛ تهذيب الأحكام 4: 203/ 587؛ وسائل الشيعة 10: 37، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 7.

(6) تهذيب الأحكام 4: 203/ 588؛ وسائل الشيعة 10: 38، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 8.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 147

..........

______________________________

إلى المفطرية و المانعيّة كما قرّر في محلّه.

و منها: ما دلّ على كون الاجتناب عن الاغتماس في الماء من حدود الصوم كالاجتناب عن الأكل و الشرب و نحوهما و هي رواية المحكم و المتشابه. «1»

و منها: ما دلّ على كون الارتماس في الماء مضرّاً بالصائم كصحيحة محمّد بن مسلم «2»

و الظاهر منها كونه مضرّاً بالصائم بما هو صائم أعني بصومه بجميع مراتبه فيكون عدمه مأخوذاً في أصل الطبيعة لا في مرتبة منها.

و منها: ما صرّح فيها بكون الارتماس مفطراً كمرفوعة «الخصال». «3»

و منها: ما دلّ على الكراهة كرواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«يكره للصائم أن يرتمس في الماء». «4»

و منها: ما دلّ على عدم إيجابه القضاء كرواية إسحاق بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام رجل صائم ارتمس في الماء متعمّداً عليه قضاء ذلك اليوم؟ قال:

«ليس عليه قضاؤه و لا يعودنّ». «5»

______________________________

(1) المحكم و المتشابه: 78؛ وسائل الشيعة 10: 32، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام 4: 189/ 535 و 202/ 584 و 318/ 971؛ الفقيه 2: 67/ 276؛ وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.

(3) الخصال: 286/ 39؛ وسائل الشيعة 10: 34، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2، الحديث 6.

(4) تهذيب الأحكام 4: 209/ 606؛ وسائل الشيعة 10: 38، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 9.

(5) تهذيب الأحكام 4: 209/ 607 و 324/ 1000؛ وسائل الشيعة 10: 43، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 1.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 148

..........

______________________________

و بالجملة: فأخبار الباب ست طوائف؛ و المستفاد من الأربعة الاول الحرمة و المفطرية و قد جعل في بعضها رديفاً للأكل و الشرب و الجماع فيستفاد منها القضاء، بل و الكفّارة بناءً على كون الأصل فيما يوجب القضاء ثبوت الكفّارة إذا كان من الأفعال الصادرة عن عمد و اختيار.

نعم، يعارض

ذلك الطائفتان الأخيرتان، فهل يحمل الكراهة في رواية ابن سنان على الكراهة اللغوية الملائمة للحرمة و المفطرية أو تحمل الطوائف الأربعة على الكراهة الوضعية بقرينة هذه الرواية، كلّ محتمل و إن كان الأظهر هو الأوّل، لموافقة القول بالمفطرية للمشهور و مخالفته أيضاً للعامّة، و أمّا رواية ابن عمّار الصريحة في عدم وجوب القضاء، فهل تطرح هي لمخالفتها للمشهور و موافقتها للعامّة أو تحمل سائر الأخبار على الكراهة أو الحرمة التكليفية المحضة لئلّا تنافي هذه الرواية؟ كلّ محتمل، و لكن لا يخفى إباء بعض الأخبار عن الحمل على التكليف المحض كمرفوعة «الخصال» المصرّح فيها بالمفطرية، بل و صحيحة محمّد بن مسلم أيضاً، حيث يستفاد منها الإضرار بالصوم. هذا مضافاً إلى أنّ القول بالحرمة التكليفية في الواجب الموسّع و المندوب بعيد جدّاً، و الروايات مطلقة فتشملهما، و الأحوط بل الأقوى ما هو المشهور من كونه مفطراً موجباً للقضاء و الكفّارة.

و قد مرّ في مسألة الكذب على اللّٰه كلام الشيخ في «الخلاف» «1» و السيّد في «الانتصار»، «2» فراجع.

و في «المقنع»: «و اجتنب في صومك خمسة أشياء تفطرك: الأكل و الشرب

______________________________

(1) الخلاف 2: 221، المسألة 85.

(2) الانتصار: 184- 185.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 149

..........

______________________________

و الجماع و الارتماس في الماء و الكذب على اللّٰه و على رسوله صلى الله عليه و آله و سلم و على الأئمّة عليهم السلام». «1»

و في «الهداية»: «قال أبي في رسالته إليّ: اتّق اللّٰه يا بني في صومك خمسة أشياء تفطرك ...» (و ذكر مثله). «2»

و في «النهاية»: «فأمّا الذي يجب الإمساك عنه ممّا يبطل الصوم بفعله فهو الأكل و الشرب و الجماع و الارتماس في الماء ...» «3» و فيها أيضاً: «فأمّا

الذي يفسد الصيام ممّا يجب منه القضاء و الكفّارة فالأكل و الشرب- إلى أن قال- و الارتماس في الماء». «4»

و في «المقنعة»: «و يفسد الصيام الأكل متعمّداً و كذلك الشرب و الجماع و الارتماس في الماء- إلى أن قال-: فهذه كبار ما يفسد الصيام، و يجب على فاعلها الكفّارة و القضاء ...». «5»

و في «الغنية» (في عداد ما يوجب القضاء و الكفّارة معاً): «و تعمّده الكذب على اللّٰه أو على رسوله أو أحد الأئمّة عليهم السلام و تعمّده الارتماس في الماء إن كان رجلًا و إن كان امرأة فجلوسها فيه إلى وسطها، كلّ ذلك بدليل الإجماع الماضي ذكره ...». «6»

______________________________

(1) المقنع: 188.

(2) الهداية: 188.

(3) النهاية: 148.

(4) النهاية: 153- 154.

(5) المقنعة: 344.

(6) غنية النزوع 1: 138.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 150

و يكفي فيه رمس الرأس (49) فيه و إن كان سائر البدن خارجاً عنه؛ من غير فرق بين أن يكون رمسه دفعة أو تدريجاً على وجه يكون تمامه تحت الماء زماناً،

______________________________

و كيف كان: فحيث إنّ المشهور بين القدماء في كتبهم الموضوعة لنقل المسائل المأثورة عن الأئمّة عليهم السلام إيجاب القضاء و الكفّارة، فمخالفتهم مشكل، و بالشهرة ترجّح مثل صحيحة ابن مسلم «1» و مرفوعة «الخصال» «2» و الروايات الناهية «3» على روايتي ابن سنان «4» و ابن عمّار. «5»

فالأحوط إن لم يكن أقوى هو الحكم بكونه مفطراً موجباً للقضاء و الكفّارة معاً.

(49) حكي عن «الدروس» «6» التوقّف في الإفطار برمس الرأس، إذ الظاهر من الارتماس في الماء هو انغماس جميع البدن فيه و المذكور في صحيحتي محمّد بن مسلم و الحلبي، «7» و إن كان «رمس الرأس» و لكن لأحد أن يقول: إنّ النهي عن

______________________________

(1)

الكافي 4: 106/ 3؛ وسائل الشيعة 10: 36، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 2.

(2) الخصال: 286/ 39؛ وسائل الشيعة 10: 34، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة 10: 35- 38، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3.

(4) تهذيب الأحكام 4: 209/ 606؛ وسائل الشيعة 10: 38، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 9.

(5) تهذيب الأحكام 4: 209/ 607؛ وسائل الشيعة 10: 43، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 6، الحديث 1.

(6) راجع: جواهر الكلام 16: 229.

(7) الكافي 4: 106/ 1 و 3؛ تهذيب الأحكام 4: 203/ 587 و 204: 591؛ وسائل الشيعة 10: 37- 38، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 2 و 7.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 151

و أمّا لو غمسه على التعاقب لا على هذا الوجه فلا بأس به (50) و إن استغرقه، و المراد بالرأس ما فوق الرقبة بتمامه، فلا يكفي غمس (51) خصوص المنافذ في البطلان و إن كان هو الأحوط، و خروج الشعر لا ينافي (52) صدق الغمس.

______________________________

رمس الرأس في الماء إذا وقع بعد ترخيص أن يستنقع فيه لعلّه يستفاد منه النهي للمستنقع، حيث يوجب ذلك رمس جميع البدن فلا تدلّ الروايتان على النهي عن رمس خصوص الرأس فلا دليل على إضراره بالصوم، هذا.

و لكن هذا الاحتمال و إن تمشّى في رواية الحلبي فلا تتمشّى في صحيحة محمّد بن مسلم للفصل الواقع بين قوله: «يستنقع» و بين قوله: «و لا يغمس رأسه في الماء» فإطلاق هذا النهي يقتضي المنع عن رمس خصوص الرأس أيضاً.

و لا ينافيه

النهي عن الارتماس في سائر الروايات، إذ بعد ضم بعضها إلى بعض يستفاد من الجميع أنّ ما هو الملاك للمنع إحاطة الماء بجميع الرأس من غير دخالة لدخول سائر البدن في الماء و خروجه عنه، فتأمّل.

(50) لعدم صدق الارتماس فاحتمال تحريمه كما في «المدارك» «1» ضعيف.

(51) لظهور لفظ الانغماس و الارتماس في الاستيعاب فقول صاحب «المدارك»: «و لا يبعد تعلّق التحريم بغمس المنافذ كلّها دفعة و إن كان منابت الشعر خارجة عن الماء» «2» بعيد جدّاً.

(52) إذ المتبادر من الرأس بشرته و الشعر خارج منه عرفاً.

______________________________

(1) مدارك الأحكام 6: 48.

(2) مدارك الأحكام 6: 50.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 152

[لا بأس برمس الرأس أو تمام البدن في غير الماء]

(مسألة 30): لا بأس برمس الرأس أو تمام البدن في غير الماء (53) من سائر المائعات، بل و لا رمسه في الماء المضاف و إن كان الأحوط الاجتناب، خصوصاً في الماء المضاف.

______________________________

(53) إذ المذكور في الروايات هو الارتماس في الماء، و لو سلّم ذكر الارتماس مطلقاً كما قيل، قيّدناه بمقتضى صحيحة ابن مسلم «1» المتضمّن للحصر، و قد ذكر فيها قيد الماء. اللهمّ إلّا أن يقال: ذكر القيد من جهة كونه الغالب في الارتماس و لا مفهوم لمثله، و لذا حكم في «المسالك» «2» على ما حكي عنه: بكون مطلق المائعات في حكم الماء، هذا.

و لكن لو سلّم عدم ثبوت التقيّد بالماء لم نسلّم ثبوت الإطلاق أيضاً، ففي غيره من المائعات نحكم بمقتضى الأصل و هو البراءة.

و نظير سائر المائعات الماء المضاف، فإنّ إطلاق الماء عليه مجاز و توسّع. اللهمّ إلّا أن يقال: بإلقاء الخصوصية و ادّعاء العلم بعدم التفاوت في نظر العرف بين إحاطة الماء المطلق بالرأس و بين إحاطة الماء المضاف و لا سيّما

مثل الجلّاب و نحوه، إذ الظاهر أنّ الوجه في المنع عنه كونه مظنّة للدخول في البدن و لو بسبب المسامات و الثقب الواقعة في الجلد فتأمّل. و الأحوط في خصوص الماء المضاف هو الاجتناب.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 189/ 535 و 202/ 584 و 318/ 971؛ الفقيه 2: 67/ 276؛ وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.

(2) مسالك الأفهام 2: 16 في هامشة منه رحمه الله و راجع: مستمسك العروة الوثقى 8: 265.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 153

[لو لطخ رأسه بما يمنع من وصول الماء إليه]

(مسألة 31): لو لطخ رأسه بما يمنع من وصول الماء إليه ثمّ رمسه في الماء فالأحوط- بل الأقوى- بطلان (54) صومه، نعم لو أدخل رأسه في إناء كالشيشة و نحوها و رمس الإناء في الماء فالظاهر عدم البطلان.

[لو ارتمس في الماء بتمام بدنه إلى منافذ رأسه]

(مسألة 32): لو ارتمس في الماء بتمام بدنه إلى منافذ رأسه و كان ما فوق المنافذ من رأسه خارجاً عن الماء كلًاّ أو بعضاً لم يبطل (55) صومه على الأقوى؛ و إن كان الأحوط البطلان برمس خصوص المنافذ كما مرّ.

[لا بأس بإفاضة الماء على رأسه]

(مسألة 33): لا بأس بإفاضة (56) الماء على رأسه،

______________________________

(54) في «الجواهر»: «و في كشف الاستاذ: أمّا سدّ المنافذ و إدخال الرأس في مانع من وصول الماء إليه متّصلًا به فلا يرفع حكم الغمس و في المنفصل يقوى رفعه.

و في الأوّل نظر واضح؛ ضرورة كون الرأس اسماً للبشرة»، «1» انتهى.

و ما ذكره في «الجواهر» هو الأقوى و لا يجب لطخ جميع الرأس فإنّ المضرّ بالصوم إحاطة الماء بجميع الرأس لا بعضه فلطخ بعض الرأس بما يمنع من وصول الماء كالقير و نحوه يوجب عدم حصول الإفطار فإنّ الظاهر انصراف الارتماس عن المقام، إذ من الواضح أنّ مفطرية الارتماس ليس إلّا لإحاطة الماء بالرأس و احتمال نفوذه فيه و المانع يمنع ذلك، هذا. و لكنّ الأحوط هو الاجتناب لما قيل من صدق الارتماس و منع الانصراف.

(55) قد مرّ وجهه.

(56) و يدلّ عليه قوله في صحيحة محمّد بن مسلم: «الصائم يستنقع في الماء

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 230؛ كشف الغطاء 4: 32.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 154

و إن اشتمل على جميعه ما لم يصدق الرمس في الماء، نعم لو أدخل رأسه أو تمام بدنه في النهر المنصبّ من عالٍ إلى السافل و لو على وجه التسنيم فالظاهر البطلان؛ (57) لصدق الرمس، و كذا في الميزاب إذا كان كبيراً و كان الماء كثيراً كالنهر مثلًا.

[في ذي الرأسين إذا تميّز الأصلي منهما فالمدار عليه]

(مسألة 34): في ذي الرأسين إذا تميّز الأصلي منهما فالمدار عليه، و مع عدم التميّز يجب عليه الاجتناب (58) عن رمس كلٍّ منهما، لكن لا يحكم ببطلان الصوم إلّا برمسهما و لو متعاقباً.

و يصب على رأسه». «1»

______________________________

(57) إذ صدق الرأس لا يتفاوت فيه كون الماء واقفاً أو جارياً.

(58) كما هو مقتضى العلم الإجمالي و

الوجوب هنا عقلي و مورده صورة حرمة الإفطار، و أمّا في الصوم المندوب فالعقل يحكم بعدم الاجتزاء بالصوم مع الارتماس في طرف الشبهة، إذ منجّزية العلم لا تختصّ بالأحكام الإلزامية، و الأصل النافي في كلّ طرف يعارض مثله في الآخر، ثمّ مقتضى تنجّز الواقع في العلم الإجمالي و عدم جريان الأصل النافي في طرفيه ثبوت العقاب على ترك الصوم لو كان واجباً إتمامه و كان المرموس هو الأصلي و إن لم يعلم به تفصيلًا، بل وجوب القضاء أيضاً إذا لم يكن بأمر جديد، إذ الفرض تنجّز الواقع على ما هو عليه و الاشتغال اليقيني يقتضي تحصيل اليقين بالبراءة أو إجراء أصل مؤمّن، و الأصل لا يجري في طرفي العلم.

______________________________

(1) الكافي 4: 106/ 3؛ تهذيب الأحكام 4: 262/ 785؛ وسائل الشيعة 10: 36، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 2.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 155

[إذا كان مائعان يعلم بكون أحدهما ماءً]

(مسألة 35): إذا كان مائعان يعلم بكون أحدهما ماءً يجب الاجتناب عنهما، و لكن الحكم بالبطلان يتوقّف (59) على الرمس فيهما.

[لا يبطل الصوم بالارتماس سهواً]

(مسألة 36): لا يبطل (60) الصوم بالارتماس سهواً أو قهراً أو السقوط في الماء من غير اختيار.

[إذا ألقى نفسه من شاهق في الماء بتخيّل عدم الرمس]

(مسألة 37): إذا ألقى نفسه من شاهق في الماء بتخيّل عدم الرمس فحصل لم يبطل صومه. (61)

______________________________

نعم، لو كان موضوع القضاء هو الفوت و قلنا بكونه بأمر مستقلّ لم يثبت في المقام فأشكل الحكم بثبوت القضاء.

ثمّ إنّ ما ذكر في المتن إنّما هو على فرض زيادة أحد الرأسين و عدم تميّزه و أمّا إذا كان كلاهما أصليين يفعل بكلّ منهما ما يفعل بالآخر، فالأقوى بطلان الصوم برمس أحدهما أيضاً.

(59) هذا بناءً على عدم إلحاق سائر المائعات بالماء، و إلّا كفى الرمس في أحدهما في الحكم بالبطلان، ثمّ الكلام في تنجّز الواقع و حصول العقاب على فرض المصادفة و ثبوت القضاء و عدمه هو الكلام في المسألة السابقة، فراجع.

(60) لعدم العمد.

(61) لا إشكال في المسألة إن علم بعدم حصول الرمس أو اطمئنّ به و أمّا إن احتمله احتمالًا عقلائياً فربما يخطر بالبال عدم الإشكال أيضاً لاستصحاب عدم حصول الرمس و لا مانع من جريانه، و نظيره مسألة التخليل فيمن شكّ في خروج الغذاء من بين الأسنان.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 156

[إذا كان مائع لا يعلم أنّه ماء أو غيره]

(مسألة 38): إذا كان مائع لا يعلم أنّه ماء أو غيره، أو ماء مطلق أو مضاف لم يجب (62) الاجتناب عنه.

______________________________

فإن قلت: مقتضى قوله عليه السلام: «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال ...» «1» لزوم الاجتناب في صورة الشكّ أيضاً، إذ لا يصدق عرفاً أنّه اجتنب عن الأكل أو الارتماس إلّا إذا اجتنب عن مظانّه أيضاً.

قلت: الحديث إمّا في مقام بيان المفطرات الواقعية أو في مقام بيان حكم الشكّ و لا يمكن أن يتصدّى لبيان الحكم الواقعي و الظاهري معاً، و الظاهر كونه في مقام بيان الحكم الواقعي فلا يستفاد منه حكم

صورة الشكّ.

نعم، يمكن أن يقال في أمثال المقام: إنّ مقتضى عموم أدلّة المفطرات إضرارها بالصوم مطلقاً و القدر المتيقّن الخارج منها صورة النسيان و القهر و العلم أو الاطمينان بالعدم ممّا هو عذر عقلًا فيبقى صورة الشكّ داخلًا في العمومات.

و لكن يرد على ذلك: أنّ هذا لا يمنع عن جريان الاستصحاب بعد تحقّق موضوعه، فتأمّل.

و كيف كان: فالأحوط في صورة الشكّ أو الظنّ إذا لم يصل إلى حدّ الاطمينان هو الاجتناب.

(62) لأصالة البراءة عن مفطرية الارتماس فيه.

فإن قلت: إنّما يصحّ جريانها إذا لوحظ المفطر المنهي عنه بنحو الطبيعة السارية

______________________________

(1) الفقيه 2: 67/ 276 و راجع: تهذيب الأحكام 4: 189/ 535 و 202/ 584 و 318/ 971؛ وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 157

[إذا ارتمس نسياناً أو قهراً ثمّ تذكّر]

(مسألة 39): إذا ارتمس نسياناً أو قهراً ثمّ تذكّر أو ارتفع القهر، وجب عليه المبادرة إلى الخروج و إلّا بطل صومه. (63)

[إذا كان مكرهاً في الارتماس]

(مسألة 40): إذا كان مكرهاً في الارتماس لم يصحّ (64) صومه، بخلاف ما إذا كان مقهوراً.

______________________________

المساوقة للعموم الاستغراقي، نظير قوله: «لا تشرب الخمر»، في التكاليف المستقلّة و لا دليل على لحاظه كذلك، إذ من الممكن لحاظها بنحو صرف الوجود الخارق للعدم و هو مفهوم مبيّن، و إنّما يحصل الاجتناب عنه بالاجتناب عن جميع الأفراد فيكون كالمحصّل و المحصّل.

قلت: صرف الوجود حيثيّته زائدة على لحاظ أصل الطبيعة فالحكم المعلّق على الطبيعة- سواء كان حكماً استقلالياً كما في قوله: «لا تشرب الخمر»، أو وضعيّاً ضمنيّاً كما في قوله: «لا ترتمس في الماء في صيامك»- ينحلّ بعدد أفراد الطبيعة، إذ الحكم معلّق على واقعية الطبيعة لا على مفهومها، و واقعيتها بوجودها و هو متكثّر خارجاً فوضع الحكم على نفس الطبيعة بواقعيتها يكفي في تكثّره بتكثّر الطبيعة و هو معنى الانحلال.

(63) لعدم الفرق بين الحدوث و البقاء إذا كان عن عمد و الانصراف إلى الحدوث بدوي يرتفع بالتأمّل.

(64) في المكره إذا لم يكن مسلوب الاختيار خلاف، و سيأتي حكمه بعد بحث المفطرات. «1»

______________________________

(1) سيأتي في الصفحة 220- 221.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 158

[إذا ارتمس لإنقاذ غريق]

(مسألة 41): إذا ارتمس لإنقاذ غريق بطل صومه (65) و إن كان واجباً عليه.

[إذا كان جنباً و توقّف غسله على الارتماس]

(مسألة 42) (66): إذا كان جنباً و توقّف غسله على الارتماس انتقل إلى التيمّم إذا كان الصوم واجباً معيّناً، و إن كان مستحبّاً أو كان واجباً موسّعاً وجب عليه الغسل و بطل صومه. (67)

______________________________

(65) لتحقّق العمد و إنّما ارتفع العصيان لمزاحمة الواجب الأهمّ، فالمقام من باب الواجبين المتزاحمين.

(66) فإنّ وجوب الصوم معيّناً يوجب وجوب ترك الارتماس ضمناً فيحرم الارتماس لكونه عصياناً له فينتقل التكليف إلى التيمّم. و إن شئت قلت: المقام من قبيل باب التزاحم بين الواجب و الحرام، بل بين الواجبين. و من مرجّحات هذا الباب تقديم ما ليس له بدل على ما له البدل و إن كان هذا الحكم أيضاً بإطلاقه محلّ إشكال، إذ الواجب ملاحظة المصلحة الفائتة، و لعلّ المقدار الزائد الفائت ممّا له بدل كانت أزيد من مصلحة ما زاحمه، و لكنّ الظاهر من أدلّة التيمّم وفاؤه بجميع مصلحة الغسل و الوضوء مع عدم التمكّن منهما، فتأمّل؛ فإنّ وجود المزاحم لا يصدق معه عدم التمكّن.

(67) يعني بنفس التكليف بالغسل و إن لم يحصل الارتماس فعلًا إذ الأمر الفعلي بالغسل المستلزم للأمر الفعلي بالارتماس يوجب حرمة ترك الارتماس فلا يجتمع مع التقرّب بالصوم المأخوذ فيه تركه.

و بالجملة: فالأمر بالارتماس يستلزم النهي عن ضدّه العامّ أعني الترك فلا يمكن أن يتقرّب به، هذا.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 159

[إذا ارتمس بقصد الاغتسال في الصوم الواجب]

(مسألة 43): إذا ارتمس بقصد الاغتسال في الصوم الواجب المعيّن بطل صومه و غسله (68) إذا كان متعمّداً، و إن كان ناسياً لصومه صحّا معاً، و أمّا إذا كان الصوم مستحبّاً أو واجباً موسّعاً بطل صومه و صحّ غسله. (69)

[إذا أبطل صومه بالارتماس العمدي]

(مسألة 44): إذا أبطل صومه بالارتماس العمدي، فإن لم يكن من شهر رمضان و لا من الواجب المعيّن غير رمضان يصحّ له الغسل حال المكث في الماء أو حال الخروج،

______________________________

و لكن نمنع الأمر بالارتماس لمنع وجوب المقدّمة شرعاً، غاية الأمر وجود الأمر الفعلي بالغسل و لا نسلّم كون عصيانه مستلزماً لبطلان الصوم، فتأمّل.

ثمّ إنّه ربما يتوهّم في الفرض الانتقال إلى التيمّم أيضاً، بناءً على كون الارتماس محرّماً تكليفاً لعدم الفرق فيه بين أقسام الصوم. و يجاب عن ذلك: بأنّه يقدر على إبطال الصوم بغيره من الأكل و الشرب و نحوهما و لا يحرم الارتماس بعد إبطاله و وجوب الغسل فعلًا، و توقّفه على الارتماس يقتضي وجوب الإبطال ليقدر على الارتماس، فتأمّل.

(68) على الأحوط بل الأقوى، بناءً على عدم كون نيّة المفطر مفطرة كما قوّيناه، إذ الارتماس حينئذٍ بنفسه يصير محرّماً و مفطراً، و أمّا بناءً على كونها مفطرة كما اختارها الماتن، فإنّما يصحّ الحكم ببطلانهما في شهر رمضان فقط، و أمّا في غيره من الواجب المعيّن فلا وجه لبطلان الغسل، إذ الصوم بطل بالنيّة و لا دليل على حرمة الإتيان بالمفطر ثانياً و وجوب الإمساك تأدّباً بعد ما بطل في غير شهر رمضان فالارتماس لا يقع محرّماً فيصحّ الغسل حينئذٍ، فتأمّل.

(69) يعني إذا كان متعمّداً.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 160

و إن كان من شهر رمضان يشكل صحّته (70) حال المكث؛ لوجوب الإمساك عن المفطرات فيه

بعد البطلان أيضاً، بل يشكل صحّته حال الخروج أيضاً؛ لمكان النهي السابق، كالخروج من الدار الغصبية إذا دخلها عامداً، و من هنا يشكل (71) صحّة الغسل في الصوم الواجب المعيّن أيضاً؛ سواء كان في حال المكث أو حال الخروج.

[لو ارتمس الصائم في الماء المغصوب]

(مسألة 45): لو ارتمس الصائم في الماء المغصوب، فإن كان ناسياً (72) للصوم و للغصب صحّ صومه و غسله، و إن كان عالماً بهما بطلا معاً،

______________________________

(70) بناءً على ما هو الأقوى في مسألة الخروج من الدار المغصوبة من عدم كونه مأموراً به و لا منهيّاً عنه بالنهي الفعلي، و لكنّه مع ذلك يقع مبغوضاً عليه و عصياناً للنهي السابق الساقط، و قد ذكرنا في الاصول «1» أنّه إذا تاب و خرج، خرج الخروج من كونه مبغوضاً عليه فيصحّ الغسل في المقام أيضاً إذا تاب و خرج. و اورد في «المستمسك» «2» إشكالًا في قياس الخروج في هذه المسألة على الخروج من الدار المغصوبة، فراجعه مع جوابه.

(71) مرّ آنفاً وجود الفارق بين صوم شهر رمضان و بين غيره من الواجب المعيّن لعدم الدليل على وجوب الإمساك تأدّباً في غير صوم رمضان فلا إشكال في صحّة الغسل هنا في حال المكث فضلًا عن الخروج.

(72) يشكل معذورية ناسي الغصب فيما إذا كان هو الغاصب و كان مصرّاً بأن لم يندم على عمله، إذ الظاهر كون النسيان عذراً لمن يجتنب الحرام لو لا نسيانه و لا إطلاق لحديث الرفع أيضاً بالنسبة إلى الغاصب المصرّ، فتدبّر.

______________________________

(1) نهاية الاصول: 275.

(2) مستمسك العروة الوثقى 8: 271- 273.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 161

و كذا إن كان متذكّراً للصوم (73) ناسياً للغصب، و إن كان عالماً بالغصب ناسياً للصوم صحّ الصوم دون الغسل.

[لا فرق في بطلان الصوم بالارتماس بين أن يكون عالماً]

(مسألة 46): لا فرق في بطلان الصوم بالارتماس بين أن يكون عالماً بكونه مفطراً أو جاهلًا. (74)

[لا يبطل الصوم بالارتماس في الوحل]

(مسألة 47): لا يبطل الصوم بالارتماس في الوحل (75) و لا بالارتماس في الثلج.

[إذا شكّ في تحقّق الارتماس]

(مسألة 48): إذا شكّ في تحقّق الارتماس بنى على عدمه. (76)

[الثامن: البقاء على الجنابة عمداً]

اشارة

الثامن: البقاء على الجنابة عمداً (77) إلى الفجر الصادق في صوم شهر رمضان أو قضائه، دون غيرهما من الصيام الواجبة و المندوبة على الأقوى

______________________________

(73) و كان صومه واجباً معيّناً و إلّا صحّ غسله و بطل صومه.

(74) البطلان في الجاهل المركّب مشكل و إن كان أحوط، و سيأتي تفصيل المسألة.

(75) إذ المذكور في الروايات، هو الماء و لا يطلق على الوحل و الثلج.

(76) لاستصحاب العدم.

البقاء على الجنابة

(77) كما هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، و قد أفتى بإيجابه للقضاء و الكفّارة في «النهاية» «1» و «الخلاف» «2» و «الغنية» «3» و «المراسم» «4»

______________________________

(1) النهاية: 154.

(2) الخلاف 2: 222، المسألة 87 و 88 و راجع أيضاً: 174، المسألة 13.

(3) غنية النزوع 1: 139.

(4) المراسم: 98.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 162

..........

______________________________

و «الانتصار» «1» و غيرها. و ادّعى في «الانتصار» و «الخلاف» و «الغنية» عليه الإجماع، فراجع. و خالف جميع العامّة في ذلك فلم يوجبوا فيه شيئاً، و مستندهم في الجواز ما رووه عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم بنقل امّ سلمة و عائشة أو عائشة وحدها:

«أنّه صلى الله عليه و آله و سلم كان يدركه الفجر في رمضان من غير حلم فيغتسل و يصوم» كما في «صحيح البخاري» و غيره. «2»

و كيف كان: فالمسألة واضحة بعد إفتاء القدماء من أصحابنا في كتبهم الأصلية المعدّة لنقل المسائل المأثورة عن الأئمّة عليهم السلام، و بعد ورود روايات كثيرة فيها فراجع الباب 16 من «الوسائل»، «3» مضافاً إلى ما قبله و بعده من الأبواب و لم يخالف فيها أحد من القدماء.

و نقل الصدوق لرواية حمّاد بن عثمان في «مقنعه» «4» لا يدلّ على خلافه بعد قبول الرواية للتوجيه

على وجه ينطبق على المشهور. نعم، عن السيّد الداماد قدس سره «5» منع المفطرية، و نسب إلى الأردبيلي «6» و الكاشاني «7» أيضاً الميل إليه، و الشهرة بل الإجماع و كذا الأخبار حجّة عليهم. و الغاية في آية الصوم «8»

______________________________

(1) الانتصار: 185- 186.

(2) صحيح البخاري 2: 479- 480؛ مسند أحمد 6: 308 و 313؛ صحيح مسلم 2: 479/ 75 و 76؛ سنن ابن ماجة 1: 543/ 1703 و 1704؛ سنن ترمذي 2: 139/ 776؛ سنن الكبرى، البيهقي 4: 214.

(3) وسائل الشيعة 10: 63- 65، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 16.

(4) المقنع: 189؛ وسائل الشيعة 10: 57، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 13، الحديث 3.

(5) اثنا عشر رسالة، رسالة شارع النجاة: 48 و راجع: مستمسك العروة الوثقى 8: 276.

(6) مجمع الفائدة و البرهان 1: 70 و 5: 35.

(7) الوافي 11: 259، الباب 41 و راجع: مستمسك العروة الوثقى 8: 276.

(8) البقرة (2): 187.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 163

..........

______________________________

غاية للأكل و الشرب و لو سلّم رجوعها إلى المباشرة أيضاً وجب التخصيص الأزماني بمقدار يتمكّن فيه من الغسل فإنّه مقتضى الجمع بين الآية و بين أخبار المسألة بكثرتها، و الأخبار الدالّة على الخلاف يجب تأويلها أو حملها على التقيّة كما يشهد عليه بعض الأمارات الموجودة فيها.

و بالجملة: فالشهرة و مخالفة العامّة مرجّحان لأخبار المنع فيجب الأخذ بها، و الجمع بين أخبار المنع و أخبار الجواز بالحمل على الكراهة يأباه ذكر الكفّارة في أخبار المنع و الاستغفار في بعضها، مضافاً إلى أنّ المستفاد من بعض أخبار الجواز مداومة النبي صلى الله عليه و آله و سلم على المقام على الجنابة مع أنّه لا

يناسب شأنه صلى الله عليه و آله و سلم المداومة على ما يكره؛ و بالجملة: فالقرائن الداخلية و الخارجية تشهد على بطلان هذا الجمع. و تضعيف صاحب «المدارك» «1» أخبار الكفّارة ضعيف بعد وجود الموثّق فيها أيضاً.

ثمّ إنّ أخبار المنع وردت أكثرها في صوم شهر رمضان و ثلاثة منها دلّت على المنع في قضائه أيضاً و هناك ثلاث روايات اخر دلّت على الجواز في الصوم المندوب، و في كلمات القدماء من أصحابنا كالشيخ و السيّد و غيرهما ذكر البقاء على الجنابة في عداد سائر المفطرات من غير تعرّض للتعميم أو التخصيص برمضان و ظاهرهم التعميم حيث لم يعقدوا باباً آخر لمفطرات سائر أقسام الصوم، بل في «النهاية» صرّح بالتعميم للقضاء حيث قال: «متى أصبح الرجل جنباً و قد طلع الفجر عامداً كان أو ناسياً فليفطر ذلك اليوم و لا يصمه و يصوم غيره من الأيّام». «2» و في

______________________________

(1) مدارك الأحكام 6: 57- 58.

(2) النهاية: 164.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 164

..........

______________________________

«المبسوط» صرّح بالتعميم له و للندب أيضاً حيث قال: «و متى أصبح جنباً عامداً أو ناسياً فلا يصم ذلك اليوم لا قضاءً و لا تطوّعاً». «1» فصارت المسألة من حيث التعميم أو التخصيص محلًاّ للإشكال. و المحتملات أربعة:

الأوّل: أن يخصّ المنع بصوم شهر رمضان كما نسب إلى «المعتبر»، «2» و إلى «المنتهى» «3» أيضاً احتماله بتقريب أنّ مورد أكثر الأخبار خصوص هذا الصوم و كلمات الفقهاء أيضاً تحمل عليه بقرينة ذكر القضاء و الكفّارة بعد عدّ المفطرات فيبقى سائر أقسام الصوم على الأصل و عموم صحيحة ابن مسلم «4» الحاصرة لما يضرّ الصائم في أربع.

الثاني: أن يخصّ برمضان و قضائه، لورود بعض أخبار المنع في

القضاء أيضاً، و قد أفتى بمضمونها في «النهاية» و «المبسوط» أيضاً كما عرفت آنفاً فيبقى الباقي تحت الأصل. مضافاً إلى ما ورد في المندوب من أخبار الجواز.

الثالث: أن يقال بالتعميم حتّى للندب بتقريب: أنّ المستفاد من الأخبار و إن وردت في صوم شهر رمضان كونها في مقام بيان ماهية الصوم و ما يعتبر فيها كما في الأخبار الواردة في بيان سائر المفطرات و لا خصوصية لرمضان، و إنّما ذكرت بخصوصها لكونها محلًاّ للابتلاء كثيراً، و لاختصاص الكفّارة بها، و الأخبار الواردة في تشريع سائر أقسام الصوم أيضاً ناظرة بإطلاقها المقامي إلى صوم شهر رمضان

______________________________

(1) المبسوط 1: 287.

(2) المعتبر 2: 655.

(3) منتهى المطلب 9: 79.

(4) الفقيه 2: 67/ 276 و راجع: تهذيب الأحكام 4: 189/ 535 و 202/ 584 و 318/ 971؛ وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 165

..........

______________________________

و ما وردت فيه فيستفاد منها أنّ المأمور به فيها وجوباً أو ندباً من سنخ ما شرّع في رمضان ماهية، و كلمات الفقهاء أيضاً مطلقة، و لذا نسب إلى المشهور المنع مطلقاً من غير تخصيص بصوم خاصّ. «1»

و بذلك يطرح أخبار الجواز الواردة في المندوب، حيث يظهر من عدم تعرّضهم لمفادها إعراضهم عنها فتسقط عن الحجّية.

الرابع: أن يقال: بتعميم المنع لكلّ صوم إلّا صوم المندوب، بأن يقال: قد ورد في المندوب أخبار دالّة على الجواز، و التسامح في السنن أيضاً يقتضي العمل بمضمونها و يظهر من الشرع أيضاً في الأبواب الاخر كون الندب أخفّ مئونة و أنّه ممّا يتساهل فيه، أ لا ترى أنّ الصلاة مع وحدة ماهيتها في جميع الأفراد قد سومح في

المندوب منها في القيام و الاستقرار و كثير من الأجزاء و الشرائط الآخر، فلعلّ ماهية الصوم أيضاً مثل ماهية الصلاة مقولة بالتشكيك و تكون ماهية المندوب أخفّ مئونة، و لا أقلّ من الاحتمال فيرجع في نفي الزائد على المعلوم إلى الأصل و عموم صحيح ابن مسلم. هذا في المندوب.

و أمّا في الواجب- مضيّقاً كان أو موسّعاً- فيظهر ممّا ورد من المنع في رمضان و قضائه بإلقاء الخصوصية كون البقاء على الجنابة مخلًاّ بالصوم الواجب معيّناً كان أو موسّعاً.

و بالجملة: فماهية الواجب تختلف مع ماهية المستحبّ فيما يعتبر فيها. و هذا الاحتمال إن لم يكن أقوى فلا ريب في كونه أحوط، فتدبّر.

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 240.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 166

و إن كان الأحوط تركه (78) في غيرهما أيضاً، خصوصاً في الصيام الواجب؛ موسّعاً كان أو مضيّقاً، و أمّا الإصباح جنباً من غير تعمّد فلا يوجب البطلان (79)

______________________________

(78) لا يترك في الصيام الواجب كما مرّ وجهه آنفاً.

(79) حيث إنّ روايات المنع، المذكورة في الباب 16 من الوسائل «1» لا تشمل غير صورة التعمّد كما يشهد بذلك التعبير بالتعمّد في بعضها، و ذكر الاستغفار أو الكفّارة الظاهرين في العصيان في الآخر فيبقى غير صورة التعمّد تحت الأصل و عموم قوله في صحيح ابن مسلم: «لا يضرّ الصائم ...». «2»

هذا مضافاً إلى ما ادّعي عليه من الإجماع و عدم الخلاف، و مضافاً إلى اختصاص سائر المفطرات أيضاً بصورة التعمّد فيستأنس منها حكم المسألة.

و في «المستمسك» استدلّ عليه بروايتي القمّاط «3» و ابن رئاب «4» الحاكمتين فيمن أجنب فنام حتّى أصبح بصحّة صومه، ثمّ عارضهما بصحيحة محمّد بن مسلم «5» الدالّة على الفساد في هذا الموضوع، ثمّ جعل صحيحة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 63- 65، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 16.

(2) تهذيب الأحكام 4: 189/ 535 و 202/ 584 و 318/ 971؛ الفقيه 2: 67/ 276؛ وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.

(3) الفقيه 2: 74/ 322؛ وسائل الشيعة 10: 57، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 13، الحديث 1.

(4) قرب الإسناد: 164/ 598؛ وسائل الشيعة 10: 59، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 13، الحديث 7.

(5) تهذيب الأحكام 4: 211/ 613؛ وسائل الشيعة 10: 62، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 15، الحديث 3.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 167

إلّا في قضاء شهر رمضان (80) على الأقوى؛

______________________________

الحلبي «1» الحاكمة بالفساد في المتعمّد شاهدة للجمع و رفع التنافي لاختصاصها بالعامد فيقيّد بها روايتا الصحّة، و بعد حملهما بقرينة هذه الرواية على غير العامد تصيران أخصّ من رواية ابن مسلم فتختصّ بالعامد، «2» انتهى كلامه ملخّصاً.

أقول: إن كان لفظ المتعمّد في صحيحة الحلبي مذكوراً في كلام الإمام عليه السلام صارت من جهة الدلالة على مفهوم الوصف أخصّ في كلتا الطائفتين و شاهدة للجمع بينهما و لكن لفظ التعمّد مذكور في كلام السائل و قد حكم الإمام عليه السلام في موضوع السؤال بالفساد، و هذا لا ينافي ثبوت الفساد في غير المتعمّد أيضاً فروايات المسألة في الحقيقة طائفتان لا ثلاث طوائف، و تقييد روايتي الصحّة أوّلًا برواية الحلبي ثمّ جعلهما أخصّ من رواية ابن مسلم يوجب انقلاب النسبة، و قد حقّق في محلّه بطلانه.

(80) و قد أفتى بالتعميم لغير العامد في «النهاية» «3» و «المبسوط» «4» و قد مرّت عبارتهما،

و يدلّ عليه إطلاق صحيحتي ابن سنان «5» الواردتين في القضاء، و ظهور نسبة الفعل إلى الفاعل في التعمّد ممنوع في الفعل المنفي، بل السالبة تصدق مع

______________________________

(1) الكافي 4: 105/ 1؛ وسائل الشيعة 10: 63، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 16، الحديث 1.

(2) مستمسك العروة الوثقى 8: 279.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الصوم (للمنتظري)، در يك جلد، انتشارات ارغوان دانش، قم - ايران، اول، 1428 ه ق

كتاب الصوم (للمنتظري)؛ ص: 167

(3) النهاية: 164.

(4) المبسوط 1: 287.

(5) الفقيه 2: 75/ 324؛ تهذيب الأحكام 4: 277/ 837؛ الكافي 4: 105/ 4؛ وسائل الشيعة 10: 67، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 19، الحديث 1 و 2.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 168

و إن كان الأحوط إلحاق مطلق الواجب (81) الغير المعيّن به في ذلك، و أمّا الواجب المعيّن- رمضاناً كان أو غيره- فلا يبطل بذلك، كما لا يبطل مطلق الصوم- واجباً كان أو مندوباً معيّناً أو غيره- بالاحتلام في النهار، (82) و لا فرق (83) في بطلان الصوم بالإصباح جنباً عمداً بين أن تكون الجنابة بالجماع في الليل أو الاحتلام، و لا بين أن يبقى كذلك متيقّظاً أو نائماً بعد العلم بالجنابة مع العزم على ترك الغسل.

______________________________

انتفاء الموضوع أيضاً.

هذا، و لكن لا يلائم التعميم في المقام دون شهر رمضان ظهور الأخبار و الكلمات في وحدة ماهية الصيام و ما يعتبر فيها و لا سيّما في رمضان و قضائه الذين هما نوع واحد من الصيام، و لا سيّما مع اختصاص سائر المفطرات أيضاً بصورة التعمّد كما يظهر من روايات المفطرات و ممّا ورد في الإفطار نسياناً و غير ذلك.

نعم، الحكم بالبطلان أحوط

لما مرّ من إطلاق الصحيحتين، فتدبّر.

(81) بدعوى أنّ المستفاد من قوله عليه السلام: «لا يصوم ذلك اليوم و يصوم غيره» «1» كون الحكم ثابتاً للقضاء من جهة أنّه يتمشى فيه ذلك لسعة وقته فبإلغاء الخصوصية يثبت الحكم لكلّ غير معيّن.

(82) كما هو المستفاد من إطلاق صحيح ابن ميمون و غيره فراجع الباب 35 من «الوسائل». «2»

(83) كما هو المستفاد من تصريحات النصوص و إطلاقاتها، فراجع.

______________________________

(1) الفقيه 2: 75/ 324؛ تهذيب الأحكام 4: 277/ 837؛ وسائل الشيعة 10: 67، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 19، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 103، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 35.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 169

و من البقاء على الجنابة عمداً الإجناب قبل الفجر (84) متعمّداً في زمان لا يسع الغسل و لا التيمّم، و أمّا لو وسع التيمّم خاصّة فتيمّم صحّ صومه (85) و إن كان عاصياً في الإجناب، و كما يبطل الصوم بالبقاء على الجنابة متعمّداً،

______________________________

(84) كما نصّ عليه في «الجواهر». «1» و في «الخلاف»: «2» الإجماع عليه و الظاهر عدم الإشكال في المسألة، إذ المستفاد من النصوص كون المفطر الإصباح جنباً عن عمد و اختيار و لو بسبب اختيار الحدوث قبل الفجر.

(85) قالوا لعموم أدلّة بدليّة التراب كقوله تعالى: «فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا». «3» و قوله عليه السلام في صحيحة حمّاد: «هو بمنزلة الماء». «4» و في صحيحة محمّد بن حمران و جميل بن درّاج: «إنّ اللّٰه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً». «5» و في صحيحة محمّد بن مسلم: «إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد فقد فعل أحد الطهورين»، «6» و في رواية السكوني: إنّ النبي صلى الله عليه و

آله و سلم قال: «يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين»، «7» و نحو ذلك.

و في «المنتهى»: «يستباح بالتيمّم ما يستباح بالمائية و هل يجب للجنب إذا تعذّر

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 244.

(2) الخلاف 2: 176، المسألة 15.

(3) النساء (4): 43.

(4) وسائل الشيعة 3: 379، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 20، الحديث 3.

(5) الفقيه 1: 60/ 223؛ وسائل الشيعة 1: 133، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 1، الحديث 1.

(6) وسائل الشيعة 3: 386، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23، الحديث 6.

(7) وسائل الشيعة 3: 380، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 20، الحديث 7.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 170

..........

______________________________

عليه الغسل قبل الفجر؟ أقربه عدم الوجوب، و كذا الحائض و المستحاضة فيصحّ صومهم ...». «1»

و في «المدارك»: «الأصحّ عدم الوجوب لاختصاص الأمر بالغسل فيسقط بتعذّره ...». «2»

و ما قيل أو يمكن أن يقال لتقريب عدم الوجوب وجوه:

الأوّل: إنّ الظاهر من أدلّة البدلية قيام التيمّم مقام الوضوء و الغسل في ترتيب آثار الطهارة، و الظاهر من نصوص المقام كون نفس الغسل شرطاً لا الطهارة. و ردّ: بأنّ الظاهر من دليل اعتبار الغسل اعتباره من أجل اعتبار ما يترتّب عليه من الطهارة لا من حيث هو.

الثاني: اختصاص أدلّة البدلية بصورة اعتبار الطهارة المطلقة لا خصوص الطهارة من الحدث الأكبر. و ردّ: بمنع الاختصاص لإطلاق الأدلّة.

الثالث: إنّ التيمّم لا يرفع الحدث حقيقة و إلّا لم ينتقض بوجدان الماء، قال في «المعتبر»: «التيمّم لا يرفع الحدث و هو مذهب العلماء كافة، و قيل يرفع و اختلف في نسبة هذا القول فقوم يسندونه إلى أبي حنيفة و آخرون إلى مالك، لنا: الإجماع،- إلى أن قال: و لأنّ المتيمّم يجب عليه الطهارة

عند وجود الماء بحسب الحدث السابق فلو لم يكن الحدث السابق باقياً لكان وجوب الطهارة بوجود الماء إذ لا وجه غيره، و وجود الماء ليس حدثاً بالإجماع». «3»

______________________________

(1) منتهى المطلب 3: 148.

(2) مدارك الأحكام 6: 58.

(3) المعتبر 1: 394.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 171

..........

______________________________

و في «المنتهى»: «و لا يجوز أن ينوي رفع الحدث لأنّه غير رافع و هو مذهب علمائنا أجمع و مالك و الشافعي و أكثر أهل العلم، و نقل عن أبي حنيفة أنّه يرفع الحدث ...». «1»

و بالجملة: فهو لا يرفع الحدث حقيقة و إنّما هو طهارة تنزيلية كما هو مقتضى الروايات فيعتنى به. و يعتبر في كلّ ما اشترط فيه الطهارة كالصلاة و الطواف و أمّا الصوم فلا دليل على اشتراطه بالطهارة، و إنّما المستفاد من الأدلّة منافاة الحدث الأكبر من الجنابة و الحيض و النفاس حدوثاً و بقاءً لماهيته إذا كان عن عمد و اختيار، و إذا لم يتمكّن من رفعه كما هو المفروض صحّ صومه إلّا إذا أضرّ به الحدث، و لو كان غير متعمّد كما في قضاء رمضان، و يشعر بذلك بل يدلّ عليه عدم تعرّض روايات الباب بكثرتها لوجوب التيمّم إذا تعذّر الغسل مع كثرة الابتلاء بالمسألة، و لم يتعرّض له أحد من القدماء أيضاً لا في كتاب الصوم و لا في كتاب الطهارة عند ذكر غايات التيمّم.

و لنا: التمسّك بحديث: «لا يضرّ الصائم ما صنع» «2» بل و أصل البراءة أيضاً إذ المتيقّن إضرار البقاء على الجنابة إذا كان متمكّناً من الغسل لا في مثل المقام فتأمّل.

و في «المستمسك» «3» في مقام الجواب عن هذا الوجه كلام طويل لا يخلو عن خلط، فراجع.

و كيف كان: فوجوب التيمّم

عند تعذّر الغسل في المقام ممّا لا دليل عليه

______________________________

(1) منتهى المطلب 3: 79 و راجع لكلام أهل السنة: المغني، ابن قدامة 1: 286.

(2) تهذيب الأحكام 4: 189/ 535 و 202/ 584، 318/ 971؛ الفقيه 2: 67/ 276؛ وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.

(3) مستمسك العروة الوثقى 8: 282- 284.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 172

..........

______________________________

و إن كان الأحوط الإتيان به بل لا يترك.

ثمّ بعد الفراغ عن بدلية التيمّم في المقام يقع البحث في أنّه هل يشمل أدلّة البدلية لصورة كون العذر من الضيق أو فقدان الماء بسوء اختيار العبد كما إذا أراق الماء عمداً. فربما يقال: إنّ إطلاق قوله تعالى: «فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً»* «1» و قوله عليه السلام في رواية زرارة عن أحدهما عليه السلام: «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم و ليصلّ ...» «2» يشمل المقام.

و ربما يمنع ذلك و لا سيّما إذا اخترنا ثبوت العصيان لانصراف الأدلّة عن مثله.

و في «العروة» أفتى في نظير المقام بالصحّة و ثبوت العصيان و احتاط ندباً القضاء، فراجع مسألة 9 و 13 من مسوّغات التيمّم، «3» فتدبّر.

ثمّ على فرض الصحّة فهل يثبت العصيان أم لا؟ جزم به المصنّف في المقام و في تلك المسألتين.

و استشكل عليه سيّدنا الاستاذ في المقام بقوله: «لا وجه للعصيان بعد البناء على صحّة الصوم لكن صحّته محلّ إشكال، فالأحوط فعله بالتيمّم ثمّ قضاؤه»، «4» انتهى.

و حاصل مراده قدس سره أنّه ليس لنا في باب التيمّم و نحوه من الامور الاضطرارية أمر في قبال الأمر الاختياري حتّى يبحث في مبحث الإجزاء عن كفاية امتثال

أحد الأمرين عن الآخر، بل المتحقّق أمر واحد تعلّق بطبيعة الصلاة مثلًا مثل قوله تعالى:

«أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ»* و إنّما تختلف مصاديق هذه الطبيعة المأمور بها بحسب حالات

______________________________

(1) النساء (4): 43.

(2) وسائل الشيعة 3: 341، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 1، الحديث 1.

(3) العروة الوثقى 2: 166 و 168.

(4) العروة الوثقى 3: 565.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 173

..........

______________________________

المكلّفين من السفر و الحضر و التمكّن من القيام و عدمه و وجدان الماء و فقدانه، و نحو ذلك فالصلاة مع التيمّم أو الصوم معه في مفروض المسألة إن كان مصداقاً للطبيعة المأمور بها سقط الأمر المتعلّق بها فلا وجه للعصيان، إذ لا أمر لنا وراء الأمر بالصلاة أو الصوم، و المفروض سقوطه بتحقّق متعلّقه و إن لم يكن مصداقاً لها، فلِمَ حكمتم بالصحّة. فالجمع بين الصحّة و العصيان جمع بين المتنافيين.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ المستفاد من إطلاق دليل الطهارة المائية مثلًا و تقيّد الترابية بصورة التعذّر عدم وفاء الترابية بتمام مصلحة المائية و لو في صورة فقدان الماء فإذا أراق الماء مثلًا بسوء اختياره فقد فوّت مقداراً من المصلحة الملزمة فثبت العصيان.

إن قلت: فلِمَ لم يوجب عليه التأخير عن الوقت و الإتيان بالصلاة مع المائية؟

قلت: إذ مصلحة الوقت أيضاً مصلحة ملزمة.

إن قلت: فلِمَ لم يوجب عليه الجمع بين الأداء و القضاء لإحراز كلتا المصلحتين؟

قلت: من الممكن تضادّ المصلحتين و عدم إمكان إحراز كلتيهما كما فرضوا نظير ذلك في مسألة الجهر و الإخفات إذا اتي بأحدهما في موضع الآخر جهلًا، حيث حكموا بالصحّة و العصيان معاً، فتدبّر.

فتلخّص أنّ للمبحوث عنه في المسألة ثلاث مراحل:

الاولى: هل يجب التيمّم عند تعذّر الغسل في المقام أولا؟

الثانية: على فرض الوجوب فهل يثبت

البدلية في صورة كون التعذّر باختيار العبد أو لا؟

الثالثة: هل يثبت العصيان أيضاً أم لا؟

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 174

كذا يبطل بالبقاء على حدث الحيض (86) و النفاس إلى طلوع الفجر، فإذا طهرت منهما قبل الفجر وجب

______________________________

و لنا في أصل العصيان إشكال و على فرض ثبوته ففي الصحّة إشكال لانصراف أدلّة البدلية حينئذٍ.

فالأحوط لمن فقد الماء بلا اختيار التيمّم و يصحّ صومه بلا إشكال و لمن فقده باختياره الجمع بين الصوم بالتيمّم و قضائه.

البقاء على الحيض و النفاس

(86) يدلّ على الأوّل رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن طهرت بليل من حيضتها ثمّ توانت أن تغتسل في رمضان حتّى أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم»، «1» و على الثاني إجماعهم على كون النفاس حيضاً موضوعاً أو حكماً، و قد ثبت في محلّه.

و الخدشة في سند الرواية بلا وجه، و من الغريب ما في «مصباح الفقيه» «2» من دعوى جبر ضعفها بالشهرة مع أنّ المسألة غير معنونة في كلمات القدماء لا في باب الصوم و لا في باب الحيض فلم يتعرّض أحد منهم كون البقاء على حدث الحيض و النفاس مثل البقاء على الجنابة مفطراً للصوم مع وجود تلك الرواية، و لأجل ذلك ينقدح في النفس الإشكال في المسألة كما استشكل فيه جمع من المتأخّرين.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 393/ 1213؛ وسائل الشيعة 10: 69، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 21، الحديث 1.

(2) مصباح الفقيه 14: 419.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 175

عليها الاغتسال أو التيمّم، و مع تركهما عمداً يبطل صومها، و الظاهر اختصاص (87) البطلان بصوم رمضان و إن كان الأحوط إلحاق قضائه به أيضاً، بل إلحاق مطلق الواجب بل المندوب أيضاً،

______________________________

و بالجملة:

فادّعاء الشهرة في المسألة غريب.

و في «الجواهر»: «إنّ الإبطال في حدث الحيض أشدّ من حدث الجنابة، ضرورة بطلان الصوم بمفاجأته قهراً فليس هو إلّا للمنافاة بينه و بين الصوم». «1»

و يرد عليه: أنّ ما هو الأشدّ نفس الحيض لا أثره الباقي بعد انقطاع الدم و المفروض في المقام انقطاع دمه فلعلّ بطلان الصوم أيضاً مثل حرمة الوطء من آثار نفس الحيض لا أثره الزائل بالغسل، هذا.

و لكنّ الأقوى في المسألة هو البطلان للرواية بعد ما لم يثبت الإعراض عنها و أمّا الكفّارة فستأتي عند التعرّض لرواياتها و أنّها تدلّ على ثبوتها مطلقاً إلّا فيما خرج أو على ثبوتها في موارد خاصّة.

(87) الأحوط إلحاق غيره به أيضاً و لا سيّما القضاء لما مرّ من عدم كونه طبيعة برأسها بل هو نفس صوم رمضان و قد جي ء به في غير وقته؛ و وجه الإلحاق أنّ الظاهر من الرواية بعد الإفتاء بها كون البقاء على حدث الحيض مثل البقاء على حدث الجنابة مخلًاّ بطبيعة الصوم و منافياً لها من غير فرق بين أقسامه، و ذكر رمضان إنّما هو من جهة كونه المبتلى به غالباً.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ رفع اليد عن عموم حصر المفطر في أربع في صحيحة

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 245.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 176

و أمّا لو طهرت قبل الفجر في زمان لا يسع الغسل و لا التيمّم أو لم تعلم بطهرها في الليل حتّى دخل النهار فصومها صحيح؛ (88) واجباً كان أو ندباً على الأقوى.

[البقاء على الاستحاضة]

(مسألة 49): يشترط (89) في صحّة صوم المستحاضة على الأحوط الأغسال

______________________________

محمّد بن مسلم «1» بمثل هذه الاستحسانات بلا وجه فالتعدّي عن صوم رمضان مشكل، فتدبّر.

(88) إن قلنا أنّ المستفاد

من الرواية كون حدث الحيض مثل حدث الجنابة مخلًاّ بطبيعة الصوم مطلقاً و لم نخصّه بصوم رمضان كان الأوجه في المقام تخصيص الصحّة بالواجب المعيّن، و الإشكال في صحّة الموسّع، بل و في مشروعية التيمّم لأجله فيهما و في الجنب أيضاً كما لا يخفى.

البقاء على الاستحاضة

(89) على المشهور و قد أفتى بذلك حتّى مثل ابن إدريس الذي لا يعمل بأخبار الآحاد. قال في «النهاية»: «و متى طهرت المرأة من الحيض أو النفاس ثمّ استحاضت و صامت و لم تفعل ما تفعله المستحاضة كان عليها قضاء الصوم». «2»

و في «السرائر» في كتاب الطهارة: «فإذا فعلت ذلك في أيّام استحاضتها فهي في حكم الطاهرات في جميع الشرعيات إلّا أنّها يكره لها دخول الكعبة- إلى أن قال-: فإن لم تفعل ما وصفناه و صامت و صلّت وجب عليها إعادة صلاتها

______________________________

(1) الفقيه 2: 67/ 276 و راجع: تهذيب الأحكام 4: 189/ 535؛ 202/ 584؛ 318/ 971؛ وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.

(2) النهاية: 165.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 177

..........

______________________________

و صيامها و لا يحلّ لزوجها وطؤها». «1»

و استدلّوا للمسألة برواية علي بن مهزيار، قال: كتبت إليه عليه السلام: امرأة طهرت من حيضها أو (من) دم نفاسها في أوّل يوم من شهر رمضان، ثمّ استحاضت فصلّت و صامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمل (تعمله) المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين، هل يجوز صومها و صلاتها أم لا؟ فكتب عليه السلام: «تقضي صومها و لا تقضي صلاتها، لأنّ رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم كان يأمر (فاطمة و) المؤمنات من نسائه بذلك». «2»

و استشكل عليها بالإضمار

و بمخالفة مضمونها للإجماع على بطلان صلاتها و بمخالفتها لما دلّ على أنّ فاطمة عليها السلام لم تر دماً.

و اجيب عن الإضمار بعدم الإضرار بعد كون المضمر مثل ابن مهزيار لوضوح أنّه لا يروي مثله عن غير الإمام عليه السلام.

و عن الثاني: بإمكان التفكيك بين الفقرتين في الحجّية.

و عن الثالث: بأنّ المراد بها فاطمة بنت أبي حبيش أو أنّه صلى الله عليه و آله و سلم أمر بها فاطمة الزهراء عليها السلام لتأمر بها المؤمنات مع أنّه لم تذكر فاطمة عليها السلام في نقل بعض نسخ «الفقيه»، «3» هذا.

و لكنّ الظاهر أنّ الالتزام بالتفكيك بين الفقرات في الحجّية في مثل هذا المقام الذي ارتبط فيه الفقرتان و وقعتا في جواب سؤال واحد في غاية الإشكال، و إنّما

______________________________

(1) السرائر 1: 153.

(2) تهذيب الأحكام 4: 310/ 937؛ وسائل الشيعة 2: 349، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 41، الحديث 7؛ 10: 66، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 18، الحديث 1.

(3) الفقيه 2: 144- 145/ 1989، طبع مؤسّسة النشر الإسلامي.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 178

..........

______________________________

يصحّ على فرض القول به فيما إذا لم يرتبط الجملتان سؤالًا و جواباً.

و من الممكن قريباً أنّ الجواب وقع عن حكم الحيض أو النفاس و سقط من الحديث جوابه عليه السلام عن حكم الاستحاضة أو أعرض عن جوابها في المكاتبة التي هي في معرض الخطر حيث إنّ المشهور بين العامّة كون الاستحاضة حدثاً أصغر و لا يلتزم بوجوب الغسل لها إلّا القليل منهم.

و بالجملة: فالإعراض عن جواب الاستحاضة لمكان التقيّة و أمّا احتمال قراءة «تقضى» من باب التفعل أو كون «تقضي» بمعنى أدّت أو مضت فخلاف الظاهر جدّاً. و كيف كان:

فإثبات الحكم بهذه الرواية مع اغتشاشها مشكل، و الحكم بعدم الإضرار مع فتوى المشهور بالإضرار أشكل، فما في المتن من الاحتياط وجوباً هو الأوفق بالاحتياط.

ثمّ إنّه على فرض الاعتبار، فهل يعتبر في صحّة صومها خصوص الأغسال أو مطلق ما يجب عليها من الوضوءات و الأغسال و تغيير الخرقة و احتشاء القطنة و نحو ذلك. المستفاد من الرواية هو الأوّل، و المستفاد من عبارة الشيخ في «النهاية» «1» و ابن إدريس في «السرائر» «2» هو الثاني.

بل يؤيّد ذلك ما نسب إلى المشهور من تعبيرهم بعد ذكر أحكام الاستحاضة بأقسامها الثلاثة بقولهم: «فإذا فعلت ذلك كانت بحكم الطاهر» «3» بناءً على كون

______________________________

(1) النهاية: 165.

(2) السرائر 1: 407.

(3) راجع: المعتبر 2: 683؛ منتهى المطلب 9: 207؛ تحرير الأحكام 1: 486؛ جامع المقاصد 1: 343؛ مدارك الأحكام 2: 37؛ مسالك الأفهام 1: 75؛ جواهر الكلام 3: 359 و 16: 246؛ مستمسك العروة الوثقى 3: 420 و 423 و 427.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 179

..........

______________________________

المشار إليه جميع ما وجبت عليها و كون الطاهر في مقابل الحائض فيكون المراد: أنّ المستحاضة مع كونها مثل الحائض في رؤية الدم إن فعلت ما وجب عليها كانت بحكم الطاهر و إن لم تفعل كانت بحكم الحائض فيبطل صومها و صلاتها، هذا.

و لكنّ الظاهر من عبارة «النهاية» أنّها مأخوذة من عبارة الرواية فلعلّ الشيخ رحمه الله استفاد من الرواية اعتبار مطلق ما وجب عليها لا خصوص الغسل، حيث عبّر فيها أوّلًا بقوله عليه السلام: «من غير أن تعمل ما تعمل [تعمله] المستحاضة» و حينئذٍ فالاعتبار بما نفهمه من الرواية، و مراد المشهور من العبارة المذكورة ليس كونها بحكم الحائض إن لم تفعل ما وجبت

عليه، بل المراد أنّها: «إن فعلت ما وجب عليها صارت بحكم الطاهر ممّا تلبّست به من حدث الاستحاضة و ارتفع به ما ثبت مانعيّته عنه على حسب حاله من القلّة و الكثرة»، و تحقيق ذلك في باب الاستحاضة من كتاب الطهارة، فراجع.

و كيف كان: فإن التزمنا بما هو ظاهر عبارة «النهاية» و «السرائر» من اعتبار مطلق ما وجب عليها فلا يبقى فرق بين القليلة و الكثيرة و المتوسّطة.

و أمّا إن اقتصرنا على ما هو الظاهر من الرواية من اعتبار خصوص الغسل فهل يختصّ الحكم بخصوص الكثيرة كما هو المستفاد من قوله: «من الغسل لكلّ صلاتين» «1» أو يعمّ المتوسّطة أيضاً، بتقريب: أنّ المستفاد من الحديث بضميمة ما دلّت على إضرار حدث الجنابة و الحيض و النفاس هو كون حدث الاستحاضة أيضاً

______________________________

(1) الكافي 4: 136/ 6؛ الفقيه 2: 94/ 419؛ تهذيب الأحكام 4: 310/ 937؛ وسائل الشيعة 2: 349، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 41، الحديث 7؛ 10: 66، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 18، الحديث 1.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 180

..........

______________________________

إذا كان موجباً للغسل مثل تلك الأحداث، فالملاك كونه حدثاً أكبر من غير فرق بين المتوسّطة و الكثيرة.

فعن «البيان» و «الجامع» و «الموجز» و «الجعفرية» «1» الاختصاص، بل قيل: إنّه الظاهر من كلّ من عبّر بلفظ الأغسال. و عن «جامع المقاصد» «2» التصريح بالتعميم، و في «الجواهر» «3» رمي التقييد بالكثرة بالشذوذ أو كونها محمولة على ما يقابل القليلة.

و الأحوط هو التعميم فإنّ الظاهر من الرواية بمناسبة الحكم و الموضوع و سبق الذهن بإضرار أفراد الحدث الأكبر بالصوم كون البقاء على هذا الحدث مثل سائر الأحداث فيكون الملاك البقاء على الحدث

الأكبر، هذا. و لكن هذا نحو قياس لا يمكن الالتزام به و لعلّ المضرّ بالصوم خصوص الكثرة التي هي أكبر من المتوسّط منه، و لذا توجب تعدّد الغسل دونه.

ثمّ إنّه هل يعتبر جميع الأغسال التي عليها من النهارية و الليلية السابقة و اللاحقة، أو النهارية فقط، أو هي مع الليلية السابقة، أو خصوص غسل الفجر فقط؟

وجوه، بل أقوال. ربما يقال: إنّ الظاهر من الرواية اعتبار الجميع، و المستفاد منها كون صحّة الصوم في طول صحّة صلواتها فإذا أتى بما يجب عليها في صلواتها من الأغسال صحّ صومها و إلّا فلا، هذا. و لكن من البعيد جدّاً دخالة غسل الليلة اللاحقة في صوم اليوم السابق، و كيف يمكن الالتزام بأنّ المستحاضة إذا ارتكبت

______________________________

(1) البيان: 66؛ الجامع للشرائع: 157؛ رسالة الموجز، ضمن الرسائل العشر: 47؛ حياة المحقّق الكركي و آثاره 4: 146.

(2) جامع المقاصد 1: 73.

(3) جواهر الكلام 3: 364؛ و راجع: مستمسك العروة الوثقى 8: 287.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 181

النهارية التي للصلاة، دون ما لا يكون لها، فلو استحاضت قبل الإتيان بصلاة الصبح أو الظهرين بما يوجب الغسل- كالمتوسّطة أو الكثيرة- فتركت الغسل بطل صومها، و أمّا لو استحاضت بعد الإتيان بصلاة الفجر أو بعد الإتيان بالظهرين فتركت الغسل إلى الغروب لم يبطل صومها، و لا يشترط فيها الإتيان بأغسال الليلة المستقبلة و إن كان أحوط، و كذا لا يعتبر فيها الإتيان بغسل الليلة الماضية؛ بمعنى أنّها لو تركت الغسل الذي للعشاءين لم يبطل صومها لأجل ذلك، نعم يجب عليها الغسل حينئذٍ لصلاة الفجر، فلو تركته بطل صومها من هذه الجهة، و كذا لا يعتبر فيها ما عدا الغسل من الأعمال؛ و إن كان

الأحوط اعتبار جميع ما يجب عليها من الأغسال و الوضوءات و تغيير الخرقة و القطنة، و لا يجب تقديم غسل المتوسّطة و الكثيرة على الفجر و إن كان هو الأحوط.

______________________________

في مغرب الليلة اللاحقة زنا محصنة مثلًا لم يبطل صومها، و لو تركت غسلها لصلاة مغربها بطل صومها السابق.

و بالجملة: فإثبات مثل هذا الحكم المخالف للاعتبار بمثل هذا الحديث المجمل مشكل، فيبقى الكلام في اعتبار سائر الأغسال، و هل المعتبر جميعها أو بعضها؟

و المستفاد من الرواية أنّ ترك الجميع يوجب بطلان الصوم و لا دلالة لها على اعتبار كل واحد منها، و لكن مقتضى العلم الإجمالي الإتيان بالجميع. اللهمّ إلّا أن يقال:

- كما قيل- بأنّ احتمال اعتبار الليلية السابقة دون النهارية لا يتمشى فاعتبار النهارية مقطوع به فينحلّ العلم الإجمالي، و لكن لأحد أن يمنع ذلك، إذ لعلّ المضرّ هو البقاء على حدث الاستحاضة و الإصباح به فيعتبر غسل العشاءين و الفجر دون الظهرين فالأحوط هو الإتيان بالنهارية و الليلية السابقة.

و هل يجب تقديم غسل الفجر على الفجر؟ لأحد أن يمنع ذلك، إذ الأصل

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 182

[حكم البقاء على الجنابة نسياناً]

(مسألة 50): الأقوى بطلان صوم (90) شهر رمضان بنسيان غسل الجنابة ليلًا قبل

______________________________

يقتضي عدمه، و المستفاد من الرواية هو اعتبار إتيان الغسل للصلاة و اعتبار التقديم- لاحتمال إضرار الإصباح بالحدث- أمر آخر لا دليل عليه. و لكنّ الأحوط هو التقديم لغسل الفجر و لغسل العشاءين أيضاً إذا لم يأت به في أوّل الليل.

إذ احتمال كون الاعتبار بعدم الإصباح بالحدث نظير الإصباح بحدث الجنابة و الحيض و النفاس قويّ جدّاً، فتأمّل جيّداً. و اللّٰه أعلم بما هو الصواب.

حكم البقاء على الجنابة نسياناً

(90) و قد أفتى به في

«النهاية» و «المبسوط» و «المختلف» و «المنتهى» «1» و كثير من المتأخّرين، بل نسب إلى الأكثر و خالف فيه ابن إدريس، بل قال:

«إنّه لم يقل بالبطلان أحد من محقّقي أصحابنا»، «2» و وافقه المحقّق في «الشرائع» و «النافع» «3» و يدلّ على البطلان خبر إبراهيم بن ميمون قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتّى تمضي بذلك جمعة أو يخرج شهر رمضان؟ قال: «عليه قضاء الصلاة و الصوم». «4» و صحيحة الحلبي، قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان

______________________________

(1) النهاية: 164 و 165؛ المبسوط 1: 288؛ مختلف الشيعة 3: 348، مسألة 84؛ منتهى المطلب 9: 333.

(2) السرائر 1: 408.

(3) شرائع الإسلام 1: 204؛ المختصر النافع: 70.

(4) الكافي 4: 106/ 5؛ الفقيه 2: 74/ 320؛ وسائل الشيعة 10: 65، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 17، الحديث 1 و 237 أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 30، الحديث 1.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 183

..........

______________________________

فنسي أن يغتسل حتّى خرج شهر رمضان؟ قال: «عليه أن يقضي الصلاة و الصيام»، «1» و نحو ذلك مرسلة الصدوق، فراجع. «2»

و أيّد ذلك في «المعتبر» و «المنتهى» «3» بأنّ الأصحاب أفتوا بأنّه إذا نام بعد العلم بالجنابة ثمّ انتبه ثمّ نام ثانياً حتّى أصبح أنّ عليه القضاء، و لم يقيّدوا ذلك بتذكّر الجنابة بين النومين، و رواياته أيضاً مطلقة فيصير المقام أيضاً من مصاديقه، غاية الأمر وقوع النومين في ليلتين. اللهمّ إلّا أن يخصّ كلام الأصحاب بما إذا كان النومان في ليلة واحدة و كان قبل كلّ واحد منهما متذكّراً للجنابة، فتدبّر.

ثمّ إنّه

قد يقال بمعارضة روايات الباب لما دلّ على عدم القضاء فيمن أصبح جنباً في النوم الأوّل، إذ بينهما عموم من وجه فتتعارضان فيمن نسي الجنابة، ثمّ نام حتّى أصبح أو نام ثمّ انتبه قبل الفجر و نسي الجنابة.

و اجيب عن ذلك: بأنّ المستفاد من روايات النوم كون النوم بما هو عذراً إذا كان البقاء على الجنابة مستنداً إليه، و من روايات النسيان عدم معذّرية النسيان، و في المثالين لم يستند البقاء إلى النوم بل إلى النسيان.

و بالجملة: الجنابة مع النسيان مقتضية للقضاء و مع النوم غير مقتضية فإذا اجتمعا أثّر المقتضي أثره، فتدبّر.

ثمّ إنّ المذكور في روايات المسألة دوام النسيان إلى جمعة أو انقضاء الشهر،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 311/ 938؛ وسائل الشيعة 10: 238، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 30، الحديث 3.

(2) الفقيه 2: 74/ 321؛ وسائل الشيعة 10: 238، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 30، الحديث 2.

(3) المعتبر 2: 674 و 675؛ منتهى المطلب 9: 152 و راجع أيضاً: 127.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 184

..........

______________________________

و الظاهر كون الجمعة كناية عن انقضاء الاسبوع، و المذكور في كلام كثير من الأصحاب ك «النهاية» و «المبسوط» و غيرهما أيضاً انقضاء الشهر.

قال في «النهاية»: «و من أجنب في أوّل الشهر و نسي أن يغتسل و صام الشهر كلّه و صلّى، وجب عليه الاغتسال و قضاء الصوم و الصلاة». «1»

و في «المبسوط»: «من أجنب في أوّل الشهر و نسي أن يغتسل و صام كان عليه قضاء الصلاة و الصوم معاً». «2»

نعم، في «الشرائع»: «الخامسة: إذا نسي غسل الجنابة و مرّ عليه أيّام أو الشهر كلّه قيل: يقضي الصلاة و الصوم، و قيل: يقضي

الصلاة حسب، و هو الأشبه». «3»

و في «الدروس»: «و لو نسي الغسل فالوجه وجوب قضاء الصوم كالصلاة». «4»

و في «القواعد»: «لو نسي غسل الجنابة حتّى مضى عليه الشهر أو بعضه قضى الصلاة و الصوم على رواية، و قيل: الصلاة خاصّة»، «5» انتهى.

فلأحد أن يقول: إنّ ذكر الجمعة أو الشهر في كلام السائل لا في كلام الإمام و لعلّه ذكر في السؤال طول المدّة ليجيب عليه السلام بعدم القضاء من جهة كون القضاء حينئذٍ عسراً فلا يناسب الشريعة السهلة، و المستفاد من الجواب ثبوت القضاء و عدم كون النسيان عذراً فيما كان يضرّ تعمّده أعني الإصباح جنباً، فالملاك كلّ الملاك هو الإصباح جنباً عن نسيان و إن لم ينقض اليوم فضلًا عن الأيّام، كيف! وصوم

______________________________

(1) النهاية: 165.

(2) المبسوط 1: 288.

(3) شرائع الإسلام 1: 204.

(4) الدروس الشرعية 1: 271- 272.

(5) قواعد الأحكام 1: 381.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 185

الفجر حتّى مضى عليه يوم (91) أو أيّام،

______________________________

كلّ يوم تكليف مستقلّ. و من البعيد جدّاً أن نحكم فيمن أصبح جنباً عن نسيان بأنّه إن تذكّر ذلك في اليوم الأوّل أو الثاني إلى اليوم السادس فلا قضاء و إن تذكّره في اليوم السابع انقلب حكمه.

و لأحد أن يمنع ما ذكر بأن يقال: إنّ ما دلّ على مفطرية الإصباح جنباً لم يستفد منه إلّا حكم العامد فيبقى الناسي تحت الأصل و عموم قوله: «لا يضرّ الصائم ...». «1» و الخارج من تحت الأصل صورة دوام النسيان إلى مثل الاسبوع أو أكثر و من المحتمل كون النسيان عذراً إلّا فيما إذا دام النسيان كذلك، حيث يكشف عن عدم مبالاته بامور الدين و عدم اهتمامه بحيث يبقى جنباً إلى اسبوع عن نسيان،

هذا.

و لكن عطف الصيام على الصلاة يقتضي اتّحاد حكمها و من الواضح عدم التفاوت في باب الصلاة بين من دام نسيانه و من زال. فالأظهر في المسألة بمقتضى الروايات عدم كون النسيان عذراً مطلقاً كما هو المستفاد من «الدروس» و «القواعد»، بل يظهر من «المختلف» «2» أيضاً تسلّمه.

(91) إن استفدنا من الروايات كونها بصدد بيان أنّ الإصباح جنباً عن نسيان مثل الإصباح عن عمد في المفطرية فذكر اليوم و الأيّام بلا وجه، بل كان الأولى عنوان المسألة بأنّه إن أصبح جنباً عن نسيان فحكمه كذا و إن كان الاعتبار

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 189/ 535 و 202/ 584 و 318/ 971؛ الفقيه 2: 67/ 276؛ وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.

(2) الدروس الشرعية 1: 271- 272؛ قواعد الأحكام 1: 381؛ مختلف الشيعة 3: 349، المسألة 84.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 186

و الأحوط إلحاق غير شهر رمضان من النذر المعيّن و نحوه به و إن كان الأقوى (92) عدمه،

______________________________

بخصوص ما في الروايات فالمذكور فيها كما عرفت هو الاسبوع و الشهر، فذكر اليوم و الأيّام بلا دليل.

(92) استظهر في «الجواهر» إلحاق غير رمضان به، قال: «لعدم الفرق بين أقسام الصوم في الاشتراط بالطهارة». «1»

أقول: و لعلّ المستفاد من الروايات أيضاً ذلك، لما عرفت من كون الروايات بصدد بيان ماهية الصوم و ما يشترط فيها، و ذكر شهر رمضان من جهة أنّه المبتلى به للعامّة و أدلّة تشريع سائر أقسام الصوم أيضاً ناظرة إلى الماهية الواجبة في رمضان كما عرفت بيانه.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ تفاوت أنواع الصوم في وقت النيّة و في اعتبار بعض الامور يوجب الشكّ في

اتّحاد ما يعتبر في ماهيتها فكلّما لم يثبت بدليل كان المرجع الأصل و عموم قوله عليه السلام: «لا يضرّ الصائم ...».

و المذكور في الروايات خصوص رمضان فلا دليل على إلحاق غيره به.

نعم، قضاء رمضان ليس نوعاً آخر فالظاهر اشتراطه بما اشترط في رمضان، هذا مضافاً إلى ما عرفت في القضاء من عموم روايتي ابن سنان «2» لغير العامد أيضاً، فراجع.

______________________________

(1) جواهر الكلام 17: 63.

(2) الفقيه 2: 75/ 324؛ الكافي 4: 105/ 4؛ تهذيب الأحكام 4: 277/ 837 و 211/ 611؛ وسائل الشيعة 10: 67، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 19، الحديث 1 و 2.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 187

كما أنّ الأقوى (93) عدم إلحاق غسل الحيض و النفاس لو نسيتهما بالجنابة في ذلك، و إن كان أحوط.

[إذا كان المجنب ممّن لا يتمكّن من الغسل]

(مسألة 51): إذا كان المجنب ممّن لا يتمكّن من الغسل؛ لفقد الماء أو لغيره من أسباب التيمّم، وجب عليه التيمّم، (94) فإن تركه بطل صومه، و كذا لو كان متمكّناً من الغسل و تركه حتّى ضاق الوقت.

[لا يجب على من تيمّم بدلًا عن الغسل أن يبقى مستيقظاً]

(مسألة 52): لا يجب على من تيمّم بدلًا عن الغسل أن يبقى مستيقظاً حتّى يطلع الفجر، فيجوز له النوم (95) بعد التيمّم قبل الفجر على الأقوى و إن كان الأحوط البقاء مستيقظاً؛ لاحتمال بطلان تيمّمه بالنوم،

______________________________

(93) لاختصاص النصوص بالجنابة فيبقى الحيض و النفاس في المقام تحت الأصل و عموم حصر المفطرات.

و في «الجواهر» استظهر إلحاقهما بالجنابة، قال: «لأنّ الظاهر اتّحاد الجميع في كيفية الشرطية، بل قيل: إنّهما أقوى لأنّه لم يرد فيهما ما ورد فيه ممّا يوهم أنّ الشرط هو تعمّد البقاء». «1»

و اورد عليه: باختصاص النصّ بصورة التواني الظاهر في التعمّد.

و كيف كان: فالأظهر عدم الإلحاق و الأحوط الإلحاق كما لا يخفى وجهه.

(94) مرّ بيانه مفصّلًا فراجع. «2»

(95) يظهر من الماتن أنّ جواز النوم و عدمه في المسألة مبنيّان على أنّ التيمّم

______________________________

(1) جواهر الكلام 17: 63.

(2) تقدّم في الصفحة 169- 173.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 188

..........

______________________________

بدلًا عن الغسل يبطل بالحدث الأصغر أم لا، مع أنّ الظاهر من «المدارك» «1» جواز النوم و إن قلنا بالبطلان في تلك المسألة، و بعبارة اخرى: القول بجواز النوم يبتني إمّا على ما اختاره السيّد في شرح الرسالة «2» و تبعه بعض المتأخّرين من كون التيمّم بدلًا عن الغسل مثل الغسل في عدم البطلان بالحدث الأصغر. و إمّا على ما في «المدارك» من: «أنّ انتقاض التيمّم بالنوم لا يحصل إلّا بعد تحقّقه و بعده يسقط التكليف لاستحالة تكليف الغافل». «3»

أقول: أمّا

بطلان الثاني: فلا يخفى وجهه إذ التيمّم لا موضوعية له، و إنّما الغرض عدم الإصباح جنباً عن عمد و من ينام اختياراً مع علمه ببقاء نومه إلى الفجر يصدق عليه أنّه بقي على الجنابة إلى الفجر متعمّداً.

و أمّا الأوّل: فهو خلاف المشهور و إن كان ما ذكر مستنداً لهم قابلًا للخدشة، قالوا:

«إنّ التيمّم لا يرفع الحدث بل يستباح به الصلاة» «4» فالجنابة باقية و الاستباحة تزول بالحدث الأصغر.

أقول: أمّا إنّ التيمّم غير رافع فهو الأقوى، بل ادّعي عليه الإجماع و قد عرفت إجماع «المنتهى» و «المعتبر» «5» و استدلال «المعتبر» عليه، فراجع. و أمّا زوال

______________________________

(1) مدارك الأحكام 6: 58.

(2) راجع: ذكرى الشيعة 2: 283.

(3) هذا هو كلام الأردبيلي رحمه الله في مجمع الفائدة و البرهان، نقله صاحب المدارك، راجع: مدارك الأحكام 6: 58؛ مجمع الفائدة و البرهان 5: 48.

(4) راجع: الخلاف 1: 44، المسألة 92؛ المبسوط 1: 34؛ غنية النزوع 1: 63- 64؛ المعتبر 1: 394 و 395؛ مختلف الشيعة 1: 291، المسألة 217؛ تذكرة الفقهاء 2: 214 و 6: 56؛ تحرير الأحكام 1: 149؛ مهذّب البارع 1: 217؛ جامع المقاصد 1: 202 و 514؛ مدارك الأحكام 2: 215 و 252.

(5) منتهى المطلب 3: 79؛ المعتبر 1: 394.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 189

كما على القول بأنّ التيمّم بدلًا عن الغسل يبطل بالحدث الأصغر.

[لا يجب المبادرة بالغسل فوراً]

(مسألة 53): لا يجب على من أجنب في النهار- بالاحتلام أو نحوه من الأعذار- أن يبادر (96) إلى الغسل فوراً، و إن كان هو الأحوط.

______________________________

الاستباحة مطلقاً بالحدث الأصغر فممنوع إذ لأحد أن يقول: بالتفكيك و بقاء الاستباحة من حيث الحدث الأكبر و زوالها من حيث الأصغر فيكفي الوضوء، فتأمّل.

و كيف كان:

فالأحوط ما اختاره المشهور من انتقاض التيمّم بالنوم و نحوه و إن كان بدلًا عن الغسل فلا يجوز النوم في المقام و يجب عليه أن يبقى مستيقظاً على الأحوط.

حكم المبادرة إلى الغسل

(96) قال في «المنتهى»: «و لو احتلم نهاراً في رمضان نائماً أو من غير قصد لم يفطر يومه و لم يفسد صومه و يجوز تأخيره و لا نعلم فيه خلافاً». «1»

و قال في «التذكرة»: «و لو احتلم نهاراً في رمضان (نائماً) أو من غير قصد لم يفسد [لم يفطر] و جاز له تأخير الغسل إجماعاً». «2»

و أمّا ما في «المستمسك» «3» من نسبة عدم الخلاف و الإجماع إلى «الجواهر»؛ ففيه اشتباه، إذ في «الجواهر» «4» ادّعى عدم الخلاف و الإجماع في أصل عدم إفساد الاحتلام لا في مسألة البدار، فراجع.

______________________________

(1) منتهى المطلب 9: 79.

(2) تذكرة الفقهاء 6: 28.

(3) مستمسك العروة الوثقى 8: 292.

(4) جواهر الكلام 16: 253.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 190

..........

______________________________

و كيف كان: فيدلّ على عدم وجوب البدار الأصل و عدم الخلاف، بل الإجماع المنقول و إطلاق صحيحة العيص بن القاسم أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثمّ يستيقظ ثمّ ينام قبل أن يغتسل، قال: «لا بأس». «1»

و موثّقة ابن بكير، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يحتلم بالنهار في شهر رمضان يتمّ صومه (يومه- خ) كما هو، فقال: «لا بأس». «2» بناءً على أنّ المسئول عنه هو إتمام الصوم مع حالة الاحتلام، و بعبارة اخرى: إتمام الصوم مع البقاء على الجنابة الحادثة بالاحتلام لا الإتمام مع أصل الاحتلام حدوثاً، إذ من البعيد جدّاً أن يحتمل ابن بكير عدم وجوب إتمام صوم

رمضان مع حدوث الاحتلام بلا اختيار.

و يدلّ على الوجوب، قوله عليه السلام في مرسل ابن عبد الحميد عن بعض مواليه، قال:

سألته عن احتلام الصائم فقال عليه السلام: «إذا احتلم نهاراً في شهر رمضان فلا ينام حتّى يغتسل». «3» مؤيّداً باعتبار ظنّي و هو: أنّ المستفاد من جعل الجماع و الاستمناء و الإصباح جنباً من المفطرات كونها مفطرة بجامع وحداني و هو أن يحصل جنباً في نهار الصوم عن عمد و اختيار سواء كان بنحو الحدوث أو البقاء كما عبّر بنحو ذلك في «الغنية»، قال في عداد ما يوجب القضاء و الكفّارة: «و أن يحصل جنباً في نهار

______________________________

(1) الفقيه 2: 75/ 325؛ وسائل الشيعة 10: 103، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 35، الحديث 3.

(2) الكافي 4: 105/ 3؛ وسائل الشيعة 10: 103، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 35، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 4: 320/ 982؛ المقنعة: 348؛ وسائل الشيعة 10: 104، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 35، الحديث 5.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 191

..........

______________________________

الصوم مع الشرط الذي ذكرناه (العمد و الاختيار) سواء كان ذلك بجماع أو غيره و سواء كان مبتدئاً بذلك فيه أو مستمرّاً عليه من الليل»، «1» انتهى.

و بالجملة: مفطرية الإصباح جنباً ليست إلّا لكونه مستلزماً للجنابة البقائية في وقت يجب عليه الإمساك، فيعلم من ذلك عدم ملائمة الصوم للجنابة الاختيارية حدوثية كانت أو بقائية من غير فرق بين أزمنة الصوم، فكما لا يلائم الجنابة البقائية لأوّل يوم الصوم فكذلك لا تلائم لوسطه و آخره. و بما ذكرنا يرفع عن الأصل.

و أمّا الإجماع و عدم الخلاف فنقلهما موهونان بعدم كون المسألة معنونة في كلمات

القدماء من أصحابنا.

نعم، يظهر من «الانتصار» «2» في خلال استدلاله على العامّة في مسألة البقاء على الجنابة عدم وجوب البدار في المقام، فراجع.

و كيف كان: فمن المحقّق عدم تحقّق الإجماع الكاشف عن قول الأئمّة عليهم السلام في هذه المسألة مع عدم كونها معنونة في كتبهم المعدّة لنقل الفتاوى المأثورة عنهم عليهم السلام.

و أمّا صحيحة العيص فمن المظنون جدّاً كونها مرتبطة بالنوم في الليل المستلزم لتأخير الغسل إلى الصباح فإنّه الواقع في أكثر الروايات في المسألة. و يؤيّد ذلك صحيحته الاخرى «3» المحتمل اتّحادها معها و إن بعد.

و أمّا موثّقة ابن بكير فمن المحتمل فيها كون السؤال عن صحّة الصوم مع أصل

______________________________

(1) غنية النزوع 1: 138.

(2) الانتصار: 186- 187.

(3) تهذيب الأحكام 4: 210/ 608؛ وسائل الشيعة 10: 58، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 13، الحديث 4.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 192

[لو تيقّظ بعد الفجر من نومه فرأى نفسه محتلماً]

(مسألة 54): لو تيقّظ بعد الفجر من نومه فرأى نفسه محتلماً لم يبطل صومه؛ سواء علم سبقه على الفجر أو علم تأخّره أو بقي على الشكّ؛ لأنّه لو كان سابقاً كان من البقاء على الجنابة غير متعمّد، و لو كان بعد الفجر كان من الاحتلام في النهار. نعم، إذا علم سبقه على الفجر لم يصحّ منه صوم قضاء (97) رمضان مع كونه موسّعاً، و أمّا مع ضيق وقته فالأحوط (98) الإتيان به و بعوضه.

______________________________

الاحتلام لا البقاء على الجنابة الحادثة به، هذا.

و لكن مع ذلك لا اعتبار بالمرسل لإرساله و لا بالاعتبار الظنّي فإنّه استحسان محض و الأصل يقتضي العدم.

كيف! و لو كان البدار واجباً لبان و اشتهر مع كثرة ابتلاء الناس بالمسألة في جميع الاعصار و لكنّ الأحوط هو المبادرة.

(97) لما

عرفت من إطلاق صحيحتي ابن سنان «1» و شمولهما لغير المتعمّد أيضاً.

(98) الظاهر من قوله: «لا يصوم ذلك اليوم و يصوم غيره»، «2» كون الحكم ثابتاً له من جهة سعة وقته و إمكان صوم غيره بلا منع شرعي من تأخيره، و لذا قوينا تسرية الحكم إلى غير القضاء من الموسّعات، و أمّا في المضيّق منه فلا دليل على المفطرية، و مقتضى عموم صحيحة محمّد بن مسلم «3» و الأصل العملي

______________________________

(1) الفقيه 2: 75/ 324؛ الكافي 4: 105/ 4؛ تهذيب الأحكام 4: 277/ 837؛ وسائل الشيعة 10: 67، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 19، الحديث 1 و 2.

(2) هذه هي صحيحة ابن سنان التي تقدّم تخرجها آنفاً.

(3) الكافي 4: 105/ 2؛ تهذيب الأحكام 4: 211/ 613؛ وسائل الشيعة 10: 62، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 15، الحديث 3.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 193

[حكم النوم قبل الاغتسال]

(مسألة 55): من كان جنباً في شهر رمضان في الليل لا يجوز له أن ينام (99) قبل الاغتسال؛ إذا علم أنّه لا يستيقظ قبل الفجر للاغتسال،

______________________________

عدم المفطرية فيصحّ صومه.

نعم، لو منع هذا الظهور و لم نقل بالانصراف أيضاً إلى خصوص الموسّع كان مقتضى إطلاق الروايتين عدم إجزاء صوم ذلك اليوم و عدم وجوبه و وجوب صوم الغير و لو فرض إجمال الروايتين من هذه الجهة كان مقتضى العلم الإجمالي هو الإتيان به و بعوضه، و الظاهر أنّ هذا مورد نظر الماتن و ذكره بنحو الاحتياط من جهة أنّ أصل حرمة تأخير القضاء عنده بلا دليل.

حكم النوم قبل الاغتسال

(99) ليس النوم بما هو نوم محرّماً شرعياً بل الثابت في المقام هو وجوب الصيام المتوقّف على الاغتسال المتوقّف

في المقام على ترك النوم.

و بالجملة: حرمة النوم إنّما هي من جهة أدائه إلى ترك الصيام، بداهة عدم ثبوت الاستحقاق لعقابين فيما إذا نام و لأجله بقي على الجنابة و بطل صومه، فيصير محصّل المسألة أنّ ترك الصوم المستند إلى النوم اختياراً مع العلم بعدم الاستيقاظ يقع عصياناً قطعاً، و أمّا ترك الصوم المستند إلى النوم الثاني و الثالث مع احتمال الاستيقاظ فلا يقع محرّماً و عصياناً لإمكان البطلان و ثبوت القضاء مع عدم العصيان أيضاً كما في البقاء على الجنابة نسياناً. و الحاصل أنّ الحرمة في باب النوم على الفرض ثبوتها إرشادي لا مولوي، فتأمّل.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 194

و لو نام و استمرّ إلى الفجر لحقه (100) حكم البقاء متعمّداً، فيجب عليه القضاء و الكفّارة، و أمّا إن احتمل الاستيقاظ جاز له النوم و إن كان من النوم الثاني أو الثالث أو الأزيد، فلا يكون نومه حراماً؛ (101) و إن كان الأحوط ترك النوم الثاني فما زاد، و إن اتّفق استمراره إلى الفجر، غاية الأمر وجوب القضاء أو مع الكفّارة في بعض الصور كما سيتبيّن.

______________________________

(100) بل هو بالخصوص مورد بنص النصوص.

(101) قال في «المنتهى» في مقام الاعتراض على قول الشيخين رحمه الله بثبوت الكفّارة في النومة الثالثة: «و لأنّ النوم سائغ و لا قصد له في ترك الغسل فلا عقوبة، إذ الكفّارة مترتّبة على التفريط أو الإثم و ليس أحدهما ثابتاً». «1»

و في «المدارك»: «و الأصحّ إباحة النومة الثانية، بل و الثالثة أيضاً و إن ترتّب عليهما القضاء». «2» و لكن في «المسالك»: «قد تقدّم أنّ النومة الاولى إنّما تصحّ مع العزم على الغسل و إمكان الانتباه أو اعتياده، فإذا نام بالشرط ثمّ

انتبه ليلًا حرم عليه النوم ثانياً، و إن عزم على الغسل و اعتاد الانتباه، لكن لو خالف و أثم فأصبح نائماً وجب عليه القضاء خاصّة». «3»

أقول: ربما يستدلّ على الحرمة بامور:

الأوّل: قوله في صحيح معاوية بن عمّار: «فليقض ذلك اليوم عقوبة». «4»

______________________________

(1) منتهى المطلب 9: 128.

(2) مدارك الأحكام 6: 61.

(3) مسالك الأفهام 2: 18.

(4) تهذيب الأحكام 4: 212/ 615؛ وسائل الشيعة 10: 61، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 15، الحديث 1.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 195

..........

______________________________

و اجيب: بأنّ العقوبة بالقضاء لا تلازم الحرمة.

الثاني: قوله عليه السلام في مرسلة إبراهيم بن عبد الحميد: «و إن أجنب ليلًا في شهر رمضان فلا ينام ساعة حتّى يغتسل». «1»

و أجاب عنها في «المستمسك»: «بأنّها مع إرسالها مرويّة في «الوسائل» المصحّحة هكذا: «فلا ينام إلّا ساعة حتّى يغتسل»، و دلالتها غير ظاهرة». «2»

أقول: على هذا النقل أيضاً تدلّ على حرمة النوم الثاني كما لا يخفى.

الثالث: إنّ مقتضى استصحاب بقاء النوم إلى الفجر حرمته.

و اجيب: بأنّ الحرام تعمّد البقاء على الجنابة إلى الفجر و لا يثبت هذا العنوان باستصحاب بقاء النوم، هذا ما قالوه.

و لكن يمكن أن يقال: إنّك قد عرفت أنّ النوم بما هو نوم ليس بحرام قطعاً، بل الحرمة على فرض القول بها ثابتة لترك الصوم المستند إليه، و حينئذٍ فلنا أن نقول:

بأنّ العرف يستظهر من إثبات القضاء و البطلان بسبب النوم الواقع عن اختيار عدم معذّرية النوم و ثبوت العصيان بترك الصوم المستند إليه، و بعبارة اخرى: ترك الواجب مستند عرفاً إلى اختياره في هذا المقام، حيث إنّه ينام اختياراً مع علمه ببطلان الصوم على فرض عدم الاستيقاظ منه، و هذا بخلاف صورة النسيان حيث

لم يحصل منه فعل باختياره فقياس المقام بباب النسيان غلط.

و كيف كان: فالأحوط ترك النوم إذا لم يكن حرج في البين، فتأمّل.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 212/ 618 و 320/ 982؛ وسائل الشيعة 10: 64، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 16، الحديث 4؛ و الباب 35، الحديث 5.

(2) مستمسك العروة الوثقى 8: 294.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 196

[نوم الجنب في شهر رمضان في الليل]

(مسألة 56): نوم الجنب في شهر رمضان في الليل مع احتمال الاستيقاظ أو العلم به إذا اتّفق استمراره إلى طلوع الفجر على أقسام: فإنّه إمّا أن يكون مع العزم على ترك الغسل، و إمّا أن يكون مع التردّد في الغسل و عدمه، و إمّا أن يكون مع الذهول و الغفلة عن الغسل، و إمّا أن يكون مع البناء على الاغتسال حين الاستيقاظ مع اتّفاق الاستمرار، فإن كان مع العزم على ترك الغسل أو مع التردّد فيه لحقه حكم (102)

______________________________

(102) قال في «الخلاف»: «إذا أجنب في أوّل الليل و نام عازماً على أن يقوم في الليل و يغتسل فبقي نائماً إلى طلوع الفجر لم يلزمه شي ء بلا خلاف. و إن انتبه دفعة ثمّ نام و بقي إلى طلوع الفجر كان عليه القضاء بلا كفّارة. و إن انتبه دفعتين كان عليه القضاء و الكفّارة على ما قلناه، و خالف جميع الفقهاء في ذلك، دليلنا: ما قدّمناه في المسألة الاولى سواء» «1» (إجماع الفرقة و أخبارهم و طريقة الاحتياط).

و في «المقنعة»: «من أجنب في الليل من شهر رمضان فلا حرج عليه أن ينام متعمّداً بعد أن ينوي الغسل قبل الفجر، فإن غلبه النوم إلى الصباح اغتسل عند انتباهه و لم تكن عليه كفّارة و لا قضاء فإن استيقظ

في بعض الليل فلم يغتسل ثمّ نام متعمّداً و في نيّتة الغسل قبل الفجر فنام حتّى أصبح وجب عليه القضاء لأنّه فرّط في الاحتياط لفرض الصيام فإن استيقظ ثانية و نام متعمّداً إلى الصباح فعليه الكفّارة و القضاء لأنّه تعمّد الخلاف». «2»

و في «النهاية» (في عداد ما يوجب القضاء و الكفّارة): «و كذلك من أصابته جنابة

______________________________

(1) الخلاف 2: 222، المسألة 88.

(2) المقنعة: 347.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 197

..........

______________________________

و نام من غير اغتسال، ثمّ انتبه ثمّ نام ثمّ انتبه ثانياً ثمّ نام إلى طلوع الفجر».

و فيها (في عداد ما يوجب القضاء فقط): «فمن أجنب في أوّل الليل و نام ثمّ انتبه و لم يغتسل فنام ثانياً و استمرّ به النوم إلى طلوع الفجر كان عليه القضاء و صيام ذلك اليوم و ليس عليه كفّارة». «1»

و في «المراسم» (فيما يوجبهما): «أو انتبه مرّتين و لم يغتسل ثمّ أصبح جنباً.

(و فيما يوجب القضاء فقط): و من أجنب في (ليل) شهر رمضان فنام ناوياً للغسل ثمّ انتبه ثمّ نام ناوياً للغسل في ليله ثمّ انتبه و قد طلع الفجر فعليه القضاء». «2»

و في «الغنية» (فيما يوجبهما): «و يجري مجرى ذلك إدراك الفجر له جنباً بعد الانتباه مرّتين و ترك الغسل من غير ضرورة». (و فيما يوجب القضاء فقط): «إدراك الفجر لمن نام جنباً بعد الانتباه مرّة واحدة». «3»

و في «الشرائع» (فيما يوجبهما): «و تعمّد البقاء على الجنابة حتّى يطلع الفجر و كذا لو نام غير ناوٍ للغسل حتّى يطلع الفجر». «4»

و قال أيضاً: «و لو أجنب فنام غير ناوٍ للغسل فطلع الفجر فسد الصوم. و لو كان نوى الغسل صحّ صومه، و لو انتبه ثمّ نام ناوياً للغسل

فأصبح نائماً، فسد صومه و عليه قضاؤه». «5»

______________________________

(1) النهاية: 154.

(2) المراسم: 98.

(3) غنية النزوع 1: 138 و 139.

(4) شرائع الإسلام 1: 191.

(5) شرائع الإسلام 1: 190.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 198

..........

______________________________

و قال أيضاً: «الثامنة: من أجنب و نام ناوياً للغسل ثمّ انتبه ثمّ نام كذلك ثمّ انتبه و نام ثالثة ناوياً حتّى طلع الفجر لزمته الكفّارة على قول مشهور و فيه تردّد». «1»

و في «المعتبر» (بعد ذكر حكم المتعمّد): «و كذا لو أجنب و نام غير ناوٍ للغسل حتّى طلع الفجر، لأنّ مع العزم على ترك الاغتسال يسقط اعتبار النوم و يعود كالمتعمّد للبقاء على الجنابة». «2»

و فيه أيضاً: «مسألة: من أجنب و نام ناوياً للغسل حتّى طلع الفجر فلا شي ء عليه لأنّ نومه سائغ و لا قصد له في بقائه و الكفّارة مترتّبة على التفريط أو الإثم و ليس أحدهما مفروضاً، أمّا لو انتبه ثمّ نام ثانياً ناوياً للغسل فطلع الفجر فعليه القضاء لأنّه فرط في الاغتسال مع القدرة،- إلى أن قال-: قال الشيخان: فإن انتبه ثمّ نام ثالثاً فعليه القضاء و الكفّارة و استدلّ الشيخ على ذلك برواية أبي بصير (و ذكر روايات أبي بصير و المروزي و ابن عبد الحميد؛ «3» ثمّ ردّ دلالتها إلى أن قال): فإذن لا حجّة لما قالاه و الأولى سقوط الكفّارة مع تكرار النوم و إيجابها مع التعمّد». «4»

و فيه أيضاً، (بعد ذكر حكم المتعمّد في مسألة اخرى): «و لو أجنب فنام ناوياً للغسل حتّى أصبح فسد صوم ذلك اليوم و عليه قضاؤه و عليه أكثر علمائنا ...». «5»

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 192.

(2) المعتبر 2: 671- 672.

(3) تهذيب الأحكام 4: 212/ 616 و 617 و 618؛ وسائل

الشيعة 10: 63، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 16، الحديث 2 و 3 و 4.

(4) المعتبر 2: 674- 675.

(5) المعتبر 2: 655.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 199

..........

______________________________

و نحو ما في «المعتبر» ما في «المنتهى» حتّى في العبارة الأخيرة المخالفة لما سبقها إلّا أنّه قال في هذه العبارة: «ذهب إليه علمائنا خلافاً للجمهور». «1» هذا بعض كلماتهم في المقام و قد رأيت أنّ التفصيل بين الناوي للغسل و غيره يوجد في بعض العبائر لا الجميع.

و أمّا الأخبار:

فمنها: ما يدلّ على عدم القضاء مطلقاً كصحيحة ابن رئاب، قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام- و أنا حاضر- عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان فينام و لا يغتسل حتّى يصبح؟ قال: «لا بأس يغتسل و يصلّي و يصوم». «2» و نحوها موثّقة ابن بكير «3» بل و موثّقة القمّاط. «4» و إن كان التعليل في رواية القمّاط يشعر بالتقيّة فيها، فراجع.

و منها: ما يدلّ على ثبوت القضاء مطلقاً كموثّقة سماعة، قال: سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان فنام و قد علم بها و لم يستيقظ حتّى يدركه الفجر، فقال: «عليه أن يتمّ صومه و يقضي يوماً آخر». «5» و نحوها صحيحة

______________________________

(1) منتهى المطلب 9: 77.

(2) قرب الإسناد: 164/ 598؛ وسائل الشيعة 10: 59، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 13، الحديث 7.

(3) قرب الإسناد: 168/ 615؛ وسائل الشيعة 10: 59، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 13، الحديث 8.

(4) الفقيه 2: 74/ 322؛ وسائل الشيعة 10: 57، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 13، الحديث 1.

(5) تهذيب الأحكام 4: 211/ 611؛ وسائل الشيعة

10: 62 و 67، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 15، الحديث 5 و الباب 19، الحديث 3.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 200

..........

______________________________

محمّد بن مسلم «1» و صحيحة ابن أبي يعفور بنقل الشيخ. «2»

و منها: ما دلّ على ثبوت القضاء إذا نام متعمّداً كصحيحة البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو أصابته جنابة ثمّ ينام حتّى يصبح متعمّداً، قال: «يتمّ ذلك اليوم و عليه قضاؤه». «3» و نحوها صحيحة الحلبي. «4»

و منها: ما فصّل فيه بين النوم الأوّل و الثاني كصحيحة معاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يجنب في أوّل الليل ثمّ ينام حتّى يصبح في شهر رمضان قال: «ليس عليه شي ء»، قلت: فإنّه استيقظ، ثمّ نام حتّى أصبح، قال: «فليقض ذلك اليوم عقوبة». «5» بناءً على حمل قوله: «ينام» على النوم الاختياري كما هو الظاهر، و من المحتمل حمله على النوم الاحتلامي الواقع فيه الجنابة فيصير مفاد الرواية مفاد رواية سماعة، «6» و مثل هذه الرواية في التفصيل بين النوم الأوّل و الثاني صحيحة

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 211/ 613؛ وسائل الشيعة 10: 62، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 15، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام 4: 211/ 612؛ راجع: الفقيه 2: 75/ 323؛ وسائل الشيعة 10: 61، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 15، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 4: 211/ 614؛ وسائل الشيعة 10: 62، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 15، الحديث 4.

(4) الكافي 4: 105/ 1؛ وسائل الشيعة 10: 63، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 16،

الحديث 1.

(5) تهذيب الأحكام 4: 212/ 615؛ وسائل الشيعة 10: 61، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 15، الحديث 1.

(6) تهذيب الأحكام 4: 211/ 611؛ وسائل الشيعة 10: 62 و 67، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 15، الحديث 5 و الباب 19، الحديث 3.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 201

..........

______________________________

ابن أبي يعفور بنقل الصدوق، «1» فراجع.

و بالجملة: ففي باب البقاء على الجنابة بسبب النوم أربع طوائف من الأخبار.

و في «المستمسك» «2» حمل الطائفة الاولى على غير المتعمّد و الثانية على المتعمّد بقرينة الطائفة الثالثة.

أقول: إن كان لفظ التعمّد مذكوراً في كلام الإمام عليه السلام أمكن جعله بمنطوقه مخصّصاً للطائفة الاولى و بمفهومه مخصّصاً للثانية فصارت الطائفة الثالثة بمنطوقها و مفهومها شاهدة للجمع بين الطوائف الثلاث، و لكن لفظ التعمّد مذكور في كلام الراوي فالطائفة الثالثة و الثانية في حكم طائفة واحدة، و جعلها مخصّصة للطائفة الاولى و حمل الاولى بقرينتها على غير العامد، ثمّ تخصيص الطائفة الثانية بسببها انقلاب للنسبة الممنوع في محلّه، فتأمّل.

و الحاصل: أنّ رفع التنافي بين الطائفتين الاوليين بهذا النحو كما في «المستمسك» محلّ إشكال. كما أنّ حمل الطائفة الاولى على النوم الأوّل و الثانية على الثاني أيضاً خلاف الظاهر جدّاً و إن احتمله بعض بقرينة الطائفة الرابعة.

فالأولى أن يقال: إنّ الظاهر من الطائفة الاولى النوم الأوّل بعد الجنابة الاختيارية و الظاهر من الطائفة الثانية النوم الاختياري الواقع بعد النوم الاحتلامي، و قد حكم الإمام عليه السلام في الأوّل بعدم القضاء و في الثاني بالقضاء و لا تنافي بينهما، و يستفاد من الأوّل عدم القضاء باستمرار النوم الاحتلامي بالأولوية، كما أنّه يستفاد من الثانية

______________________________

(1) الفقيه 2: 75/

323؛ راجع: تهذيب الأحكام 4: 211/ 612؛ وسائل الشيعة 10: 61، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 15، الحديث 2.

(2) مستمسك العروة الوثقى 8: 296- 299.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 202

..........

______________________________

ثبوت القضاء باستمرار النوم الثاني الاختياري كذلك.

و إن شئت قلت: إنّ استمرار النوم الأوّل لا يوجب القضاء و استمرار الثاني يوجب القضاء من غير فرق بين النوم الاحتلامي و الاختياري فيعدّ النوم الاحتلامي أيضاً من النومات و قد التزم بهذا بعض المتأخّرين و يساعده الجمع بين روايات المسألة.

و بهذا التقرير لا نحتاج في التفصيل بين النوم الأوّل و الثاني إلى صحيحة ابن عمّار و ابن أبي يعفور أيضاً، و قد عرفت: أنّ رواية ابن أبي يعفور مضطربة المتن بسبب اختلاف نقل الشيخ مع الصدوق و إنّ رواية ابن عمّار يحتمل فيها حمل قوله: «ينام» على النوم الاحتلامي، و استبعاد تفاوت النوم الاختياري الواقع بعد الجنابة الاختيارية و الاختياري الواقع بعد الجنابة الاحتلامية بحسب الحكم. بلا وجه، إذ من الممكن تجويز النوم الاولى لمن أجنب نفسه في اليقظة حيث تقتضي النوم طبعاً، و أمّا من احتلم فقد حصل منه النوم فلا يحتاج غالباً إلى نوم آخر.

و كيف كان: فالجمع بين روايات الباب بهذا النحو أولى و يصير مقتضاه التفصيل بين النوم الأوّل و الثاني مع عدّ النوم الاحتلامي أيضاً من النومات.

نعم، ربما ينافي ذلك صحيحة العيص أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثمّ يستيقظ ثمّ ينام قبل أن يغتسل، قال: «لا بأس». «1» بناءً على كون السؤال عن حكم النوم في الليل من حيث إيجاب القضاء و عدمه، و لكن من المحتمل كون السؤال عن حكم

النوم في النهار من جهة كون النوم مانعاً عن

______________________________

(1) الفقيه 2: 75/ 325؛ وسائل الشيعة 10: 57، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 13، الحديث 2.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 203

..........

______________________________

المبادرة إلى الغسل أو عن نفس جواز النوم و عدمه لا عن حيثية إيجاب القضاء، فتأمّل، هذا.

ثمّ إنّ النوم مع الجنابة إمّا أن يكون مع العزم على الاغتسال أو مع العزم على عدمه أو مع التردّد فيه أو مع الذهول عنه، و لا يخفى أنّ الظاهر من رواية ابن رئاب و ابن بكير الحاكمين بعدم القضاء كون البقاء على الجنابة و عدم الغسل مستنداً إلى النوم. و لا يخفى أنّ استناد عدم المعلول إلى وجود المانع إنّما يكون مع وجود المقتضي للثبوت فعدم الغسل إنّما يستند إلى وجود النوم مع وجود العزم على الغسل، فصورة العزم على العدم و صورة التردّد مشمولتان لأدلّة التعمّد، إذ لا فرق في صدق التعمّد المراد منه البقاء على الجنابة اختياراً بين العزم على العدم و بين التردّد فيه إلى أن ينقضي الوقت مستيقظاً كان أو نائماً.

و بالجملة: فالصورتان مشمولتان لروايات الباب 16 «1» الشاملة بإطلاقها لحالتي النوم و اليقظة.

و صورة الذهول عن الغسل مع التوجّه إلى الجنابة عبارة اخرى عن النسيان، و قد مرّ في المسألة 50. «2» و قد عبّر في رواياتها بقولها: «فنسي أن يغتسل» و المراد غروب صورة الغسل عن ذهنه و هو عبارة اخرى عن الذهول.

فبقي صورة نيّة الغسل و العزم عليه مشمولة لما دلّ على عدم القضاء و هذا هو الوجه لتقييد كثير ممّن تقدّم عدم الوجوب بصورة كونه ناوياً للاغتسال، فتدبّر و لاحظ كلماتهم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 63- 65، كتاب

الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 16.

(2) تقدّم في الصفحة 182- 183. و قد استخرجت رواياتها فيها.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 204

تعمّد البقاء جنباً، بل الأحوط (103) ذلك إن كان مع الغفلة و الذهول أيضاً، و إن كان الأقوى لحوقه بالقسم الأخير، و إن كان مع البناء على الاغتسال أو مع الذهول على ما قوّينا، فإن كان في النومة الاولى بعد العلم بالجنابة فلا شي ء عليه و صحّ صومه، و إن كان في النومة الثانية؛ بأن نام بعد العلم بالجنابة ثمّ انتبه و نام ثانياً مع احتمال الانتباه فاتّفق الاستمرار وجب عليه القضاء (104) فقط دون الكفّارة (105) على الأقوى، و إن كان في النومة الثالثة فكذلك على الأقوى و إن كان الأحوط ما هو المشهور (106) من وجوب الكفّارة أيضاً في هذه الصورة، بل الأحوط وجوبها في النومة الثانية أيضاً، بل و كذا في النومة الاولى أيضاً؛

______________________________

(103) لا يترك لما مرّ.

(104) كما هو المشهور، و يظهر من عبارة «الخلاف» كونه إجماعياً و يدلّ عليه أخبار المسألة كما مرّ بيانه.

(105) كما يستفاد من كلماتهم السابقة، و يدلّ عليه إجماع «الخلاف» «1» أيضاً، و لكن لو قلنا بحرمة النومة الثانية كما في «المسالك» «2» قرب جدّاً القول بثبوت الكفّارة أيضاً، إذ حرمة النوم- كما عرفت- إرشاد إلى وقوع ترك الصوم مبغوضاً و محرّماً فيشمله إطلاقات أدلّة الكفّارة الحاكمة بثبوتها لكلّ من أفطر صومه. اللهمّ إلّا أن ينكر إطلاقها و سيجي ء بيانه في محلّه.

(106) لا يترك، لتعرّض كثير من قدماء أصحابنا لوجوبها في كتبهم المعدّة لنقل المسائل المأثورة عن الأئمّة عليهم السلام ك «المقنعة» و «النهاية» و «المراسم»

______________________________

(1) الخلاف 2: 222، المسألة 88.

(2) مسالك الأفهام

2: 18.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 205

إذا لم يكن معتاد الانتباه (107) و لا يعدّ (108) النوم الذي احتلم فيه من النوم الأوّل، بل المعتبر فيه النوم بعد تحقّق الجنابة، فلو استيقظ المحتلم من نومه ثمّ نام كان من النوم الأوّل لا الثاني.

______________________________

و «الغنية»، «1» بل ادّعى في «الخلاف» «2» إجماع الفرقة عليه و قد مرّ عبائرهم، فراجع. و هؤلاء أهل النصّ و الخبر لا أهل الإجماعات الظنّية و الاستحسانات الاعتبارية، فلعلّهم تلقّوا ذلك من مشايخهم يداً بيد بحيث يحدس بذلك قول الأئمّة عليهم السلام، هذا. و لكن يوهن ذلك استدلال الشيخ رحمه الله على ذلك في «التهذيب» بما لا يدلّ، حيث إنّه قدس سره استدلّ على ذلك فيه بروايات أبي بصير و المروزي و ابن عبد الحميد، «3» و لذا قال في «المعتبر»: «و ليس في هذه الأخبار ما يدلّ على ما قالاه (الشيخان)- إلى أن قال-: و الأولى سقوط الكفّارة مع تكرار النوم و إيجابها مع التعمّد». «4»

و كيف كان: فالأحوط ما هو المشهور من ثبوت الكفّارة و لا سيّما إذا اخترنا حرمة النوم الراجعة إلى وقوع ترك الصوم محرّماً لرجوعه إلى الإفطار العمدي.

(107) لا وجه لذلك. نعم، لو اعتاد عدم الانتباه صارت هذه العادة أمارة عقلائية على عدم الانتباه و كان بنظر العرف بحكم البقاء العمدي.

(108) مرّ أنّ الأحوط عدّه منه.

______________________________

(1) المقنعة: 347؛ النهاية: 154؛ المراسم: 98؛ غنية النزوع 1: 138.

(2) الخلاف 2: 222، المسألة 88.

(3) تهذيب الأحكام 4: 212/ 616 و 617 و 618؛ وسائل الشيعة 10: 63، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 16، الحديث 2 و 3 و 4.

(4) المعتبر 2: 675.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 206

[إلحاق غير شهر رمضان من الصوم المعيّن به]

(مسألة 57): الأحوط إلحاق (109) غير شهر رمضان من الصوم المعيّن به في حكم استمرار النوم الأوّل أو الثاني أو الثالث حتّى في الكفّارة في الثاني و الثالث إذا كان الصوم ممّا له كفّارة كالنذر و نحوه.

[إذا استمرّ النوم الرابع أو الخامس]

(مسألة 58): إذا استمرّ النوم الرابع أو الخامس، فالظاهر (110) أنّ حكمه حكم النوم الثالث.

[الجنابة المستصحبة كالمعلومة]

(مسألة 59): الجنابة المستصحبة كالمعلومة (111) في الأحكام المذكورة.

______________________________

(109) مرّ أنّ الأحوط إن لم يكن أقوى تعميم مفطرية البقاء على الجنابة لكلّ صوم واجب، و قد مرّ بيانه و بيان وجهه، و لكنّ المصنّف قوّى هناك عدم الإلحاق في غير القضاء فما وجه احتياطه هنا للإلحاق في الواجب المعيّن مع أنّ البقاء النومي ليس بأشدّ من البقاء العمدي. اللهمّ إلّا أن يكون البحث في هذه المسألة بعد فرض التعميم و الإلحاق في تلك المسألة فيتوهّم عدم التعميم هنا مع ثبوت التعميم هناك، فتأمّل.

(110) بل المقطوع به كما لا يخفى.

(111) المستفاد من الأدلّة أنّ الجنابة بوجودها الواقعي لا يضرّ بالصوم و إنّما المضرّ به هو الجنابة المعلومة، فالعلم جزء للموضوع و قيام الاستصحاب و الأمارات مقام العلم الموضوعي ممّا لا يفي به نفس أدلّة الحجّية. اللهمّ إلّا أن يستفاد من الدليل الذي تكفّل لأخذ العلم موضوعاً كون العلم بما هو حجّة و طريق مطلق موضوعاً لا بما هو طريق خاصّ و صفة خاصّة، فالمضرّ في المقام هو الجنابة المحرزة فيكفي إحرازها بالاستصحاب.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 207

[إلحاق الحائض و النفساء بالجنب]

(مسألة 60): ألحق بعضهم (112) الحائض و النفساء بالجنب في حكم النومات، و الأقوى عدم الإلحاق و كون المناط فيهما صدق التواني في الاغتسال، فمعه يبطل و إن كان في النوم الأوّل، و مع عدمه لا يبطل و إن كان في النوم الثاني أو الثالث.

[إذا شكّ في عدد النومات]

(مسألة 61): إذا شكّ في عدد النومات بنى على الأقلّ. (113)

[إذا نسي غسل الجنابة و مضى عليه أيّام]

(مسألة 62): إذا نسي غسل الجنابة و مضى عليه أيّام و شكّ في عددها يجوز له الاقتصار في القضاء على القدر المتيقّن؛ (114)

______________________________

(112) كما عن «نجاة العباد» «1» و بعض من تأخّر، لتوهّم الأولوية حيث قيّد أدلّة الجنابة بالتعمّد دون أدلّتهما و حدوثهما و لو في بعض اليوم يضرّ بالصوم دونها و لا يخفى بطلانهما فإنّ دليل الحيض أيضاً يختصّ بالتواني، فراجع رواية أبي بصير. «2» و حدوث الدم و إن أوجب بطلان الصوم و لكن يمكن أن يختلف حكم الدم لحكم الحدث، و لذا ترى جواز وطئها مع انقطاع الدم و إن بقي الحدث، فالملاك في المقام صدق التواني كما في المتن.

(113) لأصالة عدم الزائد.

(114) لأصالة الصحّة في الزائد عليه المؤيّد باستصحاب تأخّر الجنابة إذا كان الشكّ في مبدئها و لا يعارضها استصحاب بقاء الجنابة إذا شكّ في نهاية المدّة لتقدّمها عليه و إلّا لم يبق لها مورد.

______________________________

(1) نجاة العباد 1: 162؛ راجع: مستمسك العروة الوثقى 8: 302.

(2) تهذيب الأحكام 1: 393/ 1213؛ وسائل الشيعة 10: 69، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 21، الحديث 1.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 208

و إن كان الأحوط (115) تحصيل اليقين بالفراغ.

[يجوز قصد الوجوب في الغسل]

(مسألة 63): يجوز قصد الوجوب (116) في الغسل و إن أتى به في أوّل الليل، لكن الأولى مع الإتيان به قبل آخر الوقت أن لا يقصد الوجوب، بل يأتي به بقصد القربة.

______________________________

(115) لا يترك فيما إذا علم بعددها أوّلًا و تنجّز عليه وجوب القضاء بالنسبة إليها، ثمّ حصل الشكّ و لا سيّما إذا سامح في امتثالها و فرّط فيه حتّى شكّ فإنّ العلم بعد ما حصل ينجّز متعلّقه على ما هو عليه من القلّة

و الكثرة، و لا مجرى للأصل مع العلم بتنجّز الواقع على فرض ثبوته. اللهمّ إلّا أن ينكر ذلك و يقال: بأنّ التنجّز دائر مدار العلم حدوثاً و بقاءً فبارتفاعه يرتفع التنجّز أيضاً.

(116) اشتهر الإشكال في وجوب مقدّمات الواجبات الموقّتة قبل وقتها، بناءً على كون الوقت شرطاً للوجوب و كون وجوب المقدّمة في الإطلاق و الاشتراط تابعاً لوجوب ذيها.

و اجيب عن ذلك تارة: بالالتزام بالواجب المعلّق و كون الوقت قيداً للواجب لا الوجوب فيكون الوجوب حاليّاً و الواجب استقباليّاً.

و اخرى: بالالتزام بالشرط المتأخّر بالنسبة إليهما معاً أو بالنسبة إلى خصوص المقدّمة.

و ثالثة: بالالتزام بكون المقدّمة واجباً نفسيّاً تهيئيّاً، و لا يخفى توقّف قصد الوجوب في الأوّلين على القول بوجوب المقدّمة شرعاً و إلّا فيبقى الإشكال بحاله.

أقول: لأحد أن يلتزم بوجوب تحصيل المقدّمة عقلًا و لو قبل حلول وقت ذيها إذا لم يمكن تحصيلها في الوقت، إذ الحاكم في باب الإطاعة و العصيان هو العقل، و من علم بأنّه يتوجّه من المولى إليه في وقت خاصّ خطاب، و يتوقّف امتثاله في

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 209

..........

______________________________

وقته على الإتيان بشي ء قبل ذلك فالعقل يلزمه بتحصيل المقدّمة لئلّا يفوت غرض المولى من ناحيته بعد علمه بما يتوجّه في وقته من الخطاب الفعلي.

و بالجملة: فاللابدية العقلية الثابتة في المقدّمات بحكم العقل ثابتة هنا أيضاً.

و لنا أن نلتزم على هذا بجواز قصد الوجوب أيضاً، فإنّ الأمر المقدّمي بناءً على ثبوته أيضاً لا يكفي في عبادية المقدّمة فإنّه أمر صوري تبعي، و في الحقيقة تأكيد لأمر ذيها و إنّما المحقّق لعباديتها هو الإتيان بها بقصد التوصّل بها إلى امتثال الأمر المتعلّق بذيها، فما يحرّك العبد إلى إتيان المقدّمة نفس الأمر المتعلّق

بذيها بعد علمه بتوقّفه عليها و المحرّك هو الأمر بوجوده العلمي لا الخارجي فإذا علم العبد بأنّه يتوجّه إليه في الوقت الكذائي أمر وجوبي و يتوقّف تحصيل متعلّقه على الإتيان بشي ء كذائي فلا محالة ينقدح في نفسه بسبب لحاظ هذا الأمر إرادة الإتيان بهذه المقدّمة، و هذا معنى تحريك الأمر و قصد الوجوب المذكور في باب المقدّمات و لو فرض كون المراد بالمقدّمة ما اخذ قيداً في المأمور به صار ما ذكرنا أوضح، إذ الأمر بوجوده العلمي الحاصل قبل فعليته خارجاً يدعو إلى متعلّقه بتقيّده و حصول التقيّد بوجود القيد، فالقيد بما أنّه وجود للتقيّد مدعوّ إليه بنفس هذا الأمر.

و الحاصل: أنّ قصد الوجوب بهذا البيان ممكن و لكن مع ذلك الأحوط أن يقصد القربة المطلقة.

ثمّ إنّه لا فرق في توجّه الإشكال و الأجوبة بين آخر الوقت و ما قبله. فما يظهر من المتن من التفاوت بينهما بلا وجه. اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ الالتزام بأحد الأجوبة الثلاثة المتقدّمة لمّا كان على خلاف القاعدة اقتصر فيها على القدر المتيقّن و هو آخر الوقت، فتأمّل.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 210

[فاقد الطهورين يسقط عنه اشتراط رفع الحدث للصوم]

(مسألة 64): فاقد الطهورين يسقط عنه اشتراط رفع الحدث للصوم، فيصحّ صومه (117) مع الجنابة، أو مع حدث الحيض أو النفاس.

[لا يشترط في صحّة الصوم الغسل لمسّ الميّت]

(مسألة 65): لا يشترط (118) في صحّة الصوم الغسل لمسّ الميّت، كما لا يضرّ مسّه في أثناء النّهار.

[لا يجوز إجناب نفسه في شهر رمضان إذا ضاق الوقت]

(مسألة 66): «1» لا يجوز إجناب نفسه في شهر رمضان إذا ضاق الوقت عن الاغتسال أو التيمّم، بل إذا لم يسع (119) للاغتسال و لكن وسع للتيمّم، و لو ظنّ سعة الوقت فتبيّن ضيقه، فإن كان بعد الفحص صحّ صومه، و إن كان مع ترك الفحص فعليه القضاء على الأحوط (120).

[التاسع من المفطرات: الحقنة بالمائع]

اشارة

التاسع من المفطرات: الحقنة بالمائع و لو مع الاضطرار إليها لرفع المرض، و لا بأس بالجامد (121) و إن كان الأحوط اجتنابه أيضاً.

______________________________

(117) إلّا فيما يفسده البقاء، و لو لا عن عمد كقضاء رمضان بل مطلق الموسّعات بناءً على إلحاقها به فالأحوط بل الأقوى فيها البطلان كما مرّ.

(118) لعدم الدليل على شرطيته و لا على مانعية حدث المسّ.

(119) على الأحوط.

(120) بل الأقوى، إن ضاق عن التيمّم أيضاً.

(121) بمثل الشياف المؤثّر في الموضع فقط، و أمّا إذا فرض التغذّي أو التداوي المؤثّر في جميع البدن من هذا الطريق نظير التلقيحات، فالأحوط تركه.

______________________________

(1) ينبغي التنبيه على أنّ سماحة الاستاذ- دام ظلّه- لم يوفّق لكتابة ما ألقاه في المحاضرات حول المسألة 66 إلى 78؛ و لكن أوردنا آرائه الفقهية التي طبعت في تعليقته على «العروة الوثقى».

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 211

[إذا احتقن بالمائع لكن لم يصعد إلى الجوف]

(مسألة 67): إذا احتقن بالمائع لكن لم يصعد إلى الجوف، بل كان بمجرّد الدخول في الدبر، فلا يبعد (122) عدم كونه مفطراً و إن كان الأحوط تركه.

[الظاهر جواز الاحتقان بما يشكّ في كونه جامداً أو مائعاً]

(مسألة 68): الظاهر جواز الاحتقان بما يشكّ في كونه جامداً أو مائعاً و إن كان الأحوط تركه.

[العاشر: تعمّد القي ء]

اشارة

العاشر: تعمّد القي ء و إن كان للضرورة؛ من رفع مرض أو نحوه، و لا بأس بما كان سهواً أو من غير اختيار، و المدار على الصدق العرفي، فخروج مثل النواة أو الدود لا يعدّ منه.

[لو خرج بالتجشّؤ شي ء ثمّ نزل]

(مسألة 69): لو خرج بالتجشّؤ شي ء ثمّ نزل من غير اختيار لم يكن مبطلًا، و لو وصل إلى فضاء الفم فبلعه اختياراً بطل صومه (123) و عليه القضاء و الكفّارة، بل تجب كفّارة الجمع إذا كان حراماً من جهة خباثته أو غيرها.

[لو ابتلع في الليل ما يجب عليه قيئه]

(مسألة 70): لو ابتلع في الليل ما يجب عليه قيئه (124) في النهار فسد صومه (125) إن كان الإخراج منحصراً في القي ء، و إن لم يكن منحصراً فيه لم يبطل، إلّا إذا اختار القي ء مع إمكان الإخراج بغيره، و يشترط أن يكون ممّا يصدق القي ء على إخراجه، و أمّا لو كان مثل درّة أو بندقة أو درهم أو نحوها ممّا لا يصدق معه القي ء لم يكن مبطلًا.

______________________________

(122) مشكل مع صدق الاحتقان.

(123) على الأحوط فيه و فيما بعده، و حرمة كلّ ما يتنفّر منه الطبع، غير واضحة.

(124) بأن لم يتعيّن الصوم، أو كان وجوب القي ء أهمّ، كما إذا توقّف حفظ النفس أو ردّ مال الغير عليه.

(125) قيل: و إن لم يتقيّأ، لأنّ وجوبه يمنع من التعبّد بالإمساك عنه. و لكنّ

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 212

[إذا أكل في الليل ما يعلم أنّه يوجب القي ء]

(مسألة 71): إذا أكل في الليل ما يعلم أنّه يوجب القي ء في النهار من غير اختيار، فالأحوط القضاء.

[إذا ظهر أثر القي ء و أمكنه الحبس]

(مسألة 72): إذا ظهر أثر القي ء و أمكنه الحبس و المنع وجب (126)؛ إذا لم يكن حرج و ضرر.

[إذا دخل الذباب في حلقه وجب إخراجه]

(مسألة 73): إذا دخل الذباب في حلقه وجب إخراجه مع إمكانه و لا يكون من القي ء، و لو توقّف إخراجه على القي ء سقط وجوبه (127) و صحّ صومه.

[يجوز للصائم التجشّؤ اختياراً]

(مسألة 74): يجوز للصائم التجشّؤ اختياراً و إن احتمل خروج شي ء من الطعام معه، و أمّا إذا علم بذلك فلا يجوز (128).

[إذا ابتلع شيئاً سهواً فتذكّر]

(مسألة 75): إذا ابتلع شيئاً سهواً فتذكّر قبل أن يصل إلى الحلق (129) وجب إخراجه و صحّ صومه، و أمّا إن تذكّر بعد الوصول إليه فلا يجب، بل لا يجوز إذا صدق عليه القي ء، و إن شكّ في ذلك فالظاهر وجوب إخراجه أيضاً مع إمكانه؛ عملًا بأصالة (130) عدم الدخول في الحلق.

______________________________

الظاهر إمكان الأمر و التعبّد به بنحو الترتّب، و وجوب التقيؤ وجوب مقدّمي. نعم، يفسد الصوم إذا تقيّأ.

(126) يعني في الواجب المعيّن.

(127) يعني في الواجب المعيّن.

(128) مع صدق القي ء.

(129) ليس الملاك الوصول إلى الحلق، بل صدق الأكل و عدمه، و لا يبعد عدم صدقه ما لم يصل إلى المعدة، و لا يعدّ إخراجه قبل ذلك قيئاً.

(130) إثبات الأكل بذلك من قبيل الأصل المثبت، نعم، يمكن التمسّك بأصالة

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 213

[إذا كان الصائم بالواجب المعيّن]

(مسألة 76): إذا كان الصائم بالواجب المعيّن مشتغلًا بالصلاة الواجبة، فدخل في حلقه ذباب أو بقّ أو نحوهما أو شي ء من بقايا الطعام الذي بين أسنانه، و توقّف إخراجه على إبطال الصلاة بالتكلّم ب «أخ» أو بغير ذلك، فإن أمكن التحفّظ و الإمساك إلى الفراغ من الصلاة وجب و إن لم يمكن ذلك و دار الأمر بين إبطال الصوم بالبلع أو الصلاة بالإخراج، فإن لم يصل إلى الحدّ من الحلق كمخرج الخاء (131) و كان ممّا يحرم بلعه في حدّ نفسه- كالذباب و نحوه- وجب قطع الصلاة بإخراجه، و لو في ضيق وقت الصلاة (132)، و إن كان ممّا يحلّ بلعه في ذاته- كبقايا الطعام- ففي سعة الوقت للصلاة و لو بإدراك ركعة منه يجب القطع و الإخراج، و في الضيق يجب البلع و إبطال الصوم تقديماً لجانب الصلاة لأهمّيتها، و

إن وصل إلى الحدّ فمع كونه ممّا يحرم بلعه وجب إخراجه بقطع الصلاة و إبطالها على إشكال (133)، و إن كان مثل بقايا الطعام لم يجب و صحّت صلاته و صحّ صومه على التقديرين لعدم عدّ إخراج مثله قيئاً في العرف.

______________________________

وجوب إخراجه قبل أن يصل إلى هذا الحدّ.

(131) كون الحدّ لصدق الأكل و وجوب الإخراج، الحلق و مخرج الخاء، محلّ إشكال، بل الظاهر أنّ الملاك عدم الوصول إلى المعدة، فمع عدم الوصول إليها، يجب الإخراج إن أمكن، و لا يعدّ الإخراج قيئاً كما مرّ.

(132) قطعها في الضيق محلّ إشكال. نعم، لو كان يدرك ركعة، فلا إشكال.

(133) في ضيق وقتها، و أمّا مع السعة فلا إشكال.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 214

[جواز ادخال الصائم أن يدخل إصبعه في حلقه و يخرجه عمداً]

(مسألة 77): قيل: يجوز للصائم أن يدخل إصبعه في حلقه و يخرجه عمداً، و هو مشكل مع الوصول إلى الحدّ، فالأحوط الترك (134).

[لا بأس بالتجشّؤ القهري]

(مسألة 78): لا بأس بالتجشّؤ القهري و إن وصل معه الطعام إلى فضاء الفم و رجع، بل لا بأس (135) بتعمّد التجشّؤ ما لم يعلم أنّه يخرج معه شي ء من الطعام، و إن خرج بعد ذلك وجب إلقاؤه، و لو سبقه الرجوع إلى الحلق لم يبطل صومه و إن كان الأحوط القضاء.

______________________________

(134) و لكنّ الأقوى الجواز.

(135) مع عدم اعتياد القي ء و إلّا ففيه إشكال.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 215

[فصل: في اعتبار العمد و الاختيار]

اشارة

فصل: [في اعتبار العمد و الاختيار]

[العمد و الاختيار]

المفطرات المذكورة ما عدا البقاء على الجنابة- الذي مرّ الكلام فيه تفصيلًا- إنّما توجب بطلان الصوم إذا وقعت على وجه العمد و الاختيار، و أمّا مع السهو و عدم القصد فلا توجبه؛ (1)

______________________________

(1) للأخبار الكثيرة الواردة فيه، فراجع الباب 9 من «الوسائل»، من أبواب ما يمسك عنه الصائم. «1» و لا فرق في ذلك بين صوم رمضان و غيره لإطلاق بعض الأخبار و لرواية أبى بصير الواردة في خصوص النافلة.

قيل: و لإشعار قوله عليه السلام في رواية محمّد بن قيس: «من أجل أنّه نسي» «2» بالتعليل المقتضي للعموم، و لكن كونه للتعليل محلّ تأمّل.

و أمّا ما رواه في «الوسائل» عن «الفقيه» و جعله رواية ثالثة في الباب «3» فكونه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 50، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 9.

(2) تهذيب الأحكام 4: 268/ 809؛ وسائل الشيعة 10: 52، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 9، الحديث 9.

(3) راجع: وسائل الشيعة 10: 51، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 9، الحديث 3.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 216

..........

______________________________

رواية مستقلّة محلّ تأمّل، و ما رواه يخالف ما في «الفقيه» ترتيباً و الموجود في «الفقيه» بعد نقل روايتي الحلبي و عمّار هكذا: «قال مصنّف هذا الكتاب: و ذلك في شهر رمضان و غيره و لا يجب فيه القضاء، هكذا روي عن الأئمّة عليهم السلام»، «1» انتهى.

و في «المعتبر»: «لو أكل أو شرب ناسياً لم يفطر، و به قال أبو حنيفة و الشافعي.

و قال مالك: يفطر في الفرض لا في النفل. و قال عطاء و الثوري: يفطر فيهما. و قال أحمد: يفطر بالجماع دون غيره». «2»

و المسألة معنونة في «الخلاف» «3» أيضاً مع اختلاف ما لما في «المعتبر»، فراجع.

و في «مصباح الفقيه» «4» حكى عن العلّامة في «أجوبة المسائل المهنائية» «5» و «التذكرة» القول بالفساد في الواجب الغير المعيّن و المندوب.

و المسألة معنونة في «التذكرة» في موضعين، يستفاد في موضع منهما الإطلاق، «6» و لكن في موضع آخر قال: «أمّا شرط العمد فإنّه عندنا ثابت إجماعاً منّا فإنّ المفطر ناسياً لا يفسد صومه مع تعيّن الزمان و لا يجب به قضاء و لا كفّارة عند علمائنا أجمع». «7»

و كيف كان: فالحكم ثابت في جميع أقسام الصوم، و المذكور من المفطرات في

______________________________

(1) الفقيه 2: 74، ذيل الحديث 319. و رواية الحلبي تحت الرقم 318، و رواية عمّار هي الرقم 319.

(2) المعتبر 2: 661.

(3) الخلاف 2: 185، المسألة 31.

(4) مصباح الفقيه 14: 458.

(5) المسائل المهنائية: 67، مسألة 90.

(6) تذكرة الفقهاء 6: 21.

(7) تذكرة الفقهاء 6: 61.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 217

من غير فرق بين أقسام الصوم من الواجب المعيّن و الموسّع و المندوب، و لا فرق (2) في

______________________________

أخبار الباب: الأكل و الشرب و الجماع و القي ء، و لكنّ القطع حاصل بعدم الخصوصية لهذه الأربعة.

نعم، للبقاء على الجنابة حكم يخصّه و قد مضى تفصيله في محلّه، فراجع.

(2) أقول: الأقوال المحكية في الجاهل خمسة: ثبوت القضاء و الكفّارة مطلقاً نسب إلى الأكثر أو المشهور؛ و عدمهما مطلقاً كما عن الشيخ في «التهذيب» «1» و الحلّي؛ «2» و ثبوت القضاء مطلقاً دون الكفّارة كما في «المعتبر»؛ «3» و ثبوتهما معاً في المقصّر و القضاء فقط في القاصر كما في «الجواهر»؛ «4» و ثبوتهما معاً في المقصّر و عدمهما في القاصر كما اختاره الشيخ رحمه

الله. «5»

و استدلّ على الأوّل بإطلاق روايات المفطرات و الكفّارة، بل ظهور كثير من الأسئلة التي وقع فيها الأمر بالقضاء و الكفّارة في كون موردها الجاهل. و كلمات الأصحاب أيضاً في كتبهم المعدّة لنقل المسائل المأثورة مطلقة تشمل العالم و الجاهل، هذا. مع أنّه من الواضح أنّ ماهية الصوم أعني الإمساك عن المفطرات لم تتحقّق منه و لا يمكن أخذ العلم بالمفطرية في المفطرية للزوم الدور.

و استدلّ للثاني بإطلاق موثّق زرارة و أبي بصير، قالا: سألنا أبا جعفر عليه السلام عن

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 208، ذيل الحديث 602، و الذي استدلّ به الحديث 603.

(2) السرائر 1: 386.

(3) المعتبر 2: 662.

(4) جواهر الكلام 16: 255.

(5) كتاب الصوم، ضمن تراث الشيخ الأعظم 12: 82.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 218

..........

______________________________

رجل أتى أهله في شهر رمضان و أتى أهله و هو محرم و هو لا يرى إلّا أنّ ذلك حلال له، قال: «ليس عليه شي ء»، «1» المعتضد بإطلاق قوله عليه السلام في خبر عبد الصمد بن بشير الوارد فيمن لبس قميصاً حال الإحرام: «أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شي ء عليه»، «2» و قد حكم الإمام عليه السلام في مورده بصحّة الحجّ و عدم الكفّارة معاً، بل يعتضد أيضاً بصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج الواردة في نكاح المرأة في عدّتها جهلًا، فراجع. «3»

أقول: الرواية الأخيرة لا تدلّ على العموم، فإنّ «قد» في قوله «قد يعذّر الناس في الجهالة ...» للتقليل لا للتحقيق، و خبر عبد الصمد و إن دلّ على العموم و لكنّ الأخذ به يوجب خلاف الإجماع في أكثر أبواب الفقه و التخصيص يوجب تخصيص الأكثر، فحمله على كون المراد باب الحجّ أولى.

و أمّا خبر زرارة و

أبي بصير فهو و إن كان يشمل المقصّر و القاصر معاً كما أنّ المستفاد منه نفي القضاء و الكفّارة معاً و لكن لا يشمل الجاهل المتردّد منهما.

و هل المراد منه من توجّه إلى مسألة مفطرية الجماع و قطع فيها بالعدم أو من لم ينقدح في نفسه احتمال مفطريته أصلًا كأكثر العوام الصرف، حيث يظنّون أنّ الصوم ليس إلّا الإمساك عن الأكل و الشرب فيرتكبون سائر المفطرات لدى الحاجة

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 208/ 603؛ وسائل الشيعة 10: 53، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 9، الحديث 12.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الصوم (للمنتظري)، در يك جلد، انتشارات ارغوان دانش، قم - ايران، اول، 1428 ه ق

كتاب الصوم (للمنتظري)؛ ص: 218

(2) تهذيب الأحكام 5: 72/ 239؛ وسائل الشيعة 8: 248، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 30، الحديث 1 و 12: 489، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 45، الحديث 3 و 13: 158، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 8، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 20: 451، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الباب 17، الحديث 4.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 219

..........

______________________________

إليها بحسب اقتضاء طبعهم من غير أن ينقدح في أنفسهم احتمال مفطريتها، كلاهما محتمل، بل يمكن دعوى عموم الرواية لهما و إن كان الأوّل نادراً بحسب التحقّق كما لا يخفى.

و كيف كان: فالرواية و إن لم تشمل المتردّد الملتفت، و لكن يشمل غير المتردّد من القاصر و المقصّر معاً و ليس القاصر بأكثر من المقصّر حتّى ينصرف إليه الإطلاق، و عدم التنبه فعلًا لا ينافي ثبوت التقصير من أوّل الأمر.

فانقدح بذلك بطلان ما في «الجواهر» حيث فصّل بين القاصر

و المقصّر بتقريب:

أنّ الرواية ظاهرة في غير المتنبه. «1»

و ظهور الرواية في كون الجهل علّة لنفي القضاء و الكفّارة أقوى من إطلاقات أدلّة القضاء و الكفّارة و إن كان بينهما عموم من وجه فيقدّم ظهورها، كما في جميع موارد تعارض أدلّة العناوين الثانوية مع أدلّة العناوين الأوّلية.

فانقدح بذلك أيضاً بطلان ما في «الجواهر» من معاملة تعارض العموم من وجه. «2»

نعم، ما ذكره وجهاً لترجيح أدلّة القضاء من موافقة الشهرة و ظهور بعض أدلّة القضاء في كون مورده الجهل لا يخلو عن وجه، هذا.

و الشيخ رحمه الله حكم بحكومة الرواية على أدلّة القضاء و الكفّارة، و لم يظهر لنا وجه كون المقام من باب الحكومة، «3» فتدبّر.

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 255.

(2) جواهر الكلام 16: 256.

(3) كتاب الصوم، ضمن تراث الشيخ الأعظم 12: 82.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 220

البطلان مع العمد بين الجاهل بقسميه و العالم، و لا بين المكره و غيره، (3)

[لو اكره على الإفطار]

فلو اكره على الإفطار فأفطر مباشرةً فراراً عن الضرر المترتّب على تركه بطل صومه على الأقوى، نعم لو و جر في حلقه من غير مباشرة منه لم يبطل.

______________________________

و الحاصل: أنّ الرواية تدلّ على نفي القضاء و الكفّارة معاً في الجاهل الغير المتردّد سواء كان قاصراً أو مقصّراً و ظهورها أقوى من إطلاقات أدلّة ثبوتهما، و لكن عدم إفتاء المشهور بمضمونها في كتبهم المعدّة لنقل الفتاوى المأثورة ممّا يوهنها و إن لم يكن ذلك بحدّ الإعراض المسقط عن الحجّية رأساً، و لذلك أفتى بمضمونها في «التهذيب». «1» و كيف كان: فالأحوط ثبوت القضاء فيهما و الكفّارة في خصوص المقصّر، و أمّا القاصر فالأقوى فيه عدمها إذ يستفاد من أدلّتها كونها من آثار ترك الصوم عن

عصيان. و لو بني على العمل بمضمون الرواية لزم القول بعدم القضاء و الكفّارة معاً في غير المتردّد مطلقاً فصار هذا قولًا سادساً في المسألة، فتدبّر.

حكم الإفطار عن إكراه

(3) في «الخلاف»: «من اكره على الإفطار لم يفطر و لم يلزمه شي ء سواء كان إكراه قهر أو اكره على أن يفعل باختياره، و قال الشافعي: إن اكره إكراه قهر مثل أن يصبّ الماء في حلقه لم يفطر، و إن اكره حتّى أكل بنفسه فعلى قولين ...». «2»

و نحو ذلك في «المعتبر» و استدلا فيهما بحديث الرفع.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 208، ذيل الحديث 602. و الرواية التي استدلّ بها تحت الرقم 603.

(2) الخلاف 2: 195، المسألة 46.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 221

..........

______________________________

و في «الشرائع»: «و لو كان سهواً لم يفسد صومه سواء كان الصوم واجباً أو ندباً و كذا لو أكره على الإفطار أو و جر في حلقه». «1»

نعم، في «المبسوط»: «و منها ما يحدث من غير قصد إليه مثل دخول الذباب في حلقه- إلى أن قال- أو أدخل غيره في حلقه ما يفطره من غير منع من جهته إمّا بأن كان نائماً أو أكرهه عليه فإنّ ذلك لا يفطر فإن ألزمه التناول فتناول بنفسه أفطر»، «2» انتهى.

و بالجملة: فقد نسب إلى الأكثر عدم الإفطار؛ و المشهور بين المتأخّرين هو المفطرية. لكن ليعلم أنّ المسألة غير معنونة في الكتب المعدّة لنقل المسائل المأثورة و إنّما ذكروها في كتبهم التفريعية فادّعاء الشهرة فيها بلا وجه، و لو سلّم فلا يفيد كما هو واضح.

و كيف كان: فعدم الإفطار في مثل الإيجار واضح، و كذا في الإكراه فيما إذا بلغ الخوف حدّاً سلب منه الفكر و الإرادة بحيث صدر منه الفعل بلا

تصوّر لما يترتّب عليه من المفطرية و نحوها، إذ من الواضح اشتراط كون الإتيان بالمفطرات عن عمد و قصد، فلا تفطر إذا صدرت من غير عمد، فهذا شرط يستفاد من خلال أخبار الباب، و منها: موثّقة أبي بصير و سماعة و فيها: «فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه لأنّه أكل متعمّداً»، «3» و الظاهر عدم الخلاف في ذلك.

و أمّا الإكراه مع صدور الفعل عنه بالفكر و الإرادة دفعاً للضرر المتوعّد عليه

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 190.

(2) المبسوط 1: 273.

(3) الكافي 4: 100/ 2؛ وسائل الشيعة 10: 121، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 50، الحديث 1.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 222

..........

______________________________

فالعمومات الواردة في بيان المفطرات و إطلاق كلمات الأصحاب و فتاواهم تقتضي بطلان الصوم، حيث إنّ ماهية الصوم أعني الإمساك عن المفطرات لم يتحقّق منه حقيقة. و لا يقاس بباب النسيان إذ الناسي و إن صدر منه الفعل بالإرادة و لكنّه حيث غفل عن الصوم لم يتوجّه حين الفعل إلى مفطريته، و لكن في المقام كان صدور الفعل عن إرادة و اختيار له مع التوجّه إلى مفطريته، هذا. مضافاً إلى أنّ الناسي مورد النصّ الخاصّ.

و الحاصل: أنّ المستفاد من أخبار المفطرات بضميمة أخبار النسيان هو اشتراط المفطرية بالتعمّد أعني القصد إلى الفعل و صدوره عن إرادة مع التوجّه إلى مفطريته.

و إن شئت قلت: القصد إلى الإفطار، بما أنّه إفطار، و هذا المعنى غير متحقّق في الناسي، و لكن يتحقّق في المقام و لازم ذلك بطلان الصوم في المقام و وجوب القضاء.

و انصراف إطلاقات الروايات و كلمات الأصحاب عن المقام انصراف بدوي؛ و استدلّ القائل بالصحّة بالأصل بعد ادّعاء الانصراف و بحديث

الرفع.

و ردّ الأوّل بمنع الانصراف كما مرّ. و الثاني بأنّ المرفوع هو المؤاخذة لا مطلق الآثار، و لو سلّم فالمرفوع هو الآثار الشرعية لا العقلية و لا الشرعية المترتّبة عليها، و القضاء من آثار عدم موافقة المأتي به للمأمور به و هو أمر عقلي كما في «مصباح الفقيه». «1» و في «المستمسك»: «إنّ حديث الرفع لا يصلح لإثبات الصحّة لأنّه نافٍ لا مثبت». «2»

أقول: المتمسّك بحديث الرفع في المقام إمّا أن يتمسّك بقوله: «ما استكرهوا» أو

______________________________

(1) مصباح الفقيه 14: 462- 464.

(2) مستمسك العروة الوثقى 8: 319.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 223

..........

______________________________

يتمسّك بقوله: «ما لا يعلمون» «1» فعلى الأوّل فله أن يقول: إنّ الفعل المكره عليه مرفوع باعتبار حكمه الشرعي أعني المفطرية و إذا ارتفع مفطرية هذا الفعل ترتّب عليه صحّة الصوم قهراً، إذ الفرض اشتماله على النيّة و سائر ما يعتبر فيه فلا يبقى وجه لتوهّم القضاء. و على الثاني يقول: إنّ مفطرية هذا الفعل الواقع قهراً مشكوك فيه فترفع، و المفطرية أثر شرعي قابل للرفع. غاية الأمر أنّ الحكم على الأوّل واقعي ثانوي و على الثاني ظاهري. فالمقام نظير رفع الجزئية المشكوكة، حيث إنّها ترفع بحديث الرفع و يترتّب عليه صحّة العمل؛ و لا يرد عليه: أنّ حديث الرفع نافٍ لا مثبت، إذ يقال: إنّ الإثبات بنفس الدليل الاولى لا بحديث الرفع.

بالجملة: فكلّما تقول و تختار في رفع الأجزاء و الشروط المشكوكة يجري في المقام أيضاً بلا تفاوت، هذا.

و لكن نقول: إنّ المفطرية ليست مجعولة بجعل مستقلّ و إنّما المجعول شرعاً في باب الصوم وجوب تكليفي متعلّق بنفس الصوم كما يدلّ عليه قوله تعالى: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيٰامُ». «2» غاية الأمر: أنّ الصوم طبيعة

مركّبة من إمساكات عديدة بيّنها الشارع، و حيث إنّ الواجب هذه الطبيعة المركّبة فلا محالة ينتزع من تعلّق الوجوب بها عنوان المفطرية عن كلّ واحد ممّا يضرّ بتحقّق المركّب، فعنوان المفطرية كعنوان المبطلية و الناقضية و المضرّية عنوان انتزاعي لم يتعلّق به جعل شرعي فلا تقبل الرفع مستقلًاّ.

______________________________

(1) التوحيد: 353/ 24؛ الخصال: 417/ 9؛ وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1 و 2.

(2) البقرة (2): 183.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 224

..........

______________________________

نعم، يمكن رفع الأمر الانتزاعي برفع منشأ انتزاعه إذا كان شرعياً، و لذا نقول في باب الإجزاء و الشروط: إنّ نفس الجزئية لا تقبل الرفع مستقلًاّ، و لكن رفع منشأ انتزاعه أعني الوجوب التكليفي المتعلّق بالكلّ. و إن شئت فقل: الوجوب الضمني الانبساطي ممكن و برفعه يرتفع الجزئية قهراً.

و لكن هذا البيان لا يجري في المقام بالنسبة إلى قوله: «رفع ما استكرهوا»، حيث إنّ الوجوب الضمني تعلّق بترك الأكل مثلًا و الترك ليس مستكرهاً عليه و إنّما الإكراه وقع على الفعل و هو ليس متعلّقاً للوجوب. و بالجملة: فما اكره عليه ليس بذي حكم شرعي و ما تعلّق به الحكم الشرعي ليس بمكره عليه.

نعم، لو صحّ التمسّك في المقام بقوله: «رفع ما لا يعلمون» لم يجر هذا الإشكال، إذ وجوب ترك الأكل الواقع قهراً بالوجوب الضمني مشكوك فيه فيرفع و برفعه يرتفع عنوان المفطرية، و لكنّ الظاهر عدم صحّة التمسك به في المقام، إذ الأصل لا يزاحم الدليل؛ و قد مرّ أنّ إطلاقات أدلّة المفطرات تقتضي مفطريتها في حال الإكراه أيضاً.

فتلخّص من ذلك عدم صحّة الاستدلال في المقام بحديث الرفع إذ المرفوع يجب أن يكون حكماً شرعياً أعني مجعولًا

بجعل الشارع و المفطرية ليست كذلك فيبقى إطلاقات الأدلّة الأوّلية، و مقتضاها بطلان الصوم لعدم تحقّق ماهيته و صيرورته منتقضة بإرادته و اختياره، هذا.

و ربما يؤيّد البطلان في المقام بما دلّ على ثبوت القضاء فيمن أفطر تقيّة بتقريب:

أنّ الإكراه و التقيّة من وادٍ واحد بل التقيّة أولى بالصحّة، و سيأتي حكم التقيّة عن قريب، فانتظر.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 225

[إذا أكل ناسياً فظنّ فساد صومه فأفطر عامداً]

(مسألة 1): إذا أكل ناسياً فظنّ فساد صومه فأفطر عامداً بطل صومه، (4) و كذا لو أكل بتخيّل أنّ صومه مندوب يجوز إبطاله فذكر أنّه واجب.

[حكم الإفطار عن تقيّة]

(مسألة 2): إذا أفطر تقيّة من ظالم بطل صومه. (5)

______________________________

(4) هذا بناءً على بطلان صوم الجاهل واضح، و قد عرفت أنّ البطلان في الجاهل مقتضى القاعدة الأوّلية، و أمّا بناءً على إلحاقه بالناسي فربما يشكل بكون المقام أيضاً من مصاديق الجاهل.

فإن قلت: القاعدة تقتضي البطلان خرجنا عنها بمقتضى موثّق زرارة و أبي بصير «1» و موردها الجهل بالمفطرية مع العلم بالصوم و المقام عكس ذلك.

قلت: مضافاً إلى إمكان ادّعاء تنقيح المناط يمكن ادّعاء شمول الرواية بمنطوقها للمقام أيضاً إذ بعد ظنّ فساد صومه لا يأتي بالمفطر إلّا و هو يرى أنّه حلال له، اللهمّ إلّا أن يدّعى انصرافها عن مثل الفرض، فتأمّل.

حكم الإفطار عن تقيّة

(5) الاحتمالات في المسألة متعدّدة:

الأوّل: اختيار الصحّة مطلقاً و يستدلّ عليها مضافاً إلى حديث الرفع- بناءً على كون التقيّة أيضاً من مصاديق الإكراه، غاية الأمر كون التوعيد فيها تقديرياً يقرب من الفعلية- بروايات كثيرة ادّعوا دلالتها على صحّة العمل الصادر عن تقيّة.

فمنها: قوله في رواية الأعجمي: «و التقيّة في كلّ شي ء إلّا في النبيذ و المسح على

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 208/ 603؛ وسائل الشيعة 10: 53، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 9، الحديث 12.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 226

..........

______________________________

الخفّين»، «1» و نحو ذلك قوله: في صحيحة زرارة قال: قلت له في مسح الخفين تقيّة، فقال: «ثلاثة لا أتّقي فيهنّ أحداً، شرب المسكر و مسح الخفّين و متعة الحجّ»، «2» فإنّ استثناء المسح على الخفّين يدلّ على شمول المستثنى منه للأحكام الوضعية،

إذ ليس للمسح على الخفّين حرمة تكليفية و عدم كون الاستثناء، معمولًا به لا يضرّ بالاستدلال.

و منها: رواية الفضلاء الأربعة، «3» قالوا: سمعنا أبا جعفر عليه السلام يقول: «التقيّة في كلّ شي ء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّٰه له»، «4» بناءً على كون المراد بالحلّ مطلق رفع المنع- سواء كان منعاً تكليفياً أو وضعياً و نظير ذلك الجواز الوارد في رواية مسعدة. «5»

و منها: ما رواه الكليني، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي الصباح، قال: و اللّٰه لقد قال لي جعفر بن محمّد عليه السلام: «إنّ اللّٰه علّم نبيّه التنزيل و التأويل، فعلّمه رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم عليّاً، قال: و علّمنا و اللّٰه» ثمّ قال: «ما صنعتم من شي ء أو حلفتم عليه من يمين في تقيّة فأنتم

______________________________

(1) الكافي 2: 217/ 2؛ وسائل الشيعة 16: 215، كتاب الأمر و النهي، أبواب الأمر و النهي، الباب 25، الحديث 3.

(2) الكافي 3: 32/ 2؛ وسائل الشيعة 1: 457، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 38، الحديث 1 و 16: 215، كتاب الأمر و النهي، أبواب الأمر و النهي، الباب 25، الحديث 5.

(3) و هم: إسماعيل الجعفي و معمر بن يحيى بن سام و محمّد بن مسلم و زرارة.

(4) الكافي 2: 220/ 18؛ وسائل الشيعة 16: 214، كتاب الأمر و النهي، أبواب الأمر و النهي، الباب 25، الحديث 2.

(5) الكافي 2: 168/ 1؛ وسائل الشيعة 16: 216، كتاب الأمر و النهي، أبواب الأمر و النهي، الباب 25، الحديث 6.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 227

..........

______________________________

منه في سعة»، «1» إذ ترتّب المفطرية و

القضاء على ما صدر تقيّة يخالف السعة.

و منها: ما رواه أيضاً عنه، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، قال: سألته عن رجل كان يصلّي فخرج الإمام و قد صلّى الرجل ركعة من صلاة فريضة، قال: «إن كان إماماً عدلًا فليصلّ اخرى فينصرف و يجعلهما تطوّعاً و ليدخل مع الإمام في صلاته كما هو و إن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو و يصلّي ركعة اخرى معه و يجلس قدر ما يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللّٰه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله. ثمّ ليتمّ صلاته معه على ما استطاع فإنّ التقيّة واسعة و ليس شي ء من التقيّة إلّا و صاحبها مأجور عليها إن شاء اللّٰه». «2» و رواه الشيخ عن محمّد بن يعقوب، «3» حيث إتمامه لصلاته على ما استطاع يستلزم غالباً نقض بعض الأجزاء كما لا يخفى. و بهذه الروايات يستدلّ على صحّة العمل الصادر عن تقيّة في جميع الأبواب.

الثاني: اختيار البطلان مطلقاً لإطلاق الروايات الواردة في بيان المفطرات و إطلاق كلماتهم أيضاً بعد أنّ الفعل صدر عنه عن علم و إرادة و لصحّة سلب ماهية الصوم بمعنى الإمساك عن مثله، و الاستدلال بحديث الرفع قد مرّ ما فيه، و الروايات المذكورة يمكن الخدشة في دلالتها على رفع الحكم الوضعي، هذا. مضافاً إلى مرسل رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام الوارد في دخوله على أبي العباس في يوم جعلوه عيداً و إفطاره معه، قال عليه السلام: «فأكلت معه و أنا أعلم و اللّٰه أنّه يوم من شهر رمضان،

______________________________

(1) الكافي 7: 442/ 15؛ تهذيب الأحكام 8: 286/ 1052؛ وسائل الشيعة 23:

224، كتاب الأيمان، الباب 12، الحديث 2.

(2) الكافي 3: 380/ 7؛ وسائل الشيعة 8: 405، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 56، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 3: 51/ 177.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 228

..........

______________________________

فكان إفطاري يوماً و قضاؤه أيسر عليّ من أن يضرب عنقي و لا يعبد اللّٰه»، «1» بل و مرسل داود بن الحصين أيضاً حيث عبّر فيه بالإفطار، فراجع. «2»

الثالث: التفصيل بين ما إذا كان العمل موافقاً لمذهبهم من حيث الحكم الكلّي كما إذا استعمل ما ليس مفطراً عندهم كالارتماس و نحوه و بين ما إذا كان موافقاً لهم في الموضوع الخارجي كالإفطار في يوم جعلوه عيداً فيحكم بالصحّة في القسم الأوّل فقط بمقتضى ما مرّ في الروايات بعد ادّعاء انصرافها عن القسم الثاني، و يحكم في الثاني بالبطلان بمقتضى الإطلاقات مضافاً إلى المرسلتين المشار إليهما.

اللهمّ إلّا أن يرجع القسم الثاني أيضاً إلى الاختلاف في الحكم الكلّي فيرجع إلى الاختلاف في المذهب كما إذا كان الحكم بالتعييد ناشئاً من قولهم بحجّية البيّنة و إن لم تكن عادلة فيرجع النزاع بالأخرة إلى أنّ العدالة هل تشترط في البيّنة أم لا؟

الرابع: التفصيل بين ما إذا كان مقتضى التقيّة تأدية العمل موافقاً لهم، و بين ما إذا كان مقتضاها تركه رأساً بأن يقال: إنّ الظاهر من الروايات السابقة كفاية العمل الناقص من جهة التقيّة عن العمل التامّ، و أمّا في صورة الإفطار في يوم العيد فالتقيّة عنهم و موافقتهم إنّما تتحقّق بترك الصوم.

و بعبارة اخرى: صحّة العمل إنّما تتمشى فيما إذا اتّقى في كيفيته لا فيما إذا اقتضى التقيّة تركه رأساً، كما في مثال التعييد، و هذا من غير فرق بين ما إذا رجع القسم الثاني

إلى النزاع في الحكم الكلّي أم لا.

الخامس: أن يقال: إنّ مقتضى الروايات السابقة كون الناس في سعة من ناحية

______________________________

(1) الكافي 4: 83/ 7؛ وسائل الشيعة 10: 132، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 57، الحديث 5.

(2) الكافي 4: 83/ 9؛ وسائل الشيعة 10: 131، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 57، الحديث 4.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 229

..........

______________________________

إلقاء المخالفين مطلقاً، فحينئذٍ كان وظيفته في يوم جعلوه عيداً أن يصوم فنواه و أمسك عن جميع المفطرات إلّا أنّه ارتكب واحداً منها عن تقيّة فإطلاق السعة في مثل رواية أبي الصباح «1» يقتضي عدم مفطريته و عدم القضاء.

و بالجملة: فمقتضى الروايات اختيار الاحتمال الأوّل إلّا أنّه يجب أن تخصّص بسبب المرسلتين «2» و موردهما صورة تعييدهم مع العلم بالخلاف فيقتصر في التخصيص على خصوص المورد. و هذا الوجه مقتضى ما اختاره الاستاذ الخميني مدّ ظلّه في حاشيته، فراجع. «3»

السادس: أن يفصل بين الحكم الكلّي و بين الموضوع سواء كان موضوعاً خارجياً كمثال التعييد أو كلّياً كالإفطار عند سقوط القرص، حيث يفسّرون الغروب بالاستتار بتقريب: أنّ دينيّة التقيّة لا تشمل إلّا صورة النزاع في الحكم دون الموضوع مطلقاً و قد جعل في «الجواهر» التعميم مقتضى الاحتياط. «4»

و لكن يرد عليه: أنّ النزاع في الموضوع الكلّي يرجع إلى الدين و المذهب كما لا يخفى، و نظير ذلك الاختلاف في المسح على الخفّ و في جزئية البسملة، هذا.

و ما يقوى عاجلًا في النظر هو الوجه الأوّل فإنّه مقتضى الروايات و لا سيّما مثل رواية أبي الصباح بعد طرح المرسلتين لإرسالهما، و يشهد لذلك رواية أبي الجارود «5»

______________________________

(1) الكافي 7: 442/ 15؛ تهذيب الأحكام 8: 286/ 1052؛ وسائل الشيعة 23:

224، كتاب الأيمان، الباب 12، الحديث 2.

(2) الكافي 4: 83/ 7 و 9؛ وسائل الشيعة 10: 131- 132، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 57، الحديث 4 و 5.

(3) العروة الوثقى 3: 583- 584.

(4) جواهر الكلام 16: 260.

(5) تهذيب الأحكام 4: 317/ 966؛ وسائل الشيعة 10: 133، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 57، الحديث 7.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 230

[إذا كانت اللقمة في فمه و أراد بلعها لنسيان الصوم]

(مسألة 3): إذا كانت اللقمة في فمه و أراد بلعها لنسيان الصوم فتذكّر، وجب إخراجها، و إن بلعها مع إمكان إلقائها بطل صومه، (6) بل يجب الكفّارة أيضاً، و كذا لو كان مشغولًا بالأكل فتبيّن طلوع الفجر.

[إذا دخل الذباب أو البقّ أو الدخان في حلقه]

(مسألة 4) إذا دخل الذباب أو البقّ أو الدخان الغليظ أو الغبار في حلقه من غير اختياره لم يبطل صومه، و إن أمكن إخراجه وجب و لو وصل (7) إلى مخرج الخاء.

______________________________

بل خلّاد بن عمّارة «1» أيضاً، و إن بنى على عدم طرح المرسلتين، فالأقوى هو الوجه الخامس، فتدبّر جيّداً. و عليك بمراجعة حواشي «العروة» «2» في المقام.

(6) لصدق الأكل متعمّداً و هو واضح، و وجه عنوان المسألة توهّم كون الأكل مركّباً من وضع اللقمة في الفم ثمّ بلعها، و المفروض في المقام تحقّق الجزء الأوّل عن نسيان، فلم يتحقّق الأكل بأجمعه عن اختيار و لا يخفى بطلانه.

(7) في «المستمسك»: «لحرمة أكله في نفسه». «3»

أقول: قد مرّ من المصنّف في المسألة 75 فيما إذا ابتلع شيئاً سهواً أنّه: إن تذكّر بعد الوصول إلى الحلق فلا يجب إخراجه، فنظر الحكيم رحمه الله في «المستمسك» إلى رفع التهافت بين كلامي المصنّف في المسألتين؛ مع أنّه يرد على ذلك:

أوّلًا: إطلاق موضوع البحث في المسألتين فيشملان بإطلاقهما للمحلّل و المحرّم.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 317/ 965؛ وسائل الشيعة 10: 132، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 57، الحديث 6.

(2) العروة الوثقى 3: 582- 584.

(3) مستمسك العروة الوثقى 8: 311.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 231

[إذا غلب على الصائم العطش]

(مسألة 5): إذا غلب على الصائم العطش؛ بحيث خاف من الهلاك، يجوز (8) له أن يشرب الماء مقتصراً (9) على مقدار الضرورة،

______________________________

و ثانياً: إنّ متعلّق الحرمة في مسألة حرمة الأكل و في مسألة المفطرية واحد و هو الأكل فإن كان الوصول إلى الحلق موجباً لعدم صدق عنوان الأكل بعده كان لازم ذلك عدم الحرمة و عدم المفطرية، و إن لم يكن موجباً لذلك كان

مقتضاه حرمة الأكل في نفسه و المفطرية فالتفكيك بين المسألتين مع اتّحاد الموضوع بلا وجه.

و ثالثاً: إنّ الحقّ صدق الأكل بالبلع و الإدخال في الجوف و لو كان وصل إلى الحلق و لو سلّم عدم صدق عنوان الأكل أيضاً، فلنا تنقيح المناط و الحكم بأنّ المضرّ إدخال شي ء في الجوف من طريق الحلق، و يظهر ذلك من تعبيرات كثير من القدماء حيث يظهر منهم أنّ المفطر إيصال شي ء إلى الجوف مطلقاً أو من خصوص الحلق، فتدبّر.

(8) لوجوب حفظ النفس مضافاً إلى موثّق عمّار و خبر المفضّل. اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ الظاهر كون موثّق عمّار «1» في مقام بيان حكم من به مرض العطاش لا من عطش من باب الاتّفاق، فتأمّل و راجع الباب 15 و 16 من أبواب من يصحّ منه الصوم من «الوسائل». «2»

(9) كما هو المستفاد من الخبرين و يدلّ ذلك على وجوب الإمساك إلى الليل أيضاً.

______________________________

(1) الكافي 4: 117/ 6؛ وسائل الشيعة 10: 214، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 16، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 209- 215، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 15 و 16.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 232

و لكن يفسد (10) صومه بذلك، و يجب عليه الإمساك بقيّة النهار إذا كان في شهر رمضان، و أمّا في غيره من الواجب الموسّع و المعيّن فلا يجب (11) الإمساك، و إن كان أحوط في الواجب المعيّن.

[لا يجوز للصائم أن يذهب إلى المكان الذي يعلم اضطراره فيه]

(مسألة 6): لا يجوز للصائم أن يذهب إلى المكان الذي يعلم اضطراره فيه إلى الإفطار بإكراهٍ أو إيجارٍ (12) في حلقه أو نحو ذلك، و يبطل صومه لو ذهب و صار مضطرّاً و لو كان بنحو الإيجار،

______________________________

(10) قيل لاستعمال

المفطر اختياراً.

أقول: لعلّ المتبادر بدواً من الخبرين صحّة الصوم لا الفساد. اللهمّ إلّا أن يحمل خبر عمّار على ذي العطاش كما مرّ، فيبقى خبر المفضّل، «1» فيقال: إنّ الظاهر من سؤال السائل فيه منافاة الشرب للصوم حيث قال: لا يقدرون على الصيام، و الإمام عليه السلام لم يردعه عن ذلك، فتأمّل.

و كيف كان: ففي نفسي من بطلان الصوم في المسألة شي ء، حيث إنّ المتبادر من الخبرين بدواً جواز الشرب بمقدار يرتفع به الهلاك مع بقاء الصوم على ما هو عليه و إلّا لتعرّض الإمام عليه السلام لبطلانه و ثبوت القضاء.

(11) لانصراف الخبرين و لا سيّما الثاني إلى صوم رمضان فلا يبقى دليل لوجوب الإمساك في غيره و الأصل البراءة.

(12) ربما يستشكل في ذلك بأنّ الإيجار غير مفطر فالعمد إليه ليس عمداً إلى

______________________________

(1) الكافي 4: 117/ 7؛ تهذيب الأحكام 4: 240/ 703؛ وسائل الشيعة 10: 214، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 2.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 233

بل لا يبعد بطلانه بمجرّد القصد (13) إلى ذلك، فإنّه كالقصد للإفطار.

[إذا نسي فجامع لم يبطل صومه]

(مسألة 7): إذا نسي فجامع لم يبطل صومه، و إن تذكّر في الأثناء وجب المبادرة إلى الإخراج، و إلّا وجب عليه القضاء و الكفّارة.

______________________________

المفطر كما إذا علم بأنّه إذا نام يحتلم.

أقول: يمكن أن يقال: إنّه لا يصدق على مثل هذا الشخص أنّه اجتنب الطعام و الشراب- الدالّ على اعتباره صحيحة محمّد بن مسلم «1»- كيف! و إلّا لزم صحّة صوم من جعل في فمه شيئاً في الليل، بل في النهار اختياراً مع العلم بأنّه يدخل الجوف قهراً بلا اختيار منه لذلك و لا يمكن الالتزام به، فتأمّل.

(13) أقول: قد مرّ منّا الإشكال في بطلان

الصوم بصرف نيّة المفطر، بل نيّة الإفطار أيضاً، فراجع.

______________________________

(1) الفقيه 2: 67/ 276؛ تهذيب الأحكام 4: 189/ 535 و 202/ 584 و 318/ 971؛ وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 234

[فصل: في امور لا بأس بها للصائم]

اشارة

فصل: [في امور لا بأس بها للصائم]

لا بأس للصائم بمصّ (1) الخاتم أو الحصى، و لا بمضغ الطعام للصبيّ، و لا بزقّ

حكم مضغ الطعام

______________________________

(1) للأصل و عموم الحصر في صحيحة محمّد بن مسلم، «1» مضافاً إلى الأخبار الخاصّة، فراجع الباب 37 و 38 و 40 من «الوسائل». «2»

نعم، في مصحّح سعيد الأعرج، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصائم أ يذوق الشي ء و لا يبلعه، قال: «لا». «3» و في «المستمسك» حمله على الكراهة «4» جمعاً، و لكن في «التهذيب» قال: «هذه الرواية محمولة على من لا يكون به حاجة إلى

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 189/ 535 و 202/ 584 و 318/ 971؛ الفقيه 2: 67/ 276؛ وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 10: 105 و 108 و 109، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 37 و 38 و 40.

(3) تهذيب الأحكام 4: 312/ 943؛ الكافي 4: 115/ 4؛ وسائل الشيعة 10: 106، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 37، الحديث 2.

(4) مستمسك العروة الوثقى 8: 327.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 235

..........

______________________________

ذلك، و الرخصة إنّما وردت في ذلك لصاحبة الصبيّ أو الطبّاخ الذي يخاف فساد طعامها و من عنده طائر إن لم يزقه هلك، فأمّا من هو مستغن عن جميع ذلك فلا يجوز له أن يذوق الطعام»، «1» انتهى.

قال في «المستمسك»: «لا شاهد على هذا الحمل». «2»

أقول: المتتبّع في روايات الجواز يجد أنّ المذكور فيها عنوان الطبّاخ و المرأة التي لها الصبيّ أو الطير، و لا محالة لهما حاجة عرفية إلى المضغ أو الذوق غالباً، و هذا بخلاف رواية

الأعرج، حيث لم يذكر فيها هذه العناوين الملازمة للحاجة العرفية فحمل الشيخ ليس ببعيد، و يشهد لذلك رواية علي بن جعفر عن أخيه أيضاً، قال:

سألته عن الصائم يذوق الشراب و الطعام يجد طعمه في حلقه، قال: «لا يفعل»، قلت:

فإن فعل فما عليه؟ قال: «لا شي ء عليه و لا يعود». «3»

نعم، ليس نفس المضغ أو الذوق محرّماً نفسيّاً بلا ريب فلا محالة يجب أن يكون إرشاداً إلى فساد صومه بذلك إن تعقّبه الدخول في الجوف و لو كان قهراً و يقع فساده على فرض تحقّقه عصياناً حيث لم يجتنب عمّا كان يجب عليه اجتنابه.

و قوله في رواية علي بن جعفر عليهما السلام: «لا يعود» أيضاً إرشاد إلى ذلك و إلّا فلو فرض عدم بطلان الصوم بسبب دخوله في الجوف قهراً لم يكن وجه لمنع العود إليه، فتأمّل.

إذ لأحد أن يقول: إنّ ذلك يوجب الإضرار بكمال الصوم لا بأصل طبيعته،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 312، ذيل الحديث 943.

(2) مستمسك العروة الوثقى 8: 327.

(3) تهذيب الأحكام 4: 325/ 1004؛ وسائل الشيعة 10: 106، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 37، الحديث 5.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 236

الطائر، و لا بذوق المرق و نحو ذلك؛ ممّا لا يتعدّى إلى الحلق، و لا يبطل صومه إذا اتّفق (2) التعدّي؛ إذا كان من غير قصد و لا علم بأنّه يتعدّى قهراً أو نسياناً،

______________________________

و الصوم مقول بالتشكيك، و الواجب أصل طبيعته و مرتبته الكاملة تتحقّق باجتناب جميع المحرّمات و المكروهات، مضافاً إلى المفطرات المعهودة. فلعلّ النهي هنا تنزيهي من جهة أنّ الدخول في الجوف قهراً أيضاً يضرّ بالمرتبة الكاملة من الصوم فنهى عمّا هو معرض لذلك.

(2) أقول: لأحد أن يستشكل في

ذلك و لا سيّما بالنسبة إلى ما لم يكن لحاجة عرفية لما أشرنا إليه آنفاً من حمل النهي في رواية الأعرج و رواية علي بن جعفر على الإرشاد إلى الفساد، و يشهد لذلك الأخبار المفصّلة بين المضمضة للوضوء و بين المضمضة لغيرها حيث دلّت على البطلان في الثانية و أفتى بها الأصحاب بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه، و سيأتي في محلّه تفصيله، و حمل غير الماء على الماء ليس بقياس، بل لعلّه من مصاديق تنقيح المناط القطعي.

فيصير المحصّل: أنّ العمل من المضمضة أو ذوق المرق أو مضغ الطعام إن وقع لحاجة عرفية اقتضته أو حاجة شرعية كما في مضمضة الوضوء فلا بأس بارتكابه، و لا محالة لا يستعقب دخوله في الجوف قهراً للفساد أيضاً لعدم الاختيار، و إن وقع بلا حاجة شرعية أو عرفية و استعقب الدخول في الجوف، صدق عليه عرفاً أنّه لم يجتنب الخصال التي كان عليه اجتنابه فيفسد صومه و يقع فساده عصياناً أيضاً.

ثمّ لو سلّم منع العصيان و الحرمة في المضمضة الواقعة عبثاً و قلنا بعدم الملازمة بين الفساد و بين الحرمة، كان لنا في المقام أيضاً اختيار الفساد، لما

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 237

أمّا مع العلم بذلك من الأوّل فيدخل في الإفطار العمدي، و كذا لا بأس بمضغ العلك (3)

______________________________

أشرنا إليه من تنقيح المناط.

و في «المنتهى»: «مسألة: لو أدخل فمه شيئاً و ابتلعه سهواً فإن كان لغرض صحيح فلا قضاء عليه و إلّا وجب القضاء، و لو تمضمض فابتلع الماء سهواً فإن كان للتبرّد فعليه القضاء و إن كان للصلاة فلا شي ء عليه»، «1» انتهى.

و فيما ذكره أيضاً تأييد لما ذكرناه، و إن كان الالتزام بذلك في السهو مشكل،

فإنّه مخالف لأخبار الإفطار عن نسيان، فتدبّر جيّداً.

حكم مضغ العلك

(3) في «النهاية»: «و لا يجوز للصائم مضغ العلك و لا بأس أن يمصّ الخاتم و الخرزة و ما أشبههما». «2»

و في «المبسوط»: «و يكره استجلابه (الريق) بما له طعم و يجري مجرى ذلك العلك (و) كالكندر و ما أشبهه، و ليس ذلك بمفطر في بعض الروايات و في بعضها أنّه يفطر و هو الاحتياط». «3»

و في «الشرائع»: «الخامس ما له طعم كالعلك، قيل: يفسد الصوم، و قيل: لا يفسد و هو الأشبه»، «4» هذا.

______________________________

(1) منتهى المطلب 9: 92.

(2) النهاية: 157.

(3) المبسوط 1: 273.

(4) شرائع الإسلام 1: 193.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 238

..........

______________________________

أمّا أخبار المسألة:

الاولى: حسنة الحلبي أو صحيحته عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: قلت: الصائم يمضغ العلك، قال: «لا». «1»

الثانية: رواية أبي بصير عنه عليه السلام، قال: سألته عن الصائم يمضغ العلك، قال:

«نعم، إن شاء». «2»

الثالثة: صحيحة محمّد بن مسلم، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «يا محمّد إيّاك أن تمضغ علكاً فإني مضغت اليوم علكاً و أنا صائم فوجدت في نفسي منه شيئاً». «3»

و في «المستمسك» تبعاً «للجواهر» حمل الاولى على الكراهة «4» بقرينة الأخيرتين مضافاً إلى دلالة للأصل و عموم قوله: «لا يضرّ الصائم ...» «5» على الجواز.

أقول: الظاهر التفصيل بين ما إذا وجد طعمه و بين غيره و الاعتبار أيضاً يساعده و به يجمع بين الحديثين الأوّلين و يجعل الثالث شاهداً له، إذ ظاهر التحذير التحريم إرشاداً و عمل الإمام عليه السلام كان بتخيّل عدم وجدان طعمه، و بعد وجدانه حذّر منه، هذا. مضافاً إلى ضعف الرواية الثانية و العرف المسامح أيضاً يجد في نفسه أنّ تغيّر

______________________________

(1) الكافي 4: 114/

1؛ وسائل الشيعة 10: 105، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 36، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 4: 324/ 1002؛ وسائل الشيعة 10: 105، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 36، الحديث 3.

(3) الكافي 4: 114/ 2؛ وسائل الشيعة 10: 104، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 36، الحديث 1.

(4) راجع: مستمسك العروة الوثقى 8: 327؛ جواهر الكلام 16: 261.

(5) تهذيب الأحكام 4: 189/ 535 و 202/ 584 و 318/ 971؛ الفقيه 2: 67/ 276؛ وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 239

و لا ببلع ريقه بعده و إن وجد (4) له طعماً فيه؛ ما لم يكن ذلك بتفتّت أجزاء منه، بل كان لأجل المجاورة، و كذا لا بأس بجلوسه (5) في الماء ما لم يرتمس؛

______________________________

طعم الريق إنّما يكون بتفتت الأجزاء فيصدق أنّه لم يجتنب الطعام بالمعنى الشامل لمثل العلك، و مع وجدان الطعم لا يصدق الاستهلاك عرفاً، و من الغريب عن مثل العلّامة أنّه حكى في «المختلف» عن الشيخ أنّه استدلّ على المنع بامتناع انتقال الأعراض فيكون الطعم بتفتت الأجزاء، ثمّ أجاب عنه: «بمنع من التخلّل، بل الريق ينفعل بكيفية ذي الطعم». «1»

أقول: ما ذكره العلّامة فاسد عقلًا و في المقام العرف أيضاً يتوجّه بأنّ الطعم للعلك لا للريق فالحقّ ما ذكرناه من التفصيل، و به تشهد أخبار الباب فيكون في صورة التفتت و البلع مبطلًا و إن لم يدلّ عبارة «النهاية» «2» على الإبطال، حيث لم يذكره في عداد ما يوجب القضاء و الكفّارة و القضاء فقط، فتدبّر.

(4) مرّ أنّ الظاهر هو البطلان حينئذٍ.

(5) بلا خلاف

للأصل و عموم قوله: «لا يضرّ» و صحيحتا محمّد بن مسلم و الحلبي «3» و خبرا حنّان بن سدير و ابن راشد «4» المتضمّنة لجواز استنقاع الصائم

______________________________

(1) مختلف الشيعة 3: 288، المسألة 37.

(2) النهاية: 157.

(3) الكافي 4: 106/ 3 و 1؛ تهذيب الأحكام 4: 203/ 587؛ وسائل الشيعة 10: 36 و 37، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 2 و 7.

(4) الفقيه 2: 71/ 307؛ الكافي 4: 113/ 5؛ وسائل الشيعة 10: 37، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 5 و 6.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 240

رجلًا كان أو امرأة (6)

______________________________

في الماء، فراجع.

جلوس المرأة في الماء

(6) نسب المشهور و لكن في «المقنعة»: «و لا تقعد المرأة إذا كانت صائمة في الماء فإنّها تحمله بقبلها». «1»

و في «المراسم»: «و إذا قعدت النساء في الماء إلى أوساطهنّ فوصل الماء إلى أجوافهنّ فعليهنّ القضاء». «2»

و في «الغنية» (في عداد ما يوجب القضاء و الكفّارة معاً): «و تعمّده الارتماس في الماء إن كان رجلًا و إن كان امرأة فجلوسها فيه إلى وسطها، كلّ ذلك بدليل الإجماع الماضي ذكره». «3»

و في «المختلف» (بعد نقل عبارة المقنعة): «و قال أبو الصلاح: يجب به القضاء خاصّة، و قال ابن البرّاج: يجب به القضاء و الكفّارة معاً إذا تعمّدت و المعتمد الأوّل». «4»

و في «الوسائل» عن «الفقيه» بإسناده عن حنّان بن سدير أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصائم يستنقع في الماء، قال: «لا بأس و لكن لا ينغمس و المرأة لا تستنقع في الماء

______________________________

(1) المقنعة: 356.

(2) المراسم: 98.

(3) غنية النزوع 1: 138.

(4) مختلف الشيعة 3: 288، المسألة 38.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 241

..........

______________________________

لأنّها تحمل الماء بقبلها». «1» و رواه عن الكليني و الشيخ «2» أيضاً، و سند الصدوق إلى حنّان صحيح، و حنّان و إن رماه الشيخ بالوقف «3» و لكنّه وثّقه، «4» هذا. مضافاً إلى كونه كثير الرواية و نقل الأكابر عنه. و على هذا فيشكل الإفتاء بجواز استنقاعها في الماء، إذ الحديث يدلّ على المنع و أفتى به جماعة أيضاً بحيث لا يمكن أن يحكم بكونه معرضاً عنه.

و في «الغنية» ادّعى الإجماع عليه، «5» و ليس في قباله ما يدلّ على الجواز حتّى يحمل النهي على الكراهة، إذ الموضوع في أخبار الجواز لفظ الصائم، و هو و إن كان يحمل على الأعمّ من الرجل و المرأة في أكثر الموارد، و لكنّه بإلقاء الخصوصية، و لا يجوز إلقائها مع احتمال الخصوصية كما في المقام حيث صرّح بها في خبر حنّان، حيث سئل فيه أوّلًا عن الصائم فأجاب بالجواز ثمّ ذكر حكم المرأة، و الظاهر أنّ التعليل في الحديث من قبيل الحكمة لا العلّة فإنّها لا تنكشف للغالب، و مثلها لا تذكر علّة يدور الحكم مدارها، بل هذا نظير ما ينقدح في الأذهان من كون الحكمة في جعل الارتماس مفطراً كونه مظنّة لدخول الماء في الجوف.

و ممّا ذكرنا يظهر ضعف ما في «المستمسك»: «من إعراض المشهور و قصور الدلالة من جهة التعليل»، «6» فتدبّر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 37، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 6.

(2) راجع: الكافي 4: 106/ 5؛ تهذيب الأحكام 4: 263/ 789؛ الفقيه 2: 71/ 307؛ علل الشرائع: 388/ 1.

(3) اختيار معرفة الرجال: 555/ 1049؛ رجال طوسي: 193/ 2404 و 334/ 4974.

(4) راجع لوثاقته: معالم العلماء: 80؛ خلاصة الأقوال: 341

و 342؛ جامع الرواة 1: 264 و 286.

(5) غنية النزوع 1: 138.

(6) مستمسك العروة الوثقى 8: 328.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 242

و إن كان يكره لها ذلك، و لا ببلّ الثوب (7) و وضعه على الجسد

______________________________

و كيف كان: فالأحوط اجتناب المرأة عن الاستنقاع. نعم، هنا بحث و هو أنّ المذكور في الأحاديث لفظ «الاستنقاع» و قد فسّر في اللغة بالدخول في الماء و المكث فيه «1» فيشمل بإطلاقه للمكث قائماً أيضاً و المذكور في الفتاوى السابقة لفظ الجلوس مع أنّ الظاهر من تعبيراتهم الاعتماد على خبر حنّان، فهل كان لفظ الاستنقاع عندهم ممّا اشرب فيه معنى الجلوس أو اعتبروه بدليل آخر؟ فتتبّع.

حكم بلّ الثوب و السواك

(7) بلا خلاف للأصل و عموم قوله: «لا يضرّ» و النهي في الروايات ابن سنان و الصيقل و ابن راشد «2» حمل على الكراهة، بدليل عدم الإفتاء بحرمته من أحد، و بما في صحيحة محمّد بن مسلم «3» من تجويز أن يتبرّد الصائم بالثوب، فتأمّل.

إذ لأحد أن يفرّق بين بلّ الثوب على الجسد و بين التبرّد به، إذ الثاني يصدق على ما بعد العصر الحجاز في خبر ابن سنان أيضاً فيصير مقتضى الجمع بين الأخبار عدم الجواز قبل عصر الثوب و الجواز بعده، و الذي يسهّل الخطب ما أشرنا إليه من عدم إفتاء أحد منهم بالحرمة مع استفاضة الروايات، فتدبّر.

______________________________

(1) راجع: العين 1: 171؛ الصحاح 3: 1294؛ لسان العرب 14: 265.

(2) الكافي 4: 106/ 4 و 6؛ و 113/ 5؛ تهذيب الأحكام 4: 209/ 606؛ وسائل الشيعة 10: 36- 38، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 3 و 4 و 5 و 10.

(3) الكافي 4: 106/ 3؛ وسائل الشيعة

10: 36، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 2.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 243

و لا بالسواك باليابس، (8) بل بالرطب (9) أيضاً، لكن إذا أخرج المسواك من فمه لا يردّه و عليه رطوبة، و إلّا كانت كالرطوبة الخارجية لا يجوز بلعها إلّا بعد الاستهلاك في الريق،

______________________________

(8) بلا خلاف بل الإجماع بقسميه عليه كما في «الجواهر»، «1» و يدلّ عليه الأصل و العموم المتقدّم و النصوص المستفيضة.

(9) عند الأكثر بل عن «المنتهى»: أنّه قول علمائنا أجمع، كذا في «الجواهر». «2»

أقول: قال في «الخلاف»: «لا يكره السواك للصائم على كلّ حال، و به قال أبو حنيفة. و قال الشافعي يكره بعد الزوال و لا يكره قبله، دليلنا: الأخبار المروية في فضل السواك ...». «3»

و في «التذكرة»: «و قال أحمد: يكره بالرطب مطلقاً و يكره باليابس بعد الزوال، و به قال ابن عمر و عطاء و مجاهد و الأوزاعي و إسحاق و قتادة و الشعبي و الحكم». «4»

و في «المختلف»: «قال الشيخ: لا بأس بالسواك أوّل النهار و آخره بالرطب و اليابس و هو قول الصدوق ابن بابويه و الشيخ المفيد، و قال ابن أبي عقيل: لا بأس بالسواك للصائم في أوّل النهار و آخره و لا يستاك بالعود الرطب». «5»

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 262.

(2) جواهر الكلام 16: 262؛ راجع: منتهى المطلب 9: 92.

(3) الخلاف 2: 220، المسألة 82.

(4) تذكرة الفقهاء 6: 36.

(5) مختلف الشيعة 3: 294، المسألة 45.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 244

..........

______________________________

و في «النهاية»: «و لا بأس بالسواك للصائم بالرطب منه و اليابس و إن كان يابساً فلا بأس أن يبلّه أيضاً بالماء و ليحفظ نفسه من ابتلاع ما يحصل في فيه

من رطوبته»، «1» انتهى.

فيعلم ممّا ذكر: أنّ السواك كان مبحوثاً عنه بين العامّة فبعضهم كرهه بعد الزوال مطلقاً و بعضهم كره الرطب مطلقاً و اليابس بعد الزوال و التعبيرات المختلفة في أخبارنا ناظرة إلى منع هذه التفاصيل، فراجع الباب 28 من «الوسائل». «2»

و بالنسبة إلى السواك الرطب الأخبار مختلفة فبعضها متضمّن للنهي عنه و في بعضها أنّه لا بأس به و أخبار النهي يحتمل الحمل على الكراهة كما يحتمل الحمل على التقيّة و الثاني قريب جدّاً و لا سيّما بملاحظة خبر 4 و 15 من الباب، حيث يظهر منهما التعرّض لما يقوله العامّة مع أنّهم لم يقولوا بالحرمة، بل بالكراهة كما عرفت، فيظهر من الخبرين منع الكراهة أيضاً، هذا.

و لكن لأحد أن يقول: إنّ أخبار النهي عن الرطب مستفيضة و أمّا ما دلّ على عدم البأس به بخصوصه فثلاثة: رواية موسى بن أبي الحسن الرازي «3» و الحسين بن علوان «4» و الحلبي «5» و الأوّل مجهول و الثاني عامّي و الثالث معارض بالنقل الآخر

______________________________

(1) النهاية: 156.

(2) وسائل الشيعة 10: 82، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 28.

(3) تهذيب الأحكام 4: 263/ 788؛ وسائل الشيعة 10: 83، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 28، الحديث 4.

(4) قرب الإسناد: 89/ 297؛ وسائل الشيعة 10: 86، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 28، الحديث 15.

(5) تهذيب الأحكام 4: 262/ 782؛ وسائل الشيعة 10: 83، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 28، الحديث 3.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 245

و كذا لا بأس بمصّ لسان (10) الصبيّ أو الزوجة إذا لم يكن عليه رطوبة، (11) و لا بتقبيلها (12) أو

ضمّها أو نحو ذلك.

______________________________

عنه أعني خبر العاشر «1» و الظاهر كونهما خبر واحداً مختلفاً في النقل لوحدة السائل و المسئول و المسئول عنه تقريباً فتسقط كلاهما عن الحجّية فيبقى سائر أخبار النهي بلا معارض فالكراهة تثبت بلا ريب، فتأمّل.

و أمّا الحرمة فمفروغ العدم و عليه الاتّفاق، و كلام ابن أبي عقيل «2» أيضاً لا يدلّ على الحرمة و إطلاقات أخبار الجواز مع كونها في مقام البيان أيضاً ينفيها، فتدبّر.

(10) للأصل و العموم و الأخبار الخاصّة، فراجع الباب 34 «3» و حكم الصبيّ يعلم من حكم الزوجة و الزوج بإلقاء الخصوصية.

(11) و لا حدثت بالمصّ و أخبار الجواز و إن كانت مطلقة و لكنّ الظاهر كونها في مقام بيان حكم مجرد المصّ فلا تدلّ على جواز ابتلاع رطوبة فم الغير. اللهمّ إلّا أن يستظهر جواز ابتلاعها بالملازمة العرفية إذ عدم الرطوبة و عدم حدوثها مجرّد فرض، فجواز المصّ يلازم جواز ابتلاعها، فتدبّر.

(12) للأصل و العموم و الأخبار الخاصّة، فراجع الباب 33 و 34. «4» نعم، يشترط في جوازها أن يثق من نفسه أن لا يسبقه منيّه كما سيأتي.

______________________________

(1) و هو رواية الحلبي، راجع: وسائل الشيعة 10: 84، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 28، الحديث 10.

(2) مختلف الشيعة 3: 294، المسألة 45.

(3) وسائل الشيعة 10: 102، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 34.

(4) وسائل الشيعة 10: 97- 102، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 33 و 34.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 246

[إذا امتزج بريقه دم و استهلك فيه]

(مسألة 1): إذا امتزج بريقه دم و استهلك فيه يجوز بلعه على الأقوى، و كذا غير الدم من المحرّمات و المحلّلات، و الظاهر عدم جواز (13) تعمّد المزج

و الاستهلاك للبلع؛ سواء كان مثل الدم و نحوه من المحرّمات أو الماء و نحوه من المحلّلات، فما ذكرنا من الجواز إنّما هو إذا كان ذلك على وجه الاتّفاق.

______________________________

(13) قيل: إنّه إذا فرض جواز البلع بعد الاستهلاك كان المنع عنه بعد تعمّد الاستهلاك غير ظاهر الوجه.

أقول: يمكن أن يقال: إنّ من تعمّد المزج و الاستهلاك ليبلع بعدهما يصدق عليه عرفاً أنّه لم يجتنب الطعام و الشراب فإنّ هذا من طرق أكل الأشياء القليلة عند العرف، بل صدق عنوان الاستهلاك أيضاً مع القصد غير ظاهر، فالأحوط الاجتناب، فتدبّر.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 247

[فصل: فيما يكره للصائم]

فصل: [فيما يكره للصائم]

يكره للصائم امور (1): أحدها: مباشرة النساء لمساً و تقبيلًا و ملاعبةً، خصوصاً لمن تتحرّك شهوته بذلك، بشرط أن لا يقصد الإنزال، و لا كان من عادته (2)، و إلّا حرم إذا كان في الصوم الواجب المعيّن (3).

الثاني: الاكتحال بما فيه صبر أو مسك أو نحوهما ممّا يصل طعمه أو رائحته إلى الحلق، و كذا ذرّ مثل ذلك في العين.

الثالث: دخول الحمّام إذا خشي منه الضعف.

الرابع: إخراج الدم المضعف بحجامة أو غيرها، و إذا علم بأدائه إلى الإغماء المبطل للصوم حرم، بل لا يبعد كراهة كلّ فعل يورث الضعف أو هيجان المرّة.

الخامس: السعوط مع عدم العلم بوصوله إلى الحلق، و إلّا فلا يجوز على الأقوى.

______________________________

(1) أصل الكراهة أو إطلاقها في بعضها قابل للمناقشة.

(2) بل يثق بعدم سبق المني.

(3) أو قضاء رمضان بعد الزوال.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 248

السادس: شمّ الرياحين خصوصاً النرجس، و المراد بها كلّ نبت طيّب الريح.

السابع: بلّ الثوب على الجسد.

الثامن: جلوس المرأة في الماء، بل الأحوط لها تركه (4).

التاسع: الحقنة بالجامد.

العاشر: قلع الضرس، بل مطلق إدماء الفم.

الحادي

عشر: السواك بالعود الرطب.

الثاني عشر: المضمضة عبثاً، و كذا إدخال شي ء آخر في الفم لا لغرض صحيح.

الثالث عشر: إنشاد الشعر و لا يبعد اختصاصه بغير المراثي، أو المشتمل على المطالب الحقّة (5) من دون إغراق، أو مدح الأئمّة عليهم السلام و إن كان يظهر (6) من بعض الأخبار التعميم.

الرابع عشر: الجدال و المراء و أذى الخادم و المسارعة إلى الحلف و نحو ذلك من المحرّمات و المكروهات في غير حال الصوم فإنّه يشتدّ حرمتها أو كراهتها حاله.

______________________________

(4) لا يترك كما مرّ.

(5) الدينيّة.

(6) بل هو صريح بعضها، كصحيح حمّاد. «1»

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 169، كتاب الصوم، أبواب آداب الصائم، الباب 13، الحديث 2.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 249

[فصل: فيما يوجب الكفّارة]

اشارة

فصل: [فيما يوجب الكفّارة]

المفطرات المذكورة كما أنّها موجبة للقضاء كذلك توجب الكفّارة؛ (1)

لزوم الكفّارة بفعل المفطرات عمداً

______________________________

(1) أخبار الكفّارة كثيرة، فراجع الباب 8 و 10 «1» و كذا أبواب بعض المفطرات كالباب 4 و 16 و 22. «2» و يستفاد من بعضها تعليق حكم الكفّارة على عنوان الإفطار متعمّداً كصحيحة عبد اللّه بن سنان في رجل أفطر من شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر قال: «يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين مسكيناً فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق». «3»

و صحيحة جميل عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سئل عن رجل أفطر يوماً من شهر

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 44- 50 و 53- 55، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم.

(2) وسائل الشيعة 10: 39- 41 و 63- 65 و 69- 70، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم.

(3) الكافي 4: 101- 102/ 1؛ وسائل الشيعة 10: 44، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 1.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 250

..........

______________________________

رمضان متعمّداً، فقال: إنّ رجلًا أتى النبي صلى الله عليه و آله و سلم (و ذكر قصة وقوعه على أهله و حكم النبي صلى الله عليه و آله و سلم بثبوت الكفّارة). «1»

و قوله عليه السلام في خبر المشرقي: «من أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه عتق رقبة مؤمنة و يصوم يوماً بدل يوم»، «2» إلى غير ذلك من الروايات.

و يستفاد من هذه الأخبار ثبوت الكفّارة في كلّ ما صدق عليه عنوان المفطر و لا يتوهّم انصرافه إلى خصوص الأكل و نحوه؛ إذ مضافاً إلى كونه بدوياً يدفعه صحيحة جميل، حيث سئل فيها عن المفطر، فأجاب عليه السلام بما

صدر عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم في حكم الجماع و لم يناقش السائل بعدم ارتباط الجواب بالمسئول عنه فتأمّل، هذا. و لكنّ المذكور بخصوصه في أخبار الكفّارات ستة: الجماع و الإمناء و البقاء على الجنابة و إيصال الغبار إلى الحلق و الأكل و الشرب. و الثلاثة الأخيرة مذكورة في خبر المروزي، «3» و لو سلّم عدم دلالة هذه الرواية على ثبوتها في الأكل و الشرب، فنقول: بأنّهما القدر المتيقّن من العمومات المشار إليها، مضافاً إلى الإجماع و لا سيّما في المتعارف منهما. و كيف كان: فثبوت الكفّارة في الستة المذكورة بلا إشكال و إنّما الإشكال في الأربعة الباقية.

فنقول: أمّا الكذب و الارتماس، فالأقوى أيضاً ثبوتها فيهما لوقوع التعبير

______________________________

(1) الكافي 4: 102/ 2؛ تهذيب الأحكام 4: 206/ 595؛ وسائل الشيعة 10: 45، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 4: 207/ 600؛ وسائل الشيعة 10: 49، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 11.

(3) تهذيب الأحكام 4: 214/ 621؛ وسائل الشيعة 10: 69، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 22، الحديث 1.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 251

..........

______________________________

بالإفطار بالنسبة إليهما في الروايات، فراجع الباب 2. «1» فتصيران من صغريات العمومات المشار إليها، مضافاً إلى اشتهار ثبوتها فيهما بين القدماء من أصحابنا، فراجع ما حرّرناه في البحث عن مفطريتهما.

و أمّا الحقنة، فالدالّ على إبطالها للصوم منطوقاً رواية واحدة، و فيها: «الصائم لا يجوز له أن يحتقن»، «2» و الظاهر منها منافاة الاحتقان للصوم فتكون إرشاداً إلى كونها مبطلة للصوم، و السند صحيح، و الظاهر من الاحتقان خصوص المائع، و عليه أيضاً يحمل

إطلاقات عبائر القدماء مضافاً إلى رواية ابن فضّال الدالّة على التفصيل بين الجامد و المائع. «3»

و كيف كان: فالحقنة تبطل الصوم و لكن لم يعبّر عنها في الأخبار بعنوان الإفطار، و من المحتمل مغايرة عنوان الإفطار للإبطال و الإفساد و نحوهما، و لعلّ المفطر اسم لما يوجب القضاء و الكفّارة معاً لا ما يوجب خصوص القضاء فلا دليل على إيجاب الحقنة للكفّارة، و الأصل يقتضي عدمها.

هذا مضافاً إلى عدم عدّ القدماء من أصحابنا إيّاها في عداد ما يوجب الكفّارة، فراجع «النهاية» و «الغنية» «4» و غيرهما.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ القي ء كما سيجي ء قد عبّر عنه في الروايات بعنوان الإفطار، و مع ذلك لا توجبون فيه الكفّارة فالمفطر لا يختصّ بما يوجب القضاء

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 33، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2.

(2) تهذيب الأحكام 4: 204/ 589؛ الكافي 4: 110/ 3؛ وسائل الشيعة 10: 42، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 5، الحديث 4.

(3) الكافي 4: 110/ 6؛ وسائل الشيعة 10: 41، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 5، الحديث 2.

(4) النهاية: 153- 154؛ غنية النزوع 1: 138.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 252

..........

______________________________

و الكفّارة معاً بل اسم لكلّ ما يبطل الصوم فتصير الحقنة أيضاً مشمولة لعمومات الكفّارة فتأمّل، و عدم ذكر القدماء إيّاها لا يوجب رفع اليد عن العمومات.

و كيف كان: فالأحوط فيها أيضاً الكفّارة.

و أمّا القي ء فالتعبير بالإفطار قد وقع في بعض رواياته، فراجع الباب 29 «1» و لكن يوهن ثبوت الكفّارة فيه عدم تعرّض رواياته مع كثرتها و كونها في مقام البيان إلّا لثبوت القضاء فيه، و في رواية مسعدة «2» تعرّض بعد الحكم بالإعادة للعذاب الاخروي أيضاً،

و مع ذلك لم يتعرّض للكفّارة فيستفاد منها جدّاً عدمها و إنّ المترتّب على مفطريته خصوص القضاء.

و في رواية علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن الرجل يستاك و هو صائم فيقي ء ما عليه؟ قال: «إن كان تقيّأ متعمّداً فعليه قضاؤه ...» الحديث. «3» فمع أنّ السائل سئل عمّا يجب عليه لم يجبه الإمام عليه السلام إلّا بثبوت القضاء على من تعمّده فيظهر منه عدم وجوب غيره. نعم، صحّة كتاب علي بن جعفر غير ظاهرة.

هذا، مع أنّ كثيراً من أخبار المسألة قد تعرّض لحكم من ذرعه القي ء أو بدره أيضاً فيستفاد منها كونها في مقام تعرّض جميع فروض القي ء و أحكامه، و مع ذلك سكتت عن حكم الكفّارة. و كيف كان: فظهور أخبار الباب مع كونها في مقام البيان من كلّ جهة في عدم وجوب غير القضاء بلا إشكال، هذا. مع أنّ القدماء عدّوه في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 86- 89، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 29.

(2) تهذيب الأحكام 4: 264/ 792؛ وسائل الشيعة 10: 88، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 29، الحديث 6.

(3) مسائل علي بن جعفر: 117/ 55؛ وسائل الشيعة 10: 89، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 29، الحديث 10.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 253

إذا كانت مع العمد و الاختيار من غير كره (2) و لا إجبار؛ من غير فرق بين الجميع حتّى الارتماس و الكذب على اللّٰه و على رسوله صلى الله عليه و آله و سلم،

______________________________

عداد ما يوجب القضاء فقط، و في «الغنية» و «الخلاف» ادّعي عليه الإجماع.

ففي «الخلاف»: «إذا تقيّأ متعمّداً وجب عليه القضاء بلا كفّارة فإن ذرعه القي ء فلا

قضاء عليه أيضاً و هو المرويّ عن علي عليه السلام و عبد اللّٰه بن عمر، و به قال أبو حنيفة و الشافعي و مالك و الثوري و أحمد و إسحاق، و قال ابن مسعود و ابن عباس: لا يفطره على حال و إن تعمّد، و قال عطاء و أبو ثور: إن تعمّد القي ء أفطر و عليه القضاء و الكفّارة و إن ذرعه لم يفطر و أجرياه مجرى الأكل عامداً، دليلنا: إجماع الطائفة و الأخبار ...». «1»

و في «الغنية» عدّ الحقنة و تعمّد القي ء في عداد ما يوجب القضاء فقط- إلى أن قال-: «بدليل الإجماع المشار إليه»، «2» هذا. و لكنّ القائل بوجوب الكفّارة يقول لا محالة: بأنّه بعد ما أطلق عليه عنوان المفطر يصير من صغريات العمومات المشار إليها، و عدم تعرّض أخبار المسألة للكفّارة لا يدلّ على نفيها، إذ إثبات شي ء لا يدلّ على نفي غيره و الغفران و العذاب من توابع جميع المحرّمات فلا يدلّ التعرّض لهما أيضاً لنفي الكفّارة، و لعلّ الاستظهار من أخبار المسألة يدرك المدّعين للإجماع فلا اعتبار به، و خبر علي بن جعفر ضعيف. و لكن مع ذلك فالأقوى عندي عدم ثبوت الكفّارة في القي ء، فتدبّر.

(2) لانصراف أدلّتها إلى خصوص صورة الإثم و الذنب.

______________________________

(1) الخلاف 2: 178، المسألة 19.

(2) غنية النزوع 1: 139.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 254

بل و الحقنة و القي ء (3) على الأقوى، نعم الأقوى عدم وجوبها في النوم الثاني من الجنب بعد الانتباه، بل و الثالث؛ و إن كان الأحوط فيها (4) أيضاً ذلك، خصوصاً الثالث، و لا فرق أيضاً في وجوبها بين العالم و الجاهل (5) المقصّر و القاصر على الأحوط و إن كان الأقوى

عدم وجوبها على الجاهل خصوصاً القاصر و المقصّر الغير الملتفت حين الإفطار،

______________________________

(3) على الأحوط وجوباً في الأوّل و استحباباً في الثاني كما مرّ.

(4) لا يترك في النوم الثالث بل و في الثاني أيضاً، بناءً على القول بحرمته، فراجع ما حرّرناه فيهما.

حكم الكفّارة في الجاهل

(5) قد عرفت «1» أنّ الأقوال في الجاهل خمسة بل ستة و خلاصة الكلام في المقام: أنّ أخبار الكفّارة و إطلاقات كلمات القدماء تشمل الجاهل بقسميه أيضاً، و لكنّ القاصر لعدم كونه آثماً ينصرف عنه الأخبار و لو اعتمدنا على موثّق زرارة و أبي بصير «2» السابق لزم الحكم بعدم الكفّارة في المقصّر الغافل و المعتقد بعدم المفطرية أيضاً فيبقى المقصّر المتردّد مشمولًا لعمومات الكفّارة، و إن لم نعتمد على الموثّق بدعوى: عدم إفتاء القدماء بمضمونه و صيرورته موهوناً بذلك، بقي جميع افراد المقصّر تحت العمومات. و كيف كان: فحكم المصنّف بعدم ثبوت الكفّارة في مطلق الجاهل بلا وجه، مع أنّ الظاهر من بعض الأسئلة الواردة في

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 217.

(2) تهذيب الأحكام 4: 208/ 603؛ وسائل الشيعة 10: 53، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 9، الحديث 12.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 255

نعم إذا كان جاهلًا بكون الشي ء مفطراً مع علمه بحرمته- كما إذا لم يعلم أنّ الكذب على اللّٰه و رسوله من المفطرات فارتكبه حال الصوم- فالظاهر لحوقه (6) بالعالم في وجوب الكفّارة.

[كفّارة الصوم]

[كفّارة صوم شهر رمضان]

(مسألة 1): تجب الكفّارة في أربعة أقسام من الصوم:

الأوّل: صوم شهر رمضان، و كفّارته مخيّرة (7) بين العتق و صيام شهرين متتابعين

______________________________

أخبار الكفّارة صورة جهل السائل.

و كيف كان: فالأقوى في القاصر عدم الكفّارة، و الأحوط ثبوتها في المقصّر مطلقاً و لا سيّما في الملتفت المتردّد إن لم نقل بكونها أقوى في هذا الفرض.

(6) لعموم أخبار الكفّارة و عدم دلالة الموثّق المشار إليه على نفيها، إذ بعد العلم بحرمته كما هو المفروض لا يرى أنّه حلال له، فتأمّل.

إذ لأحد أن يقول: إنّ الظاهر من قوله: «و هو لا

يرى إلّا أنّ ذلك حلال له»، هو الحلّية من حيث الصوم و الإحرام لا الحلّية النفسية فيصير المقام أيضاً مشمولًا للموثّق. و كيف كان: فالأحوط هنا ثبوت الكفّارة من غير فرق بين القاصر و المقصّر بعد ما فرض العلم بالحرمة النفسية، فتدبّر.

كفّارة صوم شهر رمضان

(7) كما هو المشهور بيننا و إنّما نسب الترتيب إلى ابن أبي عقيل و السيّد «1» في أحد قوليه فقط.

و في «الانتصار»: «و ممّا ظنّ انفراد الإمامية به القول بأنّ كفّارة الإفطار في شهر

______________________________

(1) راجع: مختلف الشيعة 3: 306، المسألة 54؛ جمل العلم و العمل، ضمن رسائل الشريف المرتضى 3: 55.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 256

..........

______________________________

رمضان على سبيل التعمّد، عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكيناً و أنّها على التخيير لا الترتيب، و قد روي عن مالك التخيير بين هذه الثلاث كما تقول الإمامية، و عند أبي حنيفة و أصحابه و الشافعي أنّها مرتّبة ككفّارة الظهار، و الذي يدلّ على صحّة مذهب الإمامية الإجماع المتكرّر ...». «1»

و المسألة مذكورة في «الخلاف» «2» أيضاً، فراجع.

و يدلّ على التخيير أكثر أخبار الكفّارة.

فمنها: ما ذكر فيها الخصال بلفظة «أو» الظاهرة في التخيير «3» و حملها على التنويع لئلا ينافي الترتيب خلاف الظاهر.

و منها: ما ذكر فيها «الصيام» فقط كخبر المروزي «4» أو «العتق و الإطعام» كمرسلة إبراهيم بن عبد الحميد، «5» أو «الإطعام» فقط ككثير من أخبار الباب 8 «6» و هي كلّها تناسب التخيير، إذ يمكن مع التخيير ذكر بعض أفراده لكونه أسهل مثلًا و حملها على الترتيب يوجب تقييدها بصورة عدم وجدان المرتّب عليه، و ذلك لا يناسب كونها في مقام البيان.

و بالجملة: فأكثر أخبار المسألة ظاهرة في

التخيير و بإزائها خبر عبد المؤمن «7»

______________________________

(1) الانتصار: 196.

(2) الخلاف 2: 186، المسألة 32.

(3) سنذكر بعض رواياتها.

(4) تهذيب الأحكام 4: 212/ 617 و 214/ 621؛ وسائل الشيعة 10: 63 و 69، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 16، الحديث 3 و الباب 22، الحديث 1.

(5) تهذيب الأحكام 4: 212/ 618 و 320/ 982؛ وسائل الشيعة 10: 64، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 16، الحديث 4.

(6) وسائل الشيعة 10: 44- 50، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8.

(7) الفقيه 2: 72/ 309؛ وسائل الشيعة 10: 46- 47، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 5.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 257

و إطعام ستّين مسكيناً على الأقوى؛ و إن كان الأحوط الترتيب، فيختار العتق مع الإمكان و مع العجز عنه فالصيام، و مع العجز عنه فالإطعام، و يجب الجمع (8) بين الخصال إن كان الإفطار على محرّم كأكل المغصوب و شرب الخمر و الجماع المحرّم و نحو ذلك.

______________________________

و علي بن جعفر «1» و لكنّ الطائفة الاولى أكثر و أصحّ سنداً و أوضح دلالة، فيمكن حمل الأخيرة على الاستحباب، و لو سلّم تكافؤهما رجّحنا الاولى بالشهرة و مخالفة أكثر العامّة. و الحاصل أنّ الحقّ في المسألة هو التخيير، فتدبّر.

في كفّارة الجمع

(8) أفتى بذلك الصدوق في «الفقيه» «2» و الشيخ في «التهذيبين» «3» و ابن حمزة في «الوسيلة» «4» و كثير من المتأخّرين، و لكنّ الشيخ لم يتعرّض للفرع في الكتب الفتوائية و لا أحد من القدماء سوى من ذكر.

و يدلّ عليه رواية عبد السلام بن صالح، «5» و لا بأس بسندها و إن نوقش فيه، و كذا ما رواه الصدوق

في «الفقيه» عن العمري رحمه الله قال فيه: و أمّا الخبر الذي روى

______________________________

(1) مسائل علي بن جعفر: 116/ 47؛ وسائل الشيعة 10: 48، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 9.

(2) الفقيه 2: 73/ 317.

(3) تهذيب الأحكام 4: 208، ذيل الحديث 604؛ الاستبصار 2: 97/ 315.

(4) الوسيلة: 146.

(5) تهذيب الأحكام 4: 209/ 605؛ الفقيه 3: 238/ 1128؛ وسائل الشيعة 10: 53- 54، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 10، الحديث 1.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 258

..........

______________________________

فيمن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً أنّ عليه ثلاث كفّارات فإنّي أفتى به فيمن أفطر بجماع محرّم عليه أو بطعام محرّم عليه لوجود (ي) ذلك في روايات أبي الحسين الأسدي رضى الله عنه فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري- قدّس اللّٰه روحه-. «1» و لا يخفى تفاوت نقل «الوسائل» لما نقلناه بمتنه عن «الفقيه» و إن لم يضرّ بالمقصود. «2»

و استدلّ أيضاً برواية سماعة بنقل الشيخ في «التهذيبين» «3» حيث عطف فيها الخصال الثلاث بال «واو»، هذا. و لكن لم يذكر فيها اسم المحرّم و المحلّل مع أنّ الرواية رويت بعينها من «النوادر» بلفظة «أو» «4» و نقطع جدّاً بعدم كونهما روايتين فأحدهما مصحّفة. نعم، يظهر من سؤال عبد السلام في روايته و كذا من قول الصدوق في «الفقيه» أنّه كان في أخبارنا رواية تدلّ على كفّارة الجمع بنحو الإطلاق، و لا يوجد فيما بأيدينا ذلك، فمن المحتمل كونها رواية سماعة، و هذا يؤيّد كونها بال «واو».

و كيف كان: فالدليل على كفّارة الجمع في الإفطار بالمحرّم متقن، و لازمه تقييد المطلقات به، و لكنّ الذي يوهن ذلك عدم

تعرّض القدماء له في كتبهم الفتوائية مع كون رواية عبد السلام بمرآهم، فيمكن أن يتزلزل «الفقيه» في الإفتاء بمضمونها.

نعم، هي موافقة للاحتياط فالأحوط وجوباً العمل بها، فتدبّر.

______________________________

(1) الفقيه 2: 73- 74/ 317.

(2) وسائل الشيعة 10: 55، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 10، الحديث 3.

(3) تهذيب الأحكام 4: 208/ 604؛ الاستبصار 2: 97/ 315.

(4) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 68/ 140؛ وسائل الشيعة 10: 49، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 13.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 259

[كفّارة قضاء شهر رمضان]

الثاني: صوم قضاء (9) شهر رمضان إذا أفطر بعد الزوال، و كفّارته إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ، فإن لم يتمكّن فصوم ثلاثة أيّام، و الأحوط إطعام ستّين مسكيناً.

______________________________

كفّارة قضاء شهر رمضان

(9) هل إفطار القضاء بعد الزوال يوجب الكفّارة أم لا؟ و على الثاني فهل يوجب الكبرى أو الصغرى أعني كفّارة اليمين أو بعض خصالها؟ في المسألة أقوال، ربما تبلغ ثمانية أو تسعة كما في «الجواهر». «1»

الأوّل: عدم وجوب الكفّارة كما عن العمّاني، «2» و عن «المسالك» و «الذخيرة»: «3» أنّ الجمع بين الأخبار يقتضي استحبابها و لا سيّما بملاحظة اختلافها في كيفيتها و وقت ثبوتها.

الثاني: وجوب كفّارة رمضان كما عن الصدوقين. «4»

الثالث: وجوب كفّارة اليمين كما في «المراسم» «5» و نسب إلى بعض اخر «6» أيضاً.

الرابع: تعيّن إطعام عشرة مساكين فإن عجز فصيام ثلاثة أيّام، كما عن المشهور.

الخامس: التخيير بين الإطعام و الصيام كما هو ظاهر «الغنية». «7»

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 265.

(2) راجع: مختلف الشيعة 3: 418- 419، المسألة 134.

(3) مسالك الأفهام 10: 13 و راجع أيضاً 2: 67؛ ذخيرة المعاد: 509/ السطر 17.

(4) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه

السلام: 213؛ المقنع: 200.

(5) المراسم: 187.

(6) السرائر 1: 410.

(7) غنية النزوع 1: 142.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 260

..........

______________________________

السادس: التفصيل بين المفطر المستخفّ و غيره فكفّارة المستخفّ كفّارة رمضان و كفّارة غيره ما عن المشهور و هو مختار ابن حمزة في «الوسيلة» «1» و احتمله الشيخ «2» أيضاً في مقام الجمع بين الأخبار.

السابع: التفصيل بين القضاء عن صوم رمضان، ثبت في إفطاره الكفّارة و بين غيره كما يظهر من عبارة ابن زهرة نسبته إلى بعض. «3» و كيف كان: فلنذكر بعض عبائر الأصحاب:

ففي «الخلاف»: «من أفطر يوماً يقضيه من شهر رمضان بعد الزوال لزمه قضاؤه و كان عليه الكفّارة، و خالف جميع الفقهاء في ذلك، دليلنا: إجماع الفرقة و طريقة الاحتياط». «4»

و في «الانتصار»: «و ممّا انفردت به الإمامية القول بأنّ من نوى من الليل صيام يوم بعينه قضاءً عن شهر رمضان فتعمّد الإفطار فيه لغير عذر، و كان إفطاره بعد الزوال وجب عليه كفّارة، و هي إطعام عشرة مساكين و صيام يوم بدله، و إن لم يقدر على الإطعام أجزأه أن يصوم ثلاثة أيّام عن ذلك، و إن كان إفطاره في هذا اليوم قبل الزوال كان عليه قضاء اليوم و لا كفّارة عليه. و باقي الفقهاء لا يعرفون هذا التفصيل و لا يوجبون هاهنا كفّارة، بل قضاء يوم فقط، و الحجّة لمذهبنا الإجماع الذي يتكرّر و طريقة الاحتياط و براءة الذمّة». «5»

______________________________

(1) الوسيلة: 147.

(2) الاستبصار 2: 121، ذيل الحديث 393.

(3) غنية النزوع 1: 142.

(4) الخلاف 2: 221- 222، المسألة 86.

(5) الانتصار: 195- 196.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 261

..........

______________________________

و في «المقنعة» في الكفّارات: «و إن كان إفطاره فيه (القضاء) بعد الزوال كان عليه كفّارة يمين- إطعام

عشرة مساكين فإن لم يجد صيام ثلاثة أيّام متتابعات- و قضى مكانه يوماً». و في صومها: «فإن أفطر بعد الزوال وجبت عليه الكفّارة و هي إطعام عشرة مساكين و صيام يوم بدله فإن لم يمكنه الإطعام، صام ثلاثة أيّام بدل الإطعام». «1»

و في «المراسم»: «و من عقد صوم قضاء يومٍ من شهر رمضان فأفطر قبل الزوال فلا شي ء عليه و إن أفطر بعده فعليه كفّارة يمين». «2»

و في «النهاية»: «و إن فعل ذلك بعد الزوال قضى ذلك اليوم و كان عليه إطعام عشرة مساكين فإن لم يتمكّن كان عليه صيام ثلاثة أيّام بدلًا من الكفّارة، و قد رويت رواية: «أنّ عليه مثل ما على من أفطر يوماً من شهر رمضان»، «3» و العمل ما قدّمناه و يمكن أن يكون الوجه في هذه الرواية: من أفطر هذا اليوم بعد الزوال استخفافاً بالفرض و تهاوناً به فلزمته هذه الكفّارة عقوبةً و تغليظاً، و من أفطر على غير ذلك الوجه فليس عليه إلّا الأوّل ...». «4»

و في «الغنية»: «و من أفطر في يوم يقضيه عن شهر رمضان قبل الزوال أثم و إن كان بعد الزوال تضاعف إثمه و وجب عليه صيام ثلاثة إيّام أو إطعام عشرة مساكين، كلّ ذلك بدليل الإجماع الماضي ذكره و طريقة الاحتياط، و من أصحابنا من قال: إن كان الإفطار في قضاء وجب لإفطار يجب به الكفّارة لزم فيه مثلها. و قد قدّمنا أنّ

______________________________

(1) المقنعة: 570 و 360.

(2) المراسم: 187.

(3) تهذيب الأحكام 4: 279/ 846؛ وسائل الشيعة 10: 348، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 29، الحديث 3.

(4) النهاية: 164.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 262

..........

______________________________

صوم كفّارة المفطر في شهر رمضان شهران». «1»

و

في «المقنع»: «و إذا قضيت صوم شهر رمضان كنت بالخيار في الإفطار إلى زوال الشمس فإن أفطرت بعد الزوال فعليك الكفّارة مثل ما على من أفطر يوماً من شهر رمضان، و قد روي: أنّ عليه إذا أفطر بعد الزوال إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ من الطعام. فإن لم يقدر عليه، صام يوماً بدل يوم و صام ثلاثة أيّام كفّارة لما فعل»، «2» هذا.

و أمّا أخبار المسألة فثلاث طوائف:

الاولى: ما دلّت على عدم الكفّارة، و هي موثّقة عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان- إلى أن قال-: سئل: فإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس، قال: «لا»، سئل: فإن نوى الصوم ثمّ أفطر بعد ما زالت الشمس، قال: «قد أساء و ليس عليه شي ء إلّا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه». «3» و ظاهرها مخالف للمشهور بل للإجماعات المحكيّة في «الخلاف» و «الانتصار» و «الغنية»، و الشيخ حملها على العاجز عن الكفّارة.

و في «الجواهر» أنّه حملها في «التهذيبين» على نفي العقاب دون الكفّارة. «4»

و في «الجواهر»: أنّ حملها على التقيّة أو نفي القضاء لهذا الصوم و ثبوت قضاء

______________________________

(1) غنية النزوع 1: 142.

(2) المقنع: 200.

(3) تهذيب الأحكام 4: 280/ 847، و صاحب الوسائل أورد صدره في كتاب الصوم 10: 13، أبواب وجوب الصوم و نيّته، الباب 2، الحديث 10 و ذيله في 10: 348، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 29، الحديث 4.

(4) جواهر الكلام 16: 265 و 17: 53 و راجع لكلام الشيخ: تهذيب الأحكام 4: 280، ذيل الحديث 847 و الاستبصار 2: 121/ 394.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 263

..........

______________________________

واحد لرمضان

فقط أولى. «1»

أقول: الاحتمال الأخير ليس ببعيد، إذ الظاهر كون المستثنى منه من سنخ المستثنى كما لا يخفى. و يحتمل أيضاً- و إن كان بعيداً- أن يجعل قوله: «بعد ما زالت الشمس» ظرفاً لقوله: «نوى الصوم» لا لقوله: «أفطر» حيث إنّ المسئول عنه في السؤال الذي قبله هو النيّة بعد الزوال، و الإمام عليه السلام أجابه بالنفي، فسئل ثانياً أنّه لو فرض أنّه نوى الصوم بعد الزوال، و لكنّه أفطره بعد ذلك فأجابه الإمام عليه السلام، و يكون محصّل جوابه أنّه صدر منه تشريع فأساء بذلك، و لكنّه لا يترتّب على هذا الإفطار شي ء حيث لم يتحقّق منه صوم، فتدبّر.

الطائفة الثانية: ما دلّت على وجوب إطعام عشرة مساكين فإن عجز صام ثلاثة أيّام و هي رواية بريد «2» بل و صحيحة هشام «3» أيضاً، بناءً على إرادة الظهر من العصر فيها لاتّحاد وقتهما فيعبّر عن كلّ منها بالآخر أو تحمل على سهو الراوي و إلّا لزم طرحها، إذ لم يفتِ بظاهرها أحد، و الحارث بن محمّد في سند رواية بريد «هو ابن الأحول مؤمن الطاق»، و الشيخ و النجاشي «4» و إن لم يوثّقاه، و لكن لم يغمزا عليه أيضاً، و قد تصدّى الوحيد رحمه الله «5» لإصلاح أمره برواية عدّة من أصحابنا عنه، منهم: الحسن بن محبوب و ابن أبي عمير اللذين هما من أصحاب الإجماع.

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 265.

(2) الكافي 4: 122/ 5؛ الفقيه 2: 96/ 430؛ تهذيب الأحكام 4: 278/ 844؛ وسائل الشيعة 10: 347، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 29، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 4: 279/ 845؛ وسائل الشيعة 10: 347- 348، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب

29، الحديث 2.

(4) اختيار معرفة الرجال: 185/ 324؛ الفهرست: 207/ 9 [594]؛ رجال النجاشي: 325/ 886.

(5) تعليقات على منهج المقال، البهبهاني: 90/ السطر 33 و راجع: منتهى المقال في أحوال الرجال 2: 319.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 264

..........

______________________________

و كيف كان: فالراوي عنه في هذا الخبر هو ابن محبوب و قد تلقى الأصحاب أيضاً هذه الرواية بالقبول، فتدبّر.

الطائفة الثالثة: ما دلّت على وجوب كفّارة رمضان و هي موثّق زرارة «1» و مرسل حفص بن سوقة «2» و مرسل الصدوق «3» و إن كان يحتمل جدّاً كون الأخير نفس الموثّق. و ربما تحمل هذه الطائفة على الاستحباب أو على كون التشبيه فيها ناظراً إلى بيان أصل الكفّارة لا قدرها، فتدبّر، أو على الإفطار مع الاستخفاف كما مرّ عن الشيخ، هذا.

و أمّا كفّارة اليمين أو التخيير بين إطعام العشر و الصيام فلا دليل عليهما في المقام و يظنّ جدّاً أنّ القائل بهما يريد ما مرّ من إطعام العشر و الصيام مرتّباً كما يظهر ذلك من عبارة المفيد في كفّارات «المقنعة» كما مرّ، و يكون المراد بلفظة «أو» في «الغنية» و نحوها التنويع لا التخيير.

و كيف كان: فما دلّ عليه الروايات في المسألة ثلاثة أقوال: عدم الوجوب، و وجوب كفّارة رمضان، و وجوب إطعام العشر، و الصيام مرتّباً، و قد مرّ أنّ الأوّل مخالف للشهرة المحقّقة و الإجماعات المنقولة، أضف إلى ذلك موافقتها للعامّة فالأمر يدور بين الأخيرين و الأقوى هو الأخير لأنّه المشهور أو الأشهر، و لو سلّم

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 279/ 846؛ وسائل الشيعة 10: 348، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 29، الحديث 3.

(2) الكافي 4: 103/ 7؛ وسائل الشيعة 10: 39، كتاب الصوم،

أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 4، الحديث 2.

(3) الفقيه 2: 96/ 431؛ وسائل الشيعة 10: 349، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 29، الحديث 5.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 265

..........

______________________________

التكافؤ كان مقتضى التخيير بين الأخبار المتعارضة كما هو الأقوى جواز اختياره أيضاً، فتدبّر.

ثمّ هل يجب التتابع في الثلاثة أيّام في المقام أم لا؟ مقتضى عبارة «المقنعة» «1» و كذلك من عبّر بكفّارة اليمين وجوبه، و جعله في حاشية الاستاذ الخميني مدّ ظلّه أحوط «2» و غاية ما يمكن أن يستدلّ عليه أمران:

الأوّل: دعوى انصراف الثلاثة إلى الثلاثة المتتابعات.

الثاني: كون الكفّارة في المقام من مصاديق كفّارة اليمين لأنّها من خصالها و لذا عبّر عنها بها في «المقنعة» و «المراسم» «3» فتصير مشمولة للأخبار المستفيضة الحاكمة بلزوم التتابع في كفّارة اليمين. «4»

و في «التذكرة» ما حاصله: كلّ صوم يلزم فيه التتابع إلّا أربعة: صوم النذر المجرّد عن التتابع و ما في معناه من عهد. و يمين وصوم قضاء رمضان. وصوم جزاء الصيد وصوم السبعة في بدل الهدي. و أمّا ما عدا الأربعة كصوم كفّارة الظهار و القتل و الإفطار و اليمين و أذى حلق الرأس و ثلاثة أيّام الهدي فإنّه يجب فيها التتابع ... «5»

هذا، و لكنّ الانصراف بدوي لا يفيد و ما نحن فيه ليس من مصاديق كفّارة اليمين، و لو فرض تعبير القوم بها عنها فلا يدلّ على كون المراد بها في الروايات أيضاً ما يعمّها، و الأصل يقتضي عدم وجوب التتابع و إن كان مع ذلك كلّه موافقاً للاحتياط.

______________________________

(1) المقنعة: 570.

(2) العروة الوثقى 3: 593.

(3) المقنعة: 365؛ المراسم: 187.

(4) راجع: وسائل الشيعة 10: 382- 384، كتاب الصوم، أبواب بقيّة الصوم الواجب،

الباب 10.

(5) تذكرة الفقهاء 6: 222.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 266

[كفّارة خلف نذر الصوم]

الثالث: صوم النذر (10) المعيّن و كفّارته كفّارة إفطار شهر رمضان.

______________________________

كفّارة خلف النذر

(10) الأقوال المحكية في كفّارة النذر ستة:

الأوّل: إنّها ككفّارة شهر رمضان و هو المشهور و في «الانتصار» «1» و «الغنية» «2» بل و «الخلاف» «3» الإجماع عليه كما سيأتي.

الثاني: إنّها ككفّارة اليمين نسب إلى «المقنع» «4» و «النافع» و «المسالك» «5» و لكن سيأتي خلافه عن «المقنع».

الثالث: إنّها كفّارة الظهار كما في عبارة سلّار. «6»

الرابع: التفصيل بين الصوم و غيره فالأوّل كرمضان و الثاني كاليمين و هو اختيار الحلّي «7» و نسبه إلى المرتضى «8» و ابن بابويه، «9» أيضاً، و هو مختار «الوسائل» «10» و به جمع بين الأخبار.

______________________________

(1) الانتصار: 195 و 360.

(2) غنية النزوع 1: 143 و 393.

(3) الخلاف 2: 221، المسألة 84 و 6: 201، المسألة 15.

(4) مختلف الشيعة 8: 235، المسألة 68؛ مسالك الأفهام 10: 21.

(5) المختصر النافع: 208؛ مسالك الأفهام 10: 17- 18.

(6) المراسم: 187.

(7) السرائر 3: 74- 75.

(8) أجوبة المسائل الموصليات الثالثة، ضمن رسائل الشريف المرتضى 1: 246، المسألة 63.

(9) راجع: مختلف الشيعة 8: 235، المسألة 68.

(10)- راجع: وسائل الشيعة 22: 394، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات، الباب 23، ذيل الحديث 8.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 267

..........

______________________________

الخامس: التفصيل بين القادر و العاجز. فالأوّل كالأوّل و الثاني كالثاني اختاره الشيخ «1» في مقام الجمع بين الأخبار.

السادس: التفصيل بينهما أيضاً فالأوّل كالثالث و الثاني كالثاني كما في إحدى كلامي المفيد «2» و نسب إلى الراوندي «3» أيضاً، هذا.

فلنذكر بعض عبائر الأصحاب في المقام. قال في صوم «الخلاف»: «من أفطر يوماً نذر صومه من غير عذر لزمته الكفّارة

و خالف جميع الفقهاء في ذلك. دليلنا:

إجماع الفرقة و طريقة الاحتياط». «4»

و في نذر «الخلاف»: «إذا نذر أن يصوم يوماً بعينه فأفطر من غير عذر وجب عليه قضاؤه و عليه ما على من أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً من الكفّارة و خالف جميع الفقهاء في ذلك، دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم و طريقة الاحتياط». «5»

و في صوم «الانتصار»: «و ممّا انفردت به الإمامية القول بأنّ من نذر صوم يوم بعينه فأفطر لغير عذر وجب عليه قضاؤه و من الكفّارة ما يجب على من أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً بلا عذر، و باقي الفقهاء يخالفون في ذلك و لا يوجبون الكفّارة. و دليلنا: الإجماع المتردّد و طريقة الاحتياط ...». «6»

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 8: 306، ذيل الحديث 1136؛ الاستبصار 4: 55، ذيل الحديث 194.

(2) المقنعة: 362.

(3) فقه القرآن 2: 237.

(4) الخلاف 2: 221، المسألة 84.

(5) الخلاف 6: 201، المسألة 15.

(6) الانتصار: 194- 195.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 268

..........

______________________________

و في نذر «الانتصار»: «و ممّا انفردت به الإمامية أنّ من خالف النذر حتّى فات فعليه كفّارة و هي عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً و هو مخيّر في ذلك فإن تعذّر عليه الجميع كان عليه كفّارة يمين. و خالف باقي الفقهاء في ذلك و لم يوجبوا هذه الكفّارة. دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه: الإجماع المتردّد». «1»

و في صوم «النهاية»: «فمن أفطر في يوم قد نذر صومه متعمّداً وجب عليه ما يجب على من أفطر يوماً من شهر رمضان عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً فإن لم يتمكّن صام ثمانية عشر يوماً أو تصدّق بما تمكّن منه فإن لم

يستطع استغفر اللّٰه و ليس عليه شي ء». «2»

و في كفّارات «النهاية»: «و كفّارة نقض النذور و العهود عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً مخيّراً فيها أيّها شاء فعل فقد أجزأه. و متى عجز عن ذلك كلّه كان عليه صيام ثمانية عشر يوماً فإن لم يقدر على ذلك أطعم عشرة مساكين أو قام بكسوتهم فإن لم يقدر على ذلك تصدّق بما استطاع فإن لم يستطع شيئاً أصلًا استغفر اللّٰه تعالى و لا يعود». «3»

و في صوم «الغنية» (في حكم الصوم النذر و العهد): «فإن أفطر فيما تعيّن و لا مثل له مختاراً، فعليه ما على المفطر في يوم من رمضان من القضاء و الكفّارة». «4»

و في باب اليمين و أخويه منها في حكم العهد: «و متى خالف لزمه عتق رقبة أو

______________________________

(1) الانتصار: 360.

(2) النهاية: 167.

(3) النهاية: 570.

(4) غنية النزوع 1: 143.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 269

..........

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الصوم (للمنتظري)، در يك جلد، انتشارات ارغوان دانش، قم - ايران، اول، 1428 ه ق

كتاب الصوم (للمنتظري)؛ ص: 269

______________________________

صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً مخيّراً في ذلك بدليل الإجماع الماضي ذكره- ثمّ ذكر النذر إلى أن قال- فإن لم يفعل لزمه كفّارة نقض العهد بدليل الإجماع المشار إليه». «1»

و في صوم «المقنعة»: «و من نذر أن يصوم يوماً بعينه فأفطر لغير عذر، وجبت عليه الكفّارة على ما يجب على من أفطر يوماً من شهر رمضان و عليه قضاؤه، فإن أفطر لضعف لحقه لا يمنعه من الصيام غير أنّ ذلك يشقّ عليه وجبت عليه الكفّارة إطعام عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيّام متتابعات و كان عليه القضاء». «2»

و في كفّارات

«المقنعة»: «و كفّارة الخلف في النذر كفّارة الظهار فإن لم يقدر على ذلك كان عليه كفّارة يمين». «3»

و في كفّارات «المراسم»: «و كفّارة خلف النذر كفّارة الظهار- إلى أن قال- فأمّا كفّارة الظهار فمرتّبة». «4»

و في نذر «المقنع»: «فإن خالف لزمته الكفّارة صيام شهرين متتابعين. و روي كفّارة يمين، فإن نذر رجل أن يصوم كلّ سبت أو أحد أو سائر الأيّام فليس له أن يتركه إلّا من علّة و ليس عليه صومه في سفر و لا مرض إلّا أن يكون نوى ذلك فإن أفطر من غير علّة تصدّق مكان كلّ يوم على سبعة (عشرة) مساكين» «5» هذا.

و في «التذكرة»: «و أمّا النذر المعيّن فالمشهور أنّ في إفطاره كفّارة رمضان

______________________________

(1) غنية النزوع 1: 393.

(2) المقنعة: 362.

(3) المقنعة: 569.

(4) المراسم: 187.

(5) المقنع: 409- 410.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 270

..........

______________________________

لمساواته إياه في تعيين الصوم. و ابن أبي عقيل لم يوجب في إفطاره الكفّارة و هو قول العامّة». «1»

و في «المسالك»: «أنّ عبارة «المقنع» عشرة و قال: هو عندي كذلك بخطه الشريف». «2»

و في «المختلف» عن «المقنع»: «كفّارة النذر كفّارة يمين فإن نذر أن يصوم ...». «3»

و لكنّ الموجود في «المقنع» ما ذكرنا، هذا.

و أمّا أخبار المسألة فطائفتان:

الاولى: مصححة عبد الكريم بن عمرو عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عمّن جعل للّٰه عليه أن لا يركب محرّماً سمّاه فركبه قال: و لا أعلمه إلّا قال: «فليعتق رقبة أو ليصم شهرين متتابعين أو ليطعم ستين مسكيناً». «4»

و من الثانية: حسنة الحلبي أو صحيحته عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن قلت: للّٰه عليّ فكفّارة يمين». «5» و رواية حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه عليه

السلام قال: سألته عن كفّارة النذر فقال: «كفّارة النذر كفّارة اليمين ...» «6» الحديث.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 6: 61.

(2) مسالك الأفهام 10: 21.

(3) مختلف الشيعة 8: 235، المسألة 68.

(4) تهذيب الأحكام 8: 314/ 1165؛ وسائل الشيعة 22: 394، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات، الباب 23، الحديث 7.

(5) الفقيه 3: 230/ 1087؛ وسائل الشيعة 22: 392، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات، الباب 23، الحديث 1 و 23: 297، كتاب النذر و العهد، الباب 2، الحديث 5.

(6) الكافي 7: 457/ 13؛ وسائل الشيعة 22: 393، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات، الباب 23، الحديث 4.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 271

..........

______________________________

و أمّا سائر أخبار المسألة فإمّا مجملة أو ذكر فيها خصوص العتق المحتمل لكلتا الكفّارتين، و ربما يجمع كما عرفت بين الطائفتين بحمل الاولى على نذر الصوم و الثانية على غيره، و اختار هذا التفصيل صاحب «الوسائل». «1»

و في «المختلف» عن ابن إدريس عن المرتضى و الصدوق اختياره «2» و الاعتبار العقلي و إن ساعد هذا الجمع، و لكن لا يساعده ظاهر رواية عبد الملك، إذ الظاهر منها كون المنذور غير الصوم كما أنّ جمع الشيخ بين القادر و العاجز «3» أيضاً لا شاهد عليه و إن قيل بكون رواية جميل بن صالح عن أبي الحسن موسى عليه السلام أنّه قال: «كلّ من عجز عن نذر نذره فكفّارته كفّارة يمين» «4» شاهداً عليه؛ إذ مقتضى القاعدة بل الفتاوى أنّ العاجز لا كفّارة عليه و سائر الأقوال و التفاصيل في المسألة أيضاً بلا دليل فالأمر في المسألة يدور بين القولين الأوّلين و عليهما تدلّ الطائفتان من الأخبار، هذا.

و في «المسالك» رجّح الثانية بوجوه:

الأوّل: إنّ رواية الحلبي في أعلى

مراتب الحسن بخلاف الاولى فإنّ عبد الملك بن عمرو لم يذكره النجاشي و لا الشيخ و إنّما ذكره العلّامة و نقل عن الكشي «5» أنّ الصادق عليه السلام قال له: «إنّه يدعو له» و هذا غايته أنّه يقتضي المدح لا التوثيق. قال:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 22: 394، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات، الباب 23، ذيل الحديث 8.

(2) مختلف الشيعة 8: 235، المسألة 68.

(3) تهذيب الأحكام 8: 306، ذيل الحديث 1136؛ الاستبصار 4: 55، ذيل الحديث 194.

(4) الكافي 7: 457/ 17؛ وسائل الشيعة 22: 393، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات، الباب 23، الحديث 5.

(5) رجال العلّامة الحلّي: 206- 207/ 7، انظر: اختيار معرفة الرجال: 389/ 730.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 272

..........

______________________________

و الأولى أن يريدوا بصحّتها توثيق رجال أسنادها إلى عبد الملك.

الثاني: تأييدها برواية حفص بن غياث و هو و إن كان عامّياً إلّا أنّ الشيخ قال:

«إنّ كتابه معتمد عليه». «1»

الثالث: اتّفاق روايات العامّة التي صحّحوها عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و هي و إن لم تكن حجّة إلّا أنّها لا تقصر عن أن تكون مرجّحة.

الرابع: تأييدها بصحيحة علي بن مهزيار، «2» فراجع.

الخامس: أنّ الحكم في الطائفة الثانية وقع بطريق القطع و في الاولى بنحو يظهر منه رائحة التردّد، «3» انتهى.

أقول: الخبر الأوّل مضافاً إلى أنّه صحّحه جماعة من المحقّقين كالعلّامة و ولده و الشهيد كما في «المسالك» قد أفتى به المشهور من قدماء أصحابنا- كما عرفت- انموذجاً من كلماتهم و في «الغنية» و «الانتصار» و «الخلاف» الإجماع عليه، بخلاف الثاني؛ إذ لم يفتِ به أحد منهم و إن حكي عن الصدوق في «المقنع» و لكن عرفت خلافه.

نعم، حكي عن «النافع» و

«المسالك»، فكأنّ الخبر الأوّل مجمع عليه بين أصحابنا المتقدّمين و الثاني شاذ نادر و أوّل المرجّحات في المقبولة «الشهرة الفتوائية» كما حقّقناه في محلّه. «4»

______________________________

(1) الفهرست: 116/ 242.

(2) تهذيب الأحكام 4: 286/ 867؛ وسائل الشيعة 10: 379، كتاب الصوم، أبواب بقيّة الصوم الواجب، الباب 7، الحديث 4.

(3) مسالك الأفهام 10: 19- 21.

(4) نهاية الاصول: 541.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 273

[كفاره صوم الاعتكاف]

الرابع: صوم الاعتكاف (11) و كفّارته مثل كفّارة شهر رمضان مخيّرة بين الخصال،

______________________________

و روايات العامّة لا تصلح للمرجّحية إن لم نقل بكون موافقتها من الموهنات.

هذا. مضافاً إلى أنّ الظاهر من «الخلاف» و «الانتصار» عدم إفتائهم في خلف النذر بالكفّارة أصلًا، و متن رواية علي بن مهزيار في «الوسائل» «سبعة» لا «عشرة». و ربما يحتمل فيها كونها مصحّف «شبعة» بالمعجمة فلا ينافي الستّين، هذا. مضافاً إلى كونها مكاتبة و التعبير بقوله «لا أعلمه» يدلّ على التأكيد و الاحتياط لا الترديد، فالأقوى وفاقاً للمشهور أنّ كفّارة خلف النذر ككفّارة رمضان و إن كان الأحوط اختيار الإطعام من الخصال ليحصل الجمع بين الأخبار عملًا، فتدبّر.

كفّارة صوم الاعتكاف

(11) الاعتكاف لا صوم له. نعم، يشترط فيه الصوم، فإن كان الصوم، ممّا ثبت فيه الكفّارة كشهر رمضان و قضائه و النذر و نحوها ثبت الكفّارة بإفطاره و إلّا فلا.

و هذا لا يرتبط بالاعتكاف و ليس قسماً رابعاً في قبال الثلاثة الاول.

نعم، الجماع في حال الاعتكاف أو إبطاله مطلقاً على الخلاف أيضاً يوجب الكفّارة- ليلًا كان أو نهاراً- و محلّ البحث عنه كتاب الاعتكاف، و لا يرتبط بباب الصوم. و من العجب ذكر المصنّف لذلك و إهماله صوم العهد و اليمين مع ثبوت الكفّارة فيهما و اختلاف الكفّارة في اليمين لما قرّرناه

في النذر.

نعم، كفّارة العهد مثل كفّارة النذر لما ورد فيه من الخبرين بلا معارض، فراجع. «1»

______________________________

(1) راجع: وسائل الشيعة 22: 395، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات، الباب 24، الحديث 1 و 2.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 274

..........

______________________________

و كيف كان: فهل كفّارة الاعتكاف تختصّ بالجماع أو به و بالاستمناء أو تعمّ جميع المبطلات له؟ و هل تختصّ بالاعتكاف الواجب كالمنذور أو اليوم الثالث في جميع الاعتكافات أو تعمّ ما يجوز إبطاله أيضاً كاليومين الأوّلين من المندوب؟ بل و الواجب المطلق بناءً على عدم تعيّنه بالشروع فيه. و هل الكفّارة فيه ككفّارة الظهار أو ككفّارة شهر رمضان؟ لا بدّ من ذكر الأخبار و بعض الأقوال حتّى يظهر الحال.

أمّا الأخبار فمنها:

1- صحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن المعتكف يجامع أهله، قال:

«إذا فعل ذلك فعليه ما على المظاهر». «1»

2- و صحيحة أبي ولّاد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن امرأة كان زوجها غائباً فقدّم و هي معتكفة بإذن زوجها فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها فتهيّأت لزوجها حتّى واقعها فقال: «إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تنقضي ثلاثة أيّام و لم تكن اشترطت في اعتكافها فإنّ عليها ما على المظاهر». «2»

3- و بإزائهما موثّقة سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن معتكف واقع أهله؟

قال: «هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان». «3»

4- و موثّقته الاخرى عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن معتكف واقع أهله، قال: «عليه ما على الذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً: عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكيناً». «4» و الظاهر اتّحاد الموثّقتين لوحدة السائل

______________________________

(1) الفقيه

2: 122/ 532؛ وسائل الشيعة 10: 546، كتاب الاعتكاف، أبواب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 1.

(2) الكافي 4: 177/ 1؛ وسائل الشيعة 10: 548، كتاب الاعتكاف، أبواب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 6.

(3) الفقيه 2: 123/ 534؛ وسائل الشيعة 10: 547، كتاب الاعتكاف، أبواب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 2.

(4) تهذيب الأحكام 4: 292/ 888؛ وسائل الشيعة 10: 547، كتاب الاعتكاف، أبواب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 5.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 275

..........

______________________________

و المسئول و المسئول عنه، و الاولى ملخّص الثانية. و الصدوق كثيراً ما يلخّص الروايات في كتابه، إذ «الفقيه» كتاب الفتوى له، و في كتب الفتوى يلخّص الأخبار، هذا.

و في «الفقيه» بعد نقل صحيحة زرارة، قال: «و قد روى أنّه إن جامع بالليل فعليه كفّارة واحدة و إن جامع بالنهار فعليه كفّارتان. روى ذلك محمّد بن سنان عن عبد الأعلى بن أعين، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل وطء امرأته و هي معتكفة ليلًا في شهر رمضان؟ فقال: «عليه الكفّارة». قال: فقلت: فإن وطءها نهاراً، قال: «عليه كفّارتان». «1» و من الظاهر كون ذلك رواية واحدة و عبارة الصدر توطئة لذكر الرواية لا رواية مستقلّة. و لكن في «الوسائل» نقل عبارة الصدر بعنوان مرسل مستقلّ. «2»

و لا يخفى أنّ مورد الرواية شهر رمضان، فيظهر منها أنّ إحدى الكفّارتين للجماع في الاعتكاف و الاخرى لصوم شهر رمضان و لكن عبارة التوطئة مطلق.

و كيف كان: فالظاهر من الأخبار أنّ الكفّارة لخصوص الجماع و حمل سائر المبطلات عليه قياس كما أنّ إطلاق السؤال فيها بضميمة ترك الاستفصال يشمل الاعتكاف المندوب أيضاً، و لا منافاة بين جواز رفع اليد عنه و بين ثبوت الكفّارة على فرض تحقّق الجماع

قبل رفع اليد عنه أو إبطاله بمبطل آخر مثل الخروج و نحوه.

نعم، قد يقال بدلالة صحيحة أبي ولّاد على الخلاف في كلتا المسألتين بأن يقال:

إنّ الخروج من المسجد بلا عذر مبطل له إجماعاً فالجماع وقع بعد ما بطل

______________________________

(1) الفقيه 2: 122- 123، ذيل الحديث 532 و الحديث 533.

(2) وسائل الشيعة 10: 547، كتاب الاعتكاف، أبواب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 3 و 4.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 276

..........

______________________________

الاعتكاف بالخروج فالكفّارة فيها للخروج لا للوقاع، فيكون الكفّارة ثابتة في غير الجماع أيضاً كما أنّ الظاهر من قوله: «و لم تكن اشترطت» عدم وجوب الكفّارة في الاعتكاف الجائز، إذ فائدة الشرط صيرورة الاعتكاف جائزاً، هذا.

و لكن يمكن الخدشة في البيان الأوّل بأنّ المستفاد من الرواية ثبوت الكفّارة في مفروض السؤال من غير تعرّض لسببها، و من المحتمل تحقّق الكفّارة في الجماع، إذا تحقّق في ضمن ثلاثة أيّام، و إن أبطله قبله بمبطل آخر. نعم، الالتزام بذلك فيما يجوز إبطاله مشكل، و لكن يمكن الالتزام به فيما لا يجوز إبطاله نظير الالتزام بالكفّارة فيما إذا أبطل صوم شهر رمضان بمثل القي ء ثمّ جامع أو أكل. و كيف كان؛ فبعد تمشى الاحتمال لا يمكن الاستدلال بالحديث على ثبوت الكفّارة في غير الجماع و الأصل يقتضي عدمه.

و يمكن الخدشة في البيان الثاني بأنّ الظاهر من الحديث أنّ المرأة خرجت من المسجد معرضةً عن الاعتكاف فالجماع وقع بعد رفع اليد عنه، ففصّل الإمام عليه السلام في هذه الصورة بين من جاز له رفع اليد عنه و بين غيره و أمّا إذا وقع الجماع قبل رفع اليد عنه فمن الممكن أن يوجب الكفّارة و لو في الاعتكاف الجائز، و حينئذٍ فيكون إطلاق

سائر الروايات محكّمة، فتأمّل.

و كيف كان: فالأقوى اختصاص كفّارة الاعتكاف بالجماع، و لا دليل على إلحاق الاستمناء أو سائر المبطلات به.

نعم، لو كان الصوم الواقع حاله ممّا فيه الكفّارة ثبت كفّارة الصوم أيضاً كما دلّ عليه رواية عبد الأعلى «1» أيضاً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 547، كتاب الاعتكاف، أبواب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 4.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 277

..........

______________________________

و الأحوط ثبوت الكفّارة بالجماع و إن كان الاعتكاف ممّا يجوز رفع اليد عنه و إن أفتى بخلاف ذلك في «الشرائع»، «1» فراجع.

و هل الثابت هنا كفّارة الظهار أو شهر رمضان؟

قد عرفت أنّ الظاهر من صحيحتي زرارة و أبي ولّاد الاولى، و من موثّقتي سماعة الثانية، و الاوليان أقوى سنداً و الثانيتان أشهر فتوى، بل يشذّ القائل بالأوّل، بل في «الغنية» «2» و «الانتصار» «3» الإجماع عليه. و الجمع بين الطائفتين بحمل الاولى على الأفضلية كما في «المستمسك» «4» ليس جمعاً عرفياً.

و الأنسب ذكر بعض العبائر.

قال في «الخلاف»: «المعتكف إذا وطء في الفرج نهاراً أو استمنى بأيّ شي ء كان، لزمته كفّارتان و إن فعل ذلك ليلًا لزمته كفّارة واحدة و بطل اعتكافه. و قال الشافعي و أبو حنيفة و مالك و سائر الفقهاء: يبطل اعتكافه و لا كفّارة عليه. و قال الزهري و الحسن البصري: عليه الكفّارة و لم يفصّلوا الليل من النهار، دليلنا: إجماع الفرقة ...». «5»

و في «الانتصار»: «و ممّا انفردت به الإمامية: القول بأنّ المعتكف إذا جامع نهاراً كان عليه كفّارتان، و إذا جامع ليلًا (كان عليه) كفّارة واحدة- إلى أن قال- و الكفّارة هي التي تلزم المجامع نهاراً في شهر رمضان. و باقي الفقهاء يخالفون في ذلك

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 191.

(2) غنية النزوع

1: 147.

(3) الانتصار: 201.

(4) مستمسك العروة الوثقى 8: 351.

(5) الخلاف 2: 238، المسألة 113.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 278

..........

______________________________

و لا يلزمون مفسد اعتكافه شيئاً سوى القضاء- إلى أن قال- دليلنا: الإجماع المتقدّم و طريقة الاحتياط». «1»

و في «الغنية»: «و إذا أفطر المعتكف نهاراً أو جامع ليلًا انفسخ اعتكافه، و وجب عليه استينافه و كفّارة من أفطر يوماً من شهر رمضان بدليل ما قدّمناه في المسألة الاولى (الإجماع و طريقة الاحتياط) و أيضاً قوله تعالى: «وَ لٰا تُبَاشِرُوهُنَّ ...». «2» لأنّه لم يفصّل بين الليل و النهار. و إن جامع نهاراً كان عليه كفّارتان، إحداهما لإفساد الصوم و الاخرى لإفساد الاعتكاف». «3»

و في «المقنعة»: «و من أفطر و هو معتكف لغير عذر أو جامع وجب عليه ما يجب على فاعل ذلك في شهر رمضان متعمّداً بغير علة». «4»

و في «المراسم»: «فمن أفطر في أيّام الاعتكاف أو جامع في نهاره أو ليله فعليه كفّارة إفطار يوم من شهر رمضان». «5»

و في «النهاية»: «فمتى واقع الرجل امرأته و هو معتكف ليلًا، كان عليه ما على من أفطر يوماً من شهر رمضان، من عتق رقبة أو صيام شهرين أو إطعام ستّين مسكيناً و إن كانت مواقعته لها بالنهار في شهر رمضان كان عليه كفّارتان». «6»

______________________________

(1) الانتصار: 201.

(2) البقرة (2): 187.

(3) غنية النزوع 1: 147.

(4) المقنعة: 363.

(5) المراسم: 99.

(6) النهاية: 172.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 279

و لكن الأحوط الترتيب (12) المذكور. هذا، و كفّارة الاعتكاف مختصّة بالجماع فلا تعمّ سائر المفطرات، و الظاهر أنّها لأجل الاعتكاف لا للصوم (13) و لذا تجب في الجماع ليلًا أيضاً، و أمّا ما عدا (14) ذلك من أقسام الصوم فلا كفّارة (15) في إفطاره؛

واجباً كان كالنذر المطلق و الكفّارة، أو مندوباً فإنّه لا كفّارة فيها، و إن أفطر بعد الزوال.

[حكم تكرّر الكفّارة]

(مسألة 2): تتكرّر (16) الكفّارة بتكرّر الموجب في يومين و أزيد من صوم له كفّارة،

______________________________

(12) لا يترك، لدلالة الصحيحتين «1» عليه، و الشهرة و إن كانت على خلافهما و لكن لم تصل إلى حدّ الإعراض عنهما. فتتبّع.

(13) لكن عرفت أنّ الصوم إن كان ممّا فيه كفّارة ثبت كفّارته أيضاً.

(14) سوى الواجب بالعهد أو اليمين.

(15) للأصل بعد عدم الدليل عليها. و عن «المنتهى»: «2» دعوى اتّفاق الفريقين عليه.

حكم تكرّر الكفّارة

(16) كما يقتضيه أصالة عدم تداخل الأسباب المستقلّة، بعد فقدان ما يقتضي التداخل في المقام. و أمّا التمسّك بالإجماع- كما في «الجواهر» «3» و غيره- فبلا وجه بعد عدم كون المسألة معنونة في الكتب الأصلية الموضوعة لنقل المسائل المأثورة، ك «النهاية» و «المقنعة» و «المراسم» و «المقنع» و نحوها. نعم، عنونها الشيخ في «الخلاف» و «المبسوط»، ففي «الخلاف»: «إذا وطء في يوم من شهر

______________________________

(1) الفقيه 2: 123/ 534؛ تهذيب الأحكام 4: 292/ 888؛ وسائل الشيعة 10: 547، كتاب الاعتكاف، أبواب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 2 و 5.

(2) منتهى المطلب 9: 144.

(3) جواهر الكلام 16: 302.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 280

و لا تتكرّر (17) بتكرّره في يوم واحد في غير الجماع و إن تخلّل التكفير بين الموجبين أو اختلف جنس الموجب على الأقوى،

______________________________

رمضان فوجبت الكفّارة فإن وطء في اليوم الثاني فعليه كفّارة اخرى، سواء كفّر عن الأوّل أو لم يكفّر فإن وطء ثلاثين يوماً لزمته ثلاثون كفّارة. و به قال مالك و الشافعي و جميع الفقهاء إلّا أبا حنيفة فإنّه: إن لم يكفّر عن الأوّل فلا كفّارة في الثاني. و

إن كفّر عن الأوّل ففي الثاني روايتان: رواية الاصول أنّ عليه الكفّارة، و روي عنه زفر أنّه لا كفّارة عليه، دليلنا: إجماع الفرقة». «1»

و في «المبسوط»: «و أمّا إذا تكرّر في يومين في رمضان واحد، ففيه الخلاف؛ و لا خلاف بين الفرقة، أنّ ذلك يوجب تكرار الكفّارة سواء كفّر عن الأوّل أو لم يكفّر؛ فأمّا إذا تكرّر ذلك في يوم واحد فليس لأصحابنا فيه نصّ معيّن، و الذي يقتضيه مذهبنا أنّه لا يتكرّر عليه الكفّارة ...». «2»

و كيف كان: فادّعاء الإجماع في المسألة بلا وجه و يجب تتميمها على ما يقتضيه القواعد، و الأصل عدم التداخل، كما حرّر في الاصول، فراجع.

(17) الأقوال في المسألة أربعة:

الأوّل: عدم التكرّر مطلقاً كما عن الشيخ «3» و ابن حمزة «4» و المحقّق «5»

______________________________

(1) الخلاف 2: 192، المسألة 43.

(2) المبسوط 1: 274.

(3) المبسوط 1: 274.

(4) الوسيلة: 146.

(5) شرائع الإسلام 1: 194.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 281

..........

______________________________

و العلّامة «1» و غيرهم.

الثاني: التكرّر مطلقاً كما عن المحقّق الثاني «2» و عن «المسالك» «3» أنّه الأصحّ إن لم يكن سبق الإجماع على خلافه.

الثالث: التفصيل بين الجماع و غيره كما في المتن و نسب إلى المرتضى «4» أيضاً.

الرابع: التفصيل بين ما إذا اختلف السبب أو تخلّل التكفير و بين غير ذلك كما في «المختلف» اختياره.

و لا يخفى أنّ هذه المسألة أيضاً غير معنونة في الكتب الأصلية. فلا يمكن تتميمها بالإجماع أو الشهرة. نعم، ذكرها الشيخ في «المبسوط» و «الخلاف» و قد مرّ عبارة «المبسوط» آنفاً.

و في «الخلاف»: «إذا أفسد الصوم بالوطء ثمّ وطء بعد ذلك مرّة أو مرّات لا يتكرّر عليه الكفّارة و لا أعرف فيه خلافاً بين الفقهاء، بل نصّوا على ما قلناه.

و

ربما قال المرتضى من أصحابنا أنّه يجب عليه بكلّ مرّة كفّارة، دليلنا: أنّ الأصل براءة الذمّة ...». «5»

و كيف كان: فوجه القول الأوّل أنّ الظاهر ترتّب الكفّارة على عنوان إفطار الصوم و هو لا يقبل التكرّر.

و وجه الثاني أوّلًا: أنّ الأصل عدم تداخل الأسباب. و ثانياً: أنّه كما يجب

______________________________

(1) مختلف الشيعة 3: 315، المسألة 61.

(2) جامع المقاصد 3: 70.

(3) مسالك الأفهام 2: 36.

(4) راجع: جواهر الكلام 16: 303.

(5) الخلاف 2: 189- 190، المسألة 38.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 282

و إن كان الأحوط التكرار مع أحد الأمرين، بل الأحوط التكرار مطلقاً، و أمّا الجماع فالأحوط- بل الأقوى- (18) تكريرها بتكرّره.

______________________________

الإمساك الأوّل يجب الثاني فتجب الكفّارة لمخالفته كما تجب لمخالفة الأوّل. و فيه أنّ مفروض البحث في مسألة التداخل صورة قبول السبب للتكرّر، و السبب هنا لا يتكرّر. و لا دليل على أنّ الكفّارة إنّما تجب لمخالفة وجوب الإمساك، بل المستفاد من الأدلّة ترتّبها على إفطار الصوم.

و وجه الثالث: أوّلًا أنّ الكفّارة في الأخبار ترتّب على عنوان الجماع و إتيان الأهل و هذا يقبل التكرّر، و هذا بخلاف سائر المفطرات. و ثانياً: أخبار خاصّة ذكرها في «الوسائل». «1»

و فيه أوّلًا: النقض بالاستمناء، و ثانياً: أنّ الظاهر ترتّب الكفّارة على الجماع بما هو مفطر لا بما هو الجماع في شهر رمضان و إلّا لثبت الكفّارة في جماع المريض و المسافر و نحوهما أيضاً، و ثالثاً: أنّ الخبر الأوّل ضعيف سنداً، و الثاني مرسل، و الثالث عين الخبر الأوّل و قد نقل ملخّصاً مضافاً إلى إرساله.

و وجه الرابع: اختيار هذا التفصيل في مسألة تداخل الأسباب. و فيه مضافاً إلى عدم قبوله في المسألة أنّ المقام- كما مرّ- ليس

من مصاديق تلك المسألة. هذا.

و لكنّ الأحوط في الجماع هو التكرّر، فتدبّر.

(18) لا قوة فيه. نعم، هو أحوط كما مرّ.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 55 و 56، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 11، الحديث 1- 3.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 283

[فروع كفّارة الجمع]

(مسألة 3): لا فرق (19) في الإفطار بالمحرّم الموجب لكفّارة الجمع بين أن تكون الحرمة أصلية كالزنا و شرب الخمر، أو عارضية كالوطئ حال الحيض أو تناول ما يضرّه.

[من الإفطار بالمحرّم: الكذب على اللّٰه]

(مسألة 4): من الإفطار بالمحرّم: الكذب على الهّٰح (20) و على رسوله صلى الله عليه و آله و سلم،

______________________________

فروع كفّارة الجمع

(19) لإطلاق قوله عليه السلام في خبر عبد السلام: «متى جامع حراماً أو أفطر على حرام» «1» و الإطلاق هنا أظهر من إطلاق قول: «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» «2» لما حرم عارضاً كالجلال و نحوه مع عدم تشكيكهم فيه في تلك المسألة فالتشكيك و ادّعاء الانصراف إلى خصوص المحرّمات الأصلية في المقام بلا وجه، فتدبّر.

(20) في حاشية الاستاذ المرحوم البروجردي: «نعم، لكنّ الأقوى فيه عدم وجوب كفّارة الجمع» «3» انتهى. و لم يظهر لي وجه ذلك فإنّ إطلاق حديث عبد السلام و غيره يشمله. و لعلّه قدس سره ظنّ أنّ الحديث ناظر إلى المفطرات التي تنقسم إلى الحلال و الحرام و يتمشى فيه القسمان، و الكذب محرّم محضاً أو أنّ الإفطار في الحديث- بقرينة جعله قسيماً للجماع- ينصرف إلى خصوص الأكل و الشرب فلا دليل على كفّارة الجمع في غير الجماع و الأكل و الشرب.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 209/ 605؛ وسائل الشيعة 10: 54، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 10، الحديث 1.

(2) الكافي 3: 57/ 3 و 406/ 12؛ وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 2 و 3.

(3) العروة الوثقى 3: 594.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 284

بل ابتلاع النخامة إذا قلنا بحرمتها من حيث دخولها في الخبائث، لكنّه مشكل. (21)

[إذا تعذّر بعض الخصال في كفّارة الجمع]

(مسألة 5): إذا تعذّر بعض الخصال في كفّارة الجمع وجب عليه الباقي. (22)

______________________________

و الجواب: أنّ الكذب على اللّٰه قد أطلق عليه في أخباره عنوان الإفطار، و كما جعلته لذلك صغرى لكبريات أدلّة الكفّارة

المعلّق فيها الحكم على عنوان الإفطار، فكذلك يجعل صغرى لما في خبر عبد السلام، و ذكر الإفطار قسيماً للجماع لا يوجب انصرافاً مستقرّاً بحيث يسقط الإطلاق عن الحجّية. و نظر الحديث إلى خصوص ما يتمشى فيه القسمان أيضاً ممنوع.

(21) لعدم ثبوت حرمتها، بل يتعارف بلعها بلا اكتراث من أهل العرف، بل في خبر عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام: «من تنخّع في المسجد ثمّ ردّها في جوفه لم تمرّ بداء في جوفه إلّا أبرأته». «1»

نعم، نخامة الغير منها قطعاً، بل نخامة نفسه أيضاً إذا أخرجها من فمه ثمّ ردّها، هذا. و لكن للبحث عن حرمة الخبائث موضع آخر، فتدبّر.

(22) استشكل على ذلك في «المستمسك» بأنّ «الظاهر من الدليل كون التكليف بالجمع ارتباطياً و مقتضى القاعدة الأوّلية سقوطه بالعجز عنه و لو للعجز عن بعض أجزائه». «2»

أقول: ظاهر قوله في خبر عبد السلام: «فعليه ثلاث كفّارات» «3» أنّ كلّ واحدة

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 3: 256/ 714؛ وسائل الشيعة 5: 223، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المسجد، الباب 20، الحديث 1.

(2) مستمسك العروة الوثقى 8: 356.

(3) تهذيب الأحكام 4: 209/ 605؛ وسائل الشيعة 10: 54، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 10، الحديث 1.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 285

[إذا جامع في يوم واحد مرّات]

(مسألة 6): إذا جامع في يوم واحد مرّات وجب عليه كفّارات (23) بعددها، و إن كان على الوجه المحرّم تعدّد كفّارة الجمع بعددها.

[لأكل في مجلس واحد يعدّ إفطاراً واحداً]

(مسألة 7): الظاهر أنّ الأكل في مجلس واحد يعدّ إفطاراً واحداً (24) و إن تعدّدت اللقم، فلو قلنا بالتكرار مع التكرّر في يوم واحد لا تتكرّر بتعدّدها، و كذا الشرب إذا كان جرعة فجرعة.

[الجماع الواحد إذا أدخل و أخرج مرّات]

(مسألة 8): في الجماع الواحد إذا أدخل و أخرج مرّات لا تتكرّر (25) الكفّارة

______________________________

منها كفّارة بنفسها و هذا ينافي الارتباط، فتدبّر.

(23) على الأحوط كما مرّ في المسألة 2.

(24) أقول: الموضوع للكفّارة على القول بتكرّرها ليس عنوان الإفطار الفعلي و لا عنوان الأكل، بل الموضوع له: «ما به يتحقّق الإفطار شأناً» فيكون معنى قوله:

«أفطر» في أخبار الكفّارة، الإتيان بما شأنه المفطرية، و إن كان المتّصف بها فعلًا الوجود الأوّل فقط، و لا يخفى أنّ كلّ واحدة من اللقم مصداق لهذا الموضوع، و لذا تتّصف بحرمة مستقلّة فليس من أكل اللقم، مثل من أكل لقمة واحدة، بل كلّ لقمة تقع عصياناً على حدة للأمر بوجوب الإمساك. نعم، اللقمة الاولى فقط تقع مفطراً فعلًا.

و الحاصل: أنّ الإفطار الفعلي في المقام واحد لا يقبل التكرّر و ينطبق على اللقمة الاولى، كما أنّ المجموع أكل واحد عرفاً، و لكنّ الموضوع للكفّارة على فرض القول بالتكرّر هو الإتيان بما شأنه المفطرية و هو متعدّد في الفرض، و لذا يتّصف كلّ منها بحرمة على حدة، فتدبّر، هذا. و لكن قد عرفت منّا منع القول بالتكرّر.

(25) إذ الحكم فيه مرتّب على عنوان الجماع لا الإفطار و المجموع يعدّ عرفاً

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 286

و إن كان أحوط.

[إذا أفطر بغير الجماع ثمّ جامع]

(مسألة 9): إذا أفطر بغير الجماع ثمّ جامع بعد ذلك يكفيه التكفير مرّة، (26) و كذا إذا أفطر أوّلًا بالحلال ثمّ أفطر بالحرام تكفيه كفّارة الجمع. (27)

[لو علم أنّه أتى بما يوجب فساد الصوم و تردّد]

(مسألة 10): لو علم أنّه أتى بما يوجب فساد الصوم و تردّد بين ما يوجب القضاء فقط أو يوجب الكفّارة أيضاً لم تجب عليه، (28) و إذا علم أنّه أفطر أيّاماً و لم يدر عددها يجوز له الاقتصار على القدر المعلوم، (29)

______________________________

جماعاً واحداً و بذلك يفترق عن غيره.

(26) هذا لا يصحّ على مذهبه قدس سره حيث اختار التكرّر بالجماع، فإنّ الحكم فيه على ذلك لا يدور مدار عنوان المفطرية، بل نفس عنوان الجماع موضوع مستقلّ للكفّارة مثل عنوان الإفطار. و دعوى اختصاص دليل التكرّر بصورة تكرّر الجماع فقط- فيكون للجماع الأوّل دخلًا في وجوب الكفّارة بالجماع الثاني- واضحة البطلان. نعم، لو انعكس الفرض كان الحكم في محلّه.

(27) و لكن لا تجب إن كان الثاني غير الجماع، لعدم اتّصاف الثاني بوصف المفطرية. نعم، لو انعكس الفرض كان ما ذكر في محلّه.

حكم تردّد الفائت بين الأقلّ و الأكثر

(28) للأصل و لكن يأتي في هذا الفرع أيضاً المناقشة الآتية آنفاً.

(29) في «المستمسك»: «يعني الاقتصار في الكفّارة». «1»

أقول: بل في القضاء و الكفّارة معاً لجريان الأصل. و ربما يقال في أمثال المقام:

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 8: 357.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 287

و إذا شكّ في أنّه أفطر بالمحلّل أو المحرّم كفاه إحدى الخصال، و إذا شكّ في أنّ اليوم الذي أفطره كان من شهر رمضان أو كان من قضائه و قد أفطر قبل الزوال لم تجب عليه الكفّارة، و إن كان قد أفطر بعد الزوال كفاه إطعام ستّين مسكيناً،

______________________________

بوجوب الاحتياط بإتيان الأكثر

إن كان جهله مسبوقاً بالذكر بأن علم عددها ثمّ نسي. بل في «الرسائل»: «إنّ المشهور بين الأصحاب بل المقطوع به من المفيد إلى الشهيد الثاني أنّه لو لم يعلم كمّية ما فات قضى حتّى يظنّ الفراغ منها». و حكى فيها عن «التذكرة» أيضاً: «وجوب القضاء حتّى يظنّ الوفاء» و أنّه نسب فيها احتمال وجوب تحصيل العلم بالوفاء و احتمال الأخذ بالقدر المعلوم إلى الشافعية. و عن الشهيدين «1» و صاحب «الرياض» «2» وجوب تحصيل العلم. «3»

و كيف كان: فغاية ما يمكن أن يستدلّ به للاشتغال في المقام مع أنّه من الشبهة الوجوبية التي توافق فيه الاصولي و الأخباري على البراءة امور ثلاثة ذكرها الشيخ رحمه الله:

الأوّل: ما عن الشيخ البهائي من التفصيل بين صورة النسيان و غيره و حاصل ذلك بتوضيح منّا: إنّ المكلّف حين علم بالفوات صار مكلّفاً بقضاء هذه الفائتة قطعاً، و كذلك الحال في الثانية و الثالثة و هكذا، و مجرد عروض النسيان لا يرفع الحكم الثابت المنجّز. و بعبارة اخرى: الحكم بسبب تعلّق العلم به آناً ما وصل إلى المكلّف

______________________________

(1) ذكرى الشيعة 2: 437- 438؛ المقاصد العلية: 217.

(2) رياض المسائل 4: 289. (في شرح كلام الحلّي رحمه الله: «و لو فاته ما لم يحصه قضى حتّى يغلب الوفاء»).

(3) فرائد الاصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 25: 170 و راجع كلام العلامة رحمه الله في تذكرة الفقهاء 2: 361، المسألة 63.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 288

..........

______________________________

و صار في المرتبة الرابعة منه أعني التنجّز فصار بوجوده ملازماً لاستحقاق العقوبة، و بعد النسيان و إن زال العلم، و لكن احتماله احتمال للتكليف المنجّز الموجب للعقوبة على فرض ثبوته، فلا مجال فيه للبراءة؛ إذ البراءة

إنّما تجري فيما إذا حصل بعد جريانها القطع بعدم العقوبة، و المفروض أنّ التكليف في المقام صار ملازماً لها بسبب وصوله إلى المكلّف.

نعم، إذا حصل للمكلّف علم إجمالي فعلًا باشتغال ذمّته بفوائت لا يعلم عددها كأن علم إجمالًا بوجود خلل في بعض صلواته السابقة لم يجب عليه إلّا الإتيان بالأقل.

الثاني: استصحاب عدم الإتيان بالصلاة المشكوكة في وقتها فيترتّب عليه وجوب القضاء. لا يقال: القضاء ترتّب على الفوت. فإنّه يقال: نعم، و لكنّه ليس أمراً وجودياً، بل هو مجرد الترك و عدم الإتيان.

الثالث: قاعدة الاشتغال بالنسبة إلى الأداء فإنّ القضاء و إن كان بأمر جديد إلّا أنّ ذلك الأمر يكشف عن استمرار مطلوبية المأمور به. غاية الأمر كونه على سبيل تعدّد المطلوب بأن يكون المطلق مطلوباً مطلقاً و الإتيان في الوقت مطلوباً آخر نظير فورية الحجّ و أداء السلم و ردّ الدين و نحوها. «1»

هذا. و لكن يرد على الأخيرين جريان قاعدة الشكّ بعد الوقت و تقدّمه على الاستصحاب. و القاعدة مضافاً إلى منع تعدّد المطلوب، بل الظاهر كون كلّ من الأداء و القضاء تكليفاً مستقلًاّ.

و أمّا الأوّل: فيمكن أن يرد أيضاً بأنّ التنجّز يدور مدار العلم حدوثاً و بقاءً،

______________________________

(1) راجع: فرائد الاصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 25: 172- 174.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 289

بل له الاكتفاء بعشرة مساكين. (30)

[إذا أفطر متعمّداً ثمّ سافر]

(مسألة 11): إذا أفطر متعمّداً ثمّ سافر بعد الزوال لم تسقط عنه الكفّارة بلا إشكال و كذا إذا سافر (31) قبل الزوال للفرار عنها، بل و كذا لو بدا له السفر لا بقصد الفرار على الأقوى، و كذا لو سافر فأفطر قبل الوصول إلى حدّ الترخّص، و أمّا لو أفطر متعمّداً ثمّ عرض له عارض قهري؛

من حيض أو نفاس أو مرض أو جنون أو نحو ذلك من الأعذار، ففي السقوط و عدمه وجهان بل قولان؛ أحوطهما الثاني و أقواهما الأوّل.

______________________________

فبزواله يرتفع التنجّز أيضاً و هي يلتزم القائل، بأنّ النسيان لا يرفع الحكم المنجّز بثبوت العقاب فيما إذا علم بالتكليف و تنجّز في حقّه ثمّ نسي الإتيان به إلى الأبد مع عدم تفريطه في امتثاله؛ و محلّ البحث صورة سعة وقت القضاء و نحوه بحيث لم يتحقّق منه الإثم في تأخيره. فبذلك يعلم أنّ القول بصيرورة التكليف ملازماً للتنجّز و العقوبة- بصرف تعلّق العلم به آناً ما- ممنوع، بل العقوبة و التنجّز يدوران مدار العلم حدوثاً و بقاءً، فتدبّر.

(30) للعلم الإجمالي بوجوب التصدّق على العشرة، تعييناً أو على الستّين تخييراً بينه و بين قسيميه فينحلّ بالعلم التفصيلي بمطلوبية العشرة و الشكّ البدوي بالنسبة إلى غيره و إن كان الأحوط اختيار الستّين.

حكم من أفطر ثمّ سافر

(31) في «الخلاف»: «إذا وطء في أوّل النهار ثمّ مرض أو جنّ في آخره، لزمته الكفّارة و لم تسقط عنه. و للشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه و هو أقيسهما، و الثاني: لا كفّارة عليه و به قال أبو حنيفة. دليلنا: إجماع الفرقة، و أيضاً

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 290

..........

______________________________

قد اشتغلت ذمّته بالكفّارة حين الوطء بلا خلاف و إسقاطها يحتاج إلى دليل». «1»

و في «المبسوط»: «فأمّا من فعل ما يوجب عليه الكفّارة في أوّل النهار ثمّ سافر أو مرض مرضاً يبيح له الإفطار أو حاضت المرأة، فإنّ الكفّارة لا تسقط عنه بحال». «2»

و في «المختلف» فصّل بين ما إذا أوجد الأمر الاختياري كالسفر لإسقاط الكفّارة و بين غيره فأوجب الكفّارة في الأوّل دون غيره، سواء

كان اختيارياً كالسفر، أو قهرياً كالحيض و نحوه. قال لنا: «إنّ هذا اليوم غير واجب صومه عليه في علم اللّٰه و قد انكشف لنا ذلك بتجدّد العذر فلا يجب فيه الكفّارة- إلى أن قال- و الإجماع الذي ادّعاه الشيخ لم يثبت عندنا». «3»

أقول: و الذي ينسبق إلى الذهن عاجلًا عدم الكفّارة مطلقاً، سواء كان مثل السفر و نحوه، أو مثل الحيض و أمثاله، و سواء قصد به الفرار أم لا، إذ الصوم عبارة عن الإمساك من الفجر إلى الليل بنحو الوحدة و الارتباط، و عدم السفر و الحيض و نحوهما شروط للواجب، و الوجوب معاً، كيف! و لو كانت شروطاً للواجب فقط للزم تحصيلها مهما أمكن و الآية الشريفة أيضاً تدلّ على ذلك حيث قال اللّٰه تعالى:

«فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ» «4» فيستفاد منها وجوب صوم الشهر على خصوص من شهده دون المسافر، و المعتبر في الحيض و نحوه عدمها في جميع مدة الصوم، و في مثل السفر عدمه حين الزوال

______________________________

(1) الخلاف 2: 219، المسألة 79.

(2) المبسوط 1: 274.

(3) مختلف الشيعة 3: 318، المسألة 62.

(4) البقرة (2): 185.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 291

[لو أفطر يوم الشكّ ثمّ تبيّن أنّه من شوّال]

(مسألة 12): لو أفطر يوم الشكّ في آخر الشهر، ثمّ تبيّن أنّه من شوّال، فالأقوى (32) سقوط الكفّارة و إن كان الأحوط عدمه، و كذا لو اعتقد أنّه من رمضان ثمّ أفطر متعمّداً فبان أنّه من شوّال، أو اعتقد في يوم الشكّ في أوّل الشهر أنّه من رمضان فبان أنّه من شعبان.

______________________________

بمقتضى الروايات، فمن كان في علم اللّٰه مسافراً حين الزوال أو حائضاً في بعض اليوم ينكشف بذلك عدم توجّه

التكليف بالصوم إليه، إذ الصوم مجموع الإمساكات من الفجر إلى الغروب بنحو الارتباط كما مرّ، و المفروض عدم وجوبه على من لم يكن واجداً لشرائطه المذكورة، و الكفّارة في الروايات مترتّبة على إفطار الصوم لا مطلق الإمساك.

فإن قلت: فعلى ما ذكرت يلزم جواز الإفطار لمن يعلم بتحقّق السفر منه و لو قبل الوصول إلى حدّ الترخّص بل قبل التلبّس بالسفر.

قلت: لعلّ وجوب الإمساك فيه من جهة التأدّب و احترام الشهر، و إجماع الخلاف ليس بحيث ينكشف به صدور هذه الفتوى عن الأئمّة عليهم السلام كيف! و لم يتعرّض للمسألة إلّا في الكتب التفريعية المتأخّرة كما ترى دون مثل «المقنعة» و «المقنع» و «الهداية» و «النهاية» و نحوها.

و بالجملة: فالأقوى على ما يخطر بالبال عاجلًا سقوط الكفّارة و إن كان الأحوط أدائها، رعاية للإجماع المنقول. و أولى بعدم الوجوب المسألة الآتية، إذ المفروض عدم تحقّق إفطار الصوم فيه و عدم كونه من شهر رمضان واقعاً.

(32) مرّ وجهه آنفاً، و يظهر من حاشيتي المرحوم الحجّة رحمه الله عدم الكفّارة في صورتي القطع و الاحتياط في صورة الشكّ، و وجهه غير واضح بل هو غريب، فراجع.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 292

[حكم المستحل للافطار]

(مسألة 13): قد مرّ: (33) أنّ من أفطر في شهر رمضان عالماً عامداً إن كان مستحلًا فهو مرتدّ، بل و كذا إن لم يفطر و لكن كان مستحلًا له، و إن لم يكن مستحلًا عزّر بخمسة و عشرين سوطاً، فإن عاد بعد التعزير عزّر ثانياً، فإن عاد كذلك قتل في الثالثة، و الأحوط قتله في الرابعة.

[حكم الإكراه على الجماع]

(مسألة 14): إذا جامع زوجته في شهر رمضان و هما صائمان مكرهاً لها، كان عليه كفّارتان (34) و تعزيران خمسون سوطاً فيتحمّل عنها الكفّارة و التعزير،

______________________________

(33) مرّ في أوائل الصوم، فراجع. و من جملة روايات المسألة رواية المفضّل الآتية في المسألة التالية.

حكم الإكراه على الجماع

(34) مستند الحكم ما رواه في «الوسائل» عن الكليني، عن علي بن محمّد بن بندار، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن عبد اللّه بن حمّاد، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل أتى امرأته و هو صائم و هي صائمة، فقال: «إن كان استكرهها فعليه كفّارتان، و إن كانت طاوعته فعليه كفّارة و عليها كفّارة، و إن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطاً نصف الحدّ، و إن كانت طاوعته ضرب خمسة و عشرين سوطاً و ضربت خمسة و عشرين سوطاً». «1» و رواه الصدوق بإسناده عن المفضّل بن عمر «2» و رواه الشيخ بإسناده عن الكليني. «3» و في «الفقيه» بعد نقلها: «قال مصنّف

______________________________

(1) الكافي 4: 103/ 9؛ وسائل الشيعة 10: 56، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 12، الحديث 1.

(2) الفقيه 2: 73/ 313.

(3) تهذيب الأحكام 4: 215/ 625.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 293

..........

______________________________

هذا الكتاب: لم أجد ذلك في شي ء من الاصول و إنّما تفرّد بروايته

علي بن إبراهيم بن هاشم».

أقول: و لعلّه سهو، إذ ليس «علي بن إبراهيم» في سند الحديث، ففي مشيخة «الفقيه»: «و ما كان فيه عن المفضّل بن عمر فقد رويته عن محمّد بن الحسن رحمه الله، عن الحسن بن متيل الدقّاق، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر». «1»

و في «المعتبر»: «قال علماؤنا: من أكره امرأته على الجماع عزّر خمسين سوطاً و عليه كفّارتان و لا كفّارة عليها و لا قضاء- إلى أن قال بعد نقل خبر المفضّل-:

و إبراهيم بن إسحاق هذا ضعيف متّهم، و المفضّل بن عمر ضعيف جدّاً، كما ذكر النجاشي. و قال ابن بابويه: لم يرو هذه غير المفضّل فإذن الرواية في غاية الضعف، لكن علماؤنا ادّعوا على ذلك إجماع الإمامية، و مع ظهور القول بها و نسبة الفتوى إلى الأئمّة عليهم السلام يجب العمل بها. و يعلم نسبة الفتوى إلى الأئمّة عليهم السلام باشتهارها بين ناقلي مذهبهم كما يعلم أقوال أرباب المذاهب بنقل اتباعهم مذاهبهم و إن استندت في الأصل إلى الآحاد من الضعفاء و المجاهيل»، «2» انتهى.

و لا يخفى أنّ «إبراهيم بن إسحاق» غير موجود في سند الصدوق و «المفضّل بن عمر» مختلف فيه، فقد وثّقه جماعة و لعلّه الأظهر، فراجع. «3»

و كيف كان: فالمسألة معنونة في كتب القدماء من أصحابنا و ادّعى بعضهم عليها

______________________________

(1) الفقيه، المشيخة 4: 22.

(2) المعتبر 2: 681- 682.

(3) رجال النجاشي: 416/ 1112؛ رجال الطوسي: 344/ 32 [5131] و 366/ 44 [5431]؛ الفهرست: 251/ 5 [758]؛ جامع الرواة 2: 258؛ معجم رجال الحديث 18: 290 [12585].

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 294

..........

______________________________

الإجماع و إن كان الأصل على خلافها.

ففي

«الخلاف»: «يجب بالجماع كفّارتان إحداهما على الرجل و الثانية على المرأة إن كانت مطاوعة له، فإن استكرهها كان عليه كفّارتان. و قال الشافعي في القديم و الامّ: كفّارة واحدة، و عليه أصحابه- إلى أن قال- دليلنا: إجماع الفرقة، فإنّهم لا يختلفون في ذلك». «1»

و في صوم «المقنعة»: «روي أنّ الرجل إذا أكره زوجته على الجماع في شهر رمضان نهاراً وجب عليه كفّارتان و ضرب خمسين سوطاً، فإن أطاعته المرأة وجب على كلّ واحد منهما كفّارة و ضرب خمسة و عشرين سوطاً». «2»

و في صوم «النهاية»: «و متى وطء الرجل امرأته نهاراً في شهر رمضان كان عليهما أيضاً القضاء و الكفّارة إن كانت طاوعته على ذلك، و إن كان أكرهها لم يكن عليها شي ء و كان عليه كفّارتان». «3»

و في حدود «النهاية»: «و من وطء امرأته في شهر رمضان نهاراً متعمّداً، كان عليه خمسة و عشرون سوطاً، و على المرأة أيضاً مثل ذلك إن طاوعته على ذلك فإن كان أكرهها كان عليه خمسون جلدة و عليه كفّارة واحدة، و عليها أيضاً مثل ذلك إن كانت مختارة، فإن كانت مكرهة كان على الرجل كفّارتان». «4»

و في «الوسيلة»: «و إن أكره الزوجة على الجماع وجب عليه كفّارتان و ضرب خمسين سوطاً». «5»

______________________________

(1) الخلاف 2: 182، المسألة 26.

(2) المقنعة: 348.

(3) النهاية: 154.

(4) النهاية: 731.

(5) الوسيلة: 146.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 295

و أمّا إذا طاوعته في الابتداء (35) فعلى كلّ منهما كفّارته و تعزيره،

______________________________

و في «المختلف»: «المشهور أنّ من أكره زوجته على الجماع في نهار رمضان وجب عليه كفّارتان- إلى أن قال- و أمّا وجوب الكفّارة عنها على الزوج لو أكرهها فهو المشهور، و الظاهر أنّ ابن أبي عقيل لم

يوجبه كما هو مذهب الشافعي»، «1» انتهى.

و الحاصل: أنّ الرواية بضميمة الشهرة المحقّقة و الإجماع المنقول يوجب الاطمينان بصدور الفتوى عن الأئمّة عليهم السلام و لا سيّما مع كون الحكم مخالفاً لأكثر العامّة و للاعتبار، لكونه على خلاف الأصل، و يظهر من ديباجة «الكافي» و «الفقيه» «2» اعتمادهما على ما ذكراه فيهما و إفتائهما به، فراجع. فمناقشة صاحب «المدارك» «3» و بعض آخر في المسألة في غير محلّه. و ليس في الحديث ذكر شهر رمضان، و لذا احتمل في «الجواهر» «4» تعميم الحكم لكلّ صوم فيه كفّارة أو لخصوص القضاء، و لكنّ الظاهر انصراف الحديث إلى خصوص شهر رمضان، و لا سيّما بقرينة التعزير و ذكر كونهما صائمين لندرة صيامهما معاً بما يوجب إفطاره الكفّارة في غير رمضان، فتدبّر. و لذلك ترى كثيراً من العبائر المتقدّمة و غيرها ذكر فيها: «شهر رمضان».

(35) أي من أوّله إلى آخره في مقابل الفرض الآتي لا في الابتداء فقط

______________________________

(1) مختلف الشيعة 3: 296- 297، المسألة 48.

(2) الكافي 1: 8؛ الفقيه 1: 3.

(3) مدارك الأحكام 6: 118- 119.

(4) جواهر الكلام 16: 310.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 296

و إن أكرهها في الابتداء ثمّ طاوعته في الأثناء فكذلك على الأقوى (36) و إن كان الأحوط كفّارة منها و كفّارتين منه،

______________________________

كما فهمه في «المستمسك». «1»

(36) في المسألة احتمالات:

الأوّل: ما في المتن بتقريب أنّ التحمّل على خلاف الأصل فيقتصر فيه على النصّ و هو منصرف إلى صورة بقاء الإكراه إلى آخر العمل، و المفروض تحقّق المطاوعة منها في الأثناء فيجب عليها الكفّارة بإفطارها العمدي كما يجب عليه كفّارة نفسه.

الثاني: أن يجب عليه كفّارة واحدة و لا يجب عليها شي ء، أمّا الأوّل فلما مرّ،

و أمّا الثاني فلأنّها حال الإكراه بطلت صومها فلا يتحقّق منها بالمطاوعة إفطار، و لا دليل على ثبوت الكفّارة بالجماع الواقع بعد الإفطار عن عذر، و إن قلنا بتكرّر الكفّارة عند تكرّر الجماع، إذ أخبار التكرّر موردها تكرّر الجماع العمدي، فلا يشمل ما إذا أفطر عن عذر ثمّ جامع، فتأمّل، إذ لو كان الدليل للقول بالتكرّر تعليق الكفّارة في أخبارها على عنوان الجماع بما هو جماع كما قيل صحّ التمسّك به للمقام أيضاً لصدق الجماع العمدي بحسب البقاء.

الثالث: أن يجب عليه كفّارتان و لا يجب عليها شي ء، أمّا الأوّل فلإطلاق الرواية بعد منع الانصراف المذكور، و أمّا الثاني فلما مرّ في سابقه، و لأنّه بعد ما تحمّل عنها الكفّارة لا يبقى مجال لوجوبها عليها إذ المفطر الواحد ليس فيه كفّارتان، و ما

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 8: 362.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 297

و لا فرق (37) في الزوجة بين الدائمة و المنقطعة.

[لو جامع زوجته الصائمة في النوم]

(مسألة 15): لو جامع زوجته الصائمة و هو صائم في النوم (38) لا يتحمّل عنها الكفّارة و لا التعزير، كما أنّه ليس عليها شي ء و لا يبطل صومها بذلك، و كذا لا يتحمّل عنها إذا أكرهها على غير الجماع من المفطرات حتّى مقدّمات الجماع و إن أوجبت إنزالها.

______________________________

ثبت على الرجل إحداهما كفّارة المرأة و قد تحمّلها بإكراهه لها.

الرابع: أن يجب عليه كفّارتان و عليها كفّارة واحدة، أمّا الأوّل فللخبر و أمّا الثاني فللجماع العمدي بسبب المطاوعة، و لا نسلّم كون إحدى كفّارتي الرجل عن قبل المرأة و أنّ السبق إلى الذهن بدواً، إذ ليس في الحديث لفظ التحمّل بل المكرهة في حال الإكراه لا كفّارة عليها حتّى يتحمّل عنها الرجل، فلعلّ التعدّد تشديد

مجازاة على الرجل فإذا طاوعت المرأة صارت مكلّفة بالكفّارة.

الخامس: أن يفصّل بين ما إذا بطل صومها بالإكراه، و بين ما إذا لم يبطل كما في صورة الإلجاء، ففي الأوّل يجب عليه كفّارتان و لا يجب عليها شي ء، و في الثاني يجب عليه كفّارتان و عليها أيضاً كفّارة، و وجهه واضح ممّا مرّ، و لعلّه الأقوى.

(37) لإطلاق النصّ.

(38) في «الخلاف»: «إذا وطءها نائمة أو أكرهها قهراً على الجماع لم تفطر هي، و عليه كفّارتان و للشافعي فيه قولان حسب قوله في لزوم كفّارة واحدة أو كفّارتين ...». «1»

أقول: لا يظهر وجه ذلك بعد عدم شمول النصّ للنوم و كون التحمّل على

______________________________

(1) الخلاف 2: 183، المسألة 27.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 298

[إذا أكرهت الزوجة زوجها]

(مسألة 16): إذا أكرهت الزوجة زوجها لا تتحمّل عنه شيئاً.

[لا تلحق بالزوجة الأمة]

(مسألة 17): لا تلحق بالزوجة الأمة (39) إذا أكرهها على الجماع و هما صائمان، فليس عليه إلّا كفّارته و تعزيره، و كذا لا تلحق بها الأجنبية (40) إذا أكرهها عليه على الأقوى و إن كان الأحوط التحمّل عنها، خصوصاً إذا تخيّل أنّها زوجته فأكرهها عليه.

______________________________

خلاف القاعدة و الأصل، فالحقّ مع الماتن و كذا في سائر فروع المسألة و كذلك المسألة التالية.

(39) في «المختلف»: «و الأقرب إلحاق الأمة بالزوجة عملًا بالحديث ...

فإنّ المرأة تصدق في حقّ الزوجة و الأمة فإنّ كلا منهما يصدق عليها أنّها امرأته». «1»

أقول: و لا يبعد ما ذكره، إذ يكفي في إضافة المرأة إلى الضمير أدنى الملابسة و لا سيّما مع كثرة الإماء في عصر صدور الرواية و معاملتهم معها معاملة الزوجة.

(40) في «المبسوط»: «و إن أكره أجنبية على الفجور بها ليس لأصحابنا فيه نصّ و الذي يقتضيه الأصل أنّ عليه كفّارة واحدة لأنّ حملها على الزوجة قياس لا نقول به. و لو قلنا: إنّ عليه كفّارتين لعظم المآثم فيه، كان أحوط». «2»

و في «المختلف»: «و أمّا المزني بها فإشكال ينشأ من كون الكفّارة عقوبة على الذنب و هو هنا أفحش فكان إيجاب الكفّارة أولى، و من أنّ الكفّارة لتكفير الذنب

______________________________

(1) مختلف الشيعة 3: 297- 298، المسألة 49.

(2) المبسوط 1: 275.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 299

[إذا كان الزوج مفطراً بسبب كونه مسافراً]

(مسألة 18): إذا كان الزوج مفطراً بسبب كونه مسافراً أو مريضاً أو نحو ذلك و كانت زوجته صائمة، لا يجوز له إكراهها (41) على الجماع،

______________________________

و قد يكون الذنب قويّاً لا يؤثّر في إسقاطه، بل و لا في تخفيفه الكفّارة». «1»

أقول: الأقوى عدم الإلحاق للأصل بعد كون الحكم على خلاف القاعدة، و إن كان الأحوط هو

الإلحاق لإلقاء الخصوصية بنظر العرف و كون ذكر امرأته بخصوصها لكونها التي تصل إليها اليد غالباً لكلّ أحد فالملاك هو الإكراه على الجماع، فتدبّر.

(41) في «المدارك»: «لو أكره المسافر زوجته قيل: وجبت الكفّارة عليه عنها لا عنه، و احتمل العلّامة في «القواعد» السقوط مطلقاً، لكونه مباحاً له غير مفطر لها.

و ربما لاح في هذا التعليل إباحة الإكراه على هذا الوجه، و كأنّ وجهه انتفاء المقتضي للتحريم، و هو فساد الصوم، إذ المفروض أنّ صومها لا يفسد بذلك، و الأصحّ التحريم لأصالة عدم جواز إجبار المسلم على غير الحقّ الواجب عليه»، «2» انتهى.

و في «الجواهر»: «فيه بحث» «3» و لعلّه لعموم ما دلّ على ثبوت حقّ الانتفاع بالبضع للزوج ما لم يترتّب عليه عصيان اللّٰه تعالى، و يشهد لذلك أيضاً قوله تعالى: «فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّٰى شِئْتُمْ» «4» و أوضح من ذلك صورة كونها نائمة لعدم

______________________________

(1) مختلف الشيعة 3: 298، المسألة 49.

(2) مدارك الأحكام 6: 119.

(3) جواهر الكلام 16: 310.

(4) البقرة (2): 223.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 300

و إن فعل لا يتحمّل (42) عنها الكفّارة و لا التعزير، و هل يجوز له مقاربتها و هي نائمة؟

إشكال.

[من عجز عن الخصال الثلاث]

(مسألة 19): من عجز عن الخصال الثلاث في كفّارة مثل شهر رمضان تخيّر (43) بين

______________________________

تحقّق الإجبار و عدم بطلان صومها بذلك فلا يبقى وجه للحرمة فضلًا عن تحمّل الكفّارة. اللهمّ إلّا أن يخدش في عموم حقّه عليها، فالمسألة مبتنية على تتبّع أدلّة حقّه عليها، فتتبّع.

(42) للأصل بعد ما عرفت من كون التحمّل على خلاف الأصل و النصّ أيضاً لا يشمل الفرض.

حكم من عجز عن الخصال

(43) كلمات الأصحاب في عنوان المسألة و في حكمها مختلفة، فلننقل بعضها:

ففي صوم «المقنعة»: «فمن لم

يجد العتق و لا الإطعام و لم يقدر على صيام الشهرين على التمام صام ثمانية عشر يوماً متتابعات لكلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام فإن لم يقدر على ذلك فليتصدّق بما أطاق أو فليصم ما استطاع، بذلك جاءت الآثار عن آل محمّد عليهم السلام». «1»

و في صوم «المقنع» (بعد ذكر الكفّارة): «فإن لم يقدر على ذلك تصدّق بما يطيق». «2»

و في صوم «النهاية» (بعد ذكر الكفّارة): «فإن لم يتمكّن فليتصدّق بما تمكّن منه،

______________________________

(1) المقنعة: 345.

(2) المقنع: 192.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 301

..........

______________________________

فإن لم يتمكّن من الصدقة صام ثمانية عشر يوماً فإن لم يقدر صام ما تمكّن منه، فإن لم يستطع قضى ذلك اليوم و ليستغفر اللّٰه تعالى و ليس عليه شي ء». «1»

و في كفّارات «النهاية»: «و من عجز عن صيام شهرين وجب عليه صيام ثمانية عشر يوماً، و قد اجزأه. و إن لم يقدر على ذلك تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام فإن لم يستطع استغفر اللّٰه تعالى و ليس عليه شي ء». «2»

و في صوم «الشرائع»: «كلّ من وجب عليه شهران متتابعان فعجز عن صومهما صام ثمانية عشر يوماً و لو عجز عن الصوم أصلًا استغفر اللّٰه، فهو كفّارته». «3»

و في كفّارات «الشرائع»: «كلّ من وجب عليه صوم شهرين فعجز صام ثمانية عشر يوماً فإن لم يقدر تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام فإن لم يستطع استغفر اللّٰه سبحانه و لا شي ء عليه». «4»

و في صوم «المختلف»: «مسألة لو عجز عن هذه الثلاثة وجب عليه صوم ثمانية عشر يوماً، قاله المفيد و السيّد المرتضى و ابن إدريس. و قال ابن الجنيد و الصدوق في «المقنع»: يتصدّق بما يطيق، و الأقرب عندي التخيير. لنا أنّهما:

وردا معاً و ليس الجمع مراداً و الأصل عدم الترتيب ...». «5»

______________________________

(1) النهاية: 154.

(2) النهاية: 572.

(3) شرائع الإسلام 1: 195.

(4) شرائع الإسلام 3: 79.

(5) مختلف الشيعة 3: 311، المسألة 57.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 302

..........

______________________________

و أمّا الأخبار فقد ورد روايتان صحيحتان عن عبد اللّه بن سنان تدلّان على التصدّق بما يطيق فقط. ففي إحداهما: «فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق» «1» و في الاخرى: «يتصدّق بقدر ما يطيق» «2» و بإزائهما روايتان عن أبي بصير تدلّان على صيام ثمانية عشر يوماً.

فالاولى عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام و لم يقدر على العتق و لم يقدر على الصدقة؟ قال:

«فليصم ثمانية عشر يوماً عن كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام». «3»

و الثانية عنه أيضاً قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل ظاهر من امرأته فلم يجد ما يعتق، و لا ما يتصدّق، و لا يقوى على الصيام؟ قال: «يصوم ثمانية عشر يوماً، لكلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام». «4»

و لا يخفى أنّ الوارد في كفّارة رمضان الاوليان و أمّا الأخيرتان فإحداهما صريحة في كفّارة الظهار، و الاخرى يحتمل اتّحادها مع الاولى بقرينة اتّحاد السائل و المسئول و تقارب المضمون. هذا، مضافاً إلى أنّ الظاهر من ذيلها كون النظر إلى الكفّارة المرتّبة، حيث جعل صيام ثمانية عشر يوماً بدلًا عن الإطعام، فيستظهر

______________________________

(1) الكافي 4: 101/ 1؛ وسائل الشيعة 10: 44، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 1.

(2) الكافي 4: 102/ 3؛ وسائل الشيعة 10: 46، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 3.

(3) تهذيب الأحكام 4: 312/

944؛ وسائل الشيعة 10: 381- 382، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 9، الحديث 1.

(4) تهذيب الأحكام 8: 23/ 74؛ وسائل الشيعة 22: 372، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات، الباب 8، الحديث 1.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 303

..........

______________________________

من ذلك صورة تعيّنه. اللهمّ إلّا أن يوجّه بأنّ نظر الإمام عليه السلام رفع الاستيحاش بالاستيناس من القرآن، حيث جعل فيه في كفّارة اليمين صيام ثلاثة أيّام بدلًا عن إطعام عشرة مساكين.

ثمّ لو سلّم العموم في الرواية أمكن بل وجب تخصيصها بالصحيحتين الواردتين في خصوص كفّارة رمضان، فالأقوى في المسألة تعيّن التصدّق بما يطيق، و لا وجه لاختيار الصيام فيها أو التخيير بينهما أو الجمع بينهما بالترتيب فإنّ الكلّ بلا دليل، و الجمع بين العامّ و الخاصّ بالتخصيص لا بما ذكر. و بالجملة: فالمحتملات خمسة:

تعيّن التصدّق أو الصيام، و التخيير، و الترتيب بتقديم الصيام، أو التصدّق. و لكنّ الأقوى هو الأوّل للصحيحتين.

بقي هنا شي ء و هو أنّه ورد في صحيحة عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«كلّ من عجز عن الكفّارة التي تجب عليه من صوم، أو عتق، أو صدقة في يمين، أو نذر، أو قتل، أو غير ذلك ممّا يجب على صاحبه فيه الكفّارة، فالاستغفار له كفّارة ما خلا يمين الظهار ...» «1» الحديث.

و في رواية علي بن جعفر في كتابه عن أخيه عليه السلام (بعد ذكر الخصال الثلاث):

«فإن لم يجد فليستغفر اللّٰه»، «2» و الظاهر منهما كون الاستغفار بدلًا عن الخصال لا ما ذكر من الأمرين. اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ المراد بالكفّارة المعجوز عنها في الاولى

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 8: 16/ 50 و 320/ 1189؛ وسائل الشيعة 22: 367،

كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات، الباب 6، الحديث 1.

(2) مسائل علي بن جعفر: 116/ 47؛ وسائل الشيعة 10: 48، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 9.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 304

أن يصوم ثمانية عشر يوماً أو يتصدّق بما يطيق، و لو عجز أتى بالممكن منهما، (44) و إن لم يقدر على شي ء منهما استغفر اللّٰه (45) و لو مرّة بدلًا عن الكفّارة، و إن تمكّن بعد ذلك منها أتى بها. (46)

______________________________

هي الخصال الثلاث، مع ما جعل بدلًا عنها من صوم الثمانية عشر و التصدّق بما يطيق. و رواية ابن جعفر لا تكافئ الأخبار السابقة سنداً، مضافاً إلى كون الشهرة بل الإجماع المركّب على خلافها، فتدبّر.

(44) بل بالممكن من الصوم، إذ لا يعقل ذلك بالنسبة إلى التصدّق بما يطيق، و قد عرفت: أنّ صوم الثمانية عشر لا دليل عليه في باب الصوم فلا مجال لهذا الفرع في المقام أصلًا، ثمّ لو سلّم فلا دليل على وجوب ما نقص من الثمانية عشر. اللهمّ إلّا أن يتمسّك بقاعدة الميسور بعد الاستيناس لتبعيض الكفّارة بما ورد من التبعيض من قبل الشارع من صوم الثمانية عشر و التصدّق بما يطيق، فتدبّر.

(45) كما يشهد به خبر أبي بصير و ابن جعفر المتقدّمان، مضافاً إلى خبر زرارة في كفّارة اليمين. «1» هذا، مضافاً إلى اشتهاره فتوى كما يظهر لمن راجع كلماتهم.

(46) ربما يتوهّم أنّ هذا ينافي البناء على بدليّة الاستغفار. اللهمّ إلّا أن تختصّ بدليّته بالعجز المستمرّ، فإذا تمكّن انكشف عدم البدليّة أو تحمل على البدليّة الموقّتة نظير بدل الحيلولة و لكنّ الاحتمالان متمشيان في صوم الثمانية عشر و التصدّق بما يطيق أيضاً.

______________________________

(1) الكافي 7: 453/ 11؛

وسائل الشيعة 22: 376- 377، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات، الباب 12، الحديث 6.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 305

..........

______________________________

أقول: البدليّة الموقّتة خلاف إطلاق البدليّة و اختصاص البدليّة بالعجز المستمرّ و إن كان يساعده عدم فورية الكفّارة، و لكنّه خلاف ظاهر الأخبار، فالأولى حمل الأخبار على العجز العرفي الصادق في مورد لا يظهر فيه أمارة المكنة فعلًا أو عن قريب، و بعد إتيان البدل لا مجال لوجوب المبدل عنه لظهور دليل البدليّة في الإجزاء. هذا بالنسبة إلى الإبدال.

و أمّا الاستغفار فربما ينقدح بالبال عدم كونه بدلًا، بل هو واجب مستقلّ في عرض الكفّارة فالواجب على من أفطر صومه أو ظاهر أو نحو ذلك الكفّارة مع الاستغفار، فإذا لم يتمكّن من الكفّارة بقي الواجب الثاني بحاله لا بعنوان البدليّة عن الكفّارة. و حينئذٍ فمقتضى ذلك وجوب الإتيان بالكفّارة إذا تمكّن منها. و يشهد لوجوب الاستغفار في عرض الكفّارة- مضافاً إلى عمومات أدلّة التوبة- خبر الأعرابي، حيث قال له النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «تصدّق و استغفر ربّك». «1»

و خبر أبي بصير السابق و إن أطلق فيه لفظ الكفّارة على الاستغفار و لكنّ المراد به كون الاستغفار كفّارة للذنب لا كونه بدلًا عن الكفّارة المصطلحة.

و بالجملة: فبعد عدم الدليل على بدليّة الاستغفار كان الواجب هو الإتيان بالكفّارة إذا تمكّن منها.

و يشهد له- مضافاً إلى كونه على طبق القاعدة- موثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفّارة فليستغفر ربّه، و ينوي أن

______________________________

(1) الكافي 4: 102/ 2؛ وسائل الشيعة 10: 45، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 2.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 306

..........

______________________________

لا يعود قبل أن يواقع، ثمّ ليواقع و قد أجزأ ذلك عنه من الكفّارة، فإذا وجد السبيل إلى ما يكفّر يوماً من الأيّام فليكفّر و إن تصدّق و أطعم نفسه و عياله، فإنّه يجزئه إذا كان محتاجاً، و إلّا يجد ذلك فليستغفر ربّه و ينوي أن لا يعود فحسبه ذلك و اللّٰه كفّارة»، «1» فتدبّر. فإنّ الرواية لا تخلو من اغتشاش و تكرار مضافاً إلى معارضة حكم الظهار فيها لأخبار اخر لعلّها مشهورة فتوى، و يستفاد منها عدم كفاية الاستغفار في باب الظهار، فراجع.

______________________________

(1) الكافي 7: 461/ 6؛ وسائل الشيعة 22: 368، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات، الباب 6، الحديث 4.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 307

[الإشارة]

______________________________

ينبغي الإشارة إلى أنّه هنا انتهى ما كتبه سماحة الاستاذ- دام ظلّه- ما كانت حصيلة محاضراته التي ألقاها سماحته لكتاب الصوم من «العروة الوثقى» و لم تكمل هذه المحاضرات للموانع التي أوجدها الساواك، من السجن و نفي البلد و نحوه.

و لكن أوردنا آرائه الفقهية التي طبعت في تعليقته على «العروة الوثقى» تكميلًا لمسائل الصوم.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 308

[يجوز التبرّع بالكفّارة عن الميّت]

(مسألة 20): يجوز التبرّع بالكفّارة عن الميّت؛ صوماً كانت أو غيره، و في جواز التبرّع بها عن الحيّ إشكال، و الأحوط العدم خصوصاً في الصوم.

[من عليه الكفّارة إذا لم يؤدّها]

(مسألة 21): من عليه الكفّارة إذا لم يؤدّها حتّى مضت عليه سنين لم تتكرّر.

[الظاهر أنّ وجوب الكفّارة موسّع]

(مسألة 22): الظاهر أنّ وجوب الكفّارة موسّع، (1) فلا تجب المبادرة إليها، نعم لا يجوز التأخير إلى حدّ التهاون.

[إذا أفطر الصائم بعد المغرب على حرام]

(مسألة 23): إذا أفطر الصائم بعد المغرب على حرام؛ من زنا أو شرب الخمر أو نحو ذلك، لم يبطل صومه و إن كان في أثناء النهار قاصداً لذلك.

[مصرف كفّارة الإطعام: الفقراء]

(مسألة 24): مصرف كفّارة الإطعام: الفقراء؛ إمّا بإشباعهم و إمّا بالتسليم إليهم؛ (2) كلّ واحد مدّاً، و الأحوط مدّان من حنطة أو شعير أو أرز أو خبز أو نحو ذلك، و لا يكفي (3) في كفّارة واحدة إشباع شخص واحد مرّتين أو أزيد، أو إعطاؤه مدّين أو أزيد، بل لا بدّ من ستّين نفساً. نعم، إذا كان للفقير عيال

______________________________

(1) الأمر و إن لم يدلّ على الفور، و لكنّ العلم بالتكليف الفعلي يستدعي العلم أو الوثوق بالفراغ منه؛ فلو أخّر الامتثال مع احتمال عروض العجز جدّاً و اتّفق عروضه لم يكن معذوراً عند العقل.

و استصحاب السلامة لا يفيد، لعدم كونها في لسان الدليل موضوعاً للحكم، فالتأخير في الموسّعات لا يجوز عقلًا إلّا مع الوثوق ببقاء القدرة، و لعلّه المقصود بعدم التهاون.

(2) و الأحوط الأولى التسليم لمن يطمئنّ بصرفه في الطعام.

(3) مع التمكّن من الستّين.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 309

متعدّدون- و لو كانوا أطفالًا صغاراً- يجوز إعطاؤه بعدد الجميع؛ (4) لكلّ واحد مدّاً.

[يجوز السفر في شهر رمضان لا لعذر]

(مسألة 25): يجوز السفر في شهر رمضان لا لعذر و حاجة، بل و لو كان للفرار من الصوم، لكنّه مكروه.

[المدّ ربع الصاع]

(مسألة 26): المدّ ربع الصاع و هو ستّمائة مثقال و أربعة عشر مثقالًا و ربع مثقال، و على هذا فالمدّ مائة و خمسون مثقالًا و ثلاثة مثاقيل و نصف مثقال و ربع ربع المثقال، و إذا أعطى ثلاثة أرباع الوقية من حقّة النجف فقد زاد أزيد من واحد و عشرين مثقالًا؛ إذ ثلاثة أرباع الوقية مائة و خمسة و سبعون مثقالًا.

[فصل: يجب القضاء دون الكفّارة في امور]

اشارة

فصل: [يجب القضاء دون الكفّارة في امور]

يجب القضاء دون الكفّارة في موارد: ما يجب القضاء دون الكفّارة

[الأمور الثمانية]

أحدها: ما مرّ من النوم الثاني، بل الثالث و إن كان الأحوط (5) فيهما الكفّارة أيضاً، خصوصاً الثالث.

الثاني: إذا أبطل صومه بالإخلال بالنيّة مع عدم الإتيان بشي ء من المفطرات، أو بالرياء أو بنيّة القطع أو القاطع (6) كذلك.

الثالث: إذا نسي غسل الجنابة و مضى عليه يوم أو أيّام كما مرّ.

الرابع: من فعل المفطر قبل مراعاة الفجر، ثمّ ظهر سبق طلوعه و أنّه كان في النهار؛

______________________________

(4) مع كونه وكيلًا لهم أو وليّاً عليهم، و الأحوط في الإشباع عدم احتساب الصغار، إلّا إذا صدق بالنسبة إليهم إطعام المسكين، و يحتسب الاثنين منهم بواحد.

(5) لا يترك، على ما مرّ في المسألة السادسة و الخمسين.

(6) على الأحوط في نيّة القاطع، كما مرّ.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 310

سواء كان قادراً على المراعاة أو عاجزاً عنها لعمى أو حبس أو نحو ذلك أو كان غير عارف بالفجر، و كذا مع المراعاة و عدم اعتقاد بقاء الليل؛ بأن شكّ في الطلوع أو ظنّ (7) فأكل ثمّ تبيّن سبقه، بل الأحوط القضاء حتّى مع اعتقاد بقاء الليل، (8) و لا فرق في بطلان الصوم بذلك بين صوم رمضان و غيره من الصوم الواجب و المندوب، بل الأقوى فيها ذلك حتّى مع المراعاة (9) و اعتقاد بقاء الليل.

الخامس: الأكل تعويلًا على من أخبر (10) ببقاء الليل و عدم طلوع الفجر مع كونه طالعاً.

السادس: الأكل؛ إذا أخبره مخبر بطلوع الفجر لزعمه سخريّة المخبر، أو لعدم العلم بصدقه. (11)

السابع: الإفطار تقليداً لمن أخبر بدخول الليل و إن كان جائزاً له لعمى أو نحوه، (12) و كذا إذا أخبره عدل

بل عدلان،

______________________________

(7) على الأحوط في الظنّ ببقاء الليل بعد المراعاة.

(8) بدون المراعاة و النظر، كاليقين من «الساعة» مثلًا.

(9) الأحوط في الواجب المعيّن حينئذٍ، الإتمام و القضاء إن كان ممّا فيه القضاء.

(10) سواء كان قوله حجّة أم لا.

(11) إن لم يعلم بصدقه، و لكن كان قوله حجّة شرعاً كالبيّنة مثلًا؛ فالظاهر وجوب الكفّارة أيضاً كما يأتي.

(12) على القول بجوازه لهما.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 311

بل الأقوى وجوب الكفّارة أيضاً، (13) إذا لم يجز له التقليد.

الثامن: الإفطار لظلمة قطع (14) بحصول الليل منها فبان خطؤه و لم يكن في السماء علّة، و كذا لو شكّ أو ظنّ بذلك منها، بل المتّجه في الأخيرين الكفّارة أيضاً؛ لعدم جواز الإفطار حينئذٍ، و لو كان جاهلًا بعدم جواز الإفطار، فالأقوى عدم الكفّارة و إن كان الأحوط إعطاؤها. (15)

نعم، لو كانت في السماء علّة فظنّ (16) دخول الليل فأفطر ثمّ بان له الخطأ لم يكن عليه قضاء، فضلًا عن الكفّارة. و محصّل المطلب: أنّ من فعل المفطر بتخيّل عدم طلوع الفجر أو بتخيّل دخول الليل بطل صومه في جميع الصور، إلّا في صورة (17) ظنّ دخول الليل مع وجود علّة في السماء؛ من غيم أو غبار (18) أو بخار أو نحو ذلك، من غير فرق بين شهر رمضان و غيره من الصوم الواجب (19) و المندوب،

______________________________

(13) انكشف الخلاف أو لم ينكشف. نعم، لو تخيّل جواز تقليده جهلًا بالحكم، فلا كفّارة.

(14) على الأحوط فيه و في الظنّ المعتبر.

(15) لا يترك في الملتفت المتردّد منه.

(16) الأحوط، الاقتصار على ما بلغ منه حدّ الوثوق، و أحوط منه القضاء مطلقاً.

(17) و صورة العلم ببقاء الليل بعد المراعاة، كما مرّ.

(18) الأحوط الاقتصار على الغيم.

(19) مرّ الاحتياط

في الواجب المعيّن، بالإتمام و القضاء.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 312

و في الصور التي ليس معذوراً شرعاً في الإفطار، كما إذا قامت البيّنة (20) على أنّ الفجر قد طلع و مع ذلك أتى بالمفطر، أو شكّ في دخول الليل أو ظنّ ظنّاً غير معتبر و مع ذلك أفطر، تجب الكفّارة (21) أيضاً فيما فيه الكفّارة.

[إذا أكل أو شرب مع الشكّ في طلوع الفجر]

(مسألة 1): إذا أكل أو شرب مثلًا مع الشكّ في طلوع الفجر و لم يتبيّن أحد الأمرين، لم يكن عليه شي ء، نعم لو شهد عدلان بالطلوع و مع ذلك تناول المفطر وجب عليه القضاء، بل الكفّارة أيضاً و إن لم يتبيّن له ذلك بعد ذلك، و لو شهد عدل واحد بذلك، فكذلك على الأحوط.

[يجوز فعل المفطر و لو قبل الفحص]

(مسألة 2): يجوز له فعل المفطر- و لو قبل الفحص- ما لم يعلم طلوع الفجر و لم يشهد به البيّنة، و لا يجوز له ذلك إذا شكّ في الغروب عملًا بالاستصحاب في الطرفين، و لو شهد عدل واحد بالطلوع أو الغروب فالأحوط ترك المفطر عملًا بالاحتياط؛ للإشكال في حجّية خبر العدل الواحد (22) و عدم حجّيته، إلّا أنّ الاحتياط

______________________________

(20) و لم يحتمل السخريّة احتمالًا عقلائياً يخرج إخبارهما عن الظهور في الشهادة.

(21) إلّا في الجاهل المركّب كما مرّ، و كذا فيما تبيّن وقوع إفطاره في الليل.

(22) الظاهر حجّية خبر الثقة بما هو ثقة، أعني ما يفيد الوثوق و سكون النفس شخصاً، من غير فرق بين الأحكام و الموضوعات؛ و لا ينفي ذلك موثّقة مسعدة بن صدقة «1»، لأنّه ممّا استبان عند العقلاء، و أمّا البيّنة، أعني إخبار العدلين، فحجّة تعبّدية و إن لم توجب الوثوق. و أمّا العدل الواحد فلا يترك الاحتياط برعاية الاحتياط فيه.

______________________________

(1) الكافي 5: 313/ 40.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 313

في الغروب إلزامي و في الطلوع استحبابي (23) نظراً للاستصحاب.

التاسع: إدخال الماء في الفم للتبرّد بمضمضة أو غيرها فسبقه و دخل الجوف، فإنّه يقضي و لا كفّارة عليه، و كذا لو أدخله عبثاً فسبقه، و أمّا لو نسي فابتلعه فلا قضاء عليه أيضاً و إن كان أحوط، و لا

يلحق بالماء غيره على الأقوى و إن كان عبثاً، كما لا يلحق بالإدخال في الفم الإدخال في الأنف للاستنشاق أو غيره؛ و إن كان أحوط في الأمرين. (24)

[لو تمضمض لوضوء الصلاة فسبقه الماء]

(مسألة 3): لو تمضمض لوضوء الصلاة فسبقه الماء لم يجب عليه القضاء؛ سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة على الأقوى، بل لمطلق الطهارة و إن كانت لغيرها من الغايات؛ من غير فرق بين الوضوء و الغسل، و إن كان الأحوط (25) القضاء فيما عدا ما كان لصلاة الفريضة، خصوصاً فيما كان لغير الصلاة من الغايات.

[يكره المبالغة في المضمضة مطلقاً]

(مسألة 4): يكره المبالغة في المضمضة مطلقاً، و ينبغي له أن لا يبلع ريقه حتّى يبزق ثلاث مرّات.

[لا يجوز التمضمض مطلقاً]

(مسألة 5): لا يجوز التمضمض (26) مطلقاً مع العلم بأنّه يسبقه الماء إلى الحلق أو ينسى فيبلعه.

______________________________

(23) بل وجوبي كما مرّ.

(24) لا يترك فيهما.

(25) لا يترك. نعم، الظاهر إلحاق الغسل للفريضة بالوضوء لها.

(26) على الأقوى في الأوّل منهما، و على الأحوط في الثاني، بل الأحوط الاجتناب إلّا مع الأمن من السبق و النسيان.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 314

العاشر: سبق المنيّ بالملاعبة أو بالملامسة؛ إذا لم يكن ذلك من قصده و لا عادته على الأحوط، (27) و إن كان الأقوى عدم وجوب القضاء أيضاً.

[فصل: في الزمان الذي يصحّ فيه الصوم]

فصل: في الزمان الذي يصحّ فيه الصوم

و هو النهار- من غير العيدين- (28) و مبدؤه طلوع الفجر الثاني، و وقت الإفطار ذهاب الحمرة من المشرق، و يجب الإمساك من باب المقدّمة (29) في جزء من الليل في كلّ من الطرفين؛ ليحصل العلم بإمساك تمام النهار، و يستحبّ تأخير الإفطار حتّى يصلّي العشاءين (30) لتكتب صلاته صلاة الصائم، إلّا أن يكون هناك من ينتظره للإفطار أو

______________________________

(27) لا يترك. نعم، لا إثم و لا كفّارة إن وثّق بعدم الإنزال؛ كما لا شي ء عليه إن سبق المني بلا إيجاد شي ء ممّا يقتضيه باختياره.

(28) و غير أيّام التشريق لمن كان بمنى.

(29) على فرض جريان استصحاب الليل- كما هو الظاهر- لا يجب الإمساك في زمان الشكّ في الطرف الأوّل، مضافاً إلى ظهور قوله تعالى: «وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ». «1»

و وجوب القضاء مع انكشاف الطلوع، لا يستلزم وجوب الإمساك تكليفاً. نعم، لو توقّف الإمساك حال العلم على إمساك ما قبله، وجب ذلك، و لكن لا من باب مقدّمة العلم، بل من باب مقدّمة الوجود الخارجي، كما لا يخفى.

(30) المتيقّن من الحديث صلاة المغرب،

و لا سيّما مع كون وقت فضيلة العشاء من ذهاب الشفق.

______________________________

(1) البقرة (2): 187.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 315

تنازعه نفسه على وجه يسلبه الخضوع و الإقبال و لو كان لأجل القهوة و التتن و الترياك فإنّ الأفضل حينئذٍ الإفطار ثمّ الصلاة مع المحافظة على وقت الفضيلة بقدر الإمكان.

(مسألة 1): لا يشرع الصوم في الليل، و لا صوم مجموع الليل و النهار، بل و لا إدخال جزء من الليل فيه إلّا بقصد المقدّمية.

[فصل: في شرائط صحّة الصوم]

اشارة

فصل: في شرائط صحّة الصوم

و هي امور:

[الأوّل: الإسلام و الإيمان]

الأوّل: الإسلام و الإيمان، (31) فلا يصحّ من غير المؤمن و لو في جزء من النهار، فلو أسلم الكافر في أثناء النهار و لو قبل الزوال لم يصحّ صومه، (32) و كذا لو ارتدّ ثمّ عاد إلى الإسلام بالتوبة و إن كان الصوم معيّناً و جدّد النيّة قبل الزوال على الأقوى.

[الثاني: العقل]

الثاني: العقل، فلا يصحّ من المجنون و لو أدواراً و إن كان جنونه في جزء من النهار، و لا من السكران، (33) و لا من المغمى عليه و لو في بعض النهار و إن سبقت منه النيّة على الأصحّ.

______________________________

(31) اعتباره في صحّة الصوم و غيره من العبادات غير واضح. نعم، يعتبر في القبول و ترتّب الثواب عليها.

(32) عدم الصحّة مع تجديده النيّة قبل الزوال قابل للمنع، فالأحوط فيه تجديد النيّة و الإتمام؛ و إن لم يفعل فالقضاء، و كذا في المرتدّ و لكنّه يحتاط بالجمع بين الإتمام و القضاء.

(33) الأحوط لمن أفاق منه مع سبق النيّة الجمع بين الإتمام و القضاء، و في المغمى عليه الإتمام، فإن لم يفعل فالقضاء، و كذا لو أفاق منه قبل الزوال، و إن

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 316

[الثالث: عدم الإصباح جنباً]

الثالث: عدم الإصباح جنباً أو على حدث الحيض و النفاس بعد النقاء من الدم على التفصيل المتقدّم.

[الرابع: الخلوّ من الحيض و النفاس في مجموع النهار]

الرابع: الخلوّ من الحيض و النفاس في مجموع النهار، فلا يصحّ من الحائض و النفساء إذا فاجأهما الدم و لو قبل الغروب بلحظة أو انقطع عنهما بعد الفجر بلحظة، و يصحّ من المستحاضة إذا أتت بما عليها من الأغسال النهارية. (34)

[الخامس: أن لا يكون مسافراً]

الخامس: أن لا يكون مسافراً سفراً يوجب قصر الصلاة مع العلم بالحكم في الصوم الواجب، إلّا في ثلاثة مواضع: أحدها: صوم ثلاثة أيّام بدل هدي التمتّع. الثاني: صوم بدل البدنة ممّن أفاض من عرفات قبل الغروب عامداً؛ و هو ثمانية عشر يوماً. الثالث:

صوم النذر المشترط (35) فيه سفراً خاصّة أو سفراً و حضراً، دون النذر المطلق، بل الأقوى عدم جواز الصوم المندوب في السفر أيضاً، إلّا ثلاثة أيّام للحاجة في المدينة، و الأفضل (36) إتيانها في الأربعاء و الخميس و الجمعة، و أمّا المسافر الجاهل بالحكم لو صام فيصحّ صومه و يجزيه حسب ما عرفته في جاهل حكم الصلاة؛ إذ الإفطار كالقصر، و الصيام كالتمام في الصلاة، لكن يشترط أن يبقى على جهله إلى آخر النهار،

______________________________

لم يسبق النيّة.

(34) و كذا الليلية السابقة على الأحوط، كما مرّ.

(35) استدلوا لذلك بصحيحة ابن مهزيار «1» و دلالتها غير واضحة، و في المتن اضطراب.

(36) بل المتعيّن على الأحوط، لو لم يكن أقوى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 195، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 10، الحديث 1.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 317

و أمّا لو علم بالحكم في الأثناء فلا يصحّ صومه، و أمّا الناسي فلا يلحق بالجاهل في الصحّة، و كذا يصحّ الصوم من المسافر إذا سافر بعد الزوال، (37) كما أنّه يصحّ صومه إذا لم يقصّر في صلاته، كناوي الإقامة عشرة أيّام، و المتردّد ثلاثين (38) يوماً،

و كثير السفر، و العاصي بسفره، و غيرهم ممّن تقدّم تفصيلًا في كتاب الصلاة.

[السادس: عدم المرض أو الرمد]

السادس: عدم المرض أو الرمد الذي يضرّه الصوم لإيجابه شدّته أو طول برئه أو شدّة ألمه أو نحو ذلك؛ سواء حصل اليقين بذلك أو الظنّ، بل أو الاحتمال (39) الموجب للخوف، بل لو خاف الصحيح من حدوث المرض لم يصحّ منه، و كذا إذا خاف من الضرر في نفسه أو غيره، (40) أو عرضه أو عرض غيره، أو في مال يجب حفظه و كان وجوبه أهمّ في نظر الشارع من وجوب الصوم، و كذا إذا زاحمه واجب آخر أهمّ منه، و لا يكفي الضعف و إن كان مفرطاً ما دام يتحمّل عادة، نعم لو كان ممّا لا يتحمّل عادة جاز الإفطار، (41) و لو صام بزعم عدم الضرر فبان الخلاف بعد الفراغ من الصوم

______________________________

(37) و إن كان الأحوط له القضاء أيضاً، إن كان نوى السفر من الليل.

(38) يعني بعد مضيّ ثلاثين يوماً.

(39) احتمالًا يهتمّ به العقلاء.

(40) في موارد التزاحم بين الصوم و ما هو أهمّ منه كفاية مجرّد الاحتمال و الخوف محلّ إشكال، فلا بدّ فيها من العلم أو الوثوق بوجود الأهمّ و لو عصى و صام فالظاهر صحّة الصوم من باب الترتّب، فالأولى عدّ عدمها من شرائط الوجوب لا الصحّة، و بذلك تفترق عن المرض.

(41) لأدلّة الحرج.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 318

ففي الصحّة إشكال، (42) فلا يترك الاحتياط بالقضاء، و إذا حكم الطبيب بأنّ الصوم مضرّ و علم المكلّف من نفسه عدم الضرر يصحّ صومه، (43) و إذا حكم بعدم ضرره و علم المكلّف أو ظنّ (44) كونه مضرّاً وجب عليه تركه و لا يصحّ منه. (45)

[يصحّ الصوم من النائم]

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الصوم (للمنتظري)، در يك جلد، انتشارات ارغوان دانش، قم - ايران، اول،

1428 ه ق

كتاب الصوم (للمنتظري)؛ ص: 318

(مسألة 1): يصحّ الصوم من النائم و لو في تمام النهار إذا سبقت منه النيّة في الليل، و أمّا إذا لم تسبق منه النيّة فإن استمرّ نومه إلى الزوال (46) بطل صومه و وجب عليه القضاء إذا كان واجباً، و إن استيقظ قبله نوى و صحّ، (47) كما أنّه لو كان مندوباً و استيقظ قبل الغروب يصحّ إذا نوى.

[يصحّ الصوم و سائر العبادات من الصبيّ المميّز]

(مسألة 2): يصحّ الصوم و سائر العبادات من الصبيّ المميّز على الأقوى من شرعية عباداته، و يستحبّ تمرينه عليها بل التشديد عليه لسبع؛ (48) من غير فرق بين الذكر و الانثى في ذلك كلّه.

______________________________

(42) بل منع.

(43) ما لم ينكشف الخلاف.

(44) أو احتمل و خاف كما مرّ.

(45) نعم، لو انكشف الخلاف أمكن الصحّة مع تحقّق القربة، و لو حكم الطبيب الحاذق الثقة و بقى المريض على الترديد، فالظاهر حجّية قول الطبيب بما أنّه من أهل الخبرة.

(46) الأحوط لمن استيقظ بعد الزوال، الإمساك بقصد ما في الذمّة من الصوم أو الإمساك المطلق، ثمّ القضاء.

(47) و لكن يحتاط بالقضاء أيضاً.

(48) هذا التحديد غير ثابت، و لعلّه التسع.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 319

[يشترط في صحّة الصوم المندوب: أن لا يكون عليه صوم واجب]

(مسألة 3): يشترط في صحّة الصوم المندوب مضافاً إلى ما ذكر: أن لا يكون عليه صوم واجب؛ من قضاء أو نذر (49) أو كفّارة أو نحوها مع التمكّن من أدائه، و أمّا مع عدم التمكّن منه- كما إذا كان مسافراً و قلنا بجواز الصوم المندوب في السفر، أو كان في المدينة و أراد صيام ثلاثة أيّام للحاجة- فالأقوى صحّته، و كذا إذا نسي الواجب و أتى بالمندوب فإنّ الأقوى صحّته (50) إذا تذكّر بعد الفراغ، و أمّا إذا تذكّر في الأثناء قطع و يجوز تجديد النيّة حينئذٍ للواجب مع بقاء محلّها، كما إذا كان قبل الزوال، و لو نذر التطوّع على الإطلاق صحّ و إن كان عليه واجب، فيجوز أن يأتي بالمنذور قبله بعد ما صار واجباً، و كذا لو نذر أيّاماً معيّنة يمكن إتيان الواجب قبلها، و أمّا لو نذر أيّاماً معيّنة لا يمكن إتيان الواجب قبلها ففي صحّته إشكال؛ من أنّه بعد النذر يصير

واجباً، و من أنّ التطوّع قبل الفريضة غير جائز فلا يصحّ نذره، و لا يبعد أن يقال: إنّه لا يجوز بوصف التطوّع و بالنذر يخرج عن الوصف، و يكفي في رجحان متعلّق النذر رجحانه و لو بالنذر، (51) و بعبارة اخرى: المانع هو وصف الندب، و بالنذر يرتفع المانع.

______________________________

(49) إسراء الحكم إلى غير قضاء رمضان مبنيّ على الاحتياط.

(50) لا يخلو من إشكال.

(51) المعتبر في متعلّق النذر رجحانه ذاتاً، و لا يعقل أن يترجّح بالنذر ما ليس راجحاً بالذات، و لكنّ الصوم راجح بالذات كالصلاة، و النهي عنه ليس لحزازة فيه، بل لمزاحمة ما هو أقوى منه أعني الواجب؛ و المفروض أنّه بالنذر يرتفع هذا المانع قهراً. و لكنّ الأحوط مع ذلك، ترك هذا النذر.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 320

[الظاهر جواز التطوّع بالصوم]

(مسألة 4): الظاهر جواز التطوّع (52) بالصوم إذا كان ما عليه من الصوم الواجب استئجارياً (53) و إن كان الأحوط تقديم الواجب.

[فصل: في شرائط وجوب الصوم]

اشارة

فصل: في شرائط وجوب الصوم

و هي امور:

[الأوّل و الثاني: البلوغ و العقل]

الأوّل و الثاني: البلوغ و العقل، فلا يجب على الصبيّ و المجنون إلّا أن يكملا قبل طلوع الفجر، دون ما إذا كملا بعده، فإنّه لا يجب عليهما و إن لم يأتيا بالمفطر (54) بل و إن نوى الصبيّ الصوم ندباً، لكن الأحوط مع عدم إتيان المفطر الإتمام و القضاء (55) إذا كان الصوم واجباً معيّناً، و لا فرق في الجنون بين الإطباقي و الأدواري؛ إذا كان يحصل في النهار و لو في جزء منه، و أمّا لو كان دور جنونه في الليل؛ بحيث يفيق قبل الفجر، فيجب عليه.

______________________________

(52) إلّا أن يوجب العجز عن العمل بالإجارة.

(53) لو قيل بشمول الواجب في المقام لما وجب بالعارض كالنذر مثلًا كما مرّ، فأيّ فرق بينه و بين الاستيجار؟ إذ به يجب العمل على الأجير و إن لم يكن واجباً على المنوب عنه، و لكن مع ذلك شمول أدلّة المنع لمثله غير واضح.

(54) الأحوط لهما- إن كملا قبل الزوال و لم يأتيا بالمفطر- أن يصوما، و للصبيّ إن نواه أن يتمّه و إن بلغ بعد الزوال، إذ الظاهر أنّ مصلحة الصوم بالنسبة إليهما تامّة؛ و المفروض أنّ المانع من الإيجاب قد ارتفع.

(55) يعني الإتمام، فإن لم يفعلا فالقضاء.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 321

[الثالث: عدم الإغماء]

الثالث: عدم الإغماء، فلا يجب معه الصوم و لو حصل في جزء من النهار، نعم لو كان نوى الصوم قبل الإغماء فالأحوط إتمامه. (56)

[الرابع: عدم المرض الذي يتضرّر معه الصائم]

الرابع: عدم المرض الذي يتضرّر معه الصائم، و لو برئ بعد الزوال و لم يفطر لم يجب عليه النيّة و الإتمام، و أمّا لو برئ قبله و لم يتناول مفطراً فالأحوط أن ينوي و يصوم؛ (57) و إن كان الأقوى عدم وجوبه.

[الخامس: الخلوّ من الحيض و النفاس]

الخامس: الخلوّ من الحيض و النفاس، فلا يجب معهما و إن كان حصولهما في جزء من النهار.

[السادس: الحضر]

السادس: الحضر، فلا يجب على المسافر الذي يجب عليه قصر الصلاة، بخلاف من كان وظيفته التمام- كالمقيم عشراً و المتردّد ثلاثين يوماً و المكاري و نحوه و العاصي بسفره- فإنّه يجب عليه التمام؛ إذ المدار في تقصير الصوم على تقصير الصلاة، فكلّ سفر يوجب قصر الصلاة يوجب قصر الصوم و بالعكس. (58)

[إذا كان حاضراً فخرج إلى السفر]

(مسألة 1): إذا كان حاضراً فخرج إلى السفر، فإن كان قبل الزوال وجب عليه الإفطار، و إن كان بعده وجب عليه البقاء على صومه، (59) و إذا كان مسافراً و حضر بلده أو بلداً يعزم على الإقامة فيه عشرة أيّام، فإن كان قبل الزوال و لم يتناول المفطر وجب عليه الصوم، و إن كان بعده أو تناول فلا و إن استحبّ له الإمساك بقيّة النهار، و الظاهر أنّ المناط كون الشروع في السفر قبل الزوال أو بعده لا الخروج عن حدّ الترخّص،

______________________________

(56) لا يترك؛ و لو صحّا قبل الزوال فالأحوط وجوباً أن ينوي و يصوم.

(57) لا يترك، و يقضيه أيضاً.

(58) نعم، الأحوط في سفر الصيد للتجارة الجمع في الصلاة، و لكن يفطر الصوم.

(59) و إن كان الأحوط له، القضاء أيضاً إن كان نوى السفر من الليل.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 322

و كذا في الرجوع المناط دخول البلد، لكن لا يترك الاحتياط بالجمع إذا كان الشروع قبل الزوال و الخروج عن حدّ الترخّص بعده، و كذا في العود إذا كان الوصول إلى حدّ الترخّص قبل الزوال و الدخول في المنزل بعده.

[يستثنى من التلازم بين إتمام الصلاة و الصوم موارد]

(مسألة 2): قد عرفت التلازم بين إتمام الصلاة و الصوم و قصرها و الإفطار، لكن يستثنى من ذلك موارد: (60)

أحدها: الأماكن الأربعة، فإنّ المسافر يتخيّر فيها بين القصر و التمام في الصلاة، و في الصوم يتعيّن الإفطار. الثاني: ما مرّ من الخارج إلى السفر بعد الزوال، فإنّه يتعيّن عليه البقاء على الصوم مع أنّه يقصّر في الصلاة. الثالث: ما مرّ من الراجع من سفره، فإنّه إن رجع بعد الزوال يجب عليه الإتمام مع أنّه يتعيّن عليه الإفطار.

[الإفطار بعد الوصول إلى حدّ الترخّص]

(مسألة 3): إذا خرج إلى السفر في شهر رمضان لا يجوز له الإفطار إلّا بعد الوصول إلى حدّ الترخّص، و قد مرّ سابقاً وجوب الكفّارة (61) عليه إن أفطر قبله.

[جواز السفر اختياراً في شهر رمضان]

(مسألة 4): يجوز السفر اختياراً في شهر رمضان، بل و لو كان للفرار من الصوم كما مرّ، و أمّا غيره من الواجب المعيّن فالأقوى (62) عدم جوازه إلّا مع الضرورة، كما أنّه لو كان مسافراً وجب عليه الإقامة لإتيانه مع الإمكان.

______________________________

(60) و قد مرّ أنّ الأحوط في سفر الصيد للتجارة الجمع في الصلاة، و لكن يفطر الصوم.

(61) على الأحوط كما مرّ.

(62) بل الأحوط و كذا فيما بعده، بل الظاهر في النذر الجواز و عدم وجوب الإقامة.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 323

[كراهة السفر في شهر رمضان]

(مسألة 5): الظاهر كراهة السفر في شهر رمضان قبل أن يمضي ثلاثة و عشرون (63) يوماً، إلّا في حجّ أو عمرة أو مال يخاف تلفه أو أخ يخاف هلاكه. (64)

[يكره لكلّ من يجوز له الإفطار التملّي من الطعام و الشراب]

(مسألة 6): يكره للمسافر في شهر رمضان، بل كلّ من يجوز له الإفطار التملّي من الطعام و الشراب، و كذا يكره له الجماع في النهار، بل الأحوط تركه و إن كان الأقوى جوازه.

[فصل: موارد جواز الإفطار]

اشارة

فصل: [موارد جواز الإفطار]

وردت الرخصة (65) في إفطار شهر رمضان لأشخاص، بل قد يجب:

[الأوّل و الثاني: الشيخ و الشيخة]

الأوّل و الثاني: الشيخ و الشيخة؛ إذا تعذّر عليهما الصوم أو كان حرجاً و مشقّة، فيجوز لهما الإفطار، لكن يجب عليهما في صورة المشقّة، بل في صورة التعذّر (66) أيضاً التكفير بدل كلّ يوم بمدّ من طعام، و الأحوط مدّان، و الأفضل كونهما من حنطة، و الأقوى وجوب القضاء (67) عليهما لو تمكّنا بعد ذلك.

[الثالث: من به داء العطش]

الثالث: من به داء العطش، فإنّه يفطر؛ سواء كان بحيث لا يقدر على الصبر، أو كان فيه مشقّة، و يجب عليه التصدّق بمدّ، و الأحوط مدّان؛ من غير فرق بين ما إذا كان مرجوّ

______________________________

(63) لا دليل على هذا الاستثناء إلّا رواية مرسلة. «1»

(64) أو نحو ذلك من موارد الضرورة.

(65) الظاهر من روايات الباب هي العزيمة، لا الرخصة.

(66) على الأحوط في هذه الصورة، و كذا في ذي العطاش.

(67) بل الأقوى عدم الوجوب، و لكنّه أحوط.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 182، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 3، الحديث 6.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 324

الزوال أم لا، و الأحوط بل الأقوى (68) وجوب القضاء عليه إذا تمكّن بعد ذلك، كما أنّ الأحوط (69) أن يقتصر على مقدار الضرورة.

[الرابع: الحامل المقرب]

الرابع: الحامل المقرب التي يضرّها الصوم، (70) أو يضرّ حملها، فتفطر و تتصدّق من مالها بالمدّ أو المدّين و تقضي بعد ذلك.

[الخامس: المرضعة القليلة اللبن]

الخامس: المرضعة القليلة اللبن؛ إذا أضرّ بها الصوم، أو أضرّ بالولد، و لا فرق بين أن يكون الولد لها أو متبرّعة برضاعه أو مستأجرة، و يجب عليها التصدّق بالمدّ أو المدّين أيضاً من مالها و القضاء بعد ذلك، و الأحوط بل الأقوى (71) الاقتصار على صورة عدم وجود من يقوم مقامها في الرضاع تبرّعاً أو بأُجرة من أبيه أو منها أو من متبرّع.

[فصل: في طرق ثبوت هلال رمضان و شوّال]

اشارة

فصل: في طرق ثبوت هلال رمضان و شوّال للصوم و الإفطار

و هي امور:

[الأوّل: رؤية المكلّف]

الأوّل: رؤية المكلّف (72) نفسه.

______________________________

(68) القوّة ممنوعة.

(69) لا يجب رعايته، إذ مورد موثّقة عمّار «1» من اضطرّ إلى الشرب موقّتاً، لا من به داء العطاش.

(70) وجوب الصدقة في صورة الضرر لنفسها غير واضح، و لكنّه أحوط، و كذا في المرضعة.

(71) القوّة لا تخلو من إشكال.

(72) و الملاك الرؤية بالنحو العادي لا بالعين المسلّحة. نعم، لا بأس بتعيين

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 214، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 16، الحديث 1.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 325

[الثاني: التواتر]

الثاني: التواتر.

[الثالث: الشياع]

الثالث: الشياع المفيد للعلم، و في حكمه كلّ ما يفيد العلم و لو بمعاونة القرائن، فمن حصل له العلم بأحد الوجوه المذكورة وجب عليه العمل به و إن لم يوافقه أحد، بل و إن شهد و ردّ الحاكم شهادته.

[الرابع: مضيّ ثلاثين يوماً]

الرابع: مضيّ ثلاثين يوماً من هلال شعبان أو ثلاثين يوماً من هلال رمضان، فإنّه يجب الصوم معه في الأوّل و الإفطار في الثاني.

[الخامس: البيّنة الشرعية]

الخامس: البيّنة الشرعية، و هي خبر عدلين؛ سواء شهدا عند الحاكم و قبل شهادتهما، أو لم يشهدا عنده، أو شهدا و ردّ شهادتهما، فكلّ من شهد عنده عدلان عنده يجوز، بل يجب عليه ترتيب الأثر؛ من الصوم أو الإفطار، و لا فرق بين أن تكون البيّنة من البلد (73) أو من خارجه، و بين وجود العلّة في السماء و عدمها، نعم يشترط توافقهما في الأوصاف، فلو اختلفا فيها (74) لا اعتبار بها، نعم لو أطلقا أو وصف أحدهما و أطلق الآخر كفى، و لا يعتبر اتّحادهما في زمان الرؤية مع توافقهما على الرؤية في الليل، و لا يثبت بشهادة النساء، و لا بعدل واحد و لو مع ضمّ اليمين.

[السادس: حكم الحاكم]

السادس: حكم الحاكم (75) الذي لم يعلم خطؤه و لا خطأ مستنده، كما إذا استند إلى

______________________________

محلّه بالآلات، ثمّ رؤيته بنفسه.

(73) يشكل الاعتماد عليها مع اتّهامها، كما إذا كان السماء صاحياً و استهلّ كثيرون، و مع ذلك لم يدّع الرؤية إلّا اثنان، بحيث يظنّ قويّاً اشتباههما؛ و إلى ذلك ينظر بعض الأخبار الواردة.

(74) بحيث لا يصدق شهادتهما على أمر واحد.

(75) الجامع لشرائط الحكم و إمامة المسلمين؛ و قد أنهيناها في دراساتنا

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 326

الشياع الظنّي، (76) و لا يثبت بقول المنجّمين، (77) و لا بغيبوبة الشفق (78) في الليلة الاخرى، و لا برؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال، (79) فلا يحكم بكون ذلك اليوم أوّل الشهر، و لا بغير ذلك ممّا يفيد الظنّ و لو كان قويّاً (80) إلّا للأسير و المحبوس.

[لا يثبت بشهادة العدلين]

(مسألة 1): لا يثبت بشهادة العدلين إذا لم يشهدا بالرؤية، بل شهدا شهادة علمية.

[إذا لم يثبت الهلال و ترك الصوم]

(مسألة 2): إذا لم يثبت الهلال و ترك الصوم، ثمّ شهد عدلان برؤيته، يجب قضاء ذلك اليوم، و كذا إذا قامت البيّنة على هلال شوّال ليلة التاسع و العشرين من هلال رمضان، أو رآه في تلك الليلة بنفسه.

______________________________

إلى ثمانية، فراجع «1».

(76) غفلةً أو مسامحةً أو نحو ذلك؛ لا ما إذا ثبت حجّيته عنده بدليل معتبر عنده.

(77) إلّا أن يحصل الاطمينان بقولهم.

(78) يعني غيبوبة الهلال بعد الشفق، للحكم بكونه لليلتين.

(79) قد دلّت عليه بعض النصوص المعتبرة «2»، فلا يترك الاحتياط على فرض وقوعه.

(80) إلّا أن يصل إلى حدّ الاطمينان، و في صحيح مرازم: «إذا تطوّق الهلال فهو لليلتين»، «3» و الإعراض عنه غير ثابت.

______________________________

(1) دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية 1: 257.

(2) وسائل الشيعة 10: 278، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 8.

(3) وسائل الشيعة 10: 281، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 9، الحديث 2.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 327

[لا يختصّ اعتبار حكم الحاكم بمقلّديه]

(مسألة 3): لا يختصّ اعتبار حكم الحاكم بمقلّديه، بل هو نافذ بالنسبة إلى الحاكم الآخر (81) أيضاً إذا لم يثبت عنده خلافه.

[إذا ثبت رؤيته في بلد آخر]

(مسألة 4): إذا ثبت رؤيته في بلد آخر و لم يثبت في بلده، فإن كانا متقاربين كفى، و إلّا فلا، إلّا إذا علم توافق افقهما (82) و إن كانا متباعدين.

[لا يجوز الاعتماد على البريد البرقي]

(مسألة 5): لا يجوز الاعتماد على البريد البرقي المسمّى ب «التلغراف» في الإخبار عن الرؤية، إلّا إذا حصل منه العلم؛ (83) بأن كان البلدان متقاربين و تحقّق حكم الحاكم أو شهادة العدلين برؤيته هناك.

[في يوم الشكّ في أنّه من رمضان أو شوّال]

(مسألة 6): في يوم الشكّ في أنّه من رمضان أو شوّال يجب أن يصوم، و في يوم الشكّ في أنّه من شعبان أو رمضان يجوز الإفطار و يجوز أن يصوم، لكن لا بقصد أنّه من رمضان- كما مرّ سابقاً تفصيل الكلام فيه- و لو تبيّن في الصورة الاولى كونه من شوّال وجب الإفطار؛ سواء كان قبل الزوال أو بعده، و لو تبيّن في الصورة الثانية كونه من رمضان وجب الإمساك و كان صحيحاً إذا لم يفطر و نوى قبل الزوال، و يجب قضاؤه إذا كان بعد الزوال. (84)

[لو غمّت الشهور]

(مسألة 7): لو غمّت الشهور و لم ير الهلال في جملة منها أو في تمامها، حسب كلّ شهر ثلاثين ما لم يعلم النقصان عادة.

______________________________

(81) إن اعتقد بأهليته للحكم و واجديته لشرائطه.

(82) طولًا أو كون بلد الرؤية شرقياً، فإنّه يكفي للبلاد الغربية دون العكس.

(83) أو الاطمينان.

(84) و لكن لا يترك الاحتياط- كما مرّ- بالإمساك بقصد ما في الذمّة من الصوم أو الإمساك المطلق تأدّباً، ثمّ القضاء.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 328

[الأسير و المحبوس]

(مسألة 8): الأسير و المحبوس إذا لم يتمكّنا من تحصيل العلم بالشهر عملا بالظنّ و مع عدمه تخيّرا (85) في كلّ سنة بين الشهور، فيعيّنان شهراً له، و يجب مراعاة المطابقة بين الشهرين في سنتين؛ بأن يكون بينهما أحد عشر شهراً، و لو بان بعد ذلك أنّ ما ظنّه أو اختاره لم يكن رمضان، فإن تبيّن سبقه كفاه؛ (86) لأنّه حينئذٍ يكون ما أتى به قضاءً، و إن تبيّن لحوقه و قد مضى قضاه، و إن لم يمض أتى به، و يجوز (87) له في صورة عدم حصول الظنّ أن لا يصوم حتّى يتيقّن أنّه كان سابقاً فيأتي به قضاءً، و الأحوط إجراء أحكام شهر رمضان على ما ظنّه؛ من الكفّارة و المتابعة و الفطرة و صلاة العيد و حرمة صومه ما دام الاشتباه باقياً، و إن بان الخلاف عمل بمقتضاه.

[إذا اشتبه شهر رمضان بين شهرين أو ثلاثة]

(مسألة 9): إذا اشتبه شهر رمضان بين شهرين أو ثلاثة أشهر مثلًا فالأحوط صوم الجميع؛ و إن كان لا يبعد إجراء حكم الأسير و المحبوس، و أمّا إن اشتبه الشهر المنذور صومه بين شهرين أو ثلاثة،

______________________________

(85) على المشهور، و لكن يشكل إقامة الدليل عليه، و استفادته من النصّ في المقام أشكل، و إن قيل به.

(86) للنصّ، «1» و لأنّه لم ينوِ إلّا ما امر به فعلًا من صوم هذه السنة، و لم ينوِ الأداء بنحو التقييد، بل من باب الاشتباه في التطبيق.

(87) لا يجوز هذا قطعاً، لمخالفته للعلم الإجمالي. نعم، الظاهر جواز التأخير إلى ما يتيقّن أنّه رمضان أو كان سابقاً عملًا بالاستصحاب. و الأحوط اختيار ذلك فيصومه بقصد ما في الذمّة من الأداء أو القضاء.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 276- 277، كتاب الصوم، أبواب

أحكام شهر رمضان، الباب 7، الحديث 1 و 2.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 329

فالظاهر وجوب الاحتياط ما لم يستلزم الحرج، و معه يعمل بالظنّ، (88) و مع عدمه يتخيّر.

[المكلّف في المكان الذي نهاره ستّة أشهر]

(مسألة 10): إذا فرض كون المكلّف في المكان الذي نهاره ستّة أشهر (89) و ليله ستّة أشهر، أو نهاره ثلاثة و ليله ستّة، أو نحو ذلك، فلا يبعد كون المدار في صومه و صلاته على البلدان المتعارفة المتوسّطة؛ مخيّراً بين أفراد المتوسّط، و أمّا احتمال سقوط تكليفهما عنه فبعيد، (90) كاحتمال سقوط الصوم و كون الواجب صلاة يوم واحد و ليلة واحدة، و يحتمل كون المدار بلده الذي كان متوطّناً فيه سابقاً إن كان له بلد سابق.

______________________________

(88) مشكل و مقتضى القاعدة في أمثال المسألة الاحتياط أو التبعيض فيه مع الحرج. و في المقام يجوز التأخير بمقتضى الاستصحاب إلى آخر الزمان المحتمل، ثمّ يأتي به مردّداً بين الأداء و القضاء.

(89) كقطبي الشمال و الجنوب و ما قاربهما، و أمّا كون النهار ثلاثة و الليلة ستّة، فالظاهر عدم وقوعه خارجاً.

(90) لما يظهر من الكتاب و السنّة- مؤيّداً بحكم العقل- من اهتمام الشرع بهما و بيان خواصّهما و آثارهما؛ و أنّ بهما تربية الإنسان و كماله؛ و أنّ إقامتهما من أهداف جميع الأنبياء عليهم السلام، و أنّهما من دعائم الدين، و أنّ الصلاة لا تترك بحال، و أنّ توقيتهما من قبيل تعدّد المطلوب قطعاً، و لذا يجب قضاؤهما مع الفوت. و الحكم بحرمة سفر الإنسان إلى القطبين و لزوم هجرته منهما- على ما قيل- مخالف للشريعة السمحة السهلة، و القطبان و ما فيهما من الذخائر و المعادن و الإمكانات من نعم اللّٰه التي خلقها للإنسان كسائر ما في الأرض.

و الرجوع في المصاديق الخارجة

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 330

[فصل: في أحكام القضاء]

اشارة

فصل: في أحكام القضاء

[يجب قضاء الصوم ممّن فاته بشروط]

يجب قضاء الصوم ممّن فاته بشروط، و هي: البلوغ، و العقل، و الإسلام، فلا يجب على البالغ ما فاته أيّام صباه، نعم يجب قضاء اليوم الذي بلغ فيه قبل طلوع فجره أو بلغ مقارناً لطلوعه إذا فاته صومه، و أمّا لو بلغ بعد الطلوع في أثناء النهار فلا يجب قضاؤه و إن كان أحوط، (91) و لو شكّ في كون البلوغ قبل الفجر أو بعده فمع الجهل بتأريخهما لم يجب القضاء، و كذا مع الجهل بتأريخ البلوغ، و أمّا مع الجهل بتأريخ الطلوع؛ بأن علم أنّه بلغ قبل ساعة مثلًا و لم يعلم أنّه كان قد طلع الفجر أم لا فالأحوط القضاء، و لكن في وجوبه إشكال، و كذا لا يجب على المجنون ما فات منه أيّام جنونه؛

______________________________

عن المتعارف إلى الأفراد الشائعة، شائع في أبواب الفقه. و في المقام يمتاز كل أربعة و عشرين ساعة من النهار، بدوران الشمس أو الأرض فيه دوراً كاملًا رحويّاً، بحيث ينطبق دائرة الافق فيه على دائرة معدّل النهار؛ و في ليله أيضاً تتحرّك النجوم كذلك، فيمكن تشخيص المواقيت فيه، هذا. و أمّا كون المدار بلد الشخص فلا وجه له بعد انتقاله منه إلى موضع آخر يخالفه في الحكم، كما لا وجه لتعيّن آخر الآفاق القريبة من القطبين أو آفاق مكّة و المدينة بلحاظ نزول الوحي فيهما.

و لعلّ الأوسط ملاحظة أوسط الآفاق، أعني مناطق خطّ الاستواء المتساوي فيها الليل و النهار دائماً.

(91) الأحوط لمن بلغ قبل الزوال و لم يفطر أن يصوم، و إن لم يفعل فالقضاء، و لا سيّما أن نوى الصوم حين الفجر. و كذا في المجنون و المغمى عليه إن أفاقا قبل الزوال

و لمّا يفطرا.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 331

من غير فرق بين ما كان من اللّٰه، أو من فعله على وجه الحرمة، أو على وجه الجواز، و كذا لا يجب على المغمى عليه؛ (92) سواء نوى الصوم قبل الإغماء (93) أم لا، و كذا لا يجب على من أسلم عن كفر، إلّا إذا أسلم قبل الفجر و لم يصم ذلك اليوم، فإنّه يجب عليه قضاؤه؛ و لو أسلم في أثناء النهار لم يجب عليه صومه و إن لم يأت بالمفطر، و لا عليه قضاؤه؛ من غير فرق بين ما لو أسلم قبل الزوال أو بعده؛ و إن كان الأحوط القضاء (94) إذا كان قبل الزوال.

[يجب على المرتدّ قضاء ما فاته أيّام ردّته]

(مسألة 1): يجب (95) على المرتدّ قضاء ما فاته أيّام ردّته؛ سواء كان عن ملّة أو فطرة.

[يجب القضاء على من فاته لسكر]

(مسألة 2): يجب القضاء على من فاته لسكر؛ من غير فرق بين ما كان للتداوي أو على وجه الحرام.

[يجب على الحائض و النفساء قضاء ما فاتهما]

(مسألة 3): يجب على الحائض و النفساء قضاء ما فاتهما حال الحيض و النفاس، و أمّا المستحاضة فيجب عليها الأداء و إذا فات منها فالقضاء.

______________________________

(92) الأحوط- فيما إذا كان بفعله و التفت إلى ترتّبه عليه- القضاء.

(93) الأحوط في هذه الصورة الإتمام، و إن أفاق بعد الزوال، و إن لم يفعل فالقضاء، لاحتمال كونه من قبيل النوم بعد النيّة.

(94) لا وجه لهذا الاحتياط إن أتى بالمفطر قبل إسلامه، و إن وجب الإمساك تأدّباً، بناءً على تكليفهم بالفروع.

نعم، إن لم يأتِ به قبل إسلامه و أسلم قبل الزوال، فالأحوط أن يصوم، و إن خالف فالقضاء.

(95) على الأحوط.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 332

[المخالف إذا استبصر]

(مسألة 4): المخالف إذا استبصر يجب عليه قضاء ما فاته، و أمّا ما أتى به على وفق مذهبه (96) فلا قضاء عليه.

[يجب القضاء على من فاته الصوم للنوم]

(مسألة 5): يجب القضاء على من فاته الصوم للنوم؛ بأن كان نائماً قبل الفجر إلى الغروب (97) من غير سبق نيّة، و كذا من فاته للغفلة كذلك.

[إذا علم أنّه فاته أيّام من شهر رمضان]

(مسألة 6): إذا علم أنّه فاته أيّام من شهر رمضان، و دار بين الأقلّ و الأكثر، يجوز له الاكتفاء بالأقلّ، (98) و لكنّ الأحوط قضاء الأكثر، خصوصاً (99) إذا كان الفوت لمانع؛ من مرض أو سفر أو نحو ذلك، و كان شكّه في زمان زواله؛ كأن يشكّ في أنّه حضر من سفره بعد أربعة أيّام أو بعد خمسة أيّام مثلًا من شهر رمضان.

[لا يجب الفور في القضاء و لا التتابع]

(مسألة 7): لا يجب الفور في القضاء و لا التتابع، نعم يستحبّ التتابع فيه و إن كان أكثر من ستّة، لا التفريق فيه مطلقاً أو في الزائد على الستّة.

[لا يجب تعيين الأيّام]

(مسألة 8): لا يجب تعيين الأيّام، فلو كان عليه أيّام فصام بعددها كفى؛ و إن لم يعيّن الأوّل و الثاني و هكذا، بل لا يجب الترتيب أيضاً، فلو نوى الوسط أو الأخير تعيّن و يترتّب عليه أثره.

[لو كان عليه قضاء من رمضانين]

(مسألة 9): لو كان عليه قضاء من رمضانين فصاعداً يجوز قضاء اللاحق قبل السابق،

______________________________

(96) أو المذهب الحقّ و حصل منه قصد القربة.

(97) بل إلى الزوال، و إن كان أحوط بالنسبة إلى ما بعده الصيام، ثمّ القضاء.

(98) إلّا إذا علم سابقاً بمقدارها ثمّ نسيها، إذا الأحوط في هذه الصورة الإتيان بمقدار يطمئنّ بالفراغ، و لا سيّما مع استناد النسيان إلى التقصير و المسامحة.

(99) لا يترك في هذه الصورة.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 333

بل إذا تضيّق اللاحق بأن صار قريباً من رمضان آخر كان الأحوط (100) تقديم اللاحق، و لو أطلق في نيّته انصرف إلى السابق (101) و كذا في الأيّام.

[لا ترتيب بين صوم القضاء و غيره]

(مسألة 10): لا ترتيب بين صوم القضاء و غيره من أقسام الصوم الواجب كالكفّارة و النذر و نحوهما، نعم لا يجوز التطوّع بشي ء لمن عليه صوم واجب (102) كما مرّ.

[إذا اعتقد أنّ عليه قضاءً فنواه]

(مسألة 11): إذا اعتقد أنّ عليه قضاءً فنواه، ثمّ تبيّن بعد الفراغ فراغ ذمّته لم يقع لغيره، و أمّا لو ظهر له في الأثناء، فإن كان بعد الزوال لا يجوز العدول إلى غيره، (103) و إن كان قبله فالأقوى جواز تجديد النيّة لغيره و إن كان الأحوط عدمه.

[إذا فاته شهر رمضان أو بعضه بمرض أو حيض]

(مسألة 12): إذا فاته شهر رمضان أو بعضه بمرض أو حيض أو نفاس و مات فيه لم يجب القضاء عنه، (104) و لكن يستحبّ النيابة عنه (105) في أدائه،

______________________________

(100) لا يترك.

(101) إذ اللاحق يمتاز بخصوصية و المفروض عدم قصدها، و السابق يكفيه قصد الجامع، التعبير بالانصراف نحو مسامحة.

(102) قد مرّ أنّ إسراء الحكم إلى غير قضاء رمضان مبنيّ على الاحتياط.

(103) الظاهر جواز تجديد النيّة بعد الزوال للمندوب، و قبل الزوال مطلقاً للواجب الموسّع، و مع الجهل و النسيان في المضيّق و ليس من قبيل العدول.

(104) و لكن لو فاته بسفر ثمّ مات فالأقوى وجوب القضاء عنه، لورود الروايات به. «1»

(105) لا يخلو من إشكال، و إن أمكن استفادة ذلك من إطلاقات القضاء عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 329، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 334

و الأولى أن يكون بقصد إهداء الثواب.

[إذا فاته شهر رمضان أو بعضه]

(مسألة 13): إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لعذر و استمرّ إلى رمضان آخر، فإن كان العذر هو المرض سقط قضاؤه على الأصحّ، و كفّر عن كلّ يوم بمدّ، و الأحوط مدّان، و لا يجزي القضاء عن التكفير، نعم الأحوط (106) الجمع بينهما، و إن كان العذر غير المرض، كالسفر و نحوه فالأقوى وجوب القضاء، و إن كان الأحوط (107) الجمع بينه و بين المدّ، و كذا إن كان سبب الفوت هو المرض و كان العذر في التأخير غيره مستمرّاً من حين برئه إلى رمضان آخر أو العكس، فإنّه يجب القضاء أيضاً في هاتين الصورتين على الأقوى، و الأحوط الجمع خصوصاً في الثانية.

[إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لا لعذر]

(مسألة 14): إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لا لعذر، بل كان متعمّداً في الترك، و لم يأت بالقضاء إلى رمضان آخر، وجب عليه الجمع (108) بين الكفّارة و القضاء بعد الشهر، و كذا إن فاته لعذر و لم يستمرّ ذلك العذر، بل ارتفع في أثناء السنة، و لم يأت به إلى رمضان آخر متعمّداً و عازماً على الترك أو متسامحاً، و اتّفق العذر عند الضيق، فإنّه يجب حينئذٍ الجمع، و أمّا إن كان عازماً على القضاء بعد ارتفاع العذر فاتّفق العذر عند الضيق،

______________________________

الحيّ و الميّت، فراجع. «1» فإنّ ظاهر كلمة «عن» النيابة.

(106) استحباباً.

(107) لا يترك، و كذا فيما بعده من الصورتين.

(108) على الأحوط، مضافاً إلى كفّارة العمد.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 8: 276، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 335

فلا يبعد (109) كفاية القضاء، لكن لا يترك الاحتياط بالجمع أيضاً، و لا فرق فيما ذكر بين كون العذر هو المرض أو غيره، فتحصّل ممّا ذكر في هذه المسألة

و سابقتها: أنّ تأخير القضاء إلى رمضان آخر إمّا يوجب الكفّارة فقط و هي الصورة الاولى المذكورة في المسألة السابقة، و إمّا يوجب القضاء فقط و هي بقيّة الصور المذكورة (110) فيها، و إمّا يوجب الجمع بينهما و هي الصور المذكورة في هذه المسألة، نعم الأحوط الجمع في الصور المذكورة في السابقة أيضاً كما عرفت.

[حكم استمرار المرض إلى ثلاث سنين]

(مسألة 15): إذا استمرّ المرض إلى ثلاث سنين- يعني الرمضان الثالث- وجبت كفّارة للُاولى و كفّارة اخرى للثانية و يجب عليه القضاء للثالثة إذا استمرّ إلى آخرها ثمّ برئ، و إذا استمرّ إلى أربع سنين وجبت للثالثة أيضاً، و يقضي للرابعة إذا استمرّ إلى آخرها- أي الرمضان الرابع- و أمّا إذا أخّر قضاء السنة الاولى إلى سنين عديدة، فلا تتكرّر الكفّارة بتكرّرها، بل تكفيه كفّارة واحدة.

[حكم إعطاء كفّارة أيّام لفقير واحد]

(مسألة 16): يجوز إعطاء كفّارة أيّام عديدة من رمضان واحد أو أزيد لفقير واحد، فلا يجب إعطاء كلّ فقير مدّاً واحداً ليوم واحد.

[عدم كفّارة العبد على سيّده]

(مسألة 17): لا تجب كفّارة العبد على سيّده؛ من غير فرق بين كفّارة التأخير و كفّارة الإفطار، ففي الاولى إن كان له مال و أذن له السيّد (111) أعطى من ماله، و إلّا استغفر بدلًا عنها، و في كفّارة الإفطار يجب عليه اختيار صوم شهرين مع عدم المال و الإذن من السيّد،

______________________________

(109) مشكل، فلا يترك الاحتياط.

(110) مرّ أنّ الأحوط فيها الجمع، و لا يترك.

(111) اعتبار إذنه فيما وجب بالشرع، محلّ إشكال.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 336

و إن عجز فصوم ثمانية عشر (112) يوماً، و إن عجز فالاستغفار.

[حكم تأخير القضاء إلى رمضان آخر]

(مسألة 18): الأحوط (113) عدم تأخير القضاء إلى رمضان آخر مع التمكّن عمداً؛ و إن كان لا دليل على حرمته.

[يجب على وليّ الميّت قضاء ما فاته]

(مسألة 19): يجب على وليّ الميّت قضاء ما فاته من الصوم لعذر؛ (114) من مرض أو سفر أو نحوهما، لا ما تركه عمداً، أو أتى به و كان باطلًا من جهة التقصير في أخذ المسائل؛ و إن كان الأحوط قضاء جميع ما عليه و إن كان من جهة الترك عمداً، نعم يشترط في وجوب قضاء ما فات بالمرض أن يكون قد تمكّن في حال حياته من القضاء و أهمل، و إلّا فلا يجب لسقوط القضاء حينئذٍ كما عرفت سابقاً، و لا فرق في الميّت بين الأب و الامّ على الأقوى، في الأوّل (115) و كذا لا فرق بين ما إذا ترك الميّت ما يمكن التصدّق به عنه و عدمه؛

______________________________

(112) بل مرّ أنّه يتصدّق بما يطيق مع الاستغفار، و مع العجز عن التصدّق بالكلّية كفاه الاستغفار.

(113) لا يترك، لظهور رواية الفضل بن شاذان «1» و لإشعار ألفاظ «التهاون» و «التضييع» و «الفداء» بذلك. «2»

(114) بل مطلقاً، و إن كان الحكم فيما كان عن عصيان و طغيان مبنيّاً على الاحتياط.

(115) بل على الأحوط في الامّ.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 338، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 8.

(2) فراجع: وسائل الشيعة 10: 337، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 25، الحديث 6 و 8 و 11.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 337

و إن كان الأحوط (116) الصدقة عنه برضا الوارث مع القضاء، و المراد بالوليّ هو الولد الأكبر (117) و إن كان طفلًا أو مجنوناً (118) حين الموت، بل و إن كان حملًا.

[حكم ما إذا لم يكن للميّت ولد]

(مسألة 20): لو لم يكن للميّت ولد لم يجب القضاء على أحد من الورثة؛ (119) و إن كان الأحوط قضاء أكبر الذكور من

الأقارب عنه.

[حكم تعدّد الوليّ]

(مسألة 21): لو تعدّد الوليّ اشتركا، (120) و إن تحمّل أحدهما كفى عن الآخر، كما أنّه لو تبرّع أجنبي سقط عن الوليّ.

[للوليّ أن يستأجر من يصوم عن الميّت]

(مسألة 22): يجوز للوليّ أن يستأجر من يصوم عن الميّت، و أن يأتي به مباشرة، و إذا استأجر و لم يأت به المؤجر أو أتى به باطلًا لم يسقط عن الوليّ.

[شكّ الوليّ في اشتغال ذمّة الميّت]

(مسألة 23): إذا شكّ الوليّ في اشتغال ذمّة الميّت و عدمه لم يجب عليه شي ء، و لو علم به إجمالًا و تردّد بين الأقلّ و الأكثر جاز له الاقتصار على الأقلّ.

______________________________

(116) لا يترك، و لكن من سهام كبار الورثة.

(117) الأحوط أن يأتي به أكبر الذكور ممّن يرثه فعلًا على ترتيب طبقات الإرث، و يشارك الأب لو كان حيّاً مع الولد الأكبر من الذكور؛ و راجع ما علّقناه في قضاء الوليّ من كتاب الصلاة فإنّهما من باب واحد.

(118) مشكل، و لا سيّما مع إطباق الجنون و استمراره، إذ المستفاد من مجموع الأخبار المسألة أنّ توجّه التكليف إليه يكون بملاك كونه وليّاً للميّت حين موته؛ و المجنون بل الصبيّ أيضاً لا يعدّان من أوليائه، لا عرفاً و لا شرعاً.

(119) مرّ الاحتياط في ذلك.

(120) و يحتمل كونه بنحو الوجوب الكفائي، و كيف كان: فإتيان أحدهما يسقط عن الآخر.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 338

[حكم إيصاء الميّت باستئجار ما عليه من الصوم]

(مسألة 24): إذا أوصى الميّت باستئجار ما عليه من الصوم أو الصلاة سقط عن الوليّ؛ بشرط أداء الأجير صحيحاً، (121) و إلّا وجب عليه.

[لو علم أنّه كان عليه القضاء و شكّ في إتيانه]

(مسألة 25): إنّما يجب على الوليّ قضاء ما علم اشتغال ذمّة الميّت به، أو شهدت به البيّنة، أو أقرّ به عند موته، (122) و أمّا لو علم أنّه كان عليه القضاء و شكّ في إتيانه حال حياته أو بقاء شغل ذمّته، فالظاهر عدم الوجوب (123) عليه باستصحاب بقائه، نعم لو شكّ هو في حال حياته و أجرى الاستصحاب أو قاعدة الشغل و لم يأت به حتّى مات، فالظاهر وجوبه على الوليّ. (124)

[اختصاص ما وجب على الوليّ بقضاء شهر رمضان]

(مسألة 26): في اختصاص ما وجب على الوليّ بقضاء شهر رمضان، أو عمومه لكلّ صوم واجب (125) قولان؛ مقتضى إطلاق بعض الأخبار الثاني و هو الأحوط. (126)

[لا يجوز لصائم قضاء شهر رمضان الإفطار بعد الزوال]

(مسألة 27): لا يجوز لصائم قضاء شهر رمضان- إذا كان عن نفسه- الإفطار بعد الزوال، بل تجب عليه الكفّارة به، و هي كما مرّ: إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ، و مع العجز عنه صيام ثلاثة أيّام، (127) و أمّا إذا كان عن غيره، بإجارة أو تبرّع فالأقوى

______________________________

(121) و لو بالحمل على الصحّة.

(122) على الأحوط، إذ يشكل نفوذه بالنسبة إلى الغير و لا سيّما مع الاتّهام.

(123) بل الظاهر الوجوب بالاستصحاب.

(124) و لكن لو أحرز اشتباه الميّت و أنّه لا يجب عليه واقعاً لم يجب على الوليّ.

(125) يعني على نفسه، لا عن غيره.

(126) بل الأقوى.

(127) متتابعات على الأحوط.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 339

جوازه و إن كان الأحوط (128) الترك، كما أنّ الأقوى الجواز في سائر أقسام الصوم الواجب الموسّع و إن كان الأحوط (129) الترك فيها أيضاً، و أمّا الإفطار قبل الزوال فلا مانع منه حتّى في قضاء شهر رمضان عن نفسه، إلّا مع التعيّن بالنذر أو الإجارة أو نحوهما، أو التضيّق بمجي ء رمضان آخر؛ إن قلنا بعدم جواز التأخير إليه، كما هو المشهور. (130)

[فصل: في صوم الكفّارة]

اشارة

فصل: في صوم الكفّارة

و هو أقسام:

[منها: ما يجب فيه الصوم مع غيره]

منها: ما يجب فيه الصوم مع غيره، و هي كفّارة قتل العمد (131) و كفّارة من أفطر على محرّم (132) في شهر رمضان، فإنّه تجب فيهما الخصال الثلاث.

[و منها: ما يجب فيه الصوم بعد العجز عن غيره]

و منها: ما يجب فيه الصوم بعد العجز عن غيره، و هي كفّارة الظهار و كفّارة قتل الخطأ، فإنّ وجوب الصوم فيهما بعد العجز عن العتق، و كفّارة الإفطار في قضاء رمضان، فإنّ الصوم فيها بعد العجز عن الإطعام كما عرفت، و كفّارة اليمين و هي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم و بعد العجز عنها فصيام ثلاثة أيّام، و كفّارة صيد النعامة، (133)

______________________________

(128) لا يترك.

(129) لا يترك.

(130) و قد مرّ أنّه الأحوط.

(131) وجوبها في صورة القصاص مشكل، و لكنّه أحوط.

(132) على الأحوط، كما مرّ.

(133) في كفّارة صيد النعامة و البقر الوحشي و الغزال، إن عجز عن البدنة

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 340

و كفّارة صيد البقر الوحشي، و كفّارة صيد الغزال، فإنّ الأوّل تجب فيه بدنة و مع العجز عنها صيام ثمانية عشر يوماً، و الثاني يجب فيه ذبح بقرة و مع العجز عنها صوم تسعة أيّام، و الثالث يجب فيه شاة و مع العجز عنها صوم ثلاثة أيّام، و كفّارة الإفاضة من عرفات قبل الغروب عمداً؛ و هي بدنة و بعد العجز عنها صيام ثمانية عشر يوماً، و كفّارة خدش المرأة وجهها (134) في المصاب حتّى أدمته، و نتفها رأسها فيه، و كفّارة شقّ الرجل ثوبه على زوجته أو ولده، فإنّهما ككفّارة اليمين.

[و منها: ما يجب فيه الصوم مخيّراً]

و منها: ما يجب فيه الصوم مخيّراً بينه و بين غيره، و هي كفّارة الإفطار في شهر رمضان، و كفّارة الاعتكاف، (135) و كفّارة النذر (136) و العهد، و كفّارة جزّ المرأة شعرها في المصاب، فإنّ كلّ هذه مخيّرة بين الخصال الثلاث على الأقوى، و كفّارة حلق الرأس في

______________________________

و البقرة و الشاة فضّ ثمنها على الطعام بتفصيل ذكر

في محلّه، فإن عجز عن ذلك وصلت النوبة إلى الصيام. فراجع «الوسائل» كتاب الحجّ، الباب 2 من أبواب كفّارات الصيد.

(134) على الأحوط؛ و كذا في نتفها رأسها و جزّها شعرها و شقّ الرجل ثوبه.

و مستند الجميع خبر خالد بن سدير و هو مجهول، و لكن أفتى به المشهور، فراجع. «1»

(135) أي الجماع حال الاعتكاف، و قد مرّ أنّ الأحوط فيه الترتيب، لظهور صحيحتي زرارة و أبي ولّاد. «2»

(136) مرّ أنّ الأحوط فيه اختيار العتق، أو الإطعام ستّين مسكيناً، ليعمل بالقول

الآخر أيضاً من كون كفّارته كفّارة اليمين.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 22: 402، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات، الباب 31.

(2) وسائل الشيعة 10: 546 و 548، كتاب الاعتكاف، الباب 6، الحديث 1 و 6.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 341

الإحرام و هي دم شاة أو صيام ثلاثة أيّام أو التصدّق على ستّة مساكين لكلّ واحد مدّان.

[و منها: ما يجب فيه الصوم مرتّباً]

و منها: ما يجب فيه الصوم مرتّباً على غيره مخيّراً بينه و بين غيره، و هي كفّارة الواطئ أمته المحرمة بإذنه، فإنّها بدنة أو بقرة (137) و مع العجز فشاة أو صيام ثلاثة أيّام.

[يجب التتابع في صوم شهرين من كفّارة الجمع]

(مسألة 1): يجب التتابع في صوم شهرين من كفّارة الجمع أو كفّارة التخيير، (138) و يكفي في حصول التتابع فيهما صوم الشهر الأوّل و يوم من الشهر الثاني، و كذا يجب التتابع في الثمانية عشر (139) بدل الشهرين، بل هو الأحوط في صيام سائر الكفّارات و إن كان في وجوبه فيها تأمّل و إشكال. (140)

[إذا نذر صوم شهر أو أقلّ أو أزيد]

(مسألة 2): إذا نذر صوم شهر أو أقلّ أو أزيد لم يجب التتابع، إلّا مع الانصراف، أو اشتراط التتابع فيه.

[إذا فاته النذر المعيّن]

(مسألة 3): إذا فاته النذر المعيّن (141) أو المشروط فيه التتابع، فالأحوط في قضائه التتابع أيضاً.

[من وجب عليه الصوم اللازم فيه التتابع]

(مسألة 4): من وجب عليه الصوم اللازم فيه التتابع، لا يجوز أن يشرع فيه في زمان

______________________________

(137) أو شاة- كما يظهر من النصّ- «1» فالتخيير أوّلًا بين الثلاث و مع العجز بين الاثنين، و كون الصيام هنا ثلاثة مبنيّ على الاحتياط.

(138) أو الترتيب.

(139) على الأحوط.

(140) لا إشكال في وجوب الترتيب في كفّارة اليمين.

(141) المقيّد بالتتابع.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 13: 120، كتاب الحجّ، أبواب كفّارات الاستمتاع، الباب 8، الحديث 2.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 342

يعلم أنّه لا يسلم له؛ بتخلّل العيد أو تخلّل يوم يجب فيه صوم آخر من نذر أو إجارة أو شهر رمضان، فمن وجب عليه شهران متتابعان لا يجوز له أن يبتدأ بشعبان، بل يجب أن يصوم قبله يوماً أو أزيد من رجب، و كذا لا يجوز أن يقتصر على شوّال مع يوم من ذي القعدة أو على ذي الحجّة مع يوم من المحرّم؛ لنقصان الشهرين بالعيدين. نعم، لو لم يعلم من حين الشروع عدم السلامة فاتّفق، فلا بأس على الأصحّ و إن كان الأحوط (142) عدم الإجزاء، و يستثنى ممّا ذكرنا من عدم الجواز مورد واحد و هو صوم ثلاثة أيّام بدل هدي التمتّع إذا شرع فيه يوم التروية، فإنّه يصحّ و إن تخلّل بينها العيد، فيأتي بالثالث بعد العيد بلا فصل (143) أو بعد أيّام التشريق بلا فصل لمن كان بمنى، و أمّا لو شرع فيه يوم عرفة أو صام يوم السابع و التروية و تركه في عرفة لم يصحّ، و وجب الاستئناف كسائر موارد وجوب التتابع.

[كلّ صوم يشترط فيه التتابع إذا أفطر في أثنائه]

(مسألة 5): كلّ صوم يشترط فيه التتابع إذا أفطر في أثنائه لا لعذر اختياراً، يجب استئنافه، و كذا إذا شرع فيه في زمان يتخلّل فيه صوم

واجب آخر؛ من نذر و نحوه، و أمّا ما لم يشترط فيه التتابع و إن وجب فيه بنذر أو نحوه فلا يجب استئنافه، و إن أثم بالإفطار، كما إذا نذر التتابع في قضاء رمضان، فإنّه لو خالف و أتى به متفرّقاً صحّ و إن عصى من جهة خلف النذر.

[إذا أفطر في أثناء ما يشترط فيه التتابع]

(مسألة 6): إذا أفطر في أثناء ما يشترط فيه التتابع لعذر من الأعذار- كالمرض و الحيض و النفاس و السفر الاضطراري، دون الاختياري- لم يجب استئنافه، بل يبني على ما مضى، و من العذر ما إذا نسي النيّة حتّى فات وقتها؛ بأن تذكّر بعد الزوال، و منه

______________________________

(142) لا يترك، بل لعلّه الأقوى مع الالتفات و الترديد.

(143) على الأحوط؛ و في أصل الاستثناء كلام.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 343

أيضاً ما إذا نسي فنوى صوماً آخر و لم يتذكّر إلّا بعد الزوال، و منه أيضاً ما إذا نذر قبل تعلّق الكفّارة صوم كلّ خميس، (144) فإنّ تخلّله في أثناء التتابع لا يضرّ به و لا يجب عليه الانتقال إلى غير الصوم من الخصال في صوم الشهرين لأجل هذا التعذّر، نعم لو كان قد نذر صوم الدهر قبل تعلّق الكفّارة اتّجه الانتقال إلى سائر الخصال.

[من وجب عليه شهران متتابعان إذا صام شهراً و يوماً]

(مسألة 7): كلّ من وجب عليه شهران متتابعان من كفّارة معيّنة أو مخيّرة إذا صام شهراً (145) و يوماً متتابعاً يجوز له التفريق في البقيّة؛ و لو اختياراً لا لعذر، و كذا لو كان من نذر أو عهد لم يشترط فيه تتابع الأيّام جميعها (146) و لم يكن المنساق منه ذلك، و ألحق المشهور (147) بالشهرين الشهر المنذور فيه التتابع، فقالوا: إذا تابع في خمسة عشر يوماً منه يجوز له التفريق في البقيّة اختياراً، و هو مشكل، فلا يترك الاحتياط فيه

______________________________

(144) إن فرض تعلّق قصده و نذره بأصل طبيعة الصوم في يوم الخميس بلا لحاظ لون و عنوان خاصّ، فالظاهر عدم منافاته لصوم الكفّارة، بل يتداخل الواجبان في مقام الامتثال قهراً، و كذا في نذر صوم الدهر.

(145) الأحوط في صيام الشهر و الشهرين

الشروع من أوّل شهر هلالي و عدم الاكتفاء بالملفّق.

(146) بل قصد عنوان تتابع الشهرين على وزان ما في الكفّارات، و أمّا إذا قصد طبيعة الشهرين بنحو الإطلاق أعمّ من المتتابعين، فالظاهر عدم وجوب التتابع أصلًا.

(147) مستندهم رواية الفضيل «1» و موردها نذر صوم شهر من غير تعرّض للتتابع، و لا بأس بالعمل بها في موردها.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 376، كتاب الصوم، أبواب بقيّة الصوم الواجب، الباب 5، الحديث 1.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 344

بالاستئناف مع تخلّل الإفطار عمداً و إن بقي منه يوم، كما لا إشكال في عدم جواز التفريق اختياراً مع تجاوز النصف في سائر أقسام الصوم المتتابع.

[إذا بطل التتابع في الأثناء]

(مسألة 8): إذا بطل التتابع في الأثناء لا يكشف عن بطلان الأيّام السابقة، فهي صحيحة و إن لم تكن امتثالًا للأمر الوجوبي و لا الندبي؛ لكونها محبوبة في حدّ نفسها من حيث إنّها صوم، و كذلك الحال في الصلاة إذا بطلت في الأثناء، فإنّ الأذكار و القراءة صحيحة (148) في حدّ نفسها من حيث محبوبيتها لذاتها.

[فصل في أقسام الصوم]

اشارة

فصل: [أقسام الصوم]

أقسام الصوم أربعة: واجب، و ندب، و مكروه- كراهة عبادة- و محظور.

[الواجب أقسام]

و الواجب أقسام: صوم شهر رمضان، وصوم الكفّارة، وصوم القضاء، (149) وصوم بدل الهدي في حجّ التمتّع، وصوم النذر (150) و العهد و اليمين، و الملتزم بشرط أو إجارة،

______________________________

(148) فرق بين صوم تامّ و بين أجزاء الصلاة، فإنّ كلّ صوم بذاته عبادة مستقلّة مأمور بها بأمر ندبي و هو المقوّم لعباديّته، و هذا بخلاف أجزاء الصلاة، فتأمّل.

(149) عن نفسه أو عمّن هو وليّه.

(150) قد يقال: إنّ في مثل النذر و أخويه و الإجارة و نحوها ما هو الواجب عنوان الوفاء، لا الفعل الذي تعلّق به النذر و نحوه، و لكن في رواية الزهري الطويلة عن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال: «وصوم النذر واجب». «1»

______________________________

(1) الكافي 4: 85/ 1؛ الفقيه 2: 47/ 208؛ وسائل الشيعة 10: 377، كتاب الصوم، أبواب بقيّة الصوم الواجب، الباب 6، الحديث 1.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 345

وصوم اليوم الثالث من أيّام الاعتكاف، (151) أمّا الواجب فقد مرّ جملة منه.

[المندوب أقسام]

اشارة

و أمّا المندوب منه فأقسام:

منها: ما لا يختصّ بسبب مخصوص و لا زمان معيّن كصوم أيّام السنة عدا ما استثني- من العيدين و أيّام التشريق لمن كان بمنى- فقد وردت الأخبار الكثيرة في فضله من حيث هو و محبوبيته و فوائده، و يكفي فيه ما ورد في الحديث القدسي: «الصوم لي و أنا اجازي به» (152) و ما ورد من «أنّ الصوم جنّة من النار»، و «أنّ نوم الصائم عبادة و صمته تسبيح و عمله متقبّل و دعاؤه مستجاب»، و نعم ما قال بعض العلماء من أنّه لو لم يكن في الصوم إلّا الارتقاء عن حضيض حظوظ النفس البهيمية إلى ذروة التشبّه بالملائكة الروحانية لكفى به فضلًا و منقبةً و شرفاً.

______________________________

(151)

في «الوسائل» عن «الكافي» بسنده عن أبي عبد اللّه عليهما السلام في رجل نام عن العتمة فلم يقم إلى انتصاف الليل، قال: «يصلّيها و يصبح صائماً»، «1» و عن «الفقيه»: روي فيمن نام عن العشاء الآخرة إلى نصف الليل: «إنّه يقضي و يصبح صائماً عقوبة»، «2» و الأحوط عدم تركه.

(152) عبارة الحديث في رواية: «و أنا أجزئ به» «3» و في اخرى: «و أنا أجزي عليه». «4»

______________________________

(1) الكافي 3: 295/ 11؛ وسائل الشيعة 4: 216، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 29، الحديث 8.

(2) الفقيه 1: 142/ 658؛ وسائل الشيعة 4: 214، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 29، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 10: 400 و 403- 404، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 1، الحديث 15 و 16 و 27 و 33.

(4) وسائل الشيعة 10: 397، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 1، الحديث 7.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 346

و منها: ما يختصّ بسبب مخصوص، و هي كثيرة مذكورة في كتب الأدعية.

و منها: ما يختصّ بوقت معيّن (153) و هو في مواضع: منها: و هو آكدها صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر، فقد ورد أنّه يعادل صوم الدهر و يذهب بوحر الصدر، و أفضل كيفيّاته ما عن المشهور و يدلّ عليه جملة من الأخبار و هو أن يصوم أوّل خميس من الشهر و آخر خميس منه و أوّل أربعاء في العشر الثاني، و من تركه يستحبّ له قضاؤه، و مع العجز عن صومه- لكبر و نحوه- يستحبّ أن يتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام أو بدرهم. و منها: صوم أيّام البيض من كلّ شهر و هي الثالث عشر و الرابع عشر و الخامس عشر على

الأصحّ المشهور، و عن العمّاني أنّها الثلاثة المتقدّمة. و منها: صوم يوم مولد النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و هو السابع عشر من ربيع الأوّل على الأصحّ و عن الكليني أنّه الثاني عشر منه. و منها: صوم يوم الغدير، و هو الثامن عشر من ذي الحجّة. و منها: صوم يوم مبعث النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و هو السابع و العشرون من رجب. و منها: يوم دحو الأرض من تحت الكعبة، و هو اليوم الخامس و العشرون من ذي القعدة. و منها: يوم عرفة لمن لا يضعّفه الصوم عن الدعاء.

و منها: يوم المباهلة، (154) و هو الرابع و العشرون من ذي الحجّة. و منها: كلّ خميس و جمعة معاً أو الجمعة فقط. و منها: أوّل ذي الحجّة،

______________________________

(153) إقامة الدليل المقنع على بعضها لا تخلو من إشكال فالأولى، الإتيان بها بقصد القربة المطلقة، أو بقصد رجاء الثواب للخصوصية.

(154) في «المدارك»: «لم أقف في استحباب صوم هذا اليوم على نصّ بالخصوص». «1»

______________________________

(1) مدارك الأحكام 6: 269.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 347

بل كلّ يوم من التسع فيه. و منها: يوم النيروز. و منها: صوم رجب و شعبان؛ كلًاّ أو بعضاً و لو يوماً من كلّ منهما. و منها: أوّل يوم من المحرّم و ثالثه و سابعه. (155) و منها: التاسع و العشرون من ذي القعدة. و منها: صوم ستّة أيّام (156) بعد عيد الفطر بثلاثة أيّام أحدها العيد. و منها: يوم النصف من جمادى الاولى. (157)

[لا يجب إتمام صوم التطوّع]

(مسألة 1): لا يجب إتمام صوم التطوّع بالشروع فيه، بل يجوز له الإفطار إلى الغروب و إن كان يكره بعد الزوال.

[يستحبّ للصائم تطوّعاً قطع الصوم إذا دعاه أخوه المؤمن]

(مسألة 2): يستحبّ للصائم تطوّعاً قطع الصوم إذا دعاه أخوه المؤمن إلى الطعام، بل قيل بكراهته حينئذٍ.

[المكروه في مواضع]

و أمّا المكروه منه، بمعنى قلّة الثواب (158) ففي مواضع أيضاً:

منها: صوم عاشوراء. (159)

______________________________

(155) لم أقف على خبر في «سابعه» نعم، وردت رواية في «تاسعه». «1»

(156) فيه بحث يطلب من محلّه.

(157) لم أقف فيه على رواية.

(158) أو انطباق عنوان مرجوح عليه أو ملازمته له أو المزاحمة بما هو أفضل منه.

(159) الظاهر المستفاد من الأخبار- بعد ضمّ بعضها إلى بعض- استحباب صومه ذاتاً و كونه كفّارة ذنوب سنة، و لكنّ الأولى تركه بلحاظ انطباق عنوان التشبه ببني اميّة و التأسي بهم، و كونه محرّماً إن وقع بقصد الشكر و الشماتة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 457، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 20، الحديث 2.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 348

و منها: صوم عرفة لمن خاف أن يضعّفه عن الدعاء الذي هو أفضل من الصوم، و كذا مع الشكّ (160) في هلال ذي الحجّة خوفاً من أن يكون يوم العيد.

و منها: صوم الضيف بدون إذن مضيفه، و الأحوط تركه مع نهيه، بل الأحوط تركه مع عدم إذنه أيضاً.

و منها: صوم الولد بدون إذن والده، بل الأحوط تركه خصوصاً مع النهي، (161) بل يحرم إذا كان إيذاءً له من حيث شفقته عليه، و الظاهر جريان الحكم في ولد الولد (162) بالنسبة إلى الجدّ، و الأولى مراعاة إذن الوالدة، و مع كونه إيذاءً لها يحرم كما في الوالد.

[المحظور في مواضع]

و أمّا المحظور منه، ففي مواضع أيضاً:

أحدها: صوم العيدين- الفطر و الأضحى- و إن كان عن كفّارة القتل في أشهر الحرم، و القول بجوازه للقاتل شاذّ، و الرواية الدالّة عليه ضعيفة سنداً و دلالة. (163)

______________________________

بأهل البيت عليهم السلام. و لعلّ الأولى فيه مجرّد الإمساك حزناً، ثمّ الإفطار بعد صلاة العصر بشربة من

ماء، كما في خبر عبد اللّه بن سنان. «1»

(160) من باب حسن الاحتياط، لا الكراهة المصطلحة الناشئة عن حزازة الفعل.

(161) لا يترك الاحتياط حينئذٍ.

(162) على الأحوط.

(163) المراد بها صحيحة زرارة، و قد رويت بأسانيد بعضها صحيح و ظهورها أيضاً واضح، و لكن بعد شذوذها و إعراض الأكثر عن ظاهرها، تحمل على استثناء

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 458، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب، الباب 20، الحديث 7.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 349

الثاني: صوم أيّام التشريق؛ و هي الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر من ذي الحجّة لمن كان بمنى، و لا فرق على الأقوى (164) بين الناسك و غيره.

الثالث: صوم يوم الشكّ في أنّه من شعبان أو رمضان بنيّة أنّه من رمضان، و أمّا بنيّة أنّه من شعبان فلا مانع منه كما مرّ.

الرابع: صوم وفاء نذر المعصية؛ بأن ينذر الصوم إذا تمكّن من الحرام الفلاني أو إذا ترك الواجب الفلاني يقصد بذلك الشكر على تيسّره، و أمّا إذا كان بقصد الزجر عنه فلا بأس به، نعم يلحق بالأوّل في الحرمة ما إذا نذر الصوم زجراً عن طاعة صدرت منه أو عن معصية تركها.

الخامس: صوم الصمت؛ بأن ينوي في صومه السكوت عن الكلام في تمام النهار أو بعضه بجعله في نيّته من قيود صومه، (165) و أمّا إذا لم يجعله قيداً و إن صمت فلا بأس به، بل و إن كان في حال النيّة بانياً على ذلك؛ إذا لم يجعل الكلام جزءاً من المفطرات و تركه قيداً في صومه.

______________________________

العيد، فراجع. «1»

(164) بل على الأحوط.

(165) إطلاق أخبار المنع يشمل نيّة الإمساك عن الكلام فقط أيضاً بعنوان صوم شرعي، و إن لم ينوِ الإمساك عن سائر المفطرات،

فراجع. «2»

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 380، كتاب الصوم، أبواب بقيّة الصوم الواجب، الباب 8؛ و 29: 204، كتاب الديات، أبواب ديات النفس، الباب 3، الحديث 3 و 4.

(2) وسائل الشيعة 10: 523، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرّم و المكروه، الباب 5.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 350

السادس: صوم الوصال و هو صوم يوم و ليلة إلى السحر، أو صوم يومين بلا إفطار في البين، و أمّا لو أخّر الإفطار إلى السحر أو إلى الليلة الثانية مع عدم قصد جعل تركه جزءاً من الصوم فلا بأس به؛ و إن كان الأحوط عدم التأخير إلى السحر مطلقاً.

السابع: صوم الزوجة (166) مع المزاحمة لحقّ الزوج، و الأحوط تركه بلا إذن منه، بل لا يترك الاحتياط مع نهيه عنه و إن لم يكن مزاحماً لحقّه.

الثامن: صوم المملوك مع المزاحمة لحقّ المولى، و الأحوط تركه من دون إذنه، بل لا يترك الاحتياط مع نهيه.

التاسع: صوم الولد (167) مع كونه موجباً لتألّم الوالدين و أذيتهما.

العاشر: صوم المريض و من كان يضرّه الصوم.

الحادي عشر: صوم المسافر إلّا في الصور المستثناة على ما مرّ.

الثاني عشر: صوم الدهر حتّى العيدين، على ما في الخبر؛ و إن كان يمكن أن يكون من حيث اشتماله عليهما لا لكونه صوم الدهر من حيث هو.

[يستحبّ الإمساك تأدّباً في شهر رمضان]

(مسألة 3): يستحبّ الإمساك تأدّباً في شهر رمضان- و إن لم يكن صوماً- في مواضع:

أحدها: المسافر إذا ورد أهله أو محلّ الإقامة بعد الزوال مطلقاً أو قبله و قد أفطر، و أمّا إذا ورد قبله و لم يفطر فقد مرّ أنّه يجب عليه الصوم.

______________________________

(166) أي تطوّعاً، و لا يترك الاحتياط فيه مع المزاحمة لحقّ الزوج، و كذا في صوم المملوك تطوّعاً مع المزاحمة لحقّ

المولى أو نهيه.

(167) أي تطوّعاً، و لا يترك الاحتياط بتركه مع نهي الوالدين مطلقاً.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 351

الثاني: المريض إذا برئ في أثناء النهار و قد أفطر، و كذا لو لم يفطر إذا كان بعد الزوال، بل قبله، أيضاً على ما مرّ من عدم صحّة صومه و إن كان الأحوط (168) تجديد النيّة و الإتمام ثمّ القضاء.

الثالث: الحائض و النفساء إذا طهرتا في أثناء النهار.

الرابع: الكافر (169) إذا أسلم في أثناء النهار أتى بالمفطر أم لا.

الخامس: الصبي إذا بلغ في أثناء النهار.

السادس: المجنون و المغمى عليه إذا أفاقا في أثنائه.

______________________________

(168) لا يترك.

(169) الأحوط فيما إذا أسلم قبل الزوال و لم يفطر أن يصوم، و إن لم يفعل فالقضاء. و كذا في الصبيّ و المجنون و المغمى عليه إن كملوا قبل الزوال و لمّا يفطروا كما مرّ، و الأحوط للصبيّ أن يتمّه إن نواه حين الفجر و إن بلغ بعد الزوال.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 353

مصادر التحقيق

1- اثنا عشر رسالة. السيّد محمّد باقر ابن المير شمس الدين محمّد الحسيني الاسترآبادي المعروف بالميرداماد (م 1041)، مكتبة السيّد الداماد.

2- أجوبة المسائل الموصليات ضمن «رسائل الشريف المرتضى». أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى و علم الهدى (355- 436)، قم، منشورات دار القرآن الكريم، 1405.

3- أجوبة المسائل المهنائية. العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (648- 726)، الطبعة الاولى، قم، مطبعة الخيام، 1401.

4- أحكام القرآن. أبو بكر أحمد بن علي الجصّاص (م 370)، بيروت، نشر دار الكتاب العربي.

5- اختيار معرفة الرجال «رجال الكشي». أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385- 460)، مشهد المقدّسة، جامعة مشهد، 1348 ش.

6- الاستبصار فيما اختلف

من الأخبار. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385- 460)، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الرابعة، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1390.

7- إقبال الأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة. رضي الدين السيّد علي بن موسى بن

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 354

جعفر بن طاوس (589- 664)، طهران، دار الكتب الإسلامية، بالاوفست عن طبعته الحجرية.

8- الانتصار. السيّد المرتضى علم الهدى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي (355- 436)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1415.

9- بداية المجتهد و نهاية المقتصد. محمّد بن أحمد بن رشد القرطبي (520- 595)، الطبعة الاولى، قم، منشورات الشريف الرضي، 1412.

10- البيان. الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكي العاملي (م 786)، قم، مؤسسة الإمام المهدي الثقافية، 1412.

11- تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية. العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (648- 726)، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام، 1420.

12- تذكرة الفقهاء. العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (648- 726)، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1414.

13- تعليقات على منهج المقال. العلّامة البهبهاني، الطبعة الحجرية.

14- التنقيح الرائع لمختصر الشرائع. جمال الدين المقداد بن عبد اللّه السيوري الحلّي المعروف بالفاضل المقداد (م 826)، إعداد السيّد عبد اللطيف الكوهكمري، الطبعة الاولى، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1404.

15- التوحيد. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، الشيخ الصدوق (م 381)، تحقيق علي أكبر الغفاري و السيّد هاشم الحسيني الطهراني، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1398.

16- تهذيب الأحكام. أبو جعفر محمّد بن الحسن، الشيخ الطوسي (385- 460)، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1364 ش.

17-

جامع الاصول في أحاديث الرسول، محمّد بن الأثير الجزري (544- 606)، تحقيق

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 355

عبد القادر الأرناءوط، بيروت، دار الفكر، 1403- 1983.

18- جامع الرواة و إزاحة الاشتباهات عن الطرق و الأسناد. محمّد بن علي الأردبيلي (م 1101)، قم، منشورات مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1403.

19- جامع المقاصد في شرح القواعد. المحقّق الثاني علي بن الحسين بن عبد العالي الكركي (868- 940)، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1408- 1411.

20- الجامع للشرائع. نجيب الدين يحيى بن أحمد بن سعيد الحلّي الهذلي (601- 690)، قم، سيّد الشهداء عليه السلام، 1405.

21- الجعفريات أو الأشعثيات ضمن «قرب الإسناد». أبو العباس عبد اللّه بن جعفر الحميري القمي (م 304)، قم، مؤسسة الثقافة الإسلامية لكوشان پور، 1417.

22- الجعفرية ضمن «حياة المحقّق الكركي و آثاره». المحقّق الكركي علي بن الحسين بن عبد العالي (868- 940)، تحقيق محمّد الحسون، الطبعة الاولى، منشورات الاحتجاج، 1423.

23- جمل العلم و العمل ضمن «رسائل الشريف المرتضى». أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى و علم الهدى (355- 436)، قم، دار القرآن الكريم، 1405.

24- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام. الشيخ محمّد حسن بن باقر النجفي (م 1266)، إعداد عدّة من الفضلاء، الطبعة السادسة، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1398.

25- الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة. الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (1107- 1186)، قم مؤسسة النشر الإسلامي، 1406.

26- الخصال. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1403.

27- الخلاف. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385- 460)، قم، مؤسسة

النشر الإسلامي، 1407.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 356

28- دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية. المحقّق حسين علي المنتظري، الطبعة الاولى، قم، دار الفكر، 1411.

29- الدروس الشرعية في فقه الإمامية. الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكي العاملي (م 786)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1414.

30- دعائم الإسلام. القاضي نعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، بالاوفست عن طبعة القاهرة، دار المعارف، 1383.

31- ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد. المحقّق السبزواري محمّد باقر بن محمّد مؤمن (1017- 1090)، الطبعة الحجرية، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث.

32- ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة. الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكي العاملي (م 786)، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1414.

33- رجال الطوسي. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385- 460)، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1415.

34- رجال النجاشي. أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد النجاشي (372- 450)، تحقيق السيّد موسى الشبيري الزنجاني، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1407.

35- رجال علّامة «خلاصة الأقوال في معرفة الرجال». العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (648- 726)، تحقيق نشر الفقاهة، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1417.

36- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية. الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911- 966)، قم، مكتبة الداوري.

37- روضة المتقين في شرح أخبار الأئمّة المعصومين. العلّامة المولى محمّد تقي المجلسي (1003- 1070)، مؤسسة الثقافة الإسلامية لكوشان پور، 1393- 1399.

38- رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل. السيّد علي بن محمّد علي الطباطبائي (1161- 1231)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1412.

39-

السرائر الحاوي لتحرير الفتاوى. أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 357

(م 598)، الطبعة الثانية، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1410- 1411.

40- سنن ابن ماجة. أبو عبد اللّه محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني (م 275)، تحقيق فؤاد عبد الباقي، بيروت، دار الكتب العلمية.

41- سنن الترمذي. أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (209- 279)، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، الطبعة الثانية، بيروت، دار الفكر، 1403.

42- السنن الكبرى. أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (384- 458)، بيروت، دار المعرفة، 1408.

43- سنن النسائي. أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (214- 303)، بيروت، الطبعة الاولى، دار الفكر، 1348.

44- سنن أبي داود. أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (م 275)، بيروت، دار الجنان، 1409.

45- شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام. المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهذلي (602- 676)، تحقيق عبد الحسين محمّد علي، الطبعة الاولى، بيروت، منشورات دار الأضواء، 1403.

46- الصحاح. إسماعيل بن حمّاد الجوهري (م 393)، تحقيق أحمد عبد الغفور عطّار، الطبعة الثانية، بيروت، دار العلم للملايين، 1399.

47- صحيح البخاري، أبو عبد اللّه محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي (م 256)، الطبعة الاولى، بيروت، دار القلم، 1407.

48- صحيح مسلم. أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيشابوري (206- 261)، الطبعة الاولى، بيروت، مؤسسة عزّ الدين، 1407.

49- الصوم ضمن «تراث الشيخ الأعظم». الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري الدزفولي (1214- 1281)، قم، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري، 1418.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 358

50- الطهارة ضمن «تراث الشيخ الأعظم». الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري الدزفولي (1214-

1281)، قم، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري، 1418.

51- العروة الوثقى. السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي، مع تعليقات عدّة من الفقهاء العظام (قدس سرّهم)، تحقيق أحمد المحسني السبزواري، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1421.

52- علل الشرائع. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، الطبعة الاولى، النجف الأشرف، المكتبة الحيدرية، 1386.

53- عوالي اللآلى العزيزية في الأحاديث الدينية. محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي، ابن أبي جمهور (م أوائل القرن العاشر)، تحقيق مجتبى العراقي، الطبعة الاولى، قم، مطبعة سيّد الشهداء عليه السلام، 1403.

54- عيون أخبار الرضا عليه السلام. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، الشيخ الصدوق (م 381)، تصحيح السيّد مهدي الحسيني اللاجوردي، الطبعة الثانية، منشورات جهان.

55- غنية النزوع إلى علم الاصول و الفروع. السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي (511- 585)، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام، 1417.

56- فرائد الاصول ضمن «تراث الشيخ الأعظم». الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري الدزفولي (1214- 1281)، قم، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري، 1418.

57- فقه القرآن. قطب الدين أبو الحسن سعيد بن هبة اللّٰه الراوندي (م 573)، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1405.

58- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام. تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاولى، المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام، 1410.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 359

59- الفقيه «كتاب من لا يحضره الفقيه». أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، تحقيق علي أكبر الغفاري، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1390.

60-

الفهرست. أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385- 460)، تحقيق نشر الفقاهة، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1417.

61- قاموس الرجال. الشيخ محمّد تقي التستري (1320- 1415)، الطبعة الاولى، طهران، مركز نشر الكتاب، 1379- 1391.

62- قرب الإسناد. أبو العباس عبد اللّه بن جعفر الحميري القمي (م بعد 304)، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1413.

63- قواعد الأحكام في مسائل الحلال و الحرام. العلّامة الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي (648- 726)، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1413.

64- الكافي. ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن إسحاق الكليني الرازي (م 329)، تحقيق علي أكبر الغفاري، الطبعة الثالثة، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1388.

65- الكافي في الفقه. تقي الدين بن نجم أبو الصلاح الحلبي (374- 447)، تحقيق رضا الاستادي، أصفهان، مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، 1403.

66- كتاب العين. أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (100- 175)، تحقيق مهدي المخزومي و إبراهيم السامرائي، بيروت، دار و مكتبة الهلال.

67- كشف الرموز في شرح المختصر النافع. زين الدين أبو علي الحسن بن أبي طالب ابن أبي المجد اليوسفي المعروف بالفاضل و المحقّق الآبي (م بعد 672)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1408.

68- كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء. الشيخ جعفر بن خضر المعروف بكاشف الغطاء (م 1227)، تحقيق مكتب الإعلام الإسلامي في خراسان، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1422.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 360

69- كفاية الأحكام. محمّد مؤمن الشريف الخراساني المحقّق السبزواري (1017- 1090)، تحقيق الشيخ مرتضى الواعظي الأراكي، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1423.

70- كنز العمال في سنن الأقوال و الأفعال. علاء الدين

المتّقي بن حسام الدين الهندي، الطبعة الاولى، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1409.

71- لسان العرب. أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري (م 711)، بيروت، دار صادر، بالاوفست عن طبعة البولاق بمصر.

72- المبسوط. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385- 460)، طهران، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، 1387- 1393.

73- مجمع الفائدة و البرهان في شرح إرشاد الأذهان. أحمد بن محمّد المحقّق الأردبيلي (م 993)، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1402- 1414.

74- المجموع شرح المهذّب. أبو زكريا يحيى بن شرف النووي الشافعي (م 676)، بيروت، دار الفكر.

75- المحاسن. أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 274 أو 280)، تحقيق جلال الدين الحسيني، المحدّث الارموي، الطبعة الثانية، قم، دار الكتب الإسلامية.

76- المحكم و المتشابه. السيّد المرتضى علم الهدى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي (355- 436)، قم، منشورات دار الشبستري.

77- المختصر النافع. أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلّي (602- 676)، قم، منشورات مؤسسة المطبوعات الديني، 1368 ش.

78- مختلف الشيعة في أحكام الشريعة. العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (648- 726)، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1412- 1418.

79- مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام. السيّد محمّد بن علي الموسوي العاملي (م 1009)، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1410.

80- المراسم في فقه الإمامي. حمزة بن عبد العزيز الديلمي الملقب بسلّار (م 463)، قم، منشورات حرمين، 1404.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 361

81- مسائل الناصريات. علم الهدى السيّد علي بن الحسين بن موسى الشريف المرتضى (355- 436)، تحقيق مركز البحوث و الدراسات العلمية، مؤسسة الهدى، 1417.

82- مسائل علي بن جعفر و مستدركاتها. تحقيق مؤسسة

آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1409.

83- مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام. زين الدين علي العاملي الجبعي المعروف بالشهيد الثاني (911- 965)، قم، مؤسسة المعارف الإسلامية، 1418.

84- مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل. الحاج الميرزا حسين المحدّث النوري (1254- 1320)، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1407.

85- مستمسك العروة الوثقى. السيّد محسن الطباطبائي الحكيم (1306- 1390)، قم، مؤسسة إسماعيليان، 1411.

86- مسند أحمد. أحمد بن محمّد بن حنبل (164- 241)، تحقيق حمزة أحمد الزين، الطبعة الاولى، القاهرة، دار الحديث، 1416.

87- مصباح الفقيه. الحاج آقا رضا بن محمّد هادي الهمداني النجفي (م 1322)، قم، الطبعة الاولى، المؤسسة الجعفرية لإحياء التراث، 1417.

88- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير. أحمد بن محمّد بن علي المقري الفيّومي (م 770)، قم، منشورات دار الهجرة، 1405.

89- معاني الأخبار. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، الشيخ الصدوق (م 381)، تحقيق علي أكبر الغفاري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1361.

90- المعتبر في شرح المختصر. المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهذلي (602- 676)، قم، مؤسسة سيّد الشهداء عليه السلام، 1364 ش.

91- معجم رجال الحديث و تفصيل طبقات الرواة. السيّد أبو القاسم بن سيّد علي أكبر الموسوي الخوئي (1317- 1413)، قم، منشورات مدينة العلم، 1403.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 362

92- المغني. أبو محمّد عبد اللّه بن أحمد بن محمّد بن قدامة (م 620)، بيروت، دار الكتب العربي.

93- مفاتيح الشرائع. المولى محسن الفيض الكاشاني (م 1091)، تحقيق السيّد مهدي رجائي، قم، مطبعة الخيام، 1401.

94- مفتاح الكرامة في شرح

قواعد العلّامة. السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي، تحقيق الشيخ محمّد باقر الخالصي، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1419.

95- المفردات في غريب القرآن. حسين بن محمّد المفضّل الراغب الأصفهاني (م 425)، طهران، المكتبة المرتضوية.

96- المقاصد العليّة في شرح الرسالة الألفية. الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911- 966)، الطبعة الاولى، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1420.

97- المقنع. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، قم، مؤسسة الإمام الهادي عليه السلام، 1415.

98- المقنعة. أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (م 413)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1410.

99- منتهى المطلب في تحقيق المذهب. العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (648- 726)، الطبعة الاولى، المشهد الرضوية، مؤسسة الطبع التابعة للآستانة الرضوية المقدسة، 1424.

100- منتهى المقال في أحوال الرجال. أبو علي الحائري و الشيخ محمّد بن إسماعيل المازندراني (م 1216)، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1416.

101- المنجد «المنجد في اللغة و الأعلام». اشترك في تأليفه عدّة من المحقّقين، بيروت، دار المشرق.

102- الموجز ضمن «الرسائل العشر». أبو العباس أحمد بن شمس الدين محمّد بن فهد الحلّي الأسدي (757- 841)، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1409.

103- الموطّأ. أبو عبد اللّه مالك بن أنس بن مالك (93- 179)، مصر، 1370.

كتاب الصوم (للمنتظري)، ص: 363

104- المهذّب البارع في شرح المختصر النافع. العلّامة أبو العباس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (757- 841)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1411.

105- نجاة العباد في يوم المعاد. الشيخ محمّد حسن بن باقر النجفي (م 1266)، الطبعة الحجرية.

106- نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى «كتاب النوادر».

أبو جعفر أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري القمي (من أعلام القرن الثالث)، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام، 1408.

107- النهاية. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385- 460)، قم، منشورات قدس.

108- الوافي. محمّد بن المرتضى المولى محسن المعروف بالفيض الكاشاني (1007- 1091)، أصفهان، مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، 1412.

109- وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة. الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033- 1104)، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، 1409.

110- الوسيلة إلى نيل الفضيلة. عماد الدين أبو جعفر محمّد بن علي بن الطوسي المعروف بابن حمزة (القرن السادس)، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1408.

111- الهداية. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة الإمام الهادي عليه السلام، 1418.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.